المنهج السلوكى العملى عند حجة الاسلام الامام الغزالى
هذا المنهج يعتمد على المجاهدة والعبادة والذكر والخلوة والزهد والصمت والسهر وترك الصفات المذمومة والتحلى بالصفات المحمودة, بترك الدنيا والإِقبال على الآخرة. يقول الغزالى : إن الصوفية أرباب الأحوال لا أصحاب الأقوال. وعلومهم يتحصل عليها بالذوق والسلوك ويقطع علاقة القلب عن الدنيا والإِقبال بكنه الهنة على الله تعالى. ولا يتم ذلك إلا بالإِعراض عن الجاه والمال والهرب من الشواغل والعلائق الدنيوية. والغزالى يعتبر أهل التصوف هم وحدهم السالكون لطريق الله وأن سيرتهم هى أحسن السير وطريقتهم هى أصوب الطرق وأخلاقهم هى أذكى الأخلاق. وقال : الصوفية أخذوا حظا من علم الدراسة, فأفادهم علم الدراسة العمل بالعلم فلما عملوا بما عملوا أفادهم العمل علم الوراثة فهم مع سائر العلماء فى علومهم وتميزوا عنهم بعلوم زائدة هى علم الوراثة وعلم الوراثة هو الفقه. لقد اتضح لنا مما تقدم أن الغزالى مع سائر العلماء فى علومهم كالمنطق والأصول. وقال : (( وانكشف لى فى أثناء هذه الخلوات أمور لا يمكن إحصاؤها واستقصاؤها والقدر الذى أذكره لينتفع به ظانى علمت يقينا أن الصوفية هم السابقون لطريق الله تعالى خاصة وأن سيرتهم هى أحسن السير وطريقتهم هى أصوب الطرق. صحيح أن طريقة المتصوفة ـــ فى مجال علم السلوك والأخلاق وصفات النفس وطبيعتها وأمراضها وعلاج هذه الأمراض ـــ مناسية وأن إسهاماتهم فى هذه المجالات مفيدة وقيمة, ولكن معارف الصوفية لا تقتصر على علم النفس والأخلاق وعلم القلوب لأن الغزالى قال : ( ومن أول الطريق تبدأ المشاهدات والمكاشفات حتى أنهم فى يقظتهم يشاهدون الملائكة وأرواح الأنبياء ويسمعون لهم أصواتا ويقتبسون منهم فوائد ثم يترقى الحال من مشاهدات الصور والأمثال إلى درجات يضيق عنها الوصف فلا يحاوب معبر أن يعبر عنها إلا اشتمل لفظه على خطأ صريح لا يمكن الاحتراز عنه وعلى الجملة تنتهى الحالة إلى قرب يكاد يتخيل منه طائفة الحلول وطائفة الاتحاد وطائفة الوصول وكل ذلك خطأ. يذكر الغزالى هنا أمورا لا يمكن أن تعلم بطريق المعرفة العادية ( الحس والعقل ) فهة لا تعلم إلا بالكشف.
ومن ناحية أخرى فإن الغزالى يرد على منكرى هذه المعارف الكشفية بأن تصديقها يعتمد على أن يكون للشخص ذوق معين وتجارب خاصة. لهذا لا يحق لأى شخص أن يكذب أقوال المتصوفة لأنه ليست لديه ( الحاسة ) التى تمكنه من التحقق من كذبها. فالأعمى لا يحق له أن يكذب وجود الأشكال والألوان لأنه لا يراها. نقول نعم لا يجوز له أن يكذب وجودها ولكن فى نفس الوقت ليس واجبا عليه تصديق وجودها إلا إذا وجد أو أعطى دليلا مستقلا عن دليل الحاسة المزعومة.