الملتقى الصوفى للنور المحمدى
عزيزى الزائر عزيزتى الزائرة يرجى التكرم بتسجيل الدخول اذا كنت عضومعنا
او التسجيل معنا ان لم تكن عضو وترغب فى الانضمام الى اسرة المنتدى

سنتشرف بتسجيلك

شكرا لك
ادارة المنتدى
الملتقى الصوفى للنور المحمدى
عزيزى الزائر عزيزتى الزائرة يرجى التكرم بتسجيل الدخول اذا كنت عضومعنا
او التسجيل معنا ان لم تكن عضو وترغب فى الانضمام الى اسرة المنتدى

سنتشرف بتسجيلك

شكرا لك
ادارة المنتدى
الملتقى الصوفى للنور المحمدى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الملتقى الصوفى للنور المحمدى

الملتقي الصوفي للنور المحمدي
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 ايمـــــــــانيات....

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الهدهد السليماني
الاداره
الاداره
الهدهد السليماني


عدد المساهمات : 1979
نقاط : 16663
التفاعل مع الاعضاء : 35
تاريخ التسجيل : 05/11/2010

ايمـــــــــانيات.... Empty
مُساهمةموضوع: ايمـــــــــانيات....   ايمـــــــــانيات.... Emptyالجمعة يناير 28, 2011 1:55 am




الحمد لله الذي فتح لسيدنا محمدِِِ صلى الله عليه وسلم أبواب السعادة واختاره من خيار الشُّمِّ العرانين وأراده وحلَّى جـِيـْدَ رسالته بقلائد الخوارق الباهرة وأيده بأصحاب سراةٍ سرت سرايا أسرارهم الزاهرة وقفى على آثارهم بجحاجحة أتباع رقوا إلى أوج المعارف والحقائق وأفاض عليهم من هاطل مواهبه اللدنية طرف اللطائف والرقائق
اللهم صلي وزد وبارك على نبي الرحمة وعلى اله وصحبه وسلم
خلق الله الليل والنهار واختلافهما وجعلهم لنا أية
خلق الاختلاف وجعله رحمه
من ذاق المر يستحسن ويقدر الحلاوة..
كذلك الكفر والايمان
ونستهل موضوعنا بالفطرة:

1 . الفطرة :

عندما ثبت لدى العقل السليم وجود موجد له ، علم بمنطقه الاستدلالي أنه مرتبط بموجده ارتباطا لا انفكاك له عنه ، هذا الارتباط هو المسمى مألوهية ؛ و ثبت له في مقابل مألوهيته ألوهية موجده ، فتميزت لديه المرتبتان : الألوهية و المألوهية . ثم بطريق القياس و الاستنتاج ، و بما أن وجوده مستفاد من الإله ، توصل إلى أن ما يتعلق بوجوده من صفات و أفعال ( الأعراض) ، هو أيضا مستفاد من الإله بالأحروية ، فظهر له أنه لن يعلم نفسه حقيقة و لا إلهه من نفسه ، بل بإعلام من إلهه ، فانكسر و نزل إلى المرتبة السفلى راضيا منتظرا ما يفيضه عليه إلهه من مواهب .

و هذه المنزلة هي منزلة الفطرة التي فطر الله الناس عليها ، و هي منزلة الموفقين من أهل الفترات الذين كانوا قبل البعثة المحمدية و لم يدركوا رسولا ، أما اليوم ، فلم يعد لهذا الصنف من الناس وجود بسبب استغراق الرسالة المحمدية للزمان إلى قيام الساعة . و هذه المنزلة هي أيضا التي يولد عليها الإنسان لقول رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم : كل مولود يولد على الفطرة ، فإنما أبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه .<متفق عليه>

2 . الإيمان أو الكفر :

سمع العقل أن رجلا يدعي أن الإله أرسله لباقي بني جنسه: يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا . و أنه يخبرهم عن هذا الإله ، عن صفاته و عن أفعاله ، و يبلغهم أوامره و نواهيه ، و يعلمهم كيف يتقربون من إلههم حتى ينالوا رضاه . فرجع العقل إلى نفسه يمحص و يتحرى ، فتبين له أن هذا الأمر جائز في عرفه ، لكن لا بد له من علامة يميز بها بين الرسول الحق و بين من يدعي هذه المهمة زورا .

فانبرى الرسول يتحدى الناس بأمور لا يستطيعون الإتيان بها ، و هي المعجزات ، التي هي قولية و فعلية :

ـــ القولية : ما يتعلق بالإخبار عن الله بما لا يعلمه إلا الله عن نفسه ، أو بالإخبار عن الوقائع التي لا زالت في رحم الغيب ، حتى إذا وقعت جاءت كما أخبر الرسول .

ـــ و الفعلية : ما وقع من الرسول من تصرف في الكون ، كشق البحر ، و إبراء الأكمه ، و تكثير الطعام القليل ، و تفجير الماء من بين الأصابع ، إلى غير ذلك ...

هنا ، وجد العقل نفسه ، بعد استنفاد كل سبل التحري و التثبت أمام سبيلين :

الأول : أن يصدق الرسول فيما جاء به .

و الثاني : أن يصد عنه و يتولى .

و لا سبيل له من نفسه إلى سلوك السبيل الأقوم إلا بتوفيق من الله تعالى :و ما كان لنفس أن تومن إلا بإذن الله . فإن أذن الله له في الإيمان وجد نفسه منقادا للرسول و كان ممن قال الله فيهم : و قالوا سمعنا و أطعنا .و انفتح له مع الإيمان أفق جديد لم يكن مدركا له من قبل : أفق يجاوز الحدود التي كانت تحيط به و تقيده : هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور . و الظلمة تقييد و النور فسحة .

و أما إن لم يوفق ، فسينكر ما جاء به الرسول ، إما عموما : كمن يكفر بجميع الرسل ، و إما خصوصا كمن يومن ببعض و يكفر ببعض : أي يومن برسول سابق ، و يكفر بالرسول الذي أدركه زمانه . و في الحالتين سيمكث في ضيقه كما وصف الله ذلك بقوله تعالى : و من يرد أن يضله يجعل صدره ضيقل حرجا كأنما يصعد في السماء .كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يومنون .

و على التحقيق ، فإن الإيمان و الكفر وجهان متقابلان للقلب : فمن آمن بالله ، كفر بسواه من الآلهة المزعومة ، و من كفر بالله آمن بسواه ، و ذلك كما قال الله تعالى : فمن يكفر بالطاغوت و يومن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها . و قال أيضا : و الذين آمنوا بالباطل و كفروا بالله ، أولئك هم الخاسرون .

و الإيمان المقصود هنا في هذه المرحلة ، إنما هو إيمان مجمل . هو أقرب إلى مدلوله اللغوي ، أي مطلق التصديق . و هو نور يقذفه الله بفضله في قلب من يشاء من عباده ، و هو قد يوجد لدى عقول ليس لها تمرس بالفكر و النظر ، بل قد يوهب لعقول ساذجة بسيطة فطرية . فهو إذن ليس نتاجا فكريا ، و لو كان كذلك ، لكان حكرا على الأذكياء و الفطناء من بني الإنسان .

و هذا النور بالنسبة للعقل، كالنور المحسوس بالنسبة إلى العين ، يكون وسيلة لإدراك ما لم يكن يدرك من المعلومات الوجودية التي كانت عنده قبل هذا ، من قبيل العدم . و هذا الإيمان يسير بالعقل في مجال جديد، قد يصحح على ضوئه سابق مدركاته إن لم يغيرها أصلا .
أما الكفر : فهو انطماس هذا النور و انقطاع أسبابه انطلاقا من معناه اللغوي الذي هو الستر و الحجب ، حتى أن الفلاح و الليل يسميان كافرين .

