بقصدِ الإِصلاحِ
الإِنسانيِّ ولا مقصدَ غيْرُهُ جالَ الدندراويُّ الأوَّلُ سيِّدي محمدٌ السلطانُ
في مِصرِهِ بينَ أكثرِ عشائرِهِ وجيرانهِ.. و في الأَمصارِ بينَ إِخوةِ إِيمانهِ
في عددٍ منْ أَقطارِ إِسلامهِ.فتأَكدَ أنهُ لنْ يجدَ عندَ أيِّ تجمُّعٍ منَ
التجمعاتِ المُتَخَصِّصَةِ المخلَصةِ منْ تماثلتْ رُؤيتُهُ عندَهُ.. أَكانتْ على
خِطةٍ فيتابعُها أو خطىً فيَتْبعُها.
وعلى نحوِ طبيعةِ الأَشياءِ.. فإنَّ إِصلاحَ فسادٍ ما لا
بُدَّ منْ أنْ يبدأَ بمعرفةِ الشيءِ قبلَ فسادِهِ.. وفي هذا الاتجاهِ.. نظرَ عليهِ
مِنَ اللهِ الرِّضوانُ بعينِ رُؤيتهِ لِتحديدِ البلاءِ توصيفاً للدَّاءِ.
وعقبَ تصْوُّرٍ وتبَصرٍ... وتفَكرٍ وتدَبرٍ.. هدَى اللهُ
جَلَّ علاهُ السلطانَ الدندراويَّ الأوَّلَ إلى التعرُّفِ على الدَّاءِ.. فأَصْلُ
بلاءِ ما قدْ وَصَلْنا إليهِ.. هوَ ترْكُنا لِما كُنَّا عليهِ.أما ما كنا عليهِ..
فبِتصوُّرٍ سليمٍ رَأَى عليهِ مِنَ اللهِ الرِّضوانُبعينِ البَصيرةِ لا الإِبصارِ..
أنهُ منذُ إِشراقةِ بعثةِ آخِرِالمرسلينَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ وحتى يومِ بدأَ فيهِ
مَطلعُ قرونِ الظُّلمِ والإظلاَمِ.. كانَ كلُّ
منْ رامَ الإِسلامَ ديناً لعقيدتهِ يعلمُ أنَّ لِسيِّد البشرِ محمدٍ رسولِ اللهِ
عليهِ صلواتُاللهِ دورينِ في
حَياةِ إِنسانِ أُمَّتهِ:
$الدَّورُ الأوَّلُ.. هوَ عليهِ
الصلاةُ والسلامُ.. الرَّسولُ الخَاتِمُ الذي أَقامَ اللهُ جلَّ علاهُ بهِ
الإِسلامَ.
$الدَّورُ الثَّاني.. هوَ عليهِ
الصلاةُ والسلامُ.. الزَّعِيمُ الجامعُ الذي جمَعَ اللهُ جلَّ علاهُ بهِ
المسلمينَ.
فبدورِهِ الأوَّلِ: كانَ كلُّ واحدٍ منَ المتقينَ على
اعتقادٍ متينٍ وإِعقالٍ مكينٍ منْ أنَّ اللهَ ربَّ العالمينَ قدِ اصْطفى سيدَ
البشرِ محمداً خاتَمَ النَّبيينَ على جميعِ إِخوانهِ المُرسلينَ - صَلواتُ اللهِ
عليهمُ أجمعينَ.. ليَكونَ صاحبَ الرِّسالةِ الخاتِمةِ.. فجعلهُ سبحانهُ مَدْخَلاً
للتوحيدِ لكلِّ منْ أَرَادَ أَنْ يكونَ منَ الموحِّدينَ.
فمَنْ أَرادَ الدُّخولَ في دِينِ الإِسلامِ..
فشهِدَ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللهُ ولمْ يَشهدْ أنَّ“سيِّدَنا“محمَّداً رسُولُ
اللهِ.. عليهِ صلواتُ اللهِ فما دَخلَ في عَدادِ المسلمينَ.
