بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه ومن والاه
يقول الحق سبحانه :يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي.
نقف دائما عند هذه الاية الكريمة اخواني وما اكثر تلك المواقف في مجالس التذكير وفي زيارة المقابر
لكن لنتوقف اليوم عند كلمة النفس المطمئنة
والاطمئنان يكون بالسكينة وهذه الاخيرة منة ونعمة من الله سبحانه وتعالى ينزلها على عباده
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ)(الفتح/ 4).
إنّ سكينة النفس هي ينبوع السعادة للإنسان وهي ليست نتيجة الذكاء ولا العلم ولا الصحة ولا المال والغنى والشهرة ولا الحياة.
للسكينة مصدرٌ واحدٌ هو الإيمانُ بالله تعالى واليوم الآخر، الإيمان الصادق الذي لا يخالطه شكٌّ ولا يُفسدُهُ نفاق.
إنّ أكثر الناسِ قلقاً وضيقاً واضطراباً هم المحرومون من نعمِة الإيمان وبَردِ اليقين. الذين حفلت حياتُهُم بالملذات والمرفّهات قد لا يشعرون بسكينة النفس أو انشراح الصدر.
السكينةُ نعمةٌ ونفحَةٌ يُنزلُها الله في قلوب المؤمنين من أهل الأرض ليثبتوا إذا اضطرب الناس، ويرضوا إذا سَخِطَ الناس، ويُوقِنوا إذا شَكَّ الناس، ويَصبِروا إذا جزع الناس، ويحلِموا إذا بطشَ الناس.
هذه السكينة هي التي عمرت قلب رسول الله (ص) يوم الهجرة فلم يسيطر عليه همٌّ ولا حزنٌ، ولم يستبد به خوفٌ، ولم يخالج صدرَهُ شكٌ ولا قلق (إِلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) (التوبة/ 40)، لقد غلبت على صاحبه الصدّيق مشاعر الحزن والإشفاق لا على نفسه وحياته بل على الرسول (ص) وعلى مصير الرسالة حتى قال والأعداء محدّقون بالغار:
"لو أن أحدهم نَظَرَ تحتَ قَدَمَيْهِ لأبْصَرَنا، فقال: يا أبا بكرٍ، ما ظنُّك بإثنَيْنِ الله ثالثُهُما".
هذه السكينةُ هبةٌ من الله يسكُنُ بها الخائف، ويطمئن بها القَلِقَ، ويَقْوى بها الضعيف، ويهتدي بها الحيران. قد يسأل سائل: لماذا كان المؤمن أولى الناس بسكينةِ النفس وطمأنينة القلب؟
إنّ أوّل أسباب السكينة لدى المؤمن أنّه هُدِيَ إلى فطرته التي فَطَرَهُ الله عليها، هذه الفطرة لا يملؤها علمٌ ولا ثقافة إنما يملؤُها الإيمان بالله جلّ وعلا، ففي الإيمان بالله ترتوي النفسُ من ظمإٍ وتأمنُ مِن خوفٍ وتطمئنُّ من قلق.
لهذا كانت دعوة رسل الله تعالى كافة في جميع الأعصار هي تحويل الناس من عبادة المخلوقات إلى عبادة الخالق، وكان نداؤهم الأوّل إلى قومهم (أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) (النحل/ 36)، (اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) (الأعراف/ 59).
ومن هنا عنيَ كتابُ الله الخالد القرآن الكريم في الدرجة الأولى بالدعوة إلى توحيد الله تعالى وإفراده بالعبادة. هناك أناس دخلوا الحياة ثمّ خرجوا منها ولم ينعموا بأطيب ما فيها وأعظم ما فيها وهو الإيمان بالله عزّ وجلّ. لقد ظنّ هؤلاء في أنفسهم أنهم تحرّروا من كل عبودية، وكذبوا؛ فقد استبدلوا بالعبودية للخالق العبودية للمخلوق أو للشهوات، واستبدلوا بإله الواحد آلهةٍ شتى، واتّخذَ بعضُهُم بعضاً أرباباً من دون الله تعالى.
إنّ في أعماق كل إنسان أصواتاً خفيةً تناديه: ما العالم؟ ما الإنسان؟ مِن أين جاء؟ مَن صنعهما؟ مَن يديرهما؟ ما هدفهما؟ كيف بدءا؟ كيف ينتهيان؟ ما الحياة؟ ما الموت؟ أي مستقبلٍ ينتظرنا بعد هذه الحياة؟ هل يوجد شيءٌ بعد هذه الحياة العابرة؟ وما علاقتنا بهذا الوجود؟..
هذه الأسئلة ألحّت على الإنسان من يومِ ولادته، وستظل تلحّ عليه إلى أن تُطوى صفحة حياته. الدينُ وحدَهُ هو المرجع الوحيد الذي يستطيع أن يجيبنا عن تلك الأسئلة بما يُرضي الفطرة ويشفي الصدور. الإسلام أجاب الإجابة الشافية؛ أعلن القرآن الكريم أنّ هذا الدين هو دين الفطرة الأصيلة.
قال تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا) (الروم/ 30)، تقول الفطرةُ والعقل إنّ الناس لم يُخْلَقوا من غير شيء ولم يَخْلُقوا هم أنفسهم، ولم يخلُقوا ما حولَهُم.