و بما أن الإيمان نور ، فإن الكفر ظلمة تغشى العقل ، فلا يدرك بمقتضاها معلومات وجودية هي عند المؤمن من ضرب البديهيات أحيانا لوضوحها . فانظر ضيق العقل الكافر و حرمانه ! فتجد المؤمن يدرك بنور إيمانه ما يتعدى حدود فكره و نظره ، و تجد الكافر لا يستطيع أن يتجاوزهما ، هذا إن سلما له ، و ذلك كقول الله تعالى : يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا و هم عن الآخرة هم غافلون .

3 . أسباب الكفر :

إن كان الإيمان ينال بفضل من الله و رحمة ، فإن الكفر ترجع أسبابه إلى الإنسان نفسه . و من تلك الأسباب :

ا ـ إيثار الحياة الدنيا ، لقول الله تعالى : فأما من طغى و آثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى .

ب ـ اتخاذ الشيطان وليا من دون الله ، لقول الله تعالى : أفتتخذونه و ذريته أولياء من دوني و هم لكم عدو ؟ بيس للظالمين بدلا .

ج ـ عدم الاهتمام ، لقول الله تعالى : ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه و هم يلعبون ، لاهية قلوبهم .

د ـ عدم العلم ( أي إدراك حقائق الأشياء ) ، لقول الله تعالى : بل أكثرهم لا يعلمون الحق ، فهم معرضون .

ه ـ عدم صفاء الإدراك ، الذي يؤدي إلى انبهام الأمور ، فيظن المرء أمرا ما ، أمرا آخر ،و ذلك كقوله تعالى :فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا إن هذا لسحر مبين . لجهلهم بحقيقة السحر ، المخالفة لحقيقة الوحي .

و ـ الكبر ، لقول الله تعالى : فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا و ما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي و ما نرى لكم علينا من فضل ، بل نظنكم كاذبين . و كما قال أيضا : قال الذين استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون .

ز ـ الغفلة ، لقول الله تعالى : و لقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن و الإنس : لهم قلوب لا يفقهون بها ، و لهم أعين لا يبصرون بها ، و لهم آذان لا يسمعون بها ، أولئك كالأنعام بل هم أضل ، أولئك هم الغافلون . هذا رغم أن حواسهم في ظاهرها سليمة ، إلا أنها ، و بما أنها لم تؤد مهمتها الأساسية ، و هي أن تكون و سيلة لاعتبار صاحبها فيما يستعملها فيه ، قد أصبح حكمها حكم عدمها ، فكانت العين عمياء حكما ، و الأذن صماء بهذا الحكم أيضا ، و هكذا ...

ح ـ إرادة الدنيا ، لقول الله تعالى : من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا . و لقوله أيضا : الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة و يصدون عن سبيل الله و يبغونها عوجا أولئك هم في ضلال بعيد .

ط ـ الديانة بغير دين الحق ، لقول الله تعالى : و لا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب .و لقوله أيضا : و من يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه ، و هو في الآخرة من الخاسرين . و لقوله تعالى أيضا : إن الدين عند الله الإسلام .

ي ـ الشرك ، لقول الله تعالى : اتبع ما أوحي إليك من ربك ، لا إله إلا هو ، و أعرض عن المشركين .

4 . رفع للبس :

سمعت بعض العقول قوله تعالى : فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ، و من يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا....و أمثاله ، فقالت : بما أن الهداية و الضلالة بإرادة من الله ، فكيف يثاب العبد في حالة الهداية و يعاقب في حالة الضلال، و هو لا يد له فيهما معا ؟ و حكى الله تعالى عن قوم قولهم : سيقول الذين أشركوا : لو شاء الله ما أشركنا نحن و لا آباؤنا ، و لا حرمنا من شيء . كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا ، قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا ؟ إن تتبعون إلا الظن ، و إن أنتم إلا تخرصون ، قل فلله الحجة البالغة ، فلو شاء لهداكم أجمعين . و انظر كيف جعل الله حل هذه المسألة بالعلم ، إذ لو كان لهؤلاء القائلين علم بالأمر ما قالوا ما قالوا ، و لكن لما غلب عليهم الظن ، و هو علم غير ثابت الصحة ، قامت حجة الله عليهم بجهلهم . و لو كان لهم علم بالأمر لقالوا كما قال الله تعالى : إن الله لا يظلم مثقال ذرة . و لأدركوا معنى قوله تعالى : إن الله لا يظلم الناس شيئا ، و لكن الناس أنفسهم يظلمون . ذلك أن الله تعالى ما أخرج إلى الوجود إلا ما أراد ، و ما أراد إلا ما علم . و قد علم الله في المؤمنين صفة الإيمان ، فأوجدهم على هذه الصفة ، كما علم في الكافرين صفة الكفر ، فأخرجهم على صفتهم تلك . فما أتي الإنسان إلا من نفسه . و قد أشار إلى هذا المعنى قول رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم : ...فمن وجد خيرا فليحمد الله (لأنه هو الذي تفضل بإخراجه إلى الوجود )، و من وجد غير ذلك ، فلا يلومن إلا نفسه (لأنه على تلك الصفة في علم الله ) .< رواه مسلم >

فقول العقول القاصرة إن الله سبحانه وتعالى ، بما أنه نسب إلى نفسه الهداية و الضلالة يكون ظالما ، باطل من هذا الوجه .

و من وجه آخر : إن كل الوجود ، و ما ظهر من موجود إنما هو ملك لله تعالى ، فمن تصرف في ملكه ، فما ظلم ، بل الظالم من تصرف في ملك غيره و اعتدى عليه ، و هذا ما لا يصح في حق الله تعالى ؛ و إن كنا نرى أن الوجه الأول أقوى في الرد على هذه الشبهة .

و على كل حال ، فإن علم هذه المسألة ليس في مقدرة العقل المجرد ، أو العقل المعضد في هذه المرحلة ، و إنما هو من علوم الكشف التي سنتطرق إليها فيما بعد إن شاء الله تعالى .

5 . مرتبة الإنسان الكافر :

لما كان هذا الكون لم يوجد عبثا و لا من غير قصد ، كان الوقوف على دلالته و الحقيقة المؤسسة لوجوده مطلب الإنسان العاقل و مطمح المتأمل الآمل في بلوغ منزل الطمأنينة التي تعز على أكثر العقلاء . فكان الوجود بهذا المعنى كتابا إلهيا بينا لمن فتح الله بصره و سمعه و قلبه ، و إلى هذا ، الإشارة بقول الله تعالى :ا قرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الانسان من علق . اقرأ و ربك الأكرم . الذي علم بالقلم . علم الانسان ما لم يعلم . و إنه لأمر عجيب أن يغيب هذا المعنى عن أغلب الناس ، حتى صاروا يستدلون بهذه الآيات على تعلم القراءة و الكتابة ، و يجعلونها أساسا للدعوة إلى التعليم بالمعنى الجزئي ، في المؤسسات الخاصة بذلك ، ناسين أو متناسين أن الأمر الإلهي الوارد في الآيات السابقة ، موجه بالدرجة الأولى إلى رسول أمي و أمة أمية ، و غافلين عن كون الرسول صلى الله عليه و آله و سلم ، المعصوم ، قد امتثل الأمر الإلهي و قرأ .

فأي قراءة هي هذه ، غير التي أشرنا إليها ؟ و تدبر قول الله تعالى ، بعد الأمر بالقراءة : اقرأ باسم ربك الذي خلق ، لتعرف أن الكتاب المخلوق (الكون) هو المقصود بالقراءة ؛ و ما ذكرناه لا ينتقص من تعلم القراءة و الكتابة المعهودتين شيئا في كونهما واسطة لنيل العلوم أو سببا في حفظها و تدوينها .