وإِعلاءً للرِّسالةِ المحمديةِ الخاتِمةِ..
التزمَ كلُّ واحدٍ منَ الموحِّدينَ بالتزاميْنِ متزامنيْنِ.. وآخرينِ متتابعيْنِ.
أما المتزامنانِ:
$فأوَّلُهُما:
التزامُ المسلمِ في أُمورِ عباداتهِ الثابتةِ بنصوصِ أحكامِ أداءِ مسلكِ السنةِ
المحمديةِ القويمِ..
ذلكمُ المسلكُ الذي علَّمهُ سيدُ البَشرِ محمدٌ
رسولُ اللهِ عليهِ صلواتُ اللهِ للسابقينَ منَ المهاجرينَ والأَنصارِ المكرَّمينَ
رضيَّ اللهُ عنهمْ أَجمعينَ.. ليؤدِّيَ بهِ المسلمُ عبادتهُ لإِلهِ الناسِ طبقا
لأَحْكامها الشرعِيةِ.. فتتطابقَ عباداتُ ذَوِي الطبائعِ المتَباينةِ منْ أهلِ
التوحيدِ في جميعِ البلدانِ.. فيَحفظوا وَحدَةَ نصوصِ أَحكامِ أَداءِ العبادةِ على
امتدَادِ المكانِ.
$وثانِيهُما: التزامهُ في شؤونِ
معاملاتهِ المتغيِّرةِ بنصوصِ أَحكامِ أَداءِ سلوكِ الخُلُقِ المحمديِّ العظيمِ..
ذلكمُ السلوكُ.. الذي ربى عليهِ سيِّدُ البشرِ محمدٌ رسولُ اللهِ عليهِ صلواتُ
اللهِ الصَّحابةَ المقرَّبينَ - رِضوانُ اللهِ عليهِمْ أجمعينَ.. ليؤدِّيَ بهِ
المسلمُ مُعاملاتهِ معَ الناسِ وِفقا لأحكامِها الشرعيةِ.. فتتوافقَ مَعاملاتُ
أَربابِ المصالحِ المتفاوِتةِ على تعاقُبِ الأَجيالِ.. فيحفظوا وَحدَةَ نصوصِ
أَحكامِ أَداءِ المعاملةِ على مدى الزَّمانِ.
وأما المتتابعانِ:
$فأوَّلُهُما: التزامُ المسلمِ
بتماسُكِهِ معَ إخوانهِ مِنْ أهلِ مَكانهِبنصوصِ أَحكامِ أَداءِ مَنهجِ التمَاسكِ المحمديِّ
الحليمِ..لأنَّ المنهجَ
الحليمَ هوَ صانعُ مجتمعِ البُنيانِ المرصوصِ..إذْ بهذَا المنهجِ يتعاونُ المسلمُ معَ أخيهِ المسلمِ
منْ جيرانهِفي جميعِ بلدانهِ
بالتضامنِ عندَ الفزعِ والتكافلِ وقتَ العسرةِ.. فيبني الجَميعُ على تتابعِ
العُصورِ بُنيانَ مجتمعاتِ المِسلمينَ في كلِّ الأَمصارِ.
$وثانِيهُما:
التزامهُ بالتلاحمِ معَ إخوانهِ عبْرَ أَوْطانهِ بنصوصِ أَحْكامِ أَداءِ مِنهاجِ
التلاحمِ المحمديِّ الرحيمِ.. لأنَّ المنهاجَ الرحيمَ هوَ صانعُ نسيجِ الجسدِ
الواحدِ.. إذْ بهذا المنْهاجِ تَتوادَدُ وتتَراحَمُ وتَتعاطفُ مجتمعاتُ
المسْلمينَ.. فينْسجونَ نسيجَ أُمةِ الإسلامِ في كافةِ الأَقطارِ.