ويقول القرآن الكريم: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ) (الطور/ 35-36)، وتقول الفطرة لابدّ لهذا الإنسان العجيب، وهذا الكون العريض من خالق واسع العلم بالغ الحكمة عظيم القدرة.
ويقول القرآن الكريم: (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ * كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ * اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (غافر/ 62-64)، والله سبحانه وتعالى خلق الكون لغاية يريدها.
يقول الله تعالى: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (الدخان/ 38-39).
إنّ للإنسان في هذه الحياة رسالة، وإن وراء هذه الحياة حياةٌ أخرى هي الغاية، وإليها المنتهى؛ يجزى فيها المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، حتى لا يستوي الخبيث والطيب والبرّ والفاجر، وهذا ما تقتضيه الحكمة بقول الله تعالى: (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) (ص/ 28)، وقول الله سبحانه وتعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ) (المؤمنون/ 115).
الإسلام يغرسُ في قلب المؤمن الإعتراف بحق الله العظيم عليه: بأن يعرف الله فلا يجحَدُ، ويشكرُ فلا يكفرُ، ويُطاعَ فلا يُعْصى، ويُفرَدَ بالعبادة فلا يُشرَكُ به.
يقول الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة/ 21-22).
ويُبيِّنُ القرآن الكريم الغايةَ مِن خَلقِ السماوات والأرض بقوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) (الطلاق/ 12).
بهذه الأجوبة القرآنية اهتدى المؤمن إلى سرِّ وجودِهِ ووجودِ العالمِ كلِّه. لقد عرفَ الله تعالى، فعرَفَ به كلّ شيءٍ، وحلّ به لغزَ كلِّ شيءٍ، واهتدى به إلى كلّ خيرٍ. العالمُ مُلكُ الله تعالى، وكلّ ما فيه من آثار رحمة الله عزّ وجلّ، والإنسانُ خليفةٌ في الأرض ومُستخلَفٌ، خُلِقَ لعبادةِ الله، وتحمُّلِ أمانةِ الله. والحياةُ هي من الله، والموتُ قدرٌ من الله، والدنيا مزرعةٌ لطاعةِ الله، والآخرة موعدُ الحصاد، والجزاءُ من الله، والسعيدُ من اهتدى بهَديِ الله، والشّقيُّ مَن أعرضَ عن ذِكر الله، والإنسانُ مُبْتَلى ومسؤولٌ في هذه الدار الفانية، والموتُ هو القنطرةُ التي تصلُ ما بين الدارين.
إنّ الذي أفنى فيه الفلاسفةُ أعمارهُم للحصول على معلوماتٍ شافية عن الدنيا والتساؤلات المطروحة حولها قد حصّلها المؤمن في دِعَةٍ وهدوء فعرفَ مِن أين جاء؟ ولِمَ جاءَ؟ وإلى أين يذهب؟ ولِمَ يحيا ولم يموت؟ وماذا ينتظره هناك؟.. عرفَ ذلك من مصدره من ربّ العزة الذي لا يضلُّ ولا ينسى. ومن عرفَ حقيقةَ الوجود من ربِّ الوجود فقد هُدِيَ إلى صراطٍ مستقيم.
ليت شعري ما الذي يستطيعُ أن يَعلَمَهُ الإنسان عن وجوده هو وعن وجود العالم الكبير من حوله لو مشي في الطريق وحده دون دليل من وحي الله؟ اسمعوا قول شاعر تساءل عن الوجود والنتيجة التي وصل إليها وقد سمَّى قصيدته "الطلاسم":
أجديدٌ أم قديمٌ أنا في هذا الوجود؟
هل أنا حرٌّ طليقٌ أم أسيرٌ في قيود؟
هل أنا قائدُ نفسي في حياتي أم مَقود؟
أتمنّى أنني أدري ولكن لست أدري!
وطريقي، ما طريقي، أطويلٌ أم قصير؟
هل أنا أصعد، أم أهبطُ فيه وأغور؟
أأنا السائر في الدربِ، أم الدربُ يسير؟
أم كلانا واقفٌ والدهر يجري؟ لست أدري!
أتراني قبلما أصبحتُ إنساناً سويّا؟
كنتُ محواً ومحالاً، أم تراني كنت شيّا؟
ألهذا اللغز حلٌّ أم سيبقى أبديّا؟
لست أدري، ولماذا لست أدري؟ لست أدري!
يا أخوتي، الوحي وحده هو الذي أجاب عن هذه التساؤلات وغيرها، وهو السبيلُ الفذٌّ للوصول إلى اليقين في قضايا الوجود الكبرى، وبغير الوحي لن يكون يقينٌ، وبغير اليقين لن تكون سكينة للنفس. وبغير السكينة لن تكون سعادة.
بالوحي يبلغ المؤمن درجة علم اليقين، وقد يرتقي حتى يشارفَ عينَ اليقين أو حقّ اليقين.
الله فضل خير الخلق بالكرم ***** وأفضل الناس من عرب ومن عجم
هو النبي الذي فاقت فضائله ***** وخـصه الله بالتـنـزيل والحـكم
اختـصه بكـتاب بين علـم ***** هدى العـباد به من غـمة الظـلم
الله فـضله الله أكـرمـــه ***** الله أرسله من جمــلة الأمـــم
صلوا عليه عباد الله كلـكمواْ ***** إن الصلاة له تنـجي من النقـــم
عباد الله طيبوا مجالسنا بالصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
اللهم صلي وزد وبارك على سيدنا محمد وعلى ال سيدنا محمد
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]