و لما كان الإنسان الكافر عاجزا عن تدبر الكون ، كانت حواسه معطلة من حيث الحقيقة ، و إن سلمت من حيث الحس : إذ الإدراك هو المقصود من وراء الحواس ، لا عين الحواس ، فلما انعدم الإدراك انعدم سببه بانعدامه حكما ، و انظر قول الله تعالى عن الكافرين : و لقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن و الإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ، و لهم أعين لا يبصرون بها ، و لهم آذان لا يسمعون بها ، أولئك كالأنعام بل هم أضل . أولئك هم الغافلون . لما فقد الإنسان إدراكه الذي هو روح حواسه ، فقد تبعا لذلك إنسانيته و نزل عن مرتبته إلى مرتبة الدواب ، بل الدواب أعلم منه بالأمر ، لأنها على وحي غريزي لا تحيد عنه : و أوحى ربك إلى النحل ... و لم تنزل عن مرتبتها الأصلية كما نزل هو .

فانقسمت المرتبة الإنسانية لزوما إلى مرتبتين :

ـــ مرتبة الإنسان الآدمي الذي تحقق بإنسانيته .

ـــ مرتبة الإنسان الحيواني الذي هو إنسان بالصورة فقط ، لا بالحقيقة .

فكان الكافر بهذا في حقيقته حيوانا من جملة الحيوانات ، و من تدبر ما قلناه في الواقع ، لوجده كما قلنا ؛ و يكفي للدلالة على ذلك الإشارة إلى بعض الصفات التي تظهر على هذا النوع من الإنسان ، و التي لا تختلف عن صفات الحيوانات المتوحشة أحيانا ، و ليس قصدنا هنا التفصيل .

6 . العقل و الجنون :

بما أن للعقل مراتب يتميز بعضها عن بعض من حيث الإدراك ، بل تتفاوت في ما بينها ، فبديهي أن تنكر بعض العقول ما يدركه البعض الآخر : لخروج مدركات طائفة عن دائرة إحاطة طائفة أخرى ؛ لذلك نجد العقول المرتبة في المراتب الدنيا ، و المحصورة غالبا في قيود الحس أو الفكر ، تتهم العقول المرتبة في المراتب العليا بالجنون : و الجنون إن رجعنا إلى معناه اللغوي ، و هو البطون أو الستر ، و منه جن الليل ، و الجن (و المقصود منه المخلوقات النارية أو النورية على السواء) و الجنين (اسم مفعول) و هو الطفل المستور في بطن أمه ، إلى غير ذلك ... إذا رجعنا إلى هذا المعنى ، فإطلاق الجنون صادق لخفاء المدرك و بطونه في حق طائفة دون أخرى ؛ و لكن إن رجعنا إلى المعنى العرفي المقصود منه أن المجنون هو من أصيب بمس من الشياطين يؤدي به إلى تخبط في التفكير و خلط في التعبير ، فهو باطل ، و هو ما نفاه الله تعالى عن رسله عندما اتهمهم قومهم بالجنون كما في قوله تعالى : و ما أنت بنعمة ربك بمجنون ، لمثل من حكى عنهم قولهم :و قالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون .

يتضح من كل ما سبق ، أن الجنون مراتب بحسب العقول الناظرة فيه : فالعقل المؤمن ، مجنون بنظر العقل الكافر ، و المحسن مجنون بنظر المسلم ، و هكذا فلتقس على كل المراتب . و لا بد هنا من الإشارة إلى أن الرسل عليهم الصلاة و السلام ، أو المبلغون عنهم من أتباعهم ، يتنزلون إلى العقول المرتبة في المراتب الدنيا حتى يستطيعوا إبلاغهم ما يريدون إبلاغهم إياه ، رحمة منهم و رأفة و حسن تربية و حكمة .

الفصل الثاني : إسلام النفس : ( إن الدين عند الله الإسلام )

بعد أن تركنا العقل الكافر الذي نزل عن مرتبة الإنسانية إلى مرتبة الأنعام في سجنه الذي لا يستطيع الخروج منه إلا بإذن ربه ، و تابعنا العقل السليم الموفق عند ولوجه منزل الإيمان ، نواصل الآن مع هذا الأخير مسايرتنا له أثناء دخوله في المرتبة الأولى من الدين ، و هي الإسلام .

و إسلام العقل هو انقياده لله و رسوله صلى الله عليه و آله و سلم فيما يعلم و فيما لا يعلم ، في منشطه و مكرهه ، هذا الانقياد يورث القلب حال التوبة إلى الله (الرجوع إليه ) الذي سيلازمه في كل مراحل سلوكه التي سنعرفها لاحقا .

و الإسلام كدين ، هو دين جميع الرسل عليهم الصلاة و السلام ، و جميع أتباعهم ، و قد بدأ مع أولهم (الرسل) و أخذ يتدرج في المراحل عبر العصور و الأزمان ، حتى بلغ منتهاه و كماله على يد سيدنا محمد صلى الله عليه و آله و سلم ، الذي أنزل عليه : اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام دينا .

و هذا التدرج الذي للدين في مدارج الكمال ، إنما هو بسبب اختلاف استعدادات الآمم المختلفة : فكان كل رسول يبعث إلى قومه بما يناسب استعدادهم ، و لما كانت الأمة المحمدية أشرف الأمم عند الله تعالى ، و أكملها استعدادا ، و كان رسولها صلى الله عليه و آله و سلم ، هو سيد الرسل عليهم الصلاة و السلام أجمعين ، كان الدين المحمدي هو الإسلام الكامل ، و بما أنه كذلك ، امتنع أن يرسل بعده رسول ؛ إذ لو أرسل لكان إما مساويا له أو ناقصا عنه : و المساواة تكرار ، و التكرار لا يجوز في حق الله الواسع ، كما أن النقص معاكس للحكمة لقول الله تعالى : ما ننسخ من آية أو ننسها نات بخير منها أو مثلها . فتبين أن الحكمة تقتضي التدرج من النقص إلى الكمال لا العكس ، فظهر أن لا شرع بعد شرعه صلى الله عليه و آله و سلم .

جاء في حديث عمر رضي الله عنه : بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ذات يوم ، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب ، شديد سواد الشعر ، لا يرى عليه أثر السفر و لا يعرفه منا أحد ، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه و آله و سلم ، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ، و وضع كفيه على فخذيه و قال : يا محمد أخبرني عن الإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم : الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله ، و تقيم الصلاة ، و توتي الزكاة ، و تصوم رمضان ، و تحج البيت إن استطعت إليه سبيلا . قال : صدقت . فعجبنا له يسأله و يصدقه . قال : فأخبرني عن الإيمان . قال : أن تومن بالله و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر و تومن بالقدر خيره و شره . قال : صدقت . قال : فأخبرني عن الإحسان . قال : أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك .(...) قال : ثم انطلق فلبث مليا ثم قال : ياعمر ، أتدري من السائل ؟ قلت : الله و رسوله أعلم . قال : فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم . < أخرجه مسلم و الترمذي و النسائي >

فجعل الدين كل هذه المراتب : أي الإسلام و الإيمان و الإحسان ، ففهمنا أن من أكملها ، كان دينه كاملا ، و من عليه منها بقية ، كان دينه ناقصا بحسب ما بقي عليه
يتبع ان شاء الله
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الهدهد السليماني
الاداره
الاداره
الهدهد السليماني


عدد المساهمات : 1979
نقاط : 16663
التفاعل مع الاعضاء : 35
تاريخ التسجيل : 05/11/2010

ايمـــــــــانيات.... Empty
مُساهمةموضوع: تابع للموضوع   ايمـــــــــانيات.... Emptyالجمعة يناير 28, 2011 1:58 am

وننتقل بعون الله الى الخطوة الاولى
1 . مرتبة الإسلام :

استنادا إلى الحديث السابق ، فإن مرتبة الإسلام لها أركان خمسة سنعرض لها ، لكن بغير التفصيل الفقهي المعهود ، إذ هذا ليس محله . هذه الأركان هي :

ا ـ الشهادتان : طلب الشارع من العقل المؤمن إيمانا إجماليا أن يُعمل جارحة من الجوارح التي تقع تحت حكمه و هي اللسان ، و جعل عملها مع إقرار القلب بفحواه ، شرطا في دخول الإسلام كدين و كمرتبة . و الشهادتان في الحقيقة شهادة واحدة لها شقان لا يستقلان عن بعضهما :

ـــ الشق الأول : أشهد أن لا إله إلا الله : و هو نفي الألوهية عن الأغيار و إثباتها للإله الذي أخبر الرسول صلى الله عليه و آله و سلم باسمه الله .

