بسم الله والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا رسول الله وعلى اله وصحبه ومن والاه
بهذه المناسبة الطيبة
عاشوراء التي تحمل في تاريخها الانتصارات وظهور الحق
نجاة سيدنا موسى عليه السلام وقومه
واستشهاد ريحانة سيدنا النبي عليه الصلاة والسلام وعلى اله اجمعين
سيدنا الشهيد الطاهر الكريم ابن الاكرمين الامام الحسين بن على كرم الله وجهه رضي الله عليهما
فقد كثر الكلام حول مقتل الشهيد السعيد السيد السبط الحسين
بن علي واختلفت القصص في ذلك ، ونورد في هذه الرسالة القصة الحقيقية لمقتل الحسين - رضي الله عنه ولكن قبل
ذلك نذكر توطئة مهمة لا بد من معرفتها
( توطئة )
قال الحافظ ابن كثير : فكل مسلم ينبغي له أن يحزنه قتل الحسين رضي الله عنه، فانه من سادات المسلمين،
وعلماء الصحابة وابن بنت رسول الله التي هي أفضل بناته وقد كان عابداً وسخياً، ولكن لا يحسن ما يفعله الناس
من إظهار الجزع والحزن الذي لعل أكثره تصنع ورياء، وقد كان أبوه أفضل منه فقتل، وهم لا يتخذون مقتله مأتماً
كيوم مقتل الحسين، فان أباه قتل يوم الجمعة وهو خارج إلى صلاة الفجر في السابع عشر من رمضان سنة
أربعين، وكذلك عثمان كان أفضل من علي عند أهل السنة والجماعة، وقد قتل وهو محصور في داره في أيام
التشريق من شهر ذي الحجة سنة ست وثلاثين، وقد ذبح
من الوريد إلى الوريد، ولم يتخذ الناس يوم قتله مأتماً،
وكذلك عمر بن الخطاب وهو أفضل من عثمان وعلي، قتل وهو قائم يصلي في المحراب صلاة الفجر ويقرأ القرآن،
ولم يتخذ الناس يوم قتله مأتماً، وكذلك الصديق كان أفضل منه ولم يتخذ الناس يوم وفاته مأتماً، ورسول الله سيد
ولد آدم في الدنيا والآخرة، وقد قبضه الله إليه كما مات الأنبياء قبله، ولم يتخذ أحدٌ يوم موتهم مأتماً، ولا ذكر أحد
أنه ظهر يوم موتهم وقبلهم شيء مما ادعاه هؤلاء يوم
مقتل الحسين من الأمور المتقدمة، مثل كسوف الشمس
والحمرة التي تطلع في السماء وغير ذلك .
مقتل الحسين بن على رضى الله عنه
بلغ أهل العراق أن الحسين لم يبايع يزيد بن معاوية
وذلك سنة 60هـ
فأرسلوا إليه الرسل والكتب يدعونه فيها إلى البيعة، وذلك أنهم لا يريدون يزيد ولا أباه ولا عثمان ولا عمر ولا أبا بكر ، انهم لا يريدون إلا عليا وأولاده ، وبلغت الكتب التي وصلت إلى الحسين أكثر من خمسمائة كتاب . عند ذلك أرسل
الحسين ابن عمه مسلم بن عقيل ليتقصى الأمور ويتعرف على حقيقة البيعة وجليتها، فلما وصل مسلم إلى الكوفة
تيقن أن الناس يريدون الحسين ، فبايعه الناس على بيعة
الحسين وذلك في دار هانئ بن عروة ، ولما بلغ الأمر يزيد بن معاوية في الشام أرسل إلى عبيد الله بن زياد والي
البصرة ليعالج هذه القضية ، ويمنع أهل الكوفة من الخروج عليه مع الحسين ولم يأمره بقتل الحسين ، فدخل عبيد
الله بن زياد إلى الكوفة ، وأخذ يتحرى الأمر ويسأل حتى علم أن دار هانئ بن عروة هي مقر مسلم بن عقيل وفيها
تتم المبايعة . فخرج مسلم بن عقيل على عبيد الله بن زياد وحاصر قصره بأربعة آلاف من مؤيديه ، وذلك في
الظهيرة . فقام فيهم عبيد الله بن زياد وخوفهم بجيش الشام ورغبهم ورهبهم فصاروا ينصرفون عنه حتى لم يبق
معه إلا ثلاثون رجلاً فقط . وما غابت الشمس إلا ومسلم بن عقيل وحده ليس معه أحد. فقبض عليه وأمر عبيد الله
بن زياد بقتله فطلب منه مسلم أن يرسل رسالة إلى الحسين فأذن له عبيد الله ،
وهذا نص رسالته :
ارجع بأهلك ولا يغرنّك أهل الكوفة فإن أهل الكوفة قد
كذبوك وكذبوني وليس لكاذب رأي .
