اللهم صل وزد وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
المولى جل وعلا يحب الذين إذا فعلوا أمراً فيه مخالفة أو تفريط أو تضييع للواجب أنهم يرجعون إليه سريعاً وأنهم يقبلون على ربهم بتوبة وإنابة صالحة، فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين، ونبيكم صلى الله عليه وسلم بين أن كل ابن آدم خطاء وقال فيما صح عنه عليه الصلاة والسلام: "كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون".
تري ما معنى الانابة اصطلاحا ولغة ومعنى وماهي خصائصها؟
الأمرُ الأولُ في الإنابةِ هوَ الحُب ، والأمرُ الثاني في الإنابةِ هوَ الخضوع كما قُلتُ قبلَ قليل ، والأمرُ الثالِثُ في الإنابةِ الإقبالُ على الله ، الفرق بين الحُب والإقبال : الإقبال بالعبادات ، بالأدعية ، بالأذكار بالتذكير أحياناً ، بتلاوة القرآن .......
في حُب وخضوع وإقبال على الله عزّ وجل ، والعُنصر الرابع : والإعراضُ عمّا سِواه أُناسٌ منحرِفون شهواتٌ دنيئة ، أماكن موبوءة .... أيُّ شيء يُبعدُكَ عن اللهِ عزّ وجل تُعرِضُ عنهُ .. يعني .. في النهاية هُناكَ في الكونِ حقيقةٌ واحدة وهيَ الله فأيُّ شيء يُقرّبُكَ إليه تُبادر إليه، وأيُّ شيء يُبعِدُكَ عنهُ تبتعد عنه ، هذا اللقاء ، هذه النزهة ، هذه العلاقة ، هذه الشَرِكة ... إن أبعدتكَ عن اللهِ عزّ وجل أعرضتَ عنها وإن قرّبتكَ إلى اللهِ أقبلتَ عليها ، هذا هوَ مُلخّصُ المُلخّص .
.. حينما ترى شيئاً يُقرّبُكَ إلى اللهِ عزّ وجل تنطلِقُ إليه وحينما ترى شيئاً يُبعِدُكَ عن اللهِ عزّ وجل تجتنبهُ ، فالحُبُ في القلب والخضوعُ في الجوارحِ والأعضاء والإقبالُ على الله والإعراضُ عمّا سِواه هذا هوَ المُنيب .
خصائص الإنـابة :
الأولى : الخروجُ من التَبِعات
الثانية :التوجعُ للعثرات
والثالِثة : إدراكُ الفائتات .. في وقت مُعيّن فاتتكَ بعضُ الطاعات فنُضاعف الجُهد ، فاستدراكُ الفائتات والتوجّعُ للعَثَرات والخروجُ من التَبِعات هذه علامةُ الإنابةِ إلى الله عزّ وجل .
علامة رابعة ... ما دام هُناكَ لذّةٌ بالذنب فالانابةُ ليست صحيحة .. يعني .. ممكن أن تشعر بسرور في بعض المعاصي ، ما دام هُناكَ لذّةٌ بالذنب فالإنابةُ ليست مُحكَمَةً ولا صحيحة .
لذلك قالوا : هُناكَ إنسانٌ تأمُرهُ نفسُهُ بالذنب هيَ النفسُ الأمّارةُ بالسوء ، وهُناكَ نفسٌ إذا اقترفت ذنباً لامت صاحِبها كثيراً .. هذه النفسُ اللوامة .. ، وهُناكَ نفسٌ مُطمئنةٌ إلى استقامتِها وإلى رحمةِ ربِها ، فهذه مرتبة . هذا مستوى وذاكَ مستوى والثالث مستوى ، لكن هُناك سؤال ياتُرى أيُهُما أرقى عنَد اللهِ أن تُصارِعَ نفسَكَ وأن تنتصِرَ عليها وأن تتمنى المعصية ولا تفعَلُها أم أن تكونَ مُعافىً مِنها ؟ هوَ حسب ما يبدو أنَّ الإنسان حينما يُجاهدُ نفسهُ وهواه يرقى عِندَ اللهِ عزّ وجل لكن هذه المُجاهدة يجب أن تنتهي بالإنسان إلى أن تُوافِقَ نفسهُ أن يتوافقَ هواهُ مع ما جاءَ بهِ النبي عليهِ الصلاة والسلام .
نقول لكم : وإن كانَ الإنسانُ حينما ترقى نفسهُ إلى درجة أنَّ جِهادَ النفسِ والهوى يضعُفُ عِندهُ لا لشيء إلا لأنَّ نفسَهُ توافقت أحياناً معَ ما جاءَ بهِ النبي عليهِ الصلاة والسلام ، أنتَ راقب مؤمناً في أول إيمانهُ يشعر بنشوة كبيرة حينما يَغُضُ بَصَرَهُ لماذا ؟ لأنَّ هذه النفس تدعوهُ إلى النظر لكنهُ انتصرَ عليها ، لكن بعد أربع أو خمس سنوات من سلوكِهِ طريقَ الإيمان لا يشعُر بهذه اللذّة مع أنهُ يَغُضُ بَصَرَهُ ، هل نقول لهُ إنكَ قد تراجعت ؟ لا لم تتراجع لكن هذه مرحلة أرقى ، الأولى مرحلة الصِراع ، مرحلة المُجاهدة ، نفسُكَ تتمنى الذنب ، تتمنى المعصية ، تتمنى سماعَ الغِناء ، تتمنى إطلاقَ البصر ، لكِنكَ تخافُ اللهَ عزّ وجل حملتَها على الطاعة ، جاهدتَ نفسَكَ وهواك ، شعرتَ بلذّةِ الانتصار ، شعرتَ بأنَّ اللهَ أغلى عِندَكّ من كُلِّ شهواتِك فارتقيت .