ـــ الشق الثاني : أشهد أن محمدا رسول الله : و هو إثبات الرسالة التي هي التبليغ عن الله ، للرجل المكي القرشي المسمى محمدا صلى الله عليه و آله و سلم .

مقتضى الشهادة : هو عبادة الله وحده باتباع سيدنا محمد صلى الله عليه و آله و سلم ، و الاتباع في هذا الزمان ، و في هذه المرحلة للعقل ، يقتضي اتباع الفقيه العالم بالأحكام الشرعية المبيّن لها ، ذلك نظرا لانتقال شخص الرسول صلى الله عليه و آله و سلم عن الدنيا .

ب ـ الصلاة : و هي موعد ضربه الله تعالى للعبد خمس مرات في اليوم ، على هيئة مخصوصة ، ليعبده و يستعينه و يستهديه ، حتى يسلم له سيره قدما في طريق التقرب . و الصلاة أساس الدين بهذا الاعتبار ، الذي يجعلها مركز الاستمداد من الله للورود عليه ، فمن لا استمداد له لا أهلية له ، و من لا أهلية له ، لا قرب له .

ج ـ الزكاة : و هي العبادة التي تجعل الغير من أسسها المشروطة لها ، فبإخراج الغني جزءا من ماله للفقير على وجه الوجوب ، تعمل الزكاة على توسيع دائرة ال "أنا" عند الغني حتى تشمل الفقير معه ، و تكون بذلك عملا لاحما للبنيان المسلم ، مانعا له من التصدع بسبب الأحقاد التي تنتج عادة عن صراع الطبقات ، كما في المجتمعات غير الإسلامية .

د ـ الصوم : و هو عمل تنزهي تقدسي ، يقطع فيه الصائم استمداده من الأكوان ، و هو فتح للباب الخاص الذي للإنسان مع ربه ، و تخلص من الشوائب التي تصحب التعامل مع الكون .

ه ـ الحج : و هو عبادة كاملة يؤديها الإنسان بكليته ، مهاجرا فيها إلى ربه قلبا و قالبا ، منقطعا فيها إليه تاركا لما سواه (و هو معنى الإحرام فيه ) .

يتبين من خلال هذه الأركان أن عمل الجوارح ، قد انضاف إلى عمل العقل ، و هو بهذا (أي العقل ) قد مكن من التوصل إلى نتائج تعود عليه بتوسيع أفقه و إفساح مجال إدراكه ، فصارت الأعضاء و الجوارح له كالحواس ، إلا أن تحصيله عن طريقها يختلف ؛ و هو بهذا يخرج عن إدراك العقل المجرد أو العقل المسلم . لذلك تجد الكافر ينكر هذه الأعمال ، و المسلم يؤديها مستندا إلى الإيمان لا إلى العلم ، و نقصد بالعلم هنا ، العلم بحقيقتها .

هذه الأعمال تعود على المسلم بواردات نورانية تنمي إيمانه و تؤهله إلى إدراك ما لم يكن يستطيع إدراكه فيما قبل ، فانظر ما أحوج العقل إلى هذه الأعمال المشروعة ، إن هو أراد أن يرقى في مدارج الكمال .

2 . العقل في هذه المرتبة :

العقل في هذه المرتبة كالعقل المجرد ، هو نفس ، و ذلك لغلبة شهود التعين على شهود نور الوجود ، فكان بذلك أن استولت الظلمة على العقل . و هو في مرتبة العقل المجرد ، لا يدرك الأشياء إلا كما تُدرك في الليلة الظلماء ، فهو إدراك تعين في ظلمة ، و لم يداخل العقل من النور إلا بقدر ما يقع التمييز به بين المتعينات و بين الظلمة الأصلية . أما في مرتبة الإسلام ، و قد أمد الله تعالى العقل بنور الإيمان المجمل ، ثم بنور افسلام ، فيكون إدراكه كإدراك الأشياء في الليلة القمراء ، حيث يكون الإدراك هنا إدراك تعينات بنور لكن في ظلمة .

فالعقل في هذه المرتبة و الذي هو النفس ، لم يخرج بعد من سيطرة ظلمته الأصلية ، هذه الظلمة ، هي السوء المشار إليه على إجمال في قول الله تعالى : إن النفس لأمارة بالسوء . و السوء و الظلمة مشتركان في الأصل الذي هو العدم . و من أثر السوء على النفس ، إعمالها لفكرها في الأمور الدينية بقدر يخرج بها عن حدود الانقياد للوحي ، و ذلك كما فعلت الفرق الكلامية حتى فرقت دينها و كانت شيعا ، و كما فعلت المذاهب التي حاولت بناء عقيدتها على أساس فكري نظري .

3 . مدركات النفس في هذه المرتبة :

ا ـ معرفة الله معرفة علمية عن طريق الوحي و ما تضمنه من ذكر أسماء وصفات و أفعال .

ب ـ تبيّن العلاقة بين العبد و ربه ( العبودية ) .

ج ـ معرفة الآخرة و منازلها .

د ـ الاطلاع على أحوال الأمم السابقة مع رسلهم و أنبيائهم ، و الاعتبار بها .

ه ـ تمييز الأعمال و الأحوال التي ترضي الله تعالى و تقرب إليه ، من تلك التي تسخطه و تبعد عنه .

و ـ تجديد النظر إلى حياة الإنسان الدنيوية على ضوء الوحي ، مما يعطي هذه الحياة أبعادا أخرى لم تكن مدركة للعقل المجرد .

4 . آ فات النفس :

النفس في هذه المرتبة ، سائرة من درجة الأمر بالسوء التي قيل فيها : إن النفس لأمارة بالسوء .إلى درجة اللوم التي قيل فيها : و لا أقسم بالنفس اللوامة . فالسوء الذي ذكرناه سابقا داخل عليها من خلف ، و هو أصلها ؛ و اللوم داخل عليها من أمام ، و هي المرتبة التي تلي هذه ، لكن قبل الشروع في الحديث عنها ، لا بد من الكلام عن بعض آفات النفس و منها :

ا ـ إعمال الفكر في الأعمال المشروعة و العلوم المكتسبة ، و ذلك بنيتين :

أولا : بنية الإتقان : فيتكلف الإنسان في هذه الحالة ما لا يكاد يطيق من التدقيق في صور إقامة الأعمال ، قد تصل به على الوسوسة .

ثانيا : بنية تبين الحقيقة : و هو ما وقع فيه المتكلمون في تعاملهم مع الوحي محاولين في ذلك الوقوع على منطق لهذا الوحي ، يسكن من ثائرة نفوسهم ؛ فنتج عن ذلك :

نشوء الفرق : و ظهور التفرقة ، بحسب ما توصل إليه كل صنف من الفكر ، هذه التفرقة التي كانت و لا زالت أحد أسباب ضعف الأمة : إذ ما أسهل أن يتسرب التشكيك و الإيهام من فرقة إلى فرقة ، في هذه المرتبة ، حسب قوة الصراع الفكري المحتدم بين هذه و تلك ، مما يؤدي إلى إضعاف الجميع في النهاية .

