قال الامام الشبلى:
لم نـزل فى خدمه " أبى عبد الله الأندلسى "، ونحن مكرمون بعناية الله تعالى ، ويوما ما خرجنا معه إلى أن وصلنا إلى قرية من قرى الكفار بجوار بغداد ، فطلبنا ماء نتوضأ به، فلم نجد،...
ثم انصرفنا إلى بئر فى آخر القرية، وإذ نحن بجوارى يستقين الماء على البئر وبينهن جارية حسنة الوجه ما فيهن أحسن ولا أجمل منـها، وفى عنقها قلائد الذهب، فلما رآها الشيخ تغير وجهه، وقال: هذه ابنة مَنْ؟
فقيل له: هذه ابنة ملك هذه القرية، فقال الشيخ: فلم لا يدللها أبوها ويكرمها ولا يدعها تستقى الماء؟ فقيل له: أبوها يفعل ذلك بـها حتى إذا تزوجها رجل أكرمته وخدمته ولا تعجبها نفسها.
فجلس الشيخ ونكس رأسه، ثم أقام ثلاثة أيام لا يأكل ولا يشرب ولا يكلم أحدًا، غير أنه يؤدى الفريضة ،
قال الشبلى: فتقدمت إليه، وقلت له: يا سيدى إن أصحابك ومريديك يتعجبون من سكوتك، ثلاثة أيام وأنت ساكت لم تكلم أحدًا.
فأقبل علينا، وقال: يا قوم، اعلموا أن الجارية التى رأيتـها بالأمس قد شغفت بـها حبًا، واشتغل بـها قلبى، وما بقيت أقدر أفارق هذه الأرض.
فتعجبنا من أمره، وسألنا الله تعالى أن يجيرنا من مكره، ثم بكينا وبكى حتى أروى التراب، ثم انصرفنا عنه راجعين إلى بغداد،
فأقمنا سنة كاملة، وخرجت مع بعض أصحابى نكشف خبره، فأتينا القرية، فسألنا عن الشيخ، فقيل لنا: إنه فى البرية يرعى الخنازير، قلنا: وما السبب فى ذلك؟ قالوا: إنه خطب الجارية من أبيها، فأبى أن يزوجها إلا ممن هو على دينـها ويلبس العباءة ويشد الزنار، ويرعى الخنازير، ففعل .
فقلنا له هل لك أن ترجع معنا إلى بغداد ؟ فقال: كيف لى بذلك، وقد استرعيت الخنازير بعد أن كنت أرعى القلوب ؟
فقلت: يا شيخ كنت تحفظ القرآن وتقرؤه بالسبع فهل بقيت تحفظ منه شيئًا ؟...قال: نسيته كله إلا آيتين.
فقلت: وما هما؟
قال: قوله تعالى: (ومن يهن الله فما له من مكرمٍ إنَّ الله يفعلُ ما يشاء). والثانية قوله تعالى: (ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضلّ سواءَ السبيل).
فتركناه، وانصرفنا، ونحن متعجبون من أمره، فسرنا ثلاثة أيام وإذا نحن به أمامنا قد تطهر من نهر وطلع، وهو يشهد شهادة الحق، ويجدد إسلامه،
فقلنا الحمد لله الذى ردك علينا، وجمع شملنا بك،
فقلنا له: بالله نسألك هل كان لمحنتك من سبب؟
قال: نعم. لما وردنا القرية، وجعلتم تدورون حول الكنائس ...
قلت فى نفسى: ما قدر هؤلاء عندى، وأنا مؤمن، أنا أفضل منهم...
فنوديت فى سرى: ليس هذا منك،ولو شئت عرّفناك!!
ثم أحسست بطائر قد خرج من قلبى، فكان ذلك الطائر هو الإيمان.
فسألتـه بالوداد القديم، وقلت له يا مولاى أنا المذنب الجانى، فعفا عنى بجوده، وبستره غطانى..
.....................
الثلاثاء سبتمبر 30, 2014 4:38 am