بسم الله الرحمن الرحيم
(وما تلك بيمينك يا موسى؟ قال هي عصايَ أتوكأُ عليها، وأهُشُّ بها على غنمي، وَلِيَ فيها مآربُ أُخرى). صدق الله العظيم (سورة طه الآيتان: 17-18). يحدّثنا الله تعالى عن جانب من حياة موسى عليه السلام، وخروجه من مصر، بعد أن قتل رجلاً قبطياً فيها كان يحاول الاعتداء على رجل من ملّته.. أي من بني إسرائيل، فحينما وصل خبر مقتله إلى فرعون، قرّر فرعون قَتْلَ موسى، وأرسل الحرّاس وراءه لكي يبحثوا عنه، ويحضروه إليه.
وبينما موسى عليه السلام يتنزّه، إذا برجل يطلب منه الفرار والخروج من مصر لأنّ فرعون توعّده بالقتل، فقرر موسى الهرب من مصر، خوفاً من بطش فرعون وظلمه، وتوجّه موسى تلقاء مدينة مدين مدينة سيّدنا شعيب -عليه السلام- وليس معه من الزاد شيء، فكان لا يجد ما يأكله إلا ورق الأشجار، والبقل، وفي الطريق بلغ الجوع منه مبلغاً عظيماً، وعندما وصل إلى مدين جلس تحت ظلّ شجرة يستريح من عناء السفر.
وبينما هو كذلك إذا بمجموعة من الرعيان مع أغنامهم يردون على بئر ماء قريب منه، ليسقوا منه أغنامهم، ورأى امرأتين تحاولان إبعاد الأغنام عن البئر، فرّق قلب موسى عليهما، فاقترب منهما يسألهما.
- ما خبرُكما؟ ولماذا لا تسقيان مثل بقية القوم؟
فردّت إحدى الفتاتين بأدب:
- نحن لا نستطيع الشرب والسقاية، حتى يذهب القوم، لأنهم أناس متجبّرون وظالمون، ولنا أب عجوز ينتظرنا في البيت.
عندها سقى موسى لهما أغنامهما، ثم انزوى إلى الظلّ يستريح من عناء السفر الطويل.
ورجعت البنتان سريعاً بالغنم إلى أبيهما شعيب، فاستغرب أبوهما رجوعهما السريع هذا، وسألهما عن سبب مجيئهما مبكّراً؟ فحدّثتاه عما كان من أمرهما مع ذلك الرجل قرب البئر. فأرسل والدهما إحدى ابنتيه إلى موسى ليدعوه إليه.
جاءت البنت وقالت لموسى في استحياء وأدب:
- إن أبي يدعوك ليعطيك أجراً على مساعدتك لنا في سقاية الأغنام.
استجاب موسى عليه السلام لدعوة الفتاة، ومشى أمامها وهي وراءه أدباً، حتى وصلا إلى بيت أبيها، وعندما رآه والدها شعيب عليه السلام طلب منه أن يقصّ عليه قصّته، والسبب الذي جاء به إلى هذه البلاد؟
قصَّ موسى ما حدث معه في مصر، وكيف خرج منها لينجو بنفسه من بطش فرعون، فما كان من شعيب عليه السلام إلا أن قال له:
- طِبْ نفساً، وقَرَّ عيناً، فقد رحمك الله ونجاك من القوم الظالمين، بخروجك من مملكة الفساد والكفر والتي لا يصل سلطانهم إلى هنا.
وجاءت إحدى البنتين وطلبت من أبيها أن يستأجره عندهم، لكي يرعى الغنم ويسقيها، وقالت له:
- يا أبت استأجره فإنّ خير من استأجرت القوي الأمين.
فسألها أبوها عن قوّته، فحكت له ما كان من أمر سقاية الأغنام. وسألها عن أمانته، فقالت له:
- عندما ذهبتُ لأحضره إليك يا أبي، طلب مني أن أمشي وراءه، وكان هو يمشي أمامي، وأنا أدلّه على الطريق، حتى لا تقع عيناه عليّ.
استراح شعيب لهذه الشهادة، وعرض على موسى أن يزوّجه إحدى ابنتيه، لقاء أن يرعى لهم الأغنام ثماني سنوات، فإن أحبّ الزيادة وأكمل السنوات إلى العشر فهو له من الشاكرين، لأنّ هذه الزيادة فضلٌ من موسى.
وسرعان ما انقضت المدّة التي حدّدها له شعيب، واشتاق موسى إلى أهله وبلاده، فطلب من زوجته أن تسأل أباها أن يعطيها من غنمه ما يساعدهما على الوصول إلى مصر، فأعطاهم شعيب جميع الأغنام التي ولدت في ذلك العام، وهكذا أخذ موسى أهله وأغنامه وخرج في ليلة مطيرة مظلمة باردة، وبعد انقضاء الليل، أراد أن يستريح وأهله، فوقفوا في مكان عند جبل، وأراد موسى أن يشعل قطعة من نار ليستدفئوا بها، ولكن كان كلما أشعل حطبة أطفأها الله، فاستغرب موسى من ذلك، وبينما هو يحاول مرّة بعد أخرى إذا به يرى نوراً يأتي من مكان قريب، فطلب من أهله أن ينتظروا قليلاً ريثما يذهب ويأتيهم بقطعة من نار ليستدفئوا بها من البرد.
وما إن اقترب موسى من النار، حتى سمع صوتاً يناديه:
- أنْ يا موسى إني أنا الله ربّ العالمين.
ثم طلب منه الله أن يخلع حذاءه ويتقدم إلى الأمام، لأنّه في الوادي المقدّس طوى.
تردّد موسى في بادئ الأمر، ولكنه انصاع إلى أمر الله تعالى، وكان يحمل معه عصاً، فسأله الله تعالى:
- ما هذه التي تحملها بيمينك يا موسى؟
أجاب موسى في خوف:
- إنّها عصايَ أتوكّأُ عليها، وأهش بها على غنمي.
والهشّ على الغنم يكون بهزّ الشجرة أو ضَرْبها بالعصا ليتساقط ورقها، فترعاه الأغنام، والهشّ أيضاً يعني الزجر على الغنم بها.
وقال موسى:
- وليَ فيها مآرب أخرى . (أي مقاصد أخرى).
ثم أخبره الله تعالى أنه اختاره ليكون نبيّاً ورسولاً، وأمره أن يذهب إلى فرعون وقومه ليهديهم إلى الطريق الصحيح وهو طريق الحقّ والخير والفلاح في الدنيا والآخرة.
وخصّه الله بمعجزتين كبيرتين وهما العصا واليد التي تحملها.
.......