كيف يتحقق لك الكشف الرباني و النور في باطنك؟

لكي يتحقق لك الكشف الرباني فتتكشف لك بواطن الأمور فترى الأشياء على حقائقها

( لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) "ق آية 22"

فلابد من إيجاد المركز الذي ينطلق منه الإنسان ذلك الغافل في هذه الدنيا، فهل نقطة البداية هي البحث في الأوصياء أم الأنبياء أم الخالق، أم من منطلق آخر؟

نقطة البداية في هذا السفر العظيم من( إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) "الصافات آية 84"

للوصول إلى نقطة النهاية (إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) "الشعراء آية 89"

و لتوضيح المعنى تصور أن طفلاً جاء أمه في جمع من النساء كيف يميز أمه من بين النساء الأخريات إلا بإحساسه المتوقد شوقاً و كلما زاد قلبه حباً لأمه طهرت نفسه و زادة حدة بصيرته فلا يخطئها ثم أتى أمه بهدية بعد أن وصل إليها. (هذا المثال لتقريب المعنى)
في الآية الأولى( إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) تم تحديد الرب لأنه قيل في الآية (رَبَّهُ) أي رب الذي (جَاءَ) إذاً هنا حالة انتقاء من بين عدة أرباب و آلهة، فيوجد من ربه الشمس أو القمر أو النجم أو الحجر أو البشر و ما شابهه، فهؤلاء الأقوام كلهم جاءوا ربهم فمن منهم جاء الرب الحق؟
جواب ذلك هو الذي جاء بقلب سليم، و لأن قلبه سليم إذاً اختياره للرب الحق كان سليماً، و من هنا علينا معرفة من الذي جاء لنتعرف على دينه و ربه، و لكننا سنقع في نفس الاختبار و الشرط الذي وقع فيه الذي (جَاءَ) فمن دون القلب السليم لن نستطيع التوصل للحق و معرفة حقيقة (رَبَّهُ) أي الرب و من تبع الرب و العلاقة بينهما أي عبادة العبد لمعبوده و لكي نرى حالة الذوبان حتى يصير العبد في أقصى درجات ذل العبودية من تحت عز الربوبية، و لا شك أن الأنبياء ثم الأوصياء و من بعدهم الأولياء قد وصلوا إلى أعلى الدرجات كلاً على حسب طاقته و هم من يجب أن نتبعهم (قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) "آل عمران آية 95" و يبقى الشرط قائماً (بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) حتى تهتدي قلوبنا بهداية الله تعالى فيستطيع القلب أن يميز النبوة الحقة و ما فيها لنصل إلى معرفة رب العزة و الجلال.
و أيضاً( إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) نلاحظ أنه عندما (جَاءَ) إبراهيم عليه السلام قد كان محاط بأرباب كثر و لكن قلبه السليم أضاء بنور وقاد فشاهد تفرد رب واحد لا شريك له.
عزيزي هذا الاختبار واقع على كل إنسان، و أنت عندما ترى تعدد الأديان و المذاهب و العبادات و لكل فئة إله و ترى أتباعها و الداعين إليها و حتى في الدين الواحد أو المذهب الواحد توجد الاختلافات الكثيرة، و أنت محاط بكل هذه الاعتقادات و الأفكار و الحيرة تعلو الجبين و كل يقول أنا الحق، إذاً فلا سبيل إلا السير على خطى (قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ( إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)، فما إن يطهر قلبك و يستنير تتكشف لك بواطن الأمور فتشاهد الحق و أهله بائنا كما البدر في تمامه لأن النور ينجذب إلى النور و الظلام ينجذب للظلام.
و في الآية الثانية (إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) لم يتم الإشارة إلى تعدد الأرباب كما في الآية السابقة و ذلك لأنه في هذه الآية تم ذكر (اللَّهَ) فالرب معروف لأن القلب قد وصل إلى الغاية الطاهرة فقدم الإنسان قلبه لله مليئاً بإشعاعات النور فيكون ملكاً لله خالصاً (أَتَى اللَّهَ)، في هذه المرحلة النهائية يتم الاستبعاد (إِلاَّ) من كان قلبه سليماً فهو مقبول لدى الله الواحد الأحد النور فيرسل شعاع نوره على هذا القلب الطاهر النقي فيكون من المهتدين (يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) "المائدة آية 16"
القلب كالبيت (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) "البقرة آية 125" تمعن فهل يضع الله نوره في قلب غير طاهر؟
و هل يهتدي إنسان للحق من غير نور الله؟( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لّا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) "النور آية 35"

الخلاصة

هدى الله لا يمكن أن يحصل إلا بعد تطهير القلب ليصبح قلباً سليماً فيتحقق شرط (إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) الذي سيدلك بنور الحق إلى الحق المنير بصورة تلقائية عندما تجتهد باحثاً عن طريق الله و أنبياءه و أوصياءه.
و بقي بحث آخر عن كيفية تطهير القلب ليصبح قلباً سليما.


خادمتكم
المحبة للمصطفى

......