بالتزامِ المسلِمِ بنصوصِ أَحكامِ الشَّريعةِ
الغرَّاءِ.. انكشفتْ عنْ وِجدانهِ ظلماتُ الجاهليةِ.. فلا تَباغضَ ولا تحاسدَ ولا
تدابرَ ولا تقاطعَ.. فأَقامَ كلُّ مُسلمٍ في الوِجْدانِ قِيَمَ الإِسلامِ.
بقيامِ قِيمِ الإِسلامِ في الوِجدَانِ.. زالتْ
عنْ وُجودِ الجميعِ ظَالماتُ الانْعزاليةِ.. فلا خِلافَ بأَفكَارٍ طائفِيةٍ... ولا
مُخالفةَ بفَوارقَ طَبقِيَّةٍ... ولا تخَالُفَ بعصبِياتٍ قَوْميةٍ... ولا اخْتلافَ
بحدُودٍ إقْليمِيةٍ.. فأَقاموا في الوُجودِ قِيمةَ المسلمينَ.
بانكشافِ ظلُماتِ الجاهليةِ عنِ الوِجدَانِ..
وبِزَوَالِ ظالماتِ الانْعزاليةِ عنِ الوُجودِ.. أَظهرَ عامةُ المسلمينَ بالتزامهمُ
بأمورِ الدِّينِ:
أنَّ الإِسلامَ مَسلَكٌ وَسُلُوكٌ... ومَنهجٌ ومِنهاجٌ
وبدورِهِ الثاني: كانَ جميعُ المتقينَ
يعلمونَ علمَ اليقينِ.. أنَّ اللهَ رَبَّ العالمينَ قدِ اجتَبى سيِّدَ البشرِ
محمَّداً آخِرَ المرسلينَ على سائرِ إِخوانهِ النبيينَ - صَلواتُ اللهِ عليهم
أَجمعينَ.. ليكونَ صاحبَ الزَّعامةِ الجامعةِ.. فجعلهُ سبحانهُ سيِّدَ الموحِّدينَ
وزعيمَ المسلمينَ.
ذلكَ.. أنهُ لمَّا كانتِ الرِّسالةُ المُحَمَّديةُ
الخَاتِمةُ هدايةً.. والهدايةُ طاعةً.. والطاعةُ سيَادَةً.. والسيادةُ اتباعاً
يُجْمِعُ عليهِ كلُّ أهلِ التوحيدِ.. فلاَ رَيبَ في أنَّهُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ
هوَ سَيِّدُ المُوحِّدينَ.
لذلكَ.. لما كانتِ السِّيادةُ المحمَّديَّةُ الشَّاملةُ
اتباعاً.. والاتباعُ ضَمانةً.. والضمانةُ زَعامةً.. والزَّعامةُ بيعةً تَجْمَعُ
كافةَ أهلِ الإِسلامِ.. فلا ريبَ في أنَّهُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ هوَ زَعيمُ
المسلمينَ.
وإعْمالاً للدورِ الثَّانِي لِسيِّدِ البَشرِ محمَّدٍ
رَسُولِ اللهِ عليهِصَلواتُ اللهِ..
جَعلَ اللهُ الجَليلُ الأَكرمُ الارتباطَ بشخصهِصَلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ مُتساوياً في العقيدةِ معَالتسلِيمِ بِرسالتهِ.. فَبالتسلِيمِ
بِرسالتِهِ الخاتِمةِ أَقامَعليهِ صلواتُ اللهِ في الوِجْدَانِ قِيَمَ الإِسلامِوأَقامَ في الوُجودِ قيمةَ
المسلمينَ.. وَبالارتباطِ بشخصهِصلواتُ اللهِ عليهِ.. يَمتلكُ بسيادتهِ المحمَّديةِ الشاملةِ الوِجْدانَ..
فتَرسخُ في الوِجدَانِ قيمُ الإِسلامِ..
ويُهَيْمِنُ بزعامتهِ المحمديةِ الجامعةِ على الوُجودِ.. فتشْمُخُ في الوُجودِ
قيمةُ المسلمينَ.