فتح باب الضلالات : خصوصا العقدية منها ، و ذلك بسبب تحكيم الفكر على الوحي ، فما وافقه قبل ، و ما غمض عليه تكلف في إثباته ، إن لم يرد بكيفية أو بأخرى ، كالتأويل البعيد الذي يخرج بالألفاظ عن أصلها الموضوعة له ، أو كالجمود على ظاهر اللفظ الذي يخل بالمعنى المقصود للنسق التركيبي الذي يوجد ضمنه اللفظ ؛ و إن كان النوع الأول أخطر .

و إن كانت الآفة الأولى أدت إلى ضعف الأمة كجسد واحد ، فإن هذه الثانية تؤدي إلى ضعف في الإيمان و نقص في الإسلام ، لما كانت منافية لأصلهما الذي هو التصديق و الانقياد .

و لا بد هنا أن نلاحظ ما يلي :

ـــ أن الدين بطبيعته غيب و شهادة ، فالشهادة ما يعلم منه على وجه الإحاطة كالعلم بإقامة الصلاة و شروطها و أركانها مثلا ، و الغيب هو ما لا يحاط به كتأثير الصلاة في نفس الإنسان على وجه ربط السبب بمسببه .

ـــ أن الإدراكات متفاوتة بين الأشخاص : فما يدركه هذا قد لا يدركه ذاك ، و ما هو شهادة لهذا قد يكون غيبا لذاك ، خذ على ذلك مثلا عاميا مع فقيه ، يتبين لك الأمر .

إذا تقرر ما قلناه ، علمنا أنه لا منجى للإنسان إلا الانقياد للوحي انقياد المؤمنين حقا ، لا انقياد المؤمنين المقيدين بالنظر ، لأن هذا النوع الأخير في الحقيقة ، إنما هو منقاد لنفسه لا لربه ، و حكمه النهائي على الشيء له لا لربه ، و هو سوء أدب كبير مع الله تعالى ، إن لم يكن أكثر من ذلك .

ظن بلوغ النهاية : و ذلك كما يعتقد أغلب العامة إذا أدوا الأركان الخمسة لمرتبة الإسلام ، فيعتقدون أن دينهم(تدينهم) قد كمل ، و هو خلاف الحق مدلول حيث عمر رضي الله عنه الذي أوردناه سابقا ؛ و هم إن سلّموا بالزيادة و الترقي ، فإنما يحصرونهما في جنس الأعمال التي هي الأركان ، أو في العلم بالأحكام و إتقان أبوابه و فنونه . فالتفاوت بين الناس عندهم ، إنما هو بحسب الإقلال أو الإكثار من ذلك كله .

وقد أثرت هذه الآفة في الأمة الجمود ، حتى أصبح الدين أحيانا صورة لا روح لها ، و صارت الأعمال المشروعة هدفا في ذاتها ، بعد أن كانت وسيلة ، و صار هم أكثر الناس ، الإتيان بها بشكل شبه آلي ، للتفرغ بعد ذلك للدنيا و الانغماس في حلالها و حرامها .

الاعتداد بالعمل و المن به : يحدث هذا للمرء عندما يقوم بأداء الأركان ، و أحيانا بأداء القليل منها مع كثرة المخالفة ، فيداخله إحساس بأنه قد أدى ما عليه ، و أنه أفضل من كثير من خلق الله ، و أنه داخل في دائرة الصالحين من الأمة ، و أنه يستحق على ذلك العمل الأجر الجزيل عند ربه ؛ و هو ما يدخله في المن على الله . و ما وقع من وقع ، في مثل هذا إلا لظنه أن عمله مخلوق له ، و أن قدرته هي المخرجة لذلك العمل من العدم إلى الوجود . و ربما إن سألته في ذلك يقول : هو بتوفيق الله و فضله ، و لكن ليس كلام اللسان كما استقر في الجنان . و هو ما يفتح عليه باب الرياء أيضا . و لمثل هؤلاء يقول الله تعالى : و الله خلقكم و ما تعملون . و يقول أيضا : يمنون عليك أن أسلموا ، قل لا تمنوا علي إسلامكم ، بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين . أي هداكم للإيمان الذي هو أصل الإسلام ، هذا إن كنتم صادقين في إسلامكم .

فالمنة لله لا لغيره بأي اعتبار شئت .

حب الدنيا : و سبب ذلك قرب إدراك الحياة الدنيا من النفس ، و بعد إدراك الآخرة عنها . و رغم انتشار هذه الآفة و عمومها العالم (في العرف) والجاهل ، فقد أغفل الناس ذكرها و التحذير منها . و إن حب الدنيا يقيد القلب إلى السفل و يعوقه عن طلبمعالي الأمور ، بل و يتسبب له في معصية الله و مخالفة أمره من أجل قضاء مآرب زائلة . و هذا ما يناقض الإيمان بالآخرة و العمل لها ، اللذين بهما نجاة النفس .

و قد حذر الله عباده من الوقوع في حبال الدنيا بأمثال قوله تعالى :إنما الحياة الدنيا لهو ولعب . فمن صرف عمره و اهتمامه لها ، فهو طفل من حيث الاعتبار العقلي ، إذ لا يشتغل باللهو و اللعب إلا الأطفال . و قال عنها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم : الدنيا سجن المؤمن و جنة الكافر .< أخرجه مسلم > و قال عنها أيضا : الدنيا ملعونة ، ملعون ما فيها إلا ما كان لله منها .< أخرجه الترمذي و حسنه>

5 . رجال هذه المرتبة :
رجال هذه المرتبة هم عموم المسلمين ، و أئمتها هم الفقهاء ( بالمعنى العام ) العالمون بأحكام الشرع المبيّنون لها .

6 . الفكر في مرتبة الإسلام :

حتى لا يقول المغرضون إن الإسلام ضد العقل ، و ما يعنون بالعقل إلا الفكر ، لكنهم لا يميزون بين المعاني ، فسنبين مجال الفكر في هذه المرتبة :

فإضافة إلى تدبير شؤون الحياة العادية ، و الاشتغال بالعلوم الدنيوية ، اللذين أثبتناهما للعقل المجرد ، فإن للفكر في مرتبة الإسلام مجالا آخر في إطار الدين و هو :

ا ـ استنباط الأحكام من النصوص الشرعية ، ذلك أن النص قد لا يكون واضح الدلالة بالنسبة لجميع الناس ، فيحتاج إلى إعمال الفكر بوسائله المعهودة المذكورة في الباب الأول ، للتوصل إلى الحكم الشرعي .

ب ـ تنزيل الأحكام المتبيَّنة على الوقائع المختلفة باختلاف الزمان و المكان و الحال ، مما يجعل الأحكام بحاجة إلى متابعة دائمة ، و إعمال الفكر باعتبار كل المتغيرات : و هو ما اختصت به المذاهب الفقهية المعروفة عبر الأزمان ، مع بعض القصور في عصرنا الحالي .

ج ـ التصدي للأفكار الفاسدة الواردة على الأمة الإسلامية من فبل الأمم الأخرى ، و العقائد الدخيلةالتي قد تشكل خطرا على سلامة الأمة ، كما يفعل ذلك كثير من المفكرين في عصرنا ، عصر العولمة ، أعانهم الله على ذلك .

د ـ العمل على تنظيم الأمة سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا ، بشكل متوافق مع الإسلام عقيدة و عملا ، و هو ما نحتاج إليه كثيرا في عصرنا ، الذي ورثنا فيه من المستعمر نظما تعارض الإسلام صراحة ، مما يجعل المسلم يعيش حالة ازدواج موهنة ، بحيث إنه لا يصل إلى نتائج تذكر في حياته ، برغم بذل المجهود .

الفصل الثالث : إيمان القلب : ( و من يومن بالله يهد قلبه )

إذا كانت المرتبة الأولى للعقل هي مرتبة النفس ، فإن هذه المرتبة مرتبة القلب ، كما أن مرتبة الإيمان هي قلب الدين : فهي بين إسلام و إحسان ، بل هي عينهما لكن باعتبارين مختلفين ؛ ثم إن هذا الإيمان الذي نحن بصدده ، هو تفصيل الإيمان المجمل الذي ذكرناه سابقا ، و الذي هو عمدة مرتبة الإسلام .

