.
ذكرنا في الحديث عن سورة النمل أن عدة الآيات من (9) إلى (27) تساوي (19)، وقد توسطتها الآية (18)! ولا يخفى أن الأرقام (9، 18، 27) من مضاعفات الرقم (9)! وقد ورد ذكر هذا الرقم في سورة النمل مرتين: الأولى: في قوله تعالى: (وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ) [النمل: 12]؛ والأخرى في قوله: (وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ) [النمل: 48].
[size=24] فجاء في الأولى خبرُ الآيات التي أيد الله عز وجل بها نبيه موسى لمواجهة فرعون وقومه. وفي الأخرى خبر الملأ من قوم ثمود، الذين عقروا الناقة بعد رؤيتهم إياها تتكون من الصخرة الصماء. ثم لما رسخ السفه في عقول الفريقين وعميت قلوبهم مع رؤيتهم لتلك الآيات المبصرة، وهمَّ كل فريق أن يقتل المرسل إليه، أغرق الله عز وجل الأولين بالماء وأهلك الآخرين بالصيحة.[/size]
وقد جمع الله عز اسمه بين فرعون وثمود في قوله: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ . فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ) [البروج: 17-18]. والسبب في ذلك أن ”آية ثمود ناقة خرجت من صخرة صماء؛ ومن آيات موسى إبداع القُمَّلِ الذي لا يحصى كثرة في الكثبان، وإبداع الضفادع كذلك والجراد وإحياء العصا مرة أخرى“.
ولم يصف القرآن الآيات (المعجزات) بأنها (مبصرة)، إلا مع قوم فرعون وقوم ثمود. فقال عن الأولين: (فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ) [النمل: 13]؛ وقال عن الآخرين: (وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا) [الإسراء: 59]. فقوله: (مبصرة) أي: بيِّنة، واضحة الدلالة؛ فهي اسم فاعل جاء في صيغة المفعول، إشعاراً بقوة وضوح تلك المعجزات، وأنها جعلت من رآها ذا بصيرة، وأفادته أنها آية!
ولما كان القرآن العظيم يقيم الدليل لنفسه بنفسه بما له من الإعجاز على أنه حق، فإنه مازج بين معانيَ الآيتين في سورة النمل، وجعل منهما آيةً مبصرةً أنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؛ فربط بين تينك الآيتين وقصة سليمان عليه السلام وملكة سبأ، وما رأته من آياته وإيمانها به. فكان في قصة فرعون وثمود مثل للذين جحدوا برسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وتنبيه لهم ليتعظوا؛ وفي قصة سليمان عليه السلام وملكة سبأ مثل للذين اهتدوا من المؤمنين.
[size=17]وقد تعانقت آيتا المعجزات التسع (الآية 12) والتسعة رهط (الآية 48) مع آية كتاب نبي الله سليمان عليه السلام في سورة النمل، بأن جعل النظم الحكيم عدد الآيات من الأولى إلى الأخيرة (37) آية كريمة، ليتوسطها قول الله عز وجل، حكاية عن ملكة سبأ: (إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) [النمل: 30].[/size]
[size=24] ومما يشد الانتباه هنا أن عدد الآيات من (12) إلى (30) يساوي (19)، كما أن عددها من الآية (30) إلى الآية (48) يساوي أيضاً (19). وهذا يعني أن آية البسملة في كتاب سليمان عليه السلام هي الآية (19) في ترتيب هذه الآيات، من أي وجهة نظرت. ولقد علمتَ من قبل أن البسملة نفسها تتألف من (19) حرفاً! فهذه آية أخرى أن هذا الكتاب العزيز يأبى له مجدُهُ أن يُلِمَّ بساحته طعن بوجه من الوجوه. [/size]
............