وتحقيقا للرُّسوخِ والشمُوخِ.. ارتبطَ كلُّ
وَاحدٍ منْ أَهلِ التوحيدِ بشخصِ سيِّدِ الموحدينَ وَزَعيمِ المسلمينَ صلى اللهُ
وسلمَ عليهِ وعلى آلهِ المُطَهرِينَ بارتباطينِ متلازمينِ:
$ الارتباطُ
الأوَّلُ: ارتباطُ الإِيمانِ بذاتهِ النبويةِ المتفرِّدةِ.. استمساكاً بسيادتهِ
المحمديةِ الشاملةِ عليهِ صَلواتُ اللهِ.. وآيةُ هذَا الارتباطِ أنْ يَتحققَ
المسلمُ بمُكَوِّناتهِ الذَّاتيةِ الأربعِ بتلكمُ الفاعلياتِ الرَّاسخاتِ.. التي
أَرسَى على تكاملِ رَكائزِها صَلواتُ اللهِ عليهِ رُسوخَ قيمِ الإِسلامِ في
الوِجدانِ:
êالفاعليةُ الأُولى:
حِفظُ الأَبدانِ بنظافةِ إِنسانهِ... وبِطهارةِ صلاتهِ.. فتنْشطُ بالعافِيةِ.
êالفاعليةُ الثانيةُ:
تنقيةُ الأرواحِ بكثيرِ أَذْكارِهِ... وبعديدِ صَلوَاتهِ.. فتنقى بالشفافيةِ.
êالفاعليةُ الثالثةُ:
تهذِيبُ الأنفُسِ بجمالِ حَرَكَاتهِ... وبكَمالِ سكَناتهِ.. فتزْكُو
بالطَّمأْنينةِ.
êالفاعليةُ
الرَّابعةُ: تعليمُ العقولِ بعلمِ قرآنهِ... وبتعاليمِ أَقوالهِ.. فَتضيءُ
بالسكينةِ.
وبإِتقانِ كلِّ وَاحدٍ مِنْ أَهلِ التوحيدِ لهذِهِ
الفاعلياتِ الرَّاسخةِ.. تنطبعُ على مكوِّناتهِ الذَّاتيةِ صورةُ صفاتِ
الكَيْنونةِ البشريةِ لِسيِّدِ الموحدينَ صَلواتُ اللهِ عليهِ.. فيتأصلُ في
الوِجدانِ رُسوخُ قيمِ الإِسلامِ.
$الارتباطُ الثاني..
ارتباطُ الانتماءِ لذاتهِ النبويةِ المتفرِّدةِ.. اعتصاماً بزعامتهِ المحمديةِ
الجامعةِ عليهِ صلواتُ اللهِ.. وآيةُ هذا الارتباطِ.. أَنْ يحققَ المسلمُ
بمرئياتهِ الشخْصيةِ الأَربعِ تلكمُ التفاعلاتِ الشامخاتِ.. التي أَنشأَ على
تكاملِ زَوَاياها صَلواتُ اللهِ عليهِ.. شمُوخَ قِيمةِ المسلمينَ في الوُجودِ:
êالتفاعلُ الأوَّلُ:
أنْ يتفهَّمَ عقلُهُ فوائدَ تنوُّعِ الطائفياتِ.. ليكونَ المشاركَ في كلِّ
تجمُّعاتها.
êالتفاعلُ الثَّاني:
أنْ تَستشعرَ نفسُهُ عدالةَ تنوُّعِ الطبقياتِ.. ليكونَ المُتماسكَ داخلَ كَافةِ
مجتمَعاتها.
êالتَّفاعلُ
الثَّالثُ: أنْ يأْلفَ رُوحُهُ خاصيةَ تعدُّدِ القومياتِ.. ليكونَ المُتَلاحمَ معَ
عامةِ مجامِيعها.
êالتفاعلُ الرَّابعُ:
أنْ يَحْتَمِلَ بدنُهُ خُصُوصِيةَ تعدُّدِ الإِقليمِياتِ.. ليكونَ المُتنقلَ بينَ
عمومِ اتجاهاتها.
يُتبع ....