الروح في الاسلام
القران الكريم يفيض بالآيات التي تتحدث عن الروح في خلودها ثوابها و عقابها , كما يفيض بالظواهر التي تتفق مع العلم الروحي الحديث و مثله الاحاديث النبوية
, فلم يرد أي تعريف للروح في التوراة و الانجيل , و انما استعملت هذه الكلمة بأوصاف اخلافية و معنوية , مثل الروح الشريرة , و الروح الرياضية , التي تفرق
بين الناس , و الروح الخفية كالملائكة و استعمل لفظ الروح القدس عن الله.
و عندما بعث الرسول صلى الله عليه و سلم في قومه و اعلن النبوة , ذهب بعضهم الى اليهود يسألونهم عن امر يمتحنون به هذا النبي , فطلبوا منهم أن يسألوه في
امر لم يخبر به أي نبي من قبله , و هو الروح و فلما سئل الرسول صلى الله عليه و سلم في ذلك أمهلهم حتى يأتيه الوحي , فإذا بالقران يرد عليهم :
* و يسألونك عن
الروح قل الروح من أمر ربي و ما أوتيتم من العلم إلا قليلا .*سورة الاسراء-85-
و المعنى العلمي لهذه الاية أن الروح امر يصعب على البشر أن يفهموه , لأنه أكبر من علمهم و عقولهم و مهما أوتي الانسان من العلم لن يفهم حقيقة الروح , و هذا
هو السر في هذا الرد المقتضب و حتى لا يقع الناس في البلبلة و الظنون , و ينشغلون عن الدعوة الجديدة بأمور فلسفية , و قد ذهب المفسرون بعد ذلك الى شتى
التفاسير , فمنهم من قالوا : ان هذا الرد معناه نهي المسلمين عن الدراسة و العلم بهذه القضية , بينما ذهب الاكثرية بأنها لم تنص على القول . * فقل الروح من علم
ربي* و بل نصت
* من امر ربي * , و الفارق بينهما كبير و واضح , و من هنا فلم يتوقف علماء المسلمين عن الكتابة و الدراسة في هذا الموضوع من ذلك كتاب
الروح * لابن سينا * , و كتاب الروح * لابن القيم* و عشرات الكتب على مر العصور.
و هذه بعض القضايا عن الروح التي ذكرت في القران الكريم , و جاء العلم الحديث لتأكيدها.
اولا:ان الروح في الاسلام خالدة لا تموت و لا تفنى مع فناء الجسم , فقد كان الاعتقاد السائد قبل نزول القران يتمثل في قولهم :* ان هي إلا حياتنا الدنيا نموت و نحيا و ما
نحن بمبعوثين* فاذا بالقران يرد عليهم بان الروح تعيش بعد موت الجسد , فيقول تعالى :*
و لا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء و لكن لا تشعرون *
سورة البقرة-27-.
ثانيا : اننا لا نرى الارواح و لا نسمع صوتها و لا لانها غير موجودة و اكن لقصور العين و الأذن البشرية عن ادراكها , و القران الكريم يؤكد هذه الحقيقة , فيذكر أن
هناك أشياء كثيرة حولنا لا نراها بأعيننا , فيقول تعالى :*
فلا أقسم بما تبصرون * و ما لاتبصرون*. سورة الحاقة-38-39-
و من الاعجاز القراني أن الله تعالى يقسم بكمية الاشياء التي لا تبصرها باعيننا , حيث قدر العلم الحديث أن نسبة ما تبصره العين البشرية الى ما لا تبصره هو 1
:10 مليون , و هذه نسبة مهولة ما كان يتصورها أو يعقلها وقت نزول القران الكريم , و هذا هو مغزى القسم العظيم.
ثالثا: و الاسلام لا يقف عند هذه الظاهرة , حيث عجز العلم الحديث عن تفسيرها , فالرسول صلى الله عليه و سلم يقول عن الروح :
* سمع صوتها كل شيئا الا الانسان و
لو سمع الانسان لصعق*.
فالله تعالى خلق العين و الاذن البشرية لا ترى و لا تسمع الارواح , حتى لا يصاب الانسان بالهلع و الذعر من سماعها , و هذا أمر بدهي , و رحمة من الله تعالى
بالبشر الاحياء.
فطالما كانت الصلة المادية بين الانسان و الارواح منقطعة , و لا يمكن لمسهم أو التحدث معهم في الظروف العادية , فلا شك اننا نصاب بالفزع اذا رأيناهم او
سمعناهم دون أن نستطيع لمسهم .
و القران الكريم يؤكد على هذه الحقيقة حتى مع الانبياء , فقد فزع سيدنا ابراهيم عليه السلام حين زارته الملائكة , فمد اليهم يده بالطعام , و لكنه لم يجد لهم جسدا يمكن
أن يلمسه ففزع منهم , و في ذلك يقول تعالى :
* فلما لأى أيديهم لا تصل اليه نكرهم و أوجس منهم خيفة *., و تفسير ذلك أن الملائكة كالأرواح ليس لها جسد يمكن
لمسه باليد , و نفس الشيء حدث مع سيدنا لوط عندما زارته الملائكة في بيته , ففزع منهم :
* و لما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم و ضاق بهم ذرعا*.رابعا: و من الأعجاز العلمي في الاسلام أنه من أشار الى حقيقة أن بعض الحيوانات كالخيل و الكلاب تستطيع ان الارواح و تسمع صوتها دون البشر , فالرسول
صلى الله عليه و سلم يقول :
* اذا سمعتم صهيل الخيل و نباح الكلب بعد هداة الليل فاستعيذوا بالله من الشيطان الرجيم فإنها ترى مل لا ترون *.