و هذا التفصيل تجسيد لقرب العبد من ربه ، إذ البعد يعطي الإجمال و القرب يعطي التفصيل . و هذا الإيمان هو الذي ورد ذكره في قول الله تعالى : قالت الأعراب آمنا ، قل لم تومنوا ، و لكن قولوا أسلمنا ، و لما يدخل الإيمان في قلوبكم . و "لما" التي تفيد الترقب ، جعلتنا ندرك أن هذا الإيمان بعد الإسلام ، و هو على الحقيقة تحقيق له و ترسيخ و تصحيح .

و بالرجوع إلى حديث عمر رضي الله عنه ، الذي أوردناه في أول الباب ، يتضح أن لمرتبة الإيمان هذه ستة أركان هي أصل شعب الإيمان التي تتفرع في الدين جميعه عبر مراتبه الثلاث ، و التي أشار إليها قول رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم : الإيمان بضع و سبعون شعبة ، أفضلها قول لا إله إلا الله و أدناها إماطة الأذى من الطريق . < أخرجه الشيخان >

1 . العقل في هذه المرتبة :

بعد أن كان للعقل بابان في مرتبة التجرد ، و هما الحواس و الفكر ، انفتح له في مرتبة الإسلام باب العمل الشرعي الذي يثمر له نورا يزيد في انفساحه كما رأينا ، صار العقل الآن بموجب مرتبة الإيمان مقبلا على أفق جديد ، سيزيده قوة في إدراكه الأول ، و إدراكا جديدا هو : الوجدان .

و الوجدان : إدراك حسي ، لكن لا بالحواس الظاهرة التي تجاوزناها في مرتبة العقل المجرد ، بل بحواس باطنة للقلب ، كانت شبه معطلة إلى حد الآن .

و قد نبه القرآن إلى هذه الحواس في مواطن كثيرة منها قوله تعالى : فإنها لا تعمى الأبصار ، و لكن تعمى القلوب التي في الصدور . فانظر كيف جعل العمى الحقيقي الذي هو عدم الإدراك للقلوب و ليس للأبصار الظاهرة ، و بهذا فإن الأبصار إن عميت و لم تعم القلوب ، فإن ذلك لن يحجب الإنسان عن إدراك الحقيقة ، بعكس ما إذا عميت القلوب و صحت الأبصار . و منها قوله تعالى : أولئك الذين طبع الله على قلوبهم و سمعهم و أبصارهم ، و أولئك هم الغافلون .هذا رغم سلا مة حواسهم الظاهرة كما أسلفنا . و منها قوله تعالى أيضا : و منهم من يستمعون إليك (بآذانهم ) أفأنت تسمع الصم ( من حيث قلوبهم ) و لو كانوا لا يعقلون ؟ و منهم من ينظر إليك ( بأعينهم ) أفأنت تهدي العمي ( من حيث الباطن ) و لو كانوا لا يبصرون ( حقيقة ) ؟

و قد ذكر هذا الوجدان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في قوله : ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله و رسوله أحب إليه مما سواهما ، و أن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، و أن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار . < أخرجه البخاري >

بقي أن نقول ، إن هذه الحواس الباطنة التي يتحقق بها الوجد ( أو الوجدان أو الوجود ) ، بالنسبة إلى الحواس الظاهرة ، هي لها كالروح للجسد أو المعنى للفظ ، كما سنبين فيما يلي :

تابعوا بإهتمام


عدل سابقا من قبل الهدهد السليماني في الجمعة يناير 28, 2011 2:04 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الهدهد السليماني
الاداره
الاداره
الهدهد السليماني


عدد المساهمات : 1979
نقاط : 16663
التفاعل مع الاعضاء : 35
تاريخ التسجيل : 05/11/2010

ايمـــــــــانيات.... Empty
مُساهمةموضوع: تابع   ايمـــــــــانيات.... Emptyالجمعة يناير 28, 2011 2:02 am

2 . الحواس الظاهرة و الباطنة :

إذا تأملنا الحواس الظاهرة ، وجدناها مختلفة المدارك ، على ترتيب معين في قرب هذا الإدراك من العقل : فالطفل أول ما يستعمل من حواسه ، حاسة اللمس ، و هي أعم الحواس بعموم الجلد الجسم كله ، و أكثرها مباشرة للمحيط الذي يحيط بالإنسان ؛ ثم تليها حاسة الذوق ، و هي أخص منها ، و إن كانت تعتمد على المباشرة أيضا ؛ ثم تليها بعد ذلك حاسة الشم ، و هي غير مباشرة ، أو قل مباشرة لكن على لطافة في هذه المباشرة : لأنها تدرك الغازات الناتجة عن الأجسام ( و هي جزء متحول منها ) لا الأجسام ذاتها ؛ ثم تلي حاسة الشم حاسة السمع و هي ألطف منها في الإدراك ( لأنها تدرك الأصوات الناتجة عن تأثير الأجسام في الهواء ، لا الأجسام ذاتها ) ؛ ثم تليها حاسة البصر ، و هي ألطف الجميع مع عدم مباشرتها للأجسام ، إلا ما ينعكس من الضوء المسلط عليها إلى العين .

فانظر التدرج الحاصل في إدراك المحيط عبر الحواس من الكثافة إلى اللطافة .

و إذا رجعنا إلى الحواس الباطنة ، وجدنا الوجد العام هو أعم هذه الحواس ، ثم يليه الذوق الخاص ، ثم يليه الشعور ، ثم يليه الفهم ، ثم تليه الفراسة .

3 . أركان الإيمان :

ا ـ الإيمان بالله :

هذا الإيمان هو إدراك انفعالي لصفة الوجود خاصة ، و لباقي الصفات بالتبعية ، و هو إن قورن بالإيمان المجمل ، كان هذا الثاني

منه ، كالقول من الفعل لما بينهما من فارق .

ينتج هذا الإدراك الجديد للمرء انجذابا إلى الجناب الأقدس ، يخلخله عن الاعتماد على نفسه ، و يورثه حال التوكل على ربه في جميع أموره ، لما يشهده من استتباع أحكام الربوبية لأحكام العبودية ، و هو ما يناقض الاستقلالية التي كان يظنها لنفسه فيما سبق من المراتب .

و قد ذكر القرآن هذه الحال في قوله تعالى : و على الله فليتوكل المومنون . أي المومنون به . و هذا التوكل أمر منطقي يقبله العقل بسهولة بعد حلوله في هذه المرتبة ، بل و يستغرب كيف أنه كان غائبا عنه في ما مضى .

ب ـ الإيمان بالملائكة :

و هي مخلوقات نورية ، منها مسخرة و غير مسخرة ، و هي على مقامات مختلفة فيما بينها و متفاوتة ؛ هذه المخلوقات لا تأكل و لا تشرب و لا تتناسل ، و هذه كلها صفات نزاهة و تقدس .

و الإدراك الانفعالي لهذا الركن ، يثمر حال الزهد ، للمناسبة التي بين الملائكة و الزاهد ، فنجد المرء في هذه المرحلة يقلل من التعلق بالأسباب ، بسبب ميل نظر قلبه إلى مسببها ، و يكتفي منها بما هو ضروري أو يقارب ، و ذلك لمتطلبات البشرية و مراعاة لأحكامها .

و الزهد المشار إليه هنا يعقب القلب راحة و طمأنينة بقدر تحرر القلب من العلائق ، و هو مضمون قول الله تعالى : لكي لا تأسوا على ما فاتكم ، و لا تفرحوا بما آتاكم .

و هذا الركن الثاني مرتبط ، بل مشروط ، بسابقه ، كما أن ثمرته مشروطة بسابقتها .

