الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد
وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
يقول الله تعالى: (إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانًا ) .. والإيمان الشرعي هو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، كما قد فسره النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في جوابه لسؤال جبريل عليه السلام وهو بضع وسبعون شعبة أفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، كما دلت على ذلك الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ودرج عليه سلف الأمةلذالك وجب شحذ الهمم في السير إلى الله وعدم أمن مكر الله
قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ) الاية (119) سورة التوبة ، وقال (فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ) الاية (21) سورة محمد . من المعلوم أن الصدق من أركان الايمان، والصدق في الأقوال والأفعال من أوجب الواجبات ، صدق الأقوال بأن لا ينطق الانسان كذبا ولو مازحا ، ومن تحدث بما لا يعلم فقد كذب . وصدق الأفعال خلوها من الرياء والسمعة وما يسمى بـ (المجاملة).
وكما أن الصدق مطلوب في الأقوال والأفعال فهو مطلوب في التوجه الى الله قال تعالى (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) الاية (28) سورة الكهف ، أي نيتهم خالصة لله ولا يريدون الا الله تعالى ليس لهم شيء من أغراض الدنيا والآخرة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ان الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا لوجهه" فصدق التوجه الى الله هو أصل التصوف، قال الشيخ زروق رضي الله عنه : قد حد التصوف ورسم وفسر بوجوه تبلغ نحو الألفين ترجع كلها الى صدق التوجه الى الله ، وانما هي وجوه فيه والله أعلم . نقل عن السيدة رابعة العدوية أنها قالت : لا أعبد الله طمعا في الجنة ولا خوفا من النار ولكن حبا فيه . وقالت أيضا :
أحبك حبين حب الهوى = وحب لأنك أهل لذاك
فأما الذي هو حب الهوى = فشغلي بك عمن سواك
وأما الذي أنت أهل له = فكشفك لي الحجب حتى أراك
قال الشيخ إبراهيم الكولخي اياك أن تنكر على فقير سمعته يقول : أنا أعبد الله الآن لا خوفا من ناره ولا رجاء لثوابه فان ذلك من مقامات المبتدئين في الطريق لا من مقامات الكاملين ، وذلك أن المريد اذا واظب على الذكر وأكثر منه ليلا ونهارا يرى حجابه ضرورة ، واذا رق حجابه رأى الفعل لله لا للعبد ، ويسمع نداء الحق تعالى من فعله بنحو ما من معناه : ومن أظلم ممن عبدني لجنة أو لنار ، لو لم أخلق جنة ولا نارا لم أكن أهلا لأن أعبد ، فيجعل العبد يستحي من الله تعالى أن يعبد الله تعالى خوفا من نار أو رجاء لثواب ، لأن أحدا لا يطلب قط أجرا على فعل غيره وانما يطلب الأجر على فعل نفسه فكل من رق حجابه من المريدين شهد أنه لا مدخل له في وجود أفعاله إلا بقدر نسبة التكليف فقط أدبا مع الشريعة المطهرة ، ويرى كشفا ويقينا أنه كالآلة التي يحركها المحرك على الفارغ ، كما أنه خالق لذات العبد فكذلك هو خالق لفعله
.