و هذه الحقيقة العلمية لم تكتشف إلا في اواخر القرن العشرين بعد اختراع أجهزة الضوء أو السمع ذات التردد العالي , و قد اخترعت صفارة الكلاب و التي يسمعها
الكلب و لا يسمعها الانسان , و أصبحت احدى وسائل التدريب و التجارب العلمية.
خامسا : و يؤكد العلم الحديث أن الارواح لا يمكنه الظهور أو الاتيان بأي عمل ملموس في جلسة الارواح إلا في وجود الظلام , أو على الاكثر ضوء أحمر ضعيف.
و تعليل ذلك أن الروح عبارة عن ذبذبات ضوئية و صوتية تنكسر في وجود الضوء العادي , و لذلك فان جلسات تحضير الارواح لا تعقد إلا ليلا , و في الليالي
القمرية الهادئة التي لا يوجد بها برق و رعد .
و قد أشار الرسول صلى الله عليه و سلم الى هذه الحقيقة قبل أن يكشفها العلم حيث يقول :
* اقلوا الخروج في هداة الليل ، فان لله دوابا يبثهن في هذه الساعة *. و
معنى هداة الليل هو الجمع بين الظلام و ألهدوء فهو ايجاز بلاغي.
سادسا: طبيعة الروح من طبيعة الله : في أكثر من اية من القران الكريم يؤكد الله تعالى أن الروح هي نفخ من روح الله , و قد ذكر الله عن نفخ الروح في جسد ادم بعد
اتمام خلقه فيقول :
* فاذا سويته و نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين* سورة –ص- 72.
و يقول عن الجنين حيث تدب فيه الروح :
* ثم سواه و نفخ فيه من روحه * سورة السجدة -9- , فالروح في الانسان هي نفخ من روح الله , و طبيعتها من طبيعة الله ,
فهي لا ترى بالعين البشرية , فالله تعالى يقول : في نفسه :
* لا تدركه الابصار و هو يدرك الابصار و هو اللطيف الخبير.* سورة الانعام -103- و يقول أيظا : * و
لما جاء موسى لميقاتنا و كلمه ربه قال رب ارني انظر اليك قال لن تراني * سورة الاعراف-143-.
تاسعا : و من الاعجاز الطبي –أيضا- ما ذكره القران الكريم من ان الروح لا تبعث في الجنين في بطن امه إلا بعد الشهر الثالث من عمره و قد قدرها الفقهاء ب 120
يوما , و هذا هو نفس ما توصل ايه العلم في العصر الحديث , فالجنين قبل ذلك لا يكون كامل النمو , فهو اما نطفة او علقة أو مضغة , و كلها مراحل بدون روح , و
هو ما يسمى في الطب بالحياة البيولوجية مثل حياة النبات أو حياة المني و البويضة , و في ذلك يقول تعالى * ثم سواه و نفخ فيه من روحه * سورة السجدة-9- , و
معنى سواه و أى اكمل خلقه , و معناه ان نفخ الروح لا يأتي إلا بعد اكتمال الخلق و النمو في الرحم , و هذا ما يؤكده العلم , فالجنين بعد الشهر الثالث يتحول الى
انسان حي , له حركة ارادية , و يسمع الاصوات , بل ان بعض الابحاث العلمية تذكر انه يطرب للموسيقى , و ينزعج لخلافات الوالدين , و لا يحدث ذلك إلا بعد
اكتمال الشهر الثالث.
عاشرا : و الله تعالى يحفظ الروح داخل الجسد فلا تفارقه إلا بأمره و في الموعد المحدد و في ذلك يقوا تعالى :* ان كل نفس لما عليها حافظ* سورة الطارق-4- : و
الحافظ هنا كلمة تحمل معاني كثيرة , فالحافظ قد يكون ملاكا داخل الجسم او خارجه يلازم الروح و يحافظ عليها حتى لا تغادر الجسد , و بطبيعة الحال فإننا لا نرى
هذا الملاك او نحس به , و العلم الحديث يؤيد هذه النظرية مع اختلاف في التسمية و التعبير , اذا ان الحافظ هنا في العلم هو مراد في الكيمياء الحيوية موجودة داخل
أجسامنا تحافظ على العلاقة بين الروح و الجسد , وتقول النظريات العلمية : ان هذه العلاقة اذا اختلت فان الانسان يصاب بكثير من الامراض النفسية و الروحية دون
أن يكون به مرض عضوي.
الحادي عشر : و من الايات التي حيرت المفسرين على مر العصور قوله تعالى :*
و هو الذي انشاكم من نفس واحدة فمستقر و مستودع * سورة الانعام -98- ,
وقد فسر بعضهم بان المستقر هو الرحم الذي ينمو فيه الجنين و المستودع هو صلب الرجل – أي الخصية- التي تمد الارحام بالحيوانات المنوية و هذا التفسير خاطئ
, لان الاية تتحدث عن الانفس – أي الارواح – و ليس الجسد و كثيرا ما يتحدث القران الكريم عن الروح بكلمة النفس .
و التفسير الذي نراه : ان المستقر هو جسم الانسان الذي تستقر فيه الروح في الحياة الدنيا منذ ان تدخل في جسم الجنين و حتى وفاة الانسان , اما المستودع فهو حياة
البرزخ التي تنتقل اليها الارواح كلها الى ان يأتي يوم البعث و فتبقى فيها الروح وديعة مع غيرها الى ان تقوم الساعة.
الطاقة الروحية للدكتور عبد الباسط محمد السيد.