ج ـ الإيمان بالكتب :

و الكتب ما نزل على الرسل عليهم الصلاة و السلام من الوحي الإلهي ، على وجه العموم و الإجمال . و الوحي إما إخبار و تعريف وجب قبوله ، و إما تكليف وجب القيام به و أداؤه .

و بما أن التكليف أمر و نهي ، فقد اقتضى القيام به الصبر ، لمجاهدة النوازع المخالفة ، الداعية إلى النقيض ؛ فكان حال هذا الركن هو :الصبر .

و الصبر ثلاثة أنواع : صبر على الطاعة ، و صبر عن المخالفة ، و صبر على القضاء . و الذي يعنينا هنا هو النوعان الأولان . و قد جاء في الحديث الشريف قوله صلى الله عليه و آله و سلم : الصوم نصف الصبر < أخرجه الترمذي و حسنه > . و الصوم لغة : الترك ، بقي أن النصف الآخر هو الفعل . و هو ما يؤكد ما ذهبنا إليه في تقسيم الصبر ؛ ثم تأمل قوله صلى الله عليه و آله و سلم : الصبر نصف الإيمان . < أخرجه أبو نعيم و الخطيب بسند حسن > و انظر مرتبة حال الصبر من أركان الإيمان ، تجدها الثالثة ، و الثلاثة نصف الستة ، تزدد يقينا .

د ـ الإيمان بالرسل :

الرسل عليهم الصلاة و السلام ، و هم الأمثال البشرية التي ضربها الله للناس ، لقوله تعالى في حق سيدنا عيسى عليه السلام : ... و مثلا لبني إسرائيل . هؤلاء الأمثال إلى جانب تبليغهم لنا ما أمروا بتبليغه ، قد جسدوا التفاعل على الكمال مع الدين ، و ظهرت عليهم ثماره على التمام ، على تفاوت فيما بينهم في كل ذلك : تلك الرسل ، فضلنا بعضهم على بعض . فالكمال الأكمل لسيدنا محمد صلى الله عليه و آله و سلم ، و الكمال الذي دونه ، لمن سواه من الرسل و الأنبياء و الوارثين .

و الرسل في حقنا نوعان :

ـــ رسل بلغنا خبرهم : وجب علينا تجاهه التصديق .

ـــ و رسول نتبعه و ننتسب إليه صلى الله عليه و آله و سلم ، و جب علينا تجاهه التصديق و المتابعة ، سواء فيما اختص به صلى الله عليه و آله و سلم من شرع ، أو فيما أقره صلى الله عليه و آله و سلم من شرع سابقيه ، و هو شرع له أيضا باعتبار تقريره .

و لنعد إلى الخصائص التي للرسل و هي :

التبليغ : لو أرسل الله إلى الناس ملكا مثلا ، و بلغ عنه أوامره ، و أدرك الناس و وعوا ما بلغوا ، لبقي مع ذلك جانب يخفى عليهم و يصعب استيعابه ، و هو تنزيل تلك الأحكام المبلغة على بشرية الإنسان ، بكيفية عملية تؤدي إلى القيام بأمر الله على الوجه المراد له سبحانه ؛ و لا يخفى ما في غياب هذا الجانب من عنت لمن يريد سلوك السبيل إلى رب العالمين .

فالرسل بهذه المثابة ، كتب عملية تُقرأ ، و تأمل بهذا الخصوص قول سيدتنا عائشة رضي الله عنها في حق رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ، حين قالت : " كان خلقه القرآن " ، تعلم أنه صلى الله عليه و آله و سلم كان نسخة قرآنية خلقية ( أي علمية عملية ) لأن الأخلاق لها أصل علمي و ثمرة عملية ز و هذا المعنى الذي ذكرناه في التبليغ ، هو الذي أشار إليه قول الله تعالى : قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا . لتحقيق التبليغ على الكمال .

الشهادة : الرسل بهذا الاعتبار كالموازين الحية أو المسطرات المرقمة التي يقيس إليها الناس أنفسهم ، حتى يعرفوا مقدار ما بلغوه من الكمال . و هذا الذي ذكرناه معنى من معاني الشهادة التي لهم على أقوامهم و أممهم ، و ذلك كما قال الله تعالى : ليكون الرسول عليكم شهيدا . . أي مرجعا ترجعون إليه حتى تعلوموا مراتبكم و منازلكم منه .

الشفاعة : و المعنى الذي نقصده بالشفاعة ، زيادة على المعنى الشائع الذي هو طلب العفو و التجاوز و المغفرة من الرسل لأممهم عند الله تعالى ، هو فتح مغاليق طريق السلوك و السير إلى الله تعالى ، بسؤاله سبحانه و تعالى لأتباعهم حتى ينالوا من ثمرات السلوك ما لم تبلغه هممهم و لا أعمالهم .

و تأمل ما في إرسال الرسل عليهم الصلاة و السلام من رحمات مطوية ، لا يسع المرء حيالها ، إلا شكر الله على نعمه التي هم أعظمها ؛ حتى إن بعض المفسرين قال في تفسير قول الله تعالى : قل بفضل الله و برحمته ، فبذلك فليفرحوا ، هو خير مما يجمعون . قال : فضل الله و رحمته هو رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ، و هو ما أشرنا إليه .

و الشكر الذي هو حال هذا الركن ، شكران :

ـــ شكر علمي : هو أن يعلم الإنسان أن النعمة من الله وحده .

ـــ و شكر عملي : هو الرغبة في الاستزادة من العمل ، حبا في مقابلة النعمة بما يناسبها من الطاعة و الموافقة .

ه ـ الإيمان باليوم الآخر :

إن الموت الذي كان يقف في وجه الفكر في مرحلة العقل المجرد ، و الذي لم يكن يجد له تفسيرا ، بل كان كثيرا ما يتجنب الخوض فيه و يحاول تناسيه ، صار فيما بعد من المراتب ، و بعد توسع آفاق العقل ، يجد له معنى يتماشى و المنطق الإيماني ، و ترتيبا مناسبا ضمن التسلسل الحياتي للإنسان بمعناه الشامل .

هذا الموت هو الفاصل بين المرحلتين الهامتين من حياة الإنسان : الحياة الدنيوية ، و الحياة الأخروية : حياته الدنيوية التي هي محل التكليف ، و حياته الأخروية التي هي محل الجزاء . و يوم الجزاء ( يوم الدين ) أو يوم الحساب ، هو الحاسم لمصير الإنسان : فإما نعيم مقيم أو عذاب أليم .

لذلك كان الإدراك الانفعالي لهذا اليوم ، يورث حالين : حال رجاء ( للنعيم ) ، و حال خوف ( من العذاب ) ؛ و الخوف و الرجاء معا سيمكنان القلب من تمام الاعتدال على الصراط المستقيم ، الذي هو سالكه إلى ربه ، إن استويا عنده . كما أنهما من أنفع العلاجات القلبية في الأحوال المختلفة العارضة لها : فهو عندما يرى نفسه ( أي الإنسان ) و قد داخله العجب إن هو أحسن العمل و أجاد ، أخرج الخوف و ألقاه على تلك الحال ، فعاد بذلك إلى الصحة القلبية و العافية ؛ و إن هو ارتكب ما يقنطه أو يجعله يدبر عن ربه ، أخرج الرجاء فألقاه على تلك الحال ، فعاد بذلك على استئناف ما كان عليه قبل الوقوع في الزلل .

و ـ الإيمان بالقدر :

القدر هو خروج الأشياء من الغيب إلى الشهادة ، بحسب ما يقتضيه العلم الإلهي ، و ترتبه الحكمة الإلهية ، و هو نوعان :

ـــ خير : و هو ما لاءم غرض المرء حالا أو مآلا ، أو هما معا .
ـــ شر : و هو ما خالف الغرض .

