يقول سيدي العارف بالله السهروردي قدّس الله سرّه ورفع درجاته في مقام الصدّيقين،
" فالصوفية راضوا نفوسهم بالمكابدات والمجاهدات حتى أجابت إلى تحسين الأخلاق
وكم من نفس تجيب إلى الأعمال ولا تجيب إلى الأخلاق. فنفوس العباد أجابت إلى الأعمال
وجمحت عن الأخلاق، ونفوس الزهاد أجابت إلى بعض الأخلاق دون البعض، ونفوس الصوفية
أجابت إلى الأخلاق الكريمة كلها.
أخبرنا الشيخ أبو زرعة إجازة عن أبـي بكر
بن خلف إجازة عن السلمي قال: سمعت حسين بن أحمد بن جعفر يقول: سمعت أبا بكر الكتاني
يقول: التصوف خلق فمن زاد عليك بالخلق زاد عليك
بالتصوف.
فالعباد أجابت نفوسهم إلى الأعمال لأنهم يسلكون بنور
الإسلام، والزهاد أجابت نفوسهم إلى بعض الأخلاق لكونهم سلكوا بنور الإيمان،
والصوفية أهل القرب سلكوا بنور الإحسان،
فلما باشر بواطن أهل القرب والصوفية
نور اليقين وتأصل في بواطنهم ذلك انصلح القلب بكل أرجائه وجوانبه، لأن القلب يبـيض
بعضه بنور الإسلام، وبعضه بنور الإيمان، وكله بنور الإحسان والإيقان.
فإذا
ابـيض القلب وتنور انعكس نوره على النفس، وللقلب وجه إلى النفس ووجه إلى الروح،
وللنفس وجه إلى القلب، ووجه إلى الطبع والغريزة. والقلب إذا لم يبـيض كله لم يتوجه
إلى الروح بكله، ويكون ذا وجهين، وجه إلى الروح، ووجه إلى النفس، فإذا ابـيض كله
توجه إلى الروح بكله، فيتداركه مدد الروح، ويزداد إشراقاً وتنورا وكلما انجذب القلب
إلى الروح انجذبت النفس إلى القلب، وكلما انجذبت توجهت إلى القلب بوجهها الذي يليه،
وتنور النفس لتوجهها إلى القلب بوجهها الذي يلي القلب. وعلامة تنوّرها طمأنينتها
قال الله تعالى: {يا أيَّتُها النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ ارجِعِي إلى رَبِّكِ
رَاضِيةً مَرْضِيَّةً} ، «لا يسعني أرضي ولا سمائي ويسعني قلب عبدي المؤمن»."
اهـ.
(عوارف المعارف للسهروردي - الباب التاسع والعشرون في أخلاق الصوفية
وشرح الخُلق ج1 ص127)