وجدت فى كتاب عن السرى السقطى،انه قال:ضاقت على نفسى يوما،فقلت فى نفسى:اخرج الى المارستان،وانظر الى المجانين فيه،واعتبر باحوالهم.
فخرجت الى بعض المارستانات،وادا بامراة مغلولة يدها الى عنقها،وعليها ثياب حسان،وروائح عطرة،وهى تنشد:
اعيدك ان تغل يدى***بغير جريمة سبقت
تغل يدى الى عنقى***وما خانت وما سرقت
وبين جوانحى كبد***احس بها قد احترقت
وحقك يا مدى املى***يمينا برة صدقت
فلو قطعتها قطعا***وحقك عنها لا نطقت
فقلت لصاحب المارستان:ماهده؟ فقال:مملوكة خبل عقلها،فحبست لتصلح.
فلما سمعت كلامه انشدت:
معشر الناس ماجننت ولكن***انا سكرانة،وقلبى صاح
لم غللتم يدى ولم ات دنبا***غير هتكى فى حبه وافتضاحى
انا مفتونة بحب حبيب***لست ابغى عن بابه من براح
فصلاحى الدى زعمتم فسادى***وفسادى الدى زعمتم صلاحى
ما على من احب مولى الموالى***وارتضاه لنفسه من جناح
قال السرى:فسمعت كلاما ابكانى.
فلما رات دموعى ،قالت :يا سرى،هده دموعك على الصفةنفكيف لو عرفته حق المعرفة؟؟
فقلت:هدا عجب ،من اين عرفتنى؟؟
قالت:ما جهلت مند ان عرفت ان اهل المحبة يعرف بعضضهم بعضا.
فقلت:ياجارية اراك تدكرين المحبة،فلمن تحبين؟؟
قالت:لمن تعرف الينا بالائه،وتحبب الينا بنعمائه،وجاد علينا بجزيل عطائه،فهو قريب،الى قلوب محبيه،تسمى باسمائه الحسنى،وامرنا ان ندعوه بها،فهو حكيم كريم،قريب مجيب.
قال:فقلت لها:فيما حبست؟؟
فقالت:قومى عابو عليا ما سمعت منى.
فقلت لصاحب المارستان:اطلقها.ففعل،فقلت:ادهبى حيث شئتى.فقالت:ان حبيب قلبى قد ملكنى لبعض مماليكه،فان رضى مالكى،والا صبرت واحتسبت.
فقلت،هده والله اعقل منة،فجاء مالكها ومعه ناس كثير،فقال لصاحب المارستان:واين بدعة؟فقال:دخل عليها السرى فاطلقها.
فلما رانى عظمنى،و هى والله اولى بالتعظيم منى،فما الدى تنكره منها؟فقال:كثرة فكرتهانوسرعة عبرتها وزفرتها و حنينها،فهى باكية راغبة،لا تاكل مع من ياكل،ولا تشرب مع من يشرب،وهى بضاعتى اشتريتها بكل مالى_بعشرين الف درهم_،وامل ان اربح فيها مثل ثمنها.
فقلت:وما كانت صنعتهاظقال:مطربة.قلت:ومند كم بها هدا الداء؟فقال:مند سنة.فقلت:ماكان بدؤه:قال:كان العود فى حجرها وهى غنى وتقول:
حقك لا نقضت العهد دهرا***ولا كدرت بعد الصفو ودا
ملات جوانحى والقلب وجدا***فكيف اقر او اسلو واهدا
فيا من ليس لى مولى سواه***تراك تتركنى فى الناس عبدا
قال:فكسرت العود وقامت وبكت،فا تهمتها بمحبة انسان.فكشفت عن دلك فلم اجد له اثرا.قال:فقلت لها:هكدا كان؟
فقالت:
خاطبنى الوعظ من جنانى***وكان وعظى على لسانى
قربنى منه بعد بعد***وخصنى الله وا صطفانى
احبب لما دعيت طوعا***ملبيا للدى دعانى
وخفت ماجنيت قدما***فوقع الحب بالامانى
قال:فقلت له:على الثمن وازيدك.قال:فصاح:وا فقراه؟من اين لك ثمن هده؟فقلت:لا تعجل على،تكون فى المارستان حتى اتى بثمنها،ثم مضيت وعينى تدمع:وقلبى يخشع.وبت ولم اطمع غمضا،و واله ما عندى من ثمنها درهم.
