[rtl]
المدد في المفهوم الصوفي[/rtl]
[rtl].
[/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl] يقف غير المتخصص في ألفاظ الصوفية واصطلاحاتهم وقفة الحائر القلق، بحيث يصعب عليه فهمها فهما دقيقا، وقد تظهر له هذه الألفاظ[/rtl]
[rtl]مخالفة لنصوص الشريعة وأحكامها، وذلك لأنها تعتمد على التجربة والمعرفة الذوقية، وهما أمران لا سبيل إلى الوصول إليهما وفقا لمعايير[/rtl]
[rtl]وأقيسة علمية منطقية...، فلكل فن من الفنون، أو علم من العلوم اصطلاحات خاصة به، لا يعلمها إلا أرباب ذلك العلم...
[/rtl]
[rtl]وهذه الألفاظ التي تداولها الصوفية هي أمور تحدّثوا بها من باب الإشارة أو الكناية أو المجاز، كما نرى ذلك في كثير من الكلام العربي، ونجده[/rtl]
[rtl]بارزا في كتاب الله تعالى في مواطن عديدة، كما في قوله تعالى: ﴿وأُشربوا في قلوبهم العجل﴾. أي حب العجل. وقوله تعالى: ﴿واسأل ا[/rtl]
[rtl]لقرية﴾. أي أهل القرية. وقوله تعالى: ﴿أو من كان ميِّتا فأحييناه﴾.أي كان ميِّت القلب فأحياه الله تعالى. إلى غير ذلك من الآيات الكريمة...
[/rtl]
[rtl]وقد قامت اصطلاحات الصوفية بعض الشيء مقام العبارة في تصوير مدركاتهم ومواجيدهم، حين عجزت اللغة عن ذلك، فلا بد لمن يريد الفهم[/rtl]
[rtl]عنهم من صحبتهم حتى تتضح له عباراتهم، ويتعرف على إشاراتهم ومصطلحاتهم، فيستبين له أنهم لم يخرجوا عن الكتاب والسنة، ولم[/rtl]
[rtl]ينحرفوا عن الشريعة الغراء، وأنهم هم الفاهمون لروحها، الواقفون على حقيقتها، الحارسون لتراثها.
[/rtl]
[rtl]قال بعض العارفين: " نحن قوم يحرم النظر في كتبنا على من لم يكن من أهل طريقنا". لأن الغاية من تدوين هذه العلوم إيصالها لأهلها، فإذا[/rtl]
[rtl]اطّلع عليها من ليس من أهلها جهِلها، ثم عاداها، لأن الإنسان عدو لما جهل، ولذلك قال السيد علي بن وفا رحمه الله تعالى: "إن من دوّن[/rtl]
[rtl]المعارف والأسرار لم يدونها للجمهور، بل لو رأى من يطالع فيها ممن ليس هو بأهلها لنهاه عنها".
[/rtl]
[rtl]وكلام الصوفية في تحذير من لا يفهم كلامهم، ولا يعرف اصطلاحاتهم من قراءة هذه الكتب ليس من قبيل كتم العلم، ولكن خوفا من أن يفهم[/rtl]
[rtl]الناس من كتبهم غير ما يقصدون، وخشية أن يؤولوا كلامهم على غير حقيقته، فيقعوا في الإنكار والاعتراض، شأن من يجهل علما من العلوم،[/rtl]
[rtl]لأن المطلوب من المؤمن أن يخاطب الناس بما يناسبهم من الكلام، وما يتفق مع مستواهم في العلم والفهم والاستعداد، ولهذا أفرد البخاري في[/rtl]
[rtl]صحيحه بابا لذلك فقال: "باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية أن لا يفهموا".ومن الكلمات التي لها تأويل شرعي صحيح في اصطلاحات[/rtl]
[rtl]الصوفية: كلمة [مدد] التي يرددها بعضهم فينادي بها أحدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يخاطب بها شيخه.
[/rtl]
[rtl]وحجة المعترض عليهم أن هذه الكلمة هي سؤال لغير الله، واستعانة بسواه، ولا يجوز السؤال إلا له، ولا الاستعانة إلا به، حيث قال رسول الله[/rtl]
[rtl]صلى الله عليه وسلم: "إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله". ثم إن الله تعالى بيّن في كتابه العزيز أنه هو مصدر الإمداد حين قال: [/rtl]
[rtl]﴿كلاًّ نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك﴾.وقد جهل هذا الصنف من الناس أن السادة الصوفية هم أهل التوحيد الخالص، الذين يأخذون بأيدي[/rtl]
[rtl]مريديهم ليذيقوهم حلاوة الإيمان، وصفاء اليقين، ويخلصوهم من شوائب الشرك بجميع صوره وأنواعه.
