بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا رسول الله وعلى اله وصحبه وسلم
أول ما يجب على المريد أن يلتزم به في سلوكه أن يرعى حق الله تعالى في قلبه ، وأول خطوة في هذه الرعاية أن يتحكم في جوارحه فلا يسمح لها بأن تتمرد على ما يجب أن تلتزم به من حقوق الله وتتمثل حقوق الله في أمور ثلاثة :
الإيمان بالله وهذا يتطلب تصحيح العقيدة من كل السلوكيات والمعتقدات الفاسدة المتمثلة في الخضوع لغير الله ، فالله تعالى هو الخالق الذي يستحق العبادة ، ولا عبادة لغير الله وأول ما يجب على المريد السالك أن يعرفه كما يقول الإمام المحاسبي أن يعلم العبد أنه عبد مربوب ولا نجاة له إلا بتقوى سيده جل وعز ومولاه ، وأن يفكر في خلقه ، لماذا خلق ولماذا وضع في هذه الدنيا وأن هذه الدنيا لم تخلق عبثاً ولم يترك سدى ، وإنما خلق في هذه الدنيا للبلوى والاختبار ، فإما أن يكون طائعاً أو عاصياً ، وأن العبد المربوب يجب أن يحرض على مرضاة ربه وأول خطوة في هذه الطاعة أن يتعلم ما في كتاب الله وسنة نبيه لئلا يضل طريقه ، فالعلم هو دليل السلامة ، والعلم يحتاج إلى ورع وتقوى ، ولا تتحقق التقوى إلا بمحاسبة النفس وأداء الفرائض والسنن طلبًا للفلاح ، ولا فلاح إلا بالتقوى لقوله تعالى : --- واتقوا الله لعلكم تفلحون آل عمران : 130 ) والناس ليسوا سواء في رعاية حقوق الله ، فمن نشأ على الفطرة الصافية والتزم بما أمر الله به ، فهو أقدر على رعاية حقوق الله ، فإن وقع في الزلة فسرعان ما يعود إلى الطاعة بالتوبة والندم ، ومن غلبه الهوى وفسد مزاجه واضطربت فطرته ، وضعف خوفه من الله فسرعان ما يسقط فريسة الغفلة ويقسو قلبه ،
ويصر على تمرده على حقوق الله ، وتجاهله لما أمره الله به من الطاعات .
ثانيهما :
التمسك بالسنة في مواجهة البدع الضالة من المعتقدات والعبادات ، والبدعة في العقيدة مفسدة للعقيدة والبدعة في العبادات تقود إلى الضلالة والانحراف ، وعلى المربي أن يدفع السالك إلى طريق الاستقامة ، وأن يحضه على التمسك بمنهج السلف الصالح وأن لا يسمح له بتجاوز ذلك في سلوكه ، ولا خشية على السالك في كل الأحوال التي يمر بها ما دام مراعياً حقوق الله الواجبة عليه ، ولابد من أن تعترض طريق سلوكه أحوال مفاجئة نتيجة الواردات التي تأتيه فجأة ، من فرح وحزن وخوف ورجاء، وقبض وبسط ، وسكون وحركة ، وهي أمور طبيعية ، وسرعان ما تزول ، إلا أنها يجب أن تخلف أثرًا طيباً في السلوك يتمثل في مزيد من رعاية حقوق الله ، وبأداء ما أمر به والابتعاد عما نهى عنه ، والبدع ضارة للسالك ، وبخاصة في مجال المعتقدات ، وبعض السالكين انحرفوا بسبب تلك البدع الفاسدة التي اعتقدوا بها .
ثالثها :
الابتعاد عن الرياء في أداء حقوق الله ، والرياء يتنافى مع الإخلاص ومن وقع فريسة الرياء في أداء عبادته افتقد أثر هذه العبادة في قلبه فلا تترك بعدها ذلك النور الذي يضيء القلب والرياء هو : أن يفعل العبد الطاعة مراعياً في ذلك نظرة العباد إليه ، طلباً من مرضاتهم عن أفعاله لكي يحمدوه في مجالسهم ، ويرفعون مكانته في قلوبهم ، ومعظم السالكين يقعون في حفرة الرياء ، وهي زلة كبيرة ، ولا يقدرون على الخروج منها فيضيع أجرهم عند الله ، ولا يشترط الرياء في الأقوال والأفعال ، فبعض السالكين تتجه قلوبهم لطلب المحمدة من الناس وارتفاع المكانة وأخطر أنواع الرياء أن يظهر خلاف ما يخفى في مجال العقائد ، فيظهر الإيمان ويخفى الكفر ، وفي مجال الواجبات فيؤديها أمام الناس ويتركها فيما بينه وبين نفسه ، وفي مجال السنن والنوافل يؤديها كاملة عندما يجتمع بالناس ويؤديها ناقصة عندما يكون مع نفسه ، والرياء مرض في القلب يـــؤدي إليه الرغبة في الرئاسة والمكانة والجاه العريض ، والرياء ينمــو في النفس تحت تأثير الهوى المتمكن من النفس ، ولا يمكن التحكم فيه إلا بالسيطرة على أنواع الهوى في النفس بالمجاهدة الصادقة التي تعتمد على صدق النية والرغبة في الطاعة ومعرفة عيوب النفس الأمارة بالسوء والمتطلعة إلى الدنيا .
كان الشيخ يرى في الصوفية سلوكاً نقياً من كل الشوائب ، ويرى فيها تجسيداً لقيم إنسانية عالية ، وكان يريد أن يجد هذه المعاني التي أدركها بفطرته الصافية في حياته الخاصة .
كــان يريد الصوفية كما يفهمها هو ، وكما استمدها من القرآن والسنة ، كان القرآن هو مرجعه الأول الذي يغرف منه فهمه الواسع والغني لمعنى الصوفية ، وكانت السنة المتمثلة بالسيرة النبوية الشريفة هي الهادي الذي ينير له طريقه ،
وفي كل أحاديثه كان يركن على أهمية ( الاتباع ) والاتباع هو الأخذ بما ثبت في السنة من حياة النبي صلى الله عليه وسلم نظراً لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو مصدر الفضائل والكما لات في الوجود ، وحياته هي قمة ما تعنيه لفظة الفضيلة والكمال .
وكان يرفض من الطرق الصوفية كل المظاهر السلبية المنافية للكمال ، وقد دفعه هذا إلى التحرر من الطرق وتقاليدها وأعرافها المألوفة ، كان يريد الصوفية بسموها الروحي وبكمال رجالها وبمفاهيمها المعرفية وبقيمها السامية ، وكانت المعرفة في نظره هي المعرفة التي تؤدي إلى تعظيم الله في القلب ، وليس كمثله شيء ، وهو السميع العليم .
لاتنسوا الدعاء وفاتحة الكتاب لصاحبها وكاتبها وناقلها ولكل الامة الاسلامية