رابعه المصرية مشرف عام
عدد المساهمات : 2051 نقاط : 18586 التفاعل مع الاعضاء : 45 تاريخ التسجيل : 06/11/2010
| موضوع: صفوة الاعتقاد بالله..قصه حقيقية الثلاثاء مايو 03, 2011 12:14 pm | |
| بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال الحافظ ابن السَّمعاني : وَفدَ جماعةٌ من طلبةِ الحديثِ إلى الإمامِ الزَّاهد الحسن بن سفيان النِّسوي فقال لهم : قد علمت أنَّكُم طائفةٌ من أبناء أهلِ النِّعم وأهلِ الفضل ، هَجرتُم أوطانَكُم ، وفارَقتُم ديارَكم وأصحابَكم في طلبِ العلمِ واستفادةِ الحديثِ ، فلا يَخْطُرَنَّ ببالكُم أنَّكم قَضيتُم بهذا التَجَشُّمِ للعلمِ حقاً ، وأديتُم بما تَحمَّلتُم من الكَلَفِ والمشَّقةِ من فُروضهِ فرضاً ، فإنِّي أُحَدّثكُم بِبعضِ ما تَحملتُهُ في طَلب العلمِ من المشقةِ والجهدِ ، وما كشف الله سبحانه وتعالى عَنِّي وعن أصحَابي بِبركَةِ العلمِ وصَفْوَةِ العقيدةِ من الضِّيق والضَّنك . اعلموا : أَنِّي كنت في عُنفوان شبابي ارتحلتُ من وَطني لطلبِ العلمِ والحديثِ ، فاتَفَق حُصُولي بأقصى المغربِ ، وحُلُولي بمصرَ في تِسعةِ نفرٍ من أصْحابي مِنْ طالبي العلم وسامعي الحديث . وكُنَّا نَختَلفُ إلى شَيخٍ كانَ أرفَعَ أهلِ عَصرهِ في العلمِ منزلةً وأرواهُم للحديث ، وأعلاهُم إسناداً وأصَحَّهم رِوايةً . فكان يُملي علينا كُلَ يومٍ مِقداراً يسيراً من الحديثِ حتى طالت المُدَّةُ وخَفَّت النفقةُ ، ودعتنا الضَرورةُ إلى بيعِ ما عندنا حتى أدَّى ذلك بِنا إلى أن طَوَينا ثلاثة أيامٍ بلياليها جوعاً وسوء حالةٍ . وأصبحنا بُكرةَ يوم الرابع بحيث لا حِراك لأَحدٍ من جُملتِنا من الجوعِ وضَعفِ الأطرافِ ، وأحوَجَتِ الضرورةُ إلى كَشفِ قِناعِ الحِشْمةِ ، وبذلِ الوجوهِ للسؤالِ . فلم تَسمح أنفُسُنا بِذلكَ ، ولم تَطِبْ قُلوبُنا به ، وأَنِفَ كُلُّ واحدٍ منَّا من ذلك ، والضَرورةُ تُحوِجُ إلى السؤالِ على كُلِّ حال . فوقع اختيارُ الجَماعةِ على كَتبِ رِقاعٍ باسمِ كُلِّ واحدٍ منّا وإرسالها قُرعةً ، فمن ارتفع اسمُه عن الرِقاع ؛ كان هو القائمَ بالسؤال لأصحابهِ . فارتفعتِ الرقعةُ التي اشتملتْ على اسمي ، فَتَحَيَّرتُ ولم تُسامحني نفسي بالمسألةِ ، واحتِمالِ المذَلّة . فَعَدلتُ إلى زاويةٍ من المسجدِ أُصلي رَكعتينِ طَويلتينِ ، قد اقترنَ الاعتقادُ فيها بالإخلاص ، أدعو الله سُبحانه بأسمائهِ العظامِ وكلماتهِ الرفيعةِ ؛ لِكشفِ الضُّر وإساقةِ الفَرَج . فلم أفْرُغْ بَعْدُ عن إتمام الصلاة ؛ حتى دَخل المسجد شابٌ حَسَنُ الوَجه نَظيفُ الثياب طَيِّبُ الرائحةِ ، يَتْبَعُهُ خادمٌ في يَدِهِ منديلٌ . فقال : مَنْ مِنْكُمُ الحسنُ بن سفيان ؟ فَرَفَعْتُ رأسي من السجدةِ فقلت : أنا الحسنُ بنُ سفيان ، فَما الحاجة ؟ فقال : إنَّ الأميرَ ابن طولون يُقرِئُكمُ السلامَ ، ويَعْتذِرُ إليكم في الغَفلةِ عن تَفَقُّد أحوالكُم ، والتَّقصيِر الواقعِ في رعايةِ حُقُوقِكُم . وقد بَعثَ نفقةً في الوقت ، وهو زائِرُكُم غداً بنفسهِ ، معتذرٌ إليكم . ووضَعَ بين يَدي كُلِ واحدٍ مِنّا صُرةً فيها مئةُ دينار ، فَتَعجَّبنا من ذلك وتحيرنا ، وقلتُ للشابِ : ما القِصَّةُ ؟ فقال : أنا أحدُ خُدَّام الأمير المُخْتَصينَ بهِ ، دَخلتُ عليه بُكْرةَ يَومي هذا مُسلِّماً في جُملةِ أصحابي فقال : أُريد أن أخلو يومي هذا ، فَانصرِفُوا أَنتم إلى منازلكم ، فانصرفنا . فَلم أستوف قُعُودي حتى أتاني رَسول الأمير مُسرعاً يَطْلُبني حثيثاً ، فَأتيتهُ فَوجَدتُه مُنْفَرداً في بَيتٍ واضِعاً يمينهُ على خَاصرتهِ لوجعٍ أصابهُ .فقال لي : أتعرفُ الحَسن بن سفيان وأصحابه ؟ فقلتُ : لا ، فقال : أقصد المَحلَّة الفُلانية والمسجد الفُلاني ، واحمل هَذهِ الصُّررَ وَسَلِّمها في الحين إليه وإلى أصحابه ، فإنهم مُنذ ثلاثةِ أيام جِيَاعٌ بِحالةٍ ضعيفة ، وَمَهَّدْ عُذري لديهم ، وَعَرِّفهُم أني صبيحة الغَد زَائِرهُم ، وَمُعتذرٌ شِفَاهاً إليهم . فسألتهُ عن السَّبب الذي دَعاهُ إلى هذا ؟فقال : دَخلتُ هذا البيتَ مُنفرداً على أن أستريحَ ساعةً ، فلما هَدأت عيني ، رأيتُ في المنام فارساً في الهواء مُتمكناً تمكُنَ من يَمشي على بَسيطةِ الأرض وفي يده رُمحٌ ، فكنت أتعجبُ من ذلك حتى نزلَ إلى باب هذا البيت فوضع سافلةَ رمْحِهِ على خاصرتي . وقال : أدرك الحسن بن سُفيان وأصحابه ، قُم فأدركهم ، فإنهم منذ ثلاثة أيام جياعٌ في المسجد .فقلتُ له : من أنت ؟ فقال : أنا رِضوان خَازِنُ الجنّة ، ومنذ أصاب سَافِلةُ رُمْحِهُ خاصرتي أصابني وجعٌ شديدٌ لا حَرَاك لي به . فَعَجِّل إيصالَ هذا المال إليهم ، ليزولَ هذا الوجع عني . قال الحسن رحمه الله : فَتعّجبنا من ذلك ! وشكرنا الله سُبحانه وأصلحنا أمورنا ، ولم تَطِب أَنْفُسَنا بالمقام حتى لا يَزورنا الأمير ولا يَطّلعَ الناسُ على أسرارنا ، فيكون ذلك سبب ارتفاع اسمٍ ، وانبساطِ جاهٍ ، ويتصلُ ذلك بنوعٍ من الرِّياء والسُمعة . وخرجنا تلك الليلة من مِصر ، فأصبح كُلَّ واحدٍ مِنَّا واحِدَ عَصرهِ ، وبَديعَ دهرهِ في العلم والفضل . فلما أصبح أتى الأمير ابن طُولُون إلى المسجد لزيارتنا فلم يجدنا ، فأمر بابتياعِ تلكَ المَحلّة بأسرها وَوَقفها على ذلك المسجد على من ينْزلُ به من الغُرباء ، وأهلِ الفضل وطلبة العلم ، نفقةً لهم حتى لا تَخْتل أمورهم ولا يُصيبهم من الخلل ما أصابنا ، وذلك كُله قُوَّة الدِّين ، وصفوةُ الاعتقاد بالله سبحانه وتعالى
القصة من كتاب : مِصْبَاحُ الظَّلامِ في المُسْتَغِيثِينَ بِخَيْرِ الأنَامِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسلام في اليَقظَةِ والمنَامِ | |
|