و الإدراك الوجداني للقدر يثمر للقلب حال التسليم ، الذي يريح الإنسان من مصارعة القدر ، هذه المصارعة التي لا يخرج منها بطائل ، بل على العكس من ذلك ، تورثه الهم و الغم دون تحقيق مراد ؛ و لسنا هنا بصدد الرد على العقول المجردة التي تنازع فيما نقوله بغير علم ، إذ هذه ليست مرتبتها .

ثم نقول إن التسليم إذا استحكم من القلب و صاحبته المحبة أثمر حالا أعلى و هو الرضى الذي ذكر في قوله تعالى : رضي الله عنهم و رضوا عنه . و هو تمام مرتبة الإيمان ، و قمة راحة القلب و الاطمئنان أ لا بذكر الله تطمئن القلوب . و كل الأحوال التي عرضنا لها في مرتبة الإيمان هي من قبيل ذكر الله تعالى القلبي الوجداني .

4 . المأخذ الثالث للعقل :

كنا قد عرفنا خلال الباب الأول أن للعقل مأخذين هما : الحواس و الفكر ، و أرجأنا الحديث عن المأخذ الثالث إلى ما بعد تلك المرحلة ، و ها قد جاء الأوان لنبين أن المأخذ الثالث للعقل هو : الإلقاء أو الكشف .

ففي مرتبة الإيمان يفتح الله للقلب أبوابا لا يستطيع ولوجها بفكره ، و لا استكشافها بحواسه ، بل بتعليم من الله له ، رحمة منه و فضلا ، كما أشار إلى ذلك في قوله تعالى : و اتقوا الله و يعلمكم الله . و كما نبه إلى ذلك رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بقوله : إن من أمتي محدّثين و مكلمين ، و إن عمر منهم . < أخرجه البخاري >

فليس للقلب في هذه المرتبة تعمل ، بل له القبول لما يفتح الله له ، و كفى بأهل هذه المرتبة شرفا ، أن يتولى الله تعليمهم . فأين هم ممن يأخذ علمه عن مخلوق مثله !

5 . الأخلاق المنبثقة عن مقامات الإيمان :

من الأخلاق المتفرعة عن الأحوال التي ذكرناها عند الكلام عن أركان الإيمان ، على سبيل التنبيه لا الاستيفاء ، ما يلي :

حسن الظن بالله ـ السكينة ـ العفو ـ القناعة ـ الحياء ـ احتمال الأذى من الغير ـ الحرص على التزود من التقوى ـ إمهال الغير و إيجاد الأعذار لهم ـ عدم المن على الغير ـ النفور من المخالفات و لزوم الطاعات ـ عدم الانتصار للنفس ـ عدم المنازعة للغير إلا بأمر شرعي ـ حب الخير للغير ـ الحب في الله و البغض فيه ـ النصيحة ...إلى غير ذلك من الأخلاق .

و لا شك أن من اتصف بهذه الأخلاق ، واجد لحلاوة الإيمان التي أشار إليها الحديث النبوي الذي ذكرناه في أول الفصل ، و ذائق لطعمه كما أبان ذلك قوله صلى الله عليه و آله و سلم : ذاق طعم الإيمان : من رضي بالله ربا ، و بالإسلام دينا ، و بمحمد رسولا . < أخرجه مسلم و الترمذي >

و من خلال الحديثين المذكورين آنفا ، يتضح أن ذوق الطعم هو وجد عام ، و وجدان الحلاوة هو ذوق خاص ، و إن تأملت شروط الوجد و شروط الذوق المذكورة في الحديثين ، تبين لك ما قلناه بمقارنة تلك الشروط إلى بعضها ، و ذلك مثلا كمقارنة الرضى بالإسلام دينا مع كراهة أن يعود في الكفر . فلا يخفى أن هذا الثاني متضمن لسابقه و زيادة .

6 . أ ركان الإسلام في مرتبة الإيمان :

لا شك أن أركان الإسلام ستكتسب في هذه المرتبة الإيمانية ، بعدا لم يكن لها في البداية ، فمن ذلك :

ـــ صارت الشهادة حالية بعد أن كانت مقالية فقط .

ـــ صارت الصلاة بالخشوع الذي هو روحها ، بعد أن كانت صورة فقط .

ـــ صارت الزكاة تعاملا مع الله تعالى بأدب ، بعد أن كانت تعاملا مع العبد بأمر الله فقط ، و صارت أخذا في بذل ، بعد أن كانت بذلا فقط .

ـــ صار الصوم يعم جميع الجوارح بعد أن كان مقتصرا على الشهوتين فقط .

ـــ صار الحج ، حجا على الله تعالى بعد أن كان حجا إلى البيت فقط .

كل هذا العمق ، إنما اكتسبته الأعمال من الانفساح الذي طرأ على القلب و انعكس عليها ، و هذا هو بعينه ما أشار إليه الحديث النبوي الشريف :الإيمان إقرار باللسان و تصديق بالقلب و عمل بالأركان . < رواه السيوطي في الجامع الصغير و ابن ماجة في سننه >

7 . رجال هذه المرتبة :

رجال هذه المرتبة هم المريدون الذين اشتغلوا بعمارة بواطنهم عبر عمليتي التخلية و التحلية : تخلية من الرذائل و تحلية بالفضائل ، و جاهدوا نفوسهم في سبيل ذلك طامعين في أن يكونوا ممن قال الله تعالى فيهم : و الذبن جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا .

و أئمة هذه المرتبة هم عامة الصوفية الذين تحققوا بالمقامات المذكورة سابقا ، و صاروا دعاة إليها بعد ذلك ، و هم أطباء القلوب العالمون بأدوائها و أدويتها .

8 . ضرب مثل :

إذا كان سلوك العقل في مرتبة التجرد ، كالناظر في الظلمة ، و سلوك النفس كالناظر في الظلمة على نور ، فإن سلوك القلب كالناظر في وقت السحر ، و هو وقت اختلاط النور بالظلمة : فتقلّبه و تردده بين ظلمة و نور أعطاه هذه المرتبة التي ليس بعدها إلا طلوع الشمس ، الذي هو منتهى الإدراك العقلي .

9 . آفات هذه المرتبة :

من آفات هذه المرتبة :

ا ـ القناعة بما تحقق من الوجدان و ثمرات الإيمان .

ب ـ الركون إلى الكرامات .

ج ـ النجذاب إلى الباطن انجذابا يخل بالظاهر .

د ـ الاغترار بالإحوال .

ه ـ الشرك الخفي الذي لا زال القلب لم يتخلص منه بعد .

و ـ المبالغة في احتقار النفس بقدر يجعل المرء يرد دواعي الترقي الباطنية التي ترد عليه .

ز ـ التراجع أمام البلاء : لارتباطه بهذه المرتبة ، و ذلك لقول الله تعالى : أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا و هم لا يفتنون ؟! و لقد فتنا الذين من قبلهم ، فليعلمن الله الذين صدقوا و ليعلمن الكاذبين .

و ارتباط البلاء بمرتبة الإيمان ارتباط عضوي : فبما أن الإيمان تصديق ، صار لزاما تمحيص دعوى التصديق هذه ، هل هي حقيقية أم لا ؟ و لا سبيل إلى ذلك إلا بالبلاء الذي هو الاختبار . فبعد البلاء يتبين الصادق من الكاذب ، كما ورد في الآية المذكورة سابقا . فإن قلت : كيف رُبط البلاء بعلم الله للصادق و الكاذب ، و هو العليم بخلقه قبل إيجادهم ؟

ولنا ان شاء الله القول في البلاء في موضوع منفصل
لاتنسوني اخواني بصالح الدعاء
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
ايمـــــــــانيات....
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الملتقى الصوفى للنور المحمدى :: ๑۩۩۩۩ الملتقى الاسلامى العام ۩۩۩۩๑ :: ๑۩ الملتقى العام ۩๑-
انتقل الى: