لا مفر من قضاء الله
كان عم رجب العلاف يقف فى دكانه فى السوق وسط أجولة الحبوب، هذا فحم، وهذا شعير، وهذه ذره، وهذا عدس وهذا فول وهكذا، فسمع حديثًا ينبعث من جوال العدس، فدنى منه وأرهف مسامعه، فسمع حبة عدس تقول لجارتها:
- أنا سيأكلنى رجل من الشام
فقالت جارتها:
- أما أنا فسيأكلنى رجل من اليمن
فتعجب عم رجب العلاف ثم هب واقفًا وقال:
- لن يأكلكما أحد غيرى.
وأحضر المغرفة واغترف غرفتين من العدس ووضعهما فى قرطاس من الورق وأحكم اغلاقه.
عندما ذهب عم رجب إلى البيت أعطى زوجته قرطاس العدس قائلا لها:
- هذا العدس تطبخيه لنا اليوم نتغدى منه.
وفعلا طبخت زوجته عدسا أكل منه عم رجب العلاف بشهية، وحمد الله وابتسم بينه وبين نفسه إبتسامة ذات مغزى.
مضت أيام، وتلتها أيام ومضى الصيف بحرارته وحل الشتاء ببرودته وأمطاره. وفى يوم من تلك الأيام كان عم رجب فى دكانه كالعادة عندما أقبل عليه رجلان غريبان
- السلام عليكم
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
كان الرجلان الغريبان يسألان عن رجل من أهل السوق فقال عم رجب:
- إنه منذ أكثر من عامين باع دكانه فى السوق ومضى لا نعلم إلى أين، ولم أعرف من خبره بعد ذلك شئ.
استشف عم رجب أن الرجلان غريبان ليسا من أهل البلدة، لذلك قال لهما:
- أنتما ضيفاى اليوم ولابد أن نتغدى سويا.
فشكراه على حسن صنيعه، ومضيا معه إلى داره.
ونهضت زوجة عم رجب على واجبات الضيافة، ورأت أن تعد بسرعة شوربة عدس إلى أن تفرغ من إعداد الطعام.
وجلس عم رجب يتحدث مع ضيوفه وهم يرتشفون شوربة العدس اللذيذة ويسرى الدفء من أثرها فى أبدانهم فيحمدون الله.
سأل عم رجب أحد الضيفين:
- من أى البلاد أنت يا أخى؟
فأجاب:
- من الشام.
وكان من الطبيعى أن يسأل الآخر عن بلده فأجابه:
- من اليمن.
فانتبه عم رجب بسرعة وقد تذكر شيئا: الشام واليمن والعدس.
فانتفض من مجلسه مستأذنا من ضيفيه ودلف إلى داخل الدار وسأل زوجته:
- هل تذكرين العدس الذى احضرته لك قبل شهرين تقريبا وقلت لك تطبخيه، هل هو الذى أكلناه يومئذ؟
فقالت الزوجة:
- لا، لقد وجدته طريًا وكان عندى عدس جاف فطبخته لك يومئذ، أما العدس الذى تسأل عنه فهو الذى طبخته اليوم.