بسم الله الرحمن الرحيم
أبو محمد سهل بن عبد الله بن يونس بن عيسى بن عبد الله بن رفيع التستري , ولد سنة(200) هـ أحد أئمة القوم وعلمائهم والمتكلمين في علوم الرياضيات والإخلاص وعيوب الأفعال – صحب خاله محمد بن سوار , وشاهد ذا النون المصري سنة خروجه إلى الحج بمكة توفى سنة ثلاث وثمانين ومائتين ، وقيل سنة 293 هـ ، وأظن أن التاريخ الأول أصح .
وأدرجه الإمام الشمس الذهبي في الطبقة السادسة عشر الرقم ( 2389 ) ومما قال عنه : له كلمات نافعة ومواعظ حسنة , وقدم راسخ في الطريق .
وقال عنه الإمام القشيرى :
أحد أئمة القوم لم يكن له في وقته نظير في المعاملات والورع وكان صاحب الكرامات لقي ذا النون المصري بمكة سنة خروجه إلى الحج .
وقال سهل : كنت ابن ثلاث سنين وكنت أقول بالليل أنظر إلى صلاة خالي محمد بن سوار وكان يقوم بالليل فربما كان يقول : يا سهل اذهب فنم فقد شغلت قلبي .
يروى عن سهل بن عبد الله قال : قال خالي يوماً : ألا تذكر الله الذي خلقك ؟ فقلت : كيف أذكر ؟ فقال قل بقلبك عند تقلبك في ثيابك ثلاث مرات من غير أن تحرك به لسانك : الله معي الله ناظر إلي , الله شاهدي , فقلت ذلك ثلاث ليال ثم أعلمته قال لي : قل في كل ليلة سبع مرات , فقلت ذلك ثم أعلمته , فقال : قل في كل ليلة إحدى عشرة مرة فقلت ذلك فوقع في قلبي حلاوة .
فلما كان بعد سنة قال لي خالي : احفظ ما علمتك ودم عليه إلي أن تدخل القبر فإنه ينفعك في الدنيا والآخرة , فلم أذل على ذلك سنين فوجدت لها حلاوة في سرى تحملني على ملازمتها وأمره بأن يقولها أولاً ثلاثا ثم سبعا ثم إحدى عشر على سبيل التدريج سهلا لانتقاله من شيء إلى ما هو أولى منه وفى ذلك تعليم وتدريج للمريد كيف يتعلم المراقبة , وأولها ذكر الله تعالى باللسان مع حضور القلب , فإن تنبه ذكره بقلبه إن لم يكن في ذكره بلسانه أيضا زيادة فضيلة ؛ فلهذا لما رآه منتبها قال له فيما ذكر : قل بقلبك من غير أن تحرك به لسانك , وفي نقله له في عدد الأفراد سر وهو أنه تعالى فرد يحب الفرد وكونه ثلاثا وسبعا وإحدى عشرة كأنه ليكون الثلاث أقل الجمع والسبع عدد السموات والأرضين وأيام الأسبوع والإحدى عشرة نهاية صلاة الوتر .
ثم قال لي خلى : يا سهل من كان الله معه وهو ناظر إليه وشاهده أيعصيه ؟ إياك والمعصية . فكنت أخلو فبعثوني إلي الكتاب فقلت إني لأخشى أن يتفرق على همي ولكن شارطوا المعلم أنى أذهب إليه ساعة فأتعلم ثو أرجع فمضيت إلى الكتاب وحفظت الفرآن وأنا ابن ست سنين أو سبع , وكنت أصوم الدهر وقوتى خبز الشعير إلي أن بلغت اثنتي عشرة سنة , فسألت أهلي أن يبعثوني إلي البصرة فذهبت إليها وسألت علمائها فلم يشف أحد منهم عنى شيئاً .
فخرجت إلى عبادان إلي رجل يعرف بأبي حبيب حمزة ابن عبد الله العبادانى فسألته فأجابني فأقمت عنده مدة أنتفع بكلامه وأتأدب بآدابه , ثم رجعت إلى تستر فجعلت قوتي اقتصارا على أن يشتري لي بدرهم من الشعير فيطحن ويخبز لي فأفطر عند السحر كل ليلة على أوقية واحدة بحتاً بغير ملح ولا إدام فكان يكفيني هذا الدرهم سنة .
ثم عزمت على أن أطوى ثلاث ليلى ثم أفطر ليلة ثم خمسا ثم سبعا ثم خمسا وعشرين ليلة وكنت على ذلك عشرين سنة .
ثم خرجت أسيح في الأرض سنين ثم رجعت إلى تستر وكنت أقوم الليل كله .
وقد أرخه ابن العماد الحنبلي في وفيات سنة 283 هـ وقال عنه :
فيها توفي القدوة العارف أبو محمد سهل ابن عبد الله التستري الزاهد في المحرم عن نحو من ثمانين سنة ولة مواعظ وأحوال وكرامات .
وكان من أكبر مشايخ القوم ـ ومن كلامه وقد رأى أصحاب الحديث فقال : اجهدوا أن لا تلقوا الله تعالى إلا ومعكم المحابر ، وقيل له : إلى متى يكتب الرجل الحديث ؟ فقال : حتى يموت ويصب كل حبره في قبره . وقال من أراد الدنيا والآخرة فليكتب الحديث فإن فيه منفعة الدنيا والآخرة .
وكان حريصاً غاية الحرص على أكل الحلال وتحريه ، حتى إنه قال عن نفسه يوماً :- " أنا حجة الله على الخلق وأنا حجة الله على أولياء زماني "
وقد حدد سهل رحمه الله تعلى أصول طريقه الصوفي الذي مشى عليه بقوله " أصولنا سبعة : التمسك بكتاب الله ، والإقتداء بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأكل الحلال ، وكف الأذى ، واجتناب المعاصي ، والتوبة ، وأداء الحقوق " .
وله أقوال نافعة ، وبعض الكرامات التي يرويها عنه تلاميذه ، له كتاب تفسير القرآن العظيم ، مطبوع محقق . رحمه الله رحمة واسعة .