هذا هوَ السِرّ الذي يُحير معظَمَ المؤمنين ، يقول لكَ يا أُستاذ أول ما تعرفت إلى الله عزّ وجل عِشتُ سنتين ثلاث بسعادة لا توصف ، عِشت بسرور كأنني طائر ، كأنني مع الملائكة ، والأن عادي !!! .. لا .. لستَ عادياً الأن والأن رقيت ، لكن كانت نوازِعُ المعاصي قويّة عِندَك فلمّا تغلبّتَ عليها شعرتَ بلذّةِ الانتصار فارتقيتَ عِندَ اللهِ عزّ وجل ، أمّا الأن نوازع المعصية ضَعُفت وقَويت نوازِع الطاعة ، لم يعد هُناكَ ذاكَ الصِراع الذي تعهَدُهُ من قبل .
فحينما ترتقي نفسُك وتسمو نوازِعُك وتميل إلى الحق دائماً وتبتعد عن كُل مظان المعاصي عندئذٍ قد يخِفُّ شعور لذّة النصر عِندَك
.. هذا هوَ بعضُ أسرارِ ما يَظُنُهُ الناسُ تراجُعاً ليسَ هذا تراجُعاً أبداً إنما هيَ مرحلة أُخرى من مراحل السير إلى الله عزّ وجل .
شيء آخر : من علاماتِ الإنابةِ إلى الله عزّ وجل تركُ الاستهانةِ بأهلِ الغفلة ، أيام الإنسان من رعوناتِهِ ، الإنسان في أولِ طريقِ إيمانِهِ تاب إلى الله كُلما ألقى نظرةً على إنسان متلبّس بمعصية احتقرهُ وازدراه واستعلى عليه ... هذه من رعوناتِ المؤمن في أولِ إيمانِهِ ... من كمالِ إنابَتِكَ إلى الله عزّ وجل أن تدعَ الاستهانةَ بأهلِ الغفلة ، السبب .. يُحتمل أنَّ هذا الغافِل .. إنَّ هذا المُسيء يتوب بعدَ حين ويشتدُّ صِدقُهُ معَ اللهِ عزّ وجل ويتجاوزُكَ بمراحِلَ كثيرة ، ما دام حيّ لم يُختم عَمَلُهُ .
فمن علامة المؤمن أن يدعو لهم بالهِداية ، يتمنى لهم التوبة ، يسألُ اللهَ السلامة ، يسألُ اللهَ المزيد ، أمّا حينما يحتَقِرُ أهلَ الغَفَلات ويستعلي عليهم ويزدريهم فإنابَتُهُ إلى اللهِ عزّ وجل ليست صحيحة وليست مُحكمة ، لم يتأدّب بآداب الإيمان بعد ، بالعكس قال كُلما تقدّمتَ في طريقِ الإيمان تخافُ على نفسِكَ وأنتَ في قِمّةِ الطاعات وترجو لهم الرحمة من الله عزّ وجل وهم في المعاصي لأنَّ : الصُلحة في لمحة ، يكفي أن يقول العبدُ يارب فيقول الله عزّ وجل لبيكَ ياعبدي ، فأول علامة رابعة من علامة المُنيب تَركُ الاستهانةِ بأهلِ الغفلة والخوفُ عليهم مع فتحِكَ بابَ الرجاءِ لنفسِك والأرقى من ذلك أن تخافَ على نفسِك وأنتَ في الطاعة ، وأن ترجو لهم التوبةَ والإنابة وهم في المعصية
أيضاً من علامة الإنابة الصحيحة أن تكونَ معافى من هذه القواطع التي تقطعُ أثارَ العمل الصالِحِ إلى القلب وتقطعُ انتقالَ العمل الصالِحِ إلى الرب ، من هذه الموانع التي تمنعُ أن يكونَ العملُ مقبولاً كما قُلتُ قبلَ قليل الكِبرُ والإعجابُ والإدلالُ ورؤيةُ العملِ ونسيانُ المِنّةِ وعِللٌ خفيّةٌ كثيرة ، فالإنسان عليه أن يستقصي نيّتهُ وعليهِ أن يُطهّرَ نفسَهُ حتى يكونَ العملَ الذي عَمِلَهُ كُلُهُ مقبولاً .
اللهم اجعل صلاتنا عليه حجابا لنا من عذاب النار وسببا لإباحة دار القرار انك أنت العزيز الغفار
اللهم صل وسلم على سيدنا محمد عدد خلقك ورضا نفسك، وصل وسلم على سيدنا محمد عدد ما ذكرك به خلقك وعدد ما هم ذاكروك به، وصل وسلم على سيدنا محمد زنة عرشك وسبع سمواتك وبرك وبحرك وما حوى ذلك من مخلوقاتك ومصنوعاتك وملء ذلك وأضعاف ذلك يكرر في الساعات والأحيان ويهدى إليه بعرف الندى والريحان بفضل من خلق السموات والأرض والجنان، المجيب لمن دعاه في كل مكان ربنا الله الذي لا اله إلا هو الكريم المنان، أسألك بفضلك يالله حسن الختام وأمانا من عذاب القبر ودخول النيران.