[/rtl]
[rtl]ولابد أولا من معرفة معنى هذه الكلمة [مدد] عند علماء اللغة، كي يتبين المعنى ويتضح اللبس:
[/rtl]
[rtl]فمعنى كلمة [مدد] يختلف باختلاف نية قائلها؛ فقد جاء في لسان العرب لابن منظور: "مددنا القوم: أي صرنا لهم أنصارا ومددا وأمددناهم[/rtl]
[rtl]بغيرنا". وقال سيبويه: "المدد ما مدّهم به أو أمدّهم؛ والجمع أمداد، قال: ولم يجاوزا به هذا البناء، واستمدّه: طلب منه مددا، والمدد: العساكر[/rtl]
[rtl]التي تُلحق بالمغازي في سبيل الله.. والإمداد: أن يرسل الرجل للرجل مددا، تقول: أمددنا فلانا بجيش. قال الله تعالى: ﴿أن يمدكم ربكم بخمسة[/rtl]
[rtl]آلاف﴾. وقال في المال: ﴿أيحسبون أنما نمدهم به من مال﴾. وقال تعالى وعلا: ﴿وأمددناكم بأموال وبنين﴾. فالمدد ما أمددت به قومك في حرب أو[/rtl]
[rtl]غير ذلك من طعام أو أعوان...". ومما تجدر الإشارة إليه هنا، أن هناك فرق بين مدد الخالق سبحانه ومدد المخلوق، فكلمة مدد تأتي بمعنى[/rtl]
[rtl]المساعدة والمعاونة وهي مستحبة في كل أنواع البر بجميع الطرق التي أجازها الشرع الحنيف، فاستعانة الناس بعضهم ببعض في الأمور لا[/rtl]
[rtl]مفر منها ولا غنى عنها والإنسان مأمور بها، ولاسيما في أمور البر والتقوى، فقد قال الله تعالى: ﴿وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على[/rtl]
[rtl]الإثم والعدوان﴾،فالتعاون بين الخلائق هو المدد، أي المساعدة ونصرة بعضهم لبعض، فلو طلب الإنسان من بني جنسه الإمداد فليس بمعنى أنه[/rtl]
[rtl]يطلب منه كما يطلب من ربه، ولكن بالمدد والقدرة التي أمده الله بها.
[/rtl]
[rtl]ولتوضيح المراد من كلمة [مدد] قيل: "لا بد للمؤمن في جميع أحواله أن تكون له نظرتان:
[/rtl]
[rtl] • نظرة توحيدية لله تعالى، بأنه وحده مسبب الأسباب، والفاعل المطلق في هذا الكون، المنفرد بالإيجاد والإمداد، ولا يجوز للعبد أن يشرك[/rtl]
[rtl]معه أحدا من خلقه، مهما علا قدره، أو سمت رتبته، من نبي أو ولي.
[/rtl]
[rtl]
[/rtl]
[rtl]• ونظرة للأسباب التي أثبتها الله تعالى بحكمته، حيث جعل لكل شيء سببا".
[/rtl]
[rtl]وقد جعل الله تعالى في هذه الدنيا لخلقه ما جعل للملائكة الكرام عليهم السلام من وظائف وأعمال ظاهرية وباطنية، وزوّدهم بإمدادات وقدرات[/rtl]
[rtl]نورانية، فقد أكرم الله أنبياءه ورسله وأولياءه بشيء من الأسرار التي تجعلهم قائمين بها على نصرة دين الله، ويمدون بها من شاؤوا بإذن ربهم[/rtl]
[rtl]ورضاه؛ لإقامة دين الله جلّ جلاله.
[/rtl]
[rtl]فالمؤمن يتخذ الأسباب ولكنه لا يعتمد عليها، ولا يعتقد بتأثيرها الاستقلالي، فإذا نظر العبد إلى السبب واعتقد بتأثيره المستقل عن الله تعالى فقد[/rtl]
[rtl]أشرك، لأنه جعل الإله الواحد آلهة متعددة، وإذا نظر للمسبب وأهمل اتخاذ الأسباب فقد خالف سنة الله الذي جعل لكل شيء سببا. والكمال هو[/rtl]
[rtl]النظر بالعينين معا، ولتوضيح هذه الفكرة نسوق بعض الأمثلة:
[/rtl]
[rtl]إن الله تعالى وحده هو خالق البشر، ومع ذلك فقد جعل لخلقهم سببا عاديا، وهو التقاء الزوجين، وتكوُّن الجنين في رحم الأم، وخروجه منه في[/rtl]
[rtl]أحسن تقويم، وكذلك فإن الله تعالى هو وحده المميت، ولكنه جعل للإماتة سببا هو ملك الموت، فإذا لاحظنا المسبب قلنا: ﴿الله يتوفى[/rtl]
[rtl]الأنفس﴾. وإذا قلنا: إن فلانا قد توفاه ملك الموت، لا نكون قد أشركنا مع الله إلها آخر، لأننا لاحظنا السبب، كما بيّنه الله تعالى في قوله: ﴿قل[/rtl]
[rtl]يتوفاكم ملك الموت الذي وُكّل بكم﴾.
[/rtl]
[rtl]كذلك بالنسبة للاستعانة، فإذا نظرنا للمسبب قلنا: "إذا استعنت فاستعن بالله"، الحديث. وإذا نظرنا إلى السبب قلنا: ﴿وتعاونوا على البر[/rtl]
[rtl]والتقوى﴾."والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه". فإذا قال المؤمن لأخيه: أعِنِّي على حمل هذا المتاع، لا يكون مشركا مع الله تعالى[/rtl]
[rtl]أحدا، أو مستعينا بغير الله، لأن المؤمن ينظر بعينيه، فيرى المسبب والسبب، وكل من يتهمه بالشرك فهو ضال مضل.
[/rtl]
[rtl]ومبدأ البركة أو المدد معروف في الفكر الإسلامي، قال عنه أبو حامد الغزالي: "أنه إذا حق دخول النار على طوائف من المؤمنين فإن الله[/rtl]
[rtl]تعالى بفضله يقبل فيهم شفاعة الأنبياء والصديقين، بل شفاعة العلماء والصالحين، وكل من له عند الله تعالى جاه وحسن معاملة، فإن له شفاعة[/rtl]
[rtl]في أهله وقرابته وأصدقائه ومعارفه، فكن حريصا على أن تكتسب لنفسك عندهم رتبة الشفاعة".وذكر محمد زكي إبراهيم أن طلب الدعاء[/rtl]
[rtl]والشفاعة من الحي أو روح الميت طلب عبودية لله، وهو