ثم أمر عبيد الله بقتل مسلم بن عقيل
وذلك في يوم عرفة ، وكان مسلم بن عقيل قبل ذلك قد
أرسل إلى الحسين أن اقدم ، فخرج الحسين من مكة يوم
التروية وحاول منعه كثير من الصحابة ونصحوه بعدم الخروج مثل ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وابن عمرو
وأخيه محمد بن الحنفية وغيرهم.
وهذا ابن عمر يقول للحسين :
( إني محدثك حديثا : إن جبريل أتى النبي فخيره بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة ولم يرد الدنيا ، وإنك بضعة منه ، والله لا يليها أحد منكم أبداً وما صرفها الله عنكم إلا للذي
هو خير لكم ، فأبى أن يرجع ، فاعتنقه وبكى
وقال : استودعك الله من قتيل ) ،
وروى سفيان بسند صحيح
عن ابن عباس أنه قال للحسين في ذلك : ( لولا أن يزري -يعيبني ويعيرني- بي وبك الناس لشبثت يدي من رأسك،
فلم أتركك تذهب ) .وقال عبد الله بن الزبير له : ( أين تذهب؟ إلى قوم قتلوا أباك وطعنوا أخاك؟) وقال عبد الله بن
عمرو بن العاص : (عجّل الحسين قدره، والله لو أدركته
ما تركته يخرج إلا أن يغلبني ).
( رواه يحيى بن معين بسند صحيح
( . وجاء الحسين خبر مسلم بن عقيل عن طريق الذي
أرسله مسلم ، فانطلق الحسين يسير نحو طريق
الشام نحو يزيد، فلقيته الخيول بكربلاء بقيادة عمرو بن
سعد وشمر بن ذي الجوشن وحصين بن تميم فنزل
يناشدهم الله والإسلام أن يختاروا إحدى ثلاث :
أن يسيِّروه إلى أمير المؤمنين (يزيد) فيضع يده في يده
(لأنه يعلم أنه لا يحب قتله)
أو أن ينصرف من حيث جاء (إلى المدينة)
أو يلحق بثغر من ثغور المسلمين حتى يتوفاه الله.
(رواه ابن جرير من طريق حسن) .
فقالوا: لا، إلا على حكم عبيد الله بن زياد. فلما سمع
الحر بن يزيد ذلك
(وهوأحد قادة ابن زياد ) قال :
ألا تقبلوا من هؤلاء ما يعرضون عليكم ؟والله لو سألكم
هذا الترك والديلم ما حلَّ لكم أن تردوه
فأبوا إلا على حكم ابن زياد. فصرف الحر وجه فرسه،
وانطلق إلى الحسين وأصحابه، فظنوا أنه إنما جاء
ليقاتلهم، فلما دنا منهم قلب ترسه وسلّم عليهم، ثم كرّ
على أصحاب ابن زياد فقاتلهم، فقتل منهم رجلين ثم قتل
رحمة الله تعالى عليه ( ابن جرير بسند حسن )
ولا شك أن المعركة كانت غير متكافئة من حيث العدد،
فقتل أصحاب الحسين (رضي الله عنه وعنهم)
كلهم بين يديه يدافعون عنه حتى بقي وحده وكان كالأسد، ولكنها الكثرةوكان كل واحد من جيش الكوفة يتمنىَّ لو غيره كفاه قتل الحسين حتى لا يبتلي بدمه (رضي الله عنه)،
حتى قام رجلخبيث يقال له شمر بن ذي الجوشن فرمى الحسين برمحه فأسقطه أرضاً فاجتمعوا عليه وقتلوه شهيداً سعيداً .
ويقال أن شمر بن ذي الجوشن هو الذي اجتز رأس الحسين وقيل سنان بن أنس النخعي والله أعلم .