وبقيت طول ليلتى اتضرع الى الله تعالى،واقول:يارب.انك تعلم سرى وجهرى،وقد اتكلت على فظلك،وعولت عليك،فلا تفضحنى.فبينما انا عند السحر ادا بقارع يقرع الباب،فقلت:من بالباب؟فقال:حبيب من الاحباب،اتى فى سبب من الاسباب،من الملك الوهاب.ففتحت الاب،فادا برجل معه خادم وشمعة.فقال:يا استاد اتادن لى بالدخول؟فقلت:ادخل،من انت؟
قال:انا احمد ابن المثنى،قد اعطانى ملك الدار فاكثر،كنت الليلة نائما،فهتف بى هاتف فى المنام:احمل خمس بدرات الى السرى،يعطيها لمولى بدعة،يكفها من الاسر ورق العبودية الساعة،فجئت مبادرا بهدا المال،فاصنع به ماشئت.
قال:فخررت لله ساجدا وارتقبت الصبح.
فلما تعالى ضوء النهار،اخدت بيد احمد ومضيت به الى المارستان.فادا الموكل به يلتفت يمينا وشمالا.فلما رانى قال:مرحبا
ادخل فان لها عند الله عناية.هتف بى البارحة هاتف،وهو يقول
انها منا ببال*** ليس تخلو من نوال
قربت ثم تسمت***وعلت فى كل حال
فحفظت هدا القول وكررته الى ان اتيتم.فدخلت عليها وهى تقول:
قد تصبرت الى ان *** عيل فى حبك صبرى
ضاق من غلى وقيدى *** وامتهانى فيك صدرى
ليس يخفى عليك امرى *** يا منى قلبى ودخرى
انت لى تعتق رقى *** وتفك اليوم اسرى
قال:واقبل مولاها يبكى ويخشع،فقلت له:قد جئناك بما ورثت وربحت خمسة الاف.فقال:لا والله.فقلت:بربح عشرة الاف.فقال:لا .فقلت:بربح المثل .فقال:لو اعطيتنى الدنيا ماقبلت،وهى حرة لوجه الله تعالى.
فقلت له:ما القصة؟.فقال:يا استاد.بخت البارحة،واشهدك انى خارج من جميع مالى،وهارب الى الله تعالى،اللهم كن لى بالسعة كفيلا،وبالرزق جميلا.
فالتفت الى ابن المثنى فوجدته يبكى،فقلت له:ما بكاؤك؟
فقال:ما رضى بى المولى لما ندبنى اليه،واشهدك انى قد تصدقت بجميع مالى لوجه الله تعالى.
فقلت:ما اعظم بركة بدعة على الجميع،فقامت بدعة،فنزعت ماكان عليها،ولبست مدرعة من الشعر،وخرجت وهى تقول:
هربت منه اليه *** بكيت منه عليه
وحقه فهو مولى *** لا زلت بين يديه
حتى انال واحظى *** بما رجوت لديه
قال السرى:فاقمت بعد دلك مدة حتى مات مولاها.فبينما انا اطوف بالكعبة،وادا انا بصوت محزون من كبد مقروحة،وهو يقول:
قد تشهرت بحبك *** كيف لى منك بقربك
كيف بى يا نفس ان وا *** خدك الله بدنبك
لم يقاسى احد يا *** نفس كربا مثل كربك
فسلى ربك ياتيك *** الرضى من عند ربك
قال:فتبعت الصوت فادا امراة كالخيال،فلما راتى قالت:السلام عليك ياسرى،فقلت:وعليك السلام،من انت؟ فقالت:لا اله الا الله،وقع التناكر بعد المعرفة،انا بدعة.
فقلت:ما الدى افادك الحق بعد انفرادك عن الخلق؟ فقالت:افادنى كل المنى.
وانشدت:
يا من راى وحشتى فانسنى *** بال قرب من قربه فانعشنى
هربت من مسكنى الى سكنى *** نعم.ومن موطنى الى وطنى
يا سكنى لا خلوت من سكنى *** دهرى ويا عدتى الى الزمن
اوحشنى مافقدت منه فقد *** عاد باحسانه فانسنى
وعدت ايضا وعاد منعطفا *** كدلك مند كان منه عودنى
ثم قالت:لا حاجة لى بالبقاء،فخدنى اليك.
قال:فحركتها فادا هى ميتة_رحمة الله عليها
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.