حرقة فراق امنة و فرحة لقاء خديجة بالأمين سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم
و لما بلغ صلى الله عليه و سلم من العمر أربعة سنين, خرجت به أمه لزيارة أخواله في
المدينة اليثربية, فأقامت عندهم جملة أيام ثم انصرفت به راجعة على مكة , فأدركتها في الطريق ركبان المنية , فنقلت الى رحمة الله التي وسعت كل شيء من خاص و
عام , و بكت الجن يوم وفاتها حتى سمعت الانس أصواتها الحزينة و اشتد بكاء الانس عليها حتى ذابت القلوب و الأجسام و دفنت رضي الله تعالى عنها بالابواء او
بالمقابر الحجونية , و قبرها معروف يزار الى الان , عليه المهابة و القبول و الرضوان و الانوار العظام..
فاحتملت به صلى الله عليه و سلم ام أيمن بركة الحبشية , و أدخلته على جده عبد المطلب فلما رآه بادر له مسرعا بالقيام فأخبرته بوفاة امه فضمه الى صدره و اخذه
عليه أعظم شفقة والديه و جعله في كفالته على أن بلغ العمر ثمانية اعوام و لما انقضت من جده عبد المطلب ايام عمره الدنيوية و نزل به ريب المنون و تولى امره
الملك العلام تكفل بتربيته عمه أبو طالب شقيق أبيه عبد الله أرحاما وصلبية , و ذلك بوصية من جده عبد المطلب قبل ان ينزل به ركب الحمام , فجعله في حبه و رباه
أحسن التربية , على أن بلغ من العمر عشر سنين, و بعد عامين توجه به مسافرا الى الشام. فراه بحيرى الراهب فعرفه بالعلامات النبوية التي يعجز في وصفها كل
حبر خبير من ذوي الافهام , فرأى الاشجار سجدة و الاحجار سلمت و غمامة بيضاء قد أضلته في الاوقات الهجرية , فدعاه لضيافته و اكرام من معه من الأقوام ثم
وقف ليتفقد الداخلين فلم يجد فيهم من له العلامات المعلومية , فقال : هل بقي منكم احد يا ذوي الأحلام , فقالوا : بقي غلام يتيم تركناه للحراسة عند امتعتنا الاحمالية :
فقال : لا تتم ضيافتنا إلا بوجود ه يا ذوي الاكرام.
ثم خرج عليه و قبل الارض بين يديه و قال له : يا حبيبي اذهب الى امكن ديارنا المبنية , فلا تتم ضيافتنا إلا بوجودك يا خير الأنام ويقال : لما دخل صلى الله عليه و
سلم اخضرت الشجرة بدار الراهب و صح انه ارتفع الباب لان لا تنحني قامته الطويلة الحسنية , و قيل :خرج اليه رجل منهم و احتفاء به , فلما رآه داخلا نهض له
قائما على الأقدام و قال: أشهد أن هذا الذي يفتح الله ببركته مصر و الشام و المدائن العراقية, أشهد ان هذا رسول رب العالمين و خير الأنام , أشهد ان هذا الذي دلت
الكتب القديمة على اوصافه السنية و بين كتفيه خاتم النبوة قد غمره الله تعالى بالأنوار العظام , ثم قال لعمه : ارجع الى مكة حذرا عليه من اهل الملة اليهودية , فامتثل
ابو طالب امر الراهب و نوى الرجوع الى مكة و لوى نحوها الزمام.
اللهم عطر قبره بالتعظيم و التحية....................و اغفر لتا ذنوبنا و الأثام
[/color]
و قد اشتهر صلى الله عليه و سلم بالأمين لاماته الصدقية فسمعت خديجة بذلك فبعثت عليه خادما من الخدام فلما حضر عليه أعطته مالها للتجارة و طلبت منه السفر
الى بلاد ألشامية فخرج صلى الله عليه و سلم مسافرا مع ميسرة الغلام , و أوصت خديجة ميسرة عليه و بالغت في الوصية و امرته ان يكون قائما لخدمته حق القيام.
ونزل صلى الله عليه و سلم تحت شجرة ليستظل بها فأضلته و ارخت عليه أغصانها الوراقية.
رآه راهب من صومعته فعرفه لما مالت نحوه الشجرة و أضله في الهجير الغمام , فسال مسيرة عن أوصاف فيه فأجاب بها و هي أوصاف نبوية , فقال له :هذا رسول
الله لا تفارقه في غدوه و رواحه و اليقظة و المنام و هذا الذي ينزل عليه الوحي بالآيات اللاهية , و ينشر الله ذكره بين عباده و ترتسم محبته في قلوب أحبابه أي
ارتسام , ثم سار صلى الله عليه و سلم مسافرا حتى دخل سوق المدينة البصروية فقضى تجارته فيها و اخذ في الرجوع الى مكة بيت الله الحرام..
و لما أشرف على اماكن مكة اضاءت بأنواره شوارعها و اماكنها البهية و فراته خديجة مقبلا و بين يديه للهداية أعلام , ثم رأت ملائكة قد أظلته من حر الشمس في
الاوقات الهجرية و فهاج قلبها بمحبته اقلقها شديد الوجد و فرط الغرام و فقالت لميسرة : ما رأيت منه في مساعيكما السفرية؟ فقال لها سيدتي رأيت الاشجار سجدت و
الاحجار سلمت و أظله في اوقات القيض الغمام , و اوصاني راهب من صومعته بعدم مفارقته في اللحظات الليلية و النهارية و ان اكون قائما بخدمته و اتم لها ما
أودعه الراهب اليه حق اتمام , فربحت تجارتها و نمت و ظهرت فيها البركات الربانية , و رغبت في نكاحه لما عاينت و سمعت في شانه من ميسرة طيب الكلام.
[
color=red]اللهم عطر قبره بالتعظيم و التحية....................و اغفر لتا ذنوبنا و الأثام
[/color]
ثم عرضت نفسها عليه بالتزويج لتنال من مواهبه اللدنية و تلتمس من بركاته ما يكون سببا للفوز بدار المقام و فظهر امرها بين سادة القريشية و قالوا كيف ترضاه
لنفسها و هو فقير مع انه أسعد العرب و الاعجام ,و قد خطبها قبل ذلك أكابر مكة فلم ترضى لسابق سعادتها الازلية و قد رضيت به صلى الله عليه و سلم ان يكون لها
زوجا. فيا نعم الرضا و يا شرف الراضية في الابد على الدوام..
ثم اخبر صلى الله عليه و سلم اعمامه بما دعته عليه الكريمة النقية فرغبه في ذلك الحمزة و العباس و فرح فرحا شديدا سائر الاعمام و فجمع ابو طالب رؤساء الحرم و
دخلوا على ابيها خويلد فخطبها اليه و خطب لهم خطبة سنية , تدل على شرف اصولهم و رفعة مقدارهم الذي لا يسام. .
ثم مدح ابن اخيه محمدا بالعز الافخر و الحظ الاوفر و الخصال المحمودية العلية , و اطال المدح فيه بالأقوال العظام , و لا يخفاك ايها السامع ان اوصافه صلى الله
عليه و سلم لا تحصرها العقول و لا الادركات الفهمية , فلو كانت الاشجار اقلاما و البحار مدادا و اهل السماوات و الارضين كتابا ما بلغوا من بعض صفاته إلا كخيال
النجم في الماء في دجي الظلام .
فتزوجها صلى الله عليه و سلم فيا لها من زوجية و رزق منها بفاطمة و زينب و رقية و ام كلثوم و عبد الله و القاسم الملقب بالاقاب العظام. ,
ثم رزقه الله بولد اخر من مارية القبطية فسماه المصطفى صلى الله عليه و سلم باسم ابيه ابراهيم خليل الملك العلام و هؤلاء السبعة يجب على المكلف معرفتهم كما
تجب معرفة أجداده النسبية , فيا سعادة من عرفهم لأن معرفة من جملة شرائع الاسلام
.
و كان عمره صلى الله عليه و سلم حين تزوج بخديجة خمسا و عشرين سنة هلالية و سنها اربعين بعد خمس كما في نصوص الافاضل الفخام..
اللهم عطر قبره بالتعظيم و التحية....................و اغفر لتا ذنوبنا و الأثام
[
ولما بلغ صلى الله عليه و سلم من العمر خمسا و ثلاثين سنة عددية و بنت قريش الكعبة لما صدعتها السيول و الت على الانهدام و حصل في رفع الحجر الاسود من
المقالات التبريحية , حتى تقوى بعضهم على بعض بالمقاتلة بنصل الحسام , ثم تراجعت الامور و فوضوا الامر على من هو صاحب فطانة عقلية و قالوا : ان امرنا
بأمر اتبعناه و ان حكم بيننا بحكم اطعناه و تلقيناه بالقبول و الاستسلام فاجمعوا على ان اول داخل من بني شيبة هو السيد على الجمعية فكان النبي صلى الله عليه و سلم
اول من دخل فقالوا: هذا محمد الامين و قد رضيناه حكما و لا نزاع و لا خصام..
فأخبروه بما اضرموه في سرائرهم الباطنية و اطلعوه على ما كان في صدورهم من الابهام , فصالحهم النبي صلى الله عليه و سلم ثم وضع الحجر الأسود في ردائه
الشريف و امرهم ان يرفعوه بين أيديهم بالسوية و ثم تناوله بيده الشريفة ووضعه في موضعه الذي يقبله الحجاج فيه الى الان , و قد بنى البيت قبل ذلك مرارا و اول
من بناه الملائكة الروحانية , و كانوا يطوفون به كما رواه الفحول من العلماء الاعلام , ثم بناه بعدهم ادم ابو الخليقة البشرية , و كان يأتيه من الهند حافي الاقدام و ثم
بناه بعده ابراهيم خليل الحضرة الصمدانية و اسماعيل ينقل الاحجار له حتى أتمت بناءه عليهما الصلاة و السلام و ثم العمالقة ثم جرهم ثم قصي بن كلاب ثم بنته
بعدهم قريش , و النبي صلى الله عليه و سلم يحمل الاحجار معهم على اكتافه الشريفة العلية , ثم بناه بعدهم عبد الله بن الزبير بن العوام و ثم بناه بعده الحجاج
المنسوب الى القبيلة الثقفية و هو البناء المعروف الى الان كما في نصوص الاماجد الفخام.
اللهم عطر قبره بالتعظيم و التحية....................و اغفر لتا ذنوبنا و الأثام
مقتبس من مولد المناوي و البرزنجي للشيخين المناوي و البرزنجي رحمهما الله..