البسملة : الجزء الثانى

البسملة : الجزء الثانى : هل البسملة من الفاتحة ؟

...........................................................

ربما كانت البسملة واحدة من أكثر القضايا المُختَلَف عليها بين الفقهاء أئمة المذاهب وأهل العلم بوجه عام ... ولنبدأْ أولا بما اتفقوا عليه جميعا دون استثناء وهو أن البسملةَ بعضُ آية أى جزءٌ من آية كريمة فى سورة النمل فى قوله تعالى (( إِنًهُ مِنْ سُلَيْمانَ وإنًه بِسم الله الرحمن الرحيم )) ... هذا هو موضع الإتفاق الوحيد بين أهل العلم
ثم اختلفوا بعد ذلك فى المسائل الأخرى جميعها ، وكلٌ فريقٍ له رأيُه وحُجًتُه وما يستندُ إليه ، ولنا أنْ نأخذَ بما نراه من آرائهم دون تسفيه أو تقليل من شأن الآخَرين فكلهم جهابذةٌ فطاحل ربما لا يجود الزمان بمثْلِ أحدٍ منهم
........................................................................................
هل البسملة آية من فاتحة الكتاب ؟

البعض قال : ( نعم ) ومن أشهر هؤلاء : الأئمة الشافعى وأحمد بن حنبل وعبد الله بن المبارك ........ والبعض الآخر قال: ( لا) ومن أشهر هؤلاء : الإمامان أبو حنيفة ومالك ... فما هى حُجة وأسانيد هؤلاء وأولئك ؟
................................................................
فى تفسيره الرائع المشهور بإسم ( التحرير والتنوير) يقول الطاهر بن عاشور (( أما حُجًة الشافعى ومَن وافَقَه بأنها آية من سورة الفاتحة فَأُمورُ كثيرة أَنْهاها الفخر الرازى إلى سبعَ عشرةَ حُجة ، لا يكاد يستقيم منها – بعد طرحِ المتداخل والخارجِ عن محل النزاع وضعيف السند أوْ واهِيهِ – إلاً أمران : أحدهما : أحاديث كثيرة منها ما رواه أبوهريرة أن النبىً صلى الله عليه وسلم قال (( فاتحة الكتاب سبعُ آيات أولاهنً بسم الله الرحمن الرحيم )) وكذلك قولُ أمٍ سَلَمة (( قرأَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الفاتحة وعَدً بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين آية )) ... وثانى الأمْريْن : الإجماع على أنً جميعَ ما بين الدًفًتَيْن هو كلام الله)).................... ............................ ( يعنى بالدفتين أى جِلْدَتىْ المصحف ) .... ثم ينبرى ابنُ عاشور للرد على ذلك قائلاً
(( والجواب على ذلك : أما عن حديث أبى هريرة فلم يُخَرٍجه أحد من رجال الصحيح إنما خرًجه الطبرانى وابنُ مردويه والبيهقى فهو نازلٌ عن درجة الصحيح فلا يعارض الأحاديث الصحيحة ... وأما حديث أم سلمة فلم يخرجه أحدٌ من رجال الصحيح غير أبى داود وأخرجه احمد بن حنبل والبيهقى ، وقد صحً بعض طُرُقه، وقد طعَن فيه الطحاوى بأنً راويه ابن أبى مليكة لم يَثْبُتْ سماعه من أم سلمة فالسند مقطوع !! ....... وهذا يُفْضى إلى إثبات (( القرآنية )) بغير المتواتر وهو ما يأباه المسلمون !! .... وأما عن الإجماع على أن ما بين الدفتين هو كلام الله فالجواب أن هذا لا يقتضى إلاً أن البسملة قرآن وهذا لا نزاع فيه )) يقصد أنها بعض آية من سورة النمل !!
.................................................................................
فماذا عن حُجج وأسانيد القائلين ب (( لا )) ؟
يسوق هؤلاء دليلاً ( منطقياً ) وهو : هذا الخلاف ذاته حول كوْن البسملة آية من الفاتحة من عدَمه وكونها آية من كل سورة فى القرآن من عدمه هو أول دليل يدعم قولهم ( بالنفى ) لأن القرآن كله ثابت ثبوتاً قطعياً بالتواتر وطالما نشأ الخلاف حول البسملة فهذا ينقض التواتر !! ........ فماذا عن أدلتهم من الآثار والروايات ؟
الدليل الأول : ما رواه مالكٌ فى الموَطًأ عن العَلاء بن عبد الرحمن إلى أبى هريرة أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلًم قال : (( قال اللهُ تعالى : قسمتُ الصلاةَ نصفيْن بينى وبين عبدى ولِعبدى ما سأل ، يقول العبدُ : الحمد لله رب العالمين ، فأقول : حمدنى عبدى ...... إلخ )) ... وكلمة ( الصلاة ) فى الحديث تعنى القراءة فى الصلاة .. ووَجهُ الدليل هنا : أنه لم يذكر : بسم الله الرحمن الرحيم

الدليل الثانى : حديث أُبَىٍ بن كعب فى الموطًأ وفى الصحيحيْن أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال له : (( ألا أعلمك سورةً لم يُنْزَلْ فى التوراة ولا فى الإنجيلِ مِثْلُها قبل أنْ تخرجَ من المسجد ؟ قال أُبىٌ : بلى ، فلما قارب الخروجَ قال له : كيف تَقرأُ إذا افتَتَحْتَ الصلاة ؟ قال أُبىٌ : فقرأتُ الحمد لله رب العالمين ،حتى أَتَيْتُ على آخِرِها )) فهذا دليل على أنه لم يقرأ منها البسملة ولم يَرُدًه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لو كان أخطأَ أُبىٌ بتركها
الدليل الثالث : ما فى صحيح مسلم وسُنن أبى داود والنًسائىٍ عن أنس بن مالك من طُرُقٍ كثيرة أنه قال : (( صلًيْتُ خَلْفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكرٍ وعُمَرَ فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين ، لايذكرون بسم الله الرحمن الرحيم ، لا فى أول قراءةٍ ولا فى آخِرِها ))
الدليل الرابع : حديث أم المؤمنين عائشة فى صحيح مسلم وسُنَن أبى داود ، قالت : (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاةَ بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين ))

الدليل الخامس : ما فى سُنَن الترمذىٍ والنًسائىٍ عن عبد الله بن مَغْفَل قال : (( صلًيْتُ مع النبى صلى الله عليه وسلم وأبى بكرٍ وعمرَ وعثمان، فلم أسمع أحداً منهم يقول : بسم الله الرحمن الرحيم ، فإذا أنت صلًيْتَ فقل : الحمد لله رب العالمين ))
الدليل السادس : وهو عملُ أهل المدينة : فإن المسجدَ النبوىً من زمن نزول الوحى إلى زمن الإمام مالك بن أنس صلًى فيه رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – والخلفاء الراشدون والأمراء .. . وصلى وراءهم الصحابة وأهلُ العلم ولم يُسْمع أحدٌ قرأ ( بسم الله الرحمن الرحيم ) فى الصلاة الجهرية أبدا ، ولا يقول أحد بأن بعض السورة جهرٌ وبعضها سرٌ ، فالتواتر حاصلٌ بأن النبى صلى الله عليه وسلم وكذلك الخلفاء لم يجهروا بها فدلً ذلك على أنها ليست من الفاتحة ولو أنهم جهروا بها لما اختلف الناس من بعدهم
..........................................................................................................................

هذا عن الفاتحة فماذا عن سور القرآن الأخرى ؟ هذا موضوعنا القادم بإذن الله