بعض معاني في قول الله تعالى ( فاذكروني أذكركم واشكروا لي و لا تكفرون)
أذكروني :
الذكر ثلاثة انواع جهري و سري و خفي , و درجات ثلاث : تطهير و تنوير و تعمير, فاذكروني شريعة أذكركم حقيقة
فالشريعة تنفيذ الأمر و الحقيقة رؤية الأمر سبحانه و تعالى.
أذكروني قياما و قعودا و على جنوبكم في صحتكم و مرضكم , في رخائكم و شدتكم في يقظتكم و نومكم في الغيبة و الشهودي
البقاء و الفناء , و في كل أحيانكم , فلا عذر مطلقا في ترك الذكر , ( واذكر ربك إذا نسيت) أي لا تنس الله أبدا , فاذكروه
بألسنتكم , اذكروه بعقولكم أذكروا الله بقلوبكم بأرواحكم و بأسراركم و بكل عوالمكم و بكل ذرة من أبدانكم.
الذكر أعظم باب أنت داخله.......الله فاجعل له الانفاس حراسا.
يقول الله تعالى * انا جليس من ذكرني * رواه سادتنا البيهيقي في شعب الإيمان و الديلمي في مسند الفردوس وابن شاهين
في الترغيب * أي شرف هذا ايها المريد من جالسه مولاه آنسه و حادثه و ادخله في رحمته فكرمه في الدنيا بمعرفته و
متعه بالنظر إلى وجهه الكريم يوم القيامة , قال سيدي أبو يزيد البسطامي رضي الله عنه * إ ن لله عبادا لو حجبهم في الجنة
عن رؤيته لا ستغاثوا من الجنة كما يستغيث اهل النار من النار * و قد قال سيدنا موسى عليه السلام : يا رب دلني على من
تحبه حتى احبه فقال الله تعالى * يا موسى إذا رأيت عبدي يكثر من ذكري فاعلم أني أحبه و قد أذنت له في ذلك*.*رواه
سيدنا الدرقطني و سيدنا ابن عساكر*.
فالذكرمنشور الولاية و علامة محبة الله , و ما اجتمع قوم يذكرون الله إلا غشيتهم الرحمة و حفتهم الملائكة و ذكرهم الله فيمن
عنده , قال صلى الله عليه و على آله وصحبه و سلم * يقول الله تعالى : يوم القيامة سيعلم أهل الجمع اليوم من اهل الكرم
فقيل يا رسول الله من اهل الكرم ؟ فقال صلى الله عليه و آله و صحبه و سلم هم أهل مجالس الذكر ي المساجد *. رواه
سادتنا أحمد و البيهيقي و أبو يعلي و ابن حبان في صحيحه و ابن شاهين في الترغيب.
فرياض الجنة معجلة للذاكرين في الدنيا و لن يندم أهل الجنة في الجنة إلا على ساعة مرت عليهم في الدنيا و لم يذكروا الله
فيها لما يرون من فضل الله على الذاكرين.
أذكركم : الحقيقة التي لا شك فيها أنه لولا ذكر الله لعبده ما ذكره , و لولا إنطاقه له ما نطق , فهو الذاكر من قبل الذاكرين
و هم البادئ بالإحسان من قبل توجه العابدين , و هو الجواد بالعطاء من قبل طلب الطالبين , و قد قال احد العارفين عند ما
كشفت له الحقيقة.
لقد كنت قبل اليوم أستكشف الغطا .......أظن بأني ذاكر لك شاكر
فلما أضاء الليل أصبحت شاهدا .......بأنك مذكور و ذكر و ذاكر
تلاشت ببحر الذكر أحبابك الاولى.........كشفت الغطا عنهم و نارت بصائر .
يقول سيدي الحسن البصري في قوله تعالى (فاذكرني اذكركم) أذكروني فيما افترضت عليكم اذكركم فيما اوجبت لكم على
نفسي.
فخلاصة القول- و الله أعلم بالمراد و منتهاه-: كما ذكرتكم بالتوفيق و السداد و الرعاية و بساط المحبة و مجالستي و اهل
ودادي إبتداء , أذكروني بكل معنى صحيح للذكر أذكركم إنتهاء بالتواب و دوام القرب و نوال الإمداد بعد حصول الإجاد.
واشكروا لي :
قال تعالى ( و إذ تاذن ربكم لئن شكرتم لأزدنكم و لئن كفرتم إن عذابي لشديد) و قال سبحانه و تعالى (أن اشكر لي و لوالديك).
فعين حقيقة الشكر إظهار العبودية في الامر افتقار و عجزا وضعفا وذلا و إقرار ذلك باللسان و القلب مترادفين على هذا
المعنى وقد ورد أن سيدنا موسى عليه السلام قال : يا رب كيف لي أن أشكرك و أصغر نعمة وضعتها عندي من نعمك لا
يجازي بها عملي كله؟ فاتاه الوحي أن موسى الآن قد شكرتني (أخرجه سادتنا أحمد في الزهد وابن أبي الدنيا و البيهقي).
فمن تمام الشكر ان يشكر من جرت النعمة على يديه , و الشكر ألا تعصي الله بنعمة و أن تستعمل النعمة فيما خلقت من أجله
( و ما خلقت الجن و الإنس ) فوجدوا العبد نعمة و شكرها حب الله تعالى و عبادته و توحيده , وكذلك كل جارحة من
الجوارح , و كل حاسة من الحواس : اللسان نعمة , و العين نعمة , و القلب نعمة , و حسن الخلق نعمة , و جمال الخلق
نعمة , و المال نعمة , و الصحة نعمة , و الجاه نعمة , و المنصب نعمة , و شكر كل ذلك أن يستعمل فيما يرضى الله عز
وجل.
هذا وقد أوجد الله تعالى سيدنا و مولانا محمدا رسول الله صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم رحمة للعالمين , و هو
أعظم منه و اكرم نعمة أنعم الله عز و جل بها على مخلوقاته قال تعالى ( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من
انفسهم أياته و يزكيهم و يعلمهم الكتاب و الحكمة و إن كانوا من قبل لفي ضلال مبين) , بل و لقد سيقت هذه النعمة على
سبيل الهدية إظهارا لحب الله تعالى لهذه الأمة دون الأمم.
قال سيدي أبو العباس المرسي رضي الله عنه * الانبياء عليهم السلام لأممهم عطية و سيدنا رسول الله صلى الله عليه و سلم
لامته هدية , فالعطية للمحتاجين و الهدية للمحبوبين* مصدقا لقوله صلى الله عليه و آله و صحبه و سلم * إنما أنا رحمة
مهداة ( رواه سادتنا الحاكم في المستدرك و البيهيقي في شعب الإيمان و حقيقة شكر النعمة المحمدية الإسترحام به صلى الله
عليه و سلم و حسن متابعته و التوسل به و الإستشفاع به صلى الله و على آله و صحبه و سلم قال تعالى ( يا أيها الذين
أمنوا اتقوا الله و ابتغوا إليه الوسيلة)
- و لا تكفرون :
يقول الله تعالى ( و ما يؤمن أكثرهم بالله إلا و هم مشركون)
ويقول سبحانه في الحديث القدسي * و عزتي وجلالي لا أتقبل إلا ما أريد به وجهي , و أنا أغنى الشركاء عن الشرك
فمن عمل لي عملا أشرك فيه غيري فأنا منه برئ و هو للذي أشرك * ( رواه سادتنا ابن جرير و الترمذي و المتقي الهندي في كنز العمال).
و الكافر لغة الساتر , فكل طلب أو هدف سوى حب الله فهو ساتر لك عن ربك , فحب المال ساتر , و حب الدنيا ساتر
, و حب النساء ساتر , و حب الجاه و المنصب ساتر , وحب المحمدة بين الناس ساتر , و طلب المشيخة بغير إذن و
الإمامة بالعبادة ساتر و حجاب , و الوقوف مع الكرامة ساتر , و الإنشغال بتبرج ظواهر المكونات حجاب و ساتر و
وطلب العوض و الأجر بالعبادة ساتر و الخوف من النار و الطمع في الجنة لذاتها حجاب و حائل , و بالجملة لا خير
في نعمة لا تدل على المنعم , و لا منفعة في فضل لا يوصل إلى متفضل سبحانه و تعالى , يقول سيدي ابن عطاء الله
السكندري رضي الله عنه * لا ترحل من كون إلى كون فتكون كحمار الرحي, يسير و الذي ارتحل إليه هو الذي
ارتحل منه و لكن ارتحل من الكون إلى المكون ( و أن إلى ربك المنتهى ) قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله و
صحبه و سلم * إنما الاعمال بالنيات و إنما لكل امرئ ما نى فمن كانت هجرته إلى الله و رسوله فهجرته إلى الله و رسوله و من كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هجر إليه .
و قال أيضا رضي الله عنه * لا ترفع همتك إلى غيره فالكريم لا تتخطاه الآمال*.
فاللهم اجعل بيني و بينك , و أزل عن العين غينك , وحل بيني و بين غيرك و اجعلني من أئمة خيرك و ميرك.
( الله الله الله ) الله منه بدء الامر , الله الأمر إليه يعود , الله واجب الوجود و ما سواه مفقود فالموجود بغيره معدوم ,
و المعدوم ترفع عنه الهمم و لا حول و لا قوة إلا بالله , حيث لا موجود سواه.
لما نزل قوله تعالى ( و ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم و يعفو عن كثير) قال سيدنا و مولانا رسول الله
صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم لسيدنا علي كرم الله وجهه :
يا علي , من آخذه الله بذنبه في الدنيا فهو أكرم من أن يعذبه عليه في الأخرة و من عفا عنه في الدنيا فهو أعز من أن
يعاقبه في الآخرة و من ستره في الدنيا فهو أجل من أن يفضحه في الآخرة.
وصلى الله و سلم و بارك و أنعم على سيدنا و مولانا و أسعدنا و شفيعنا محمد و على آله و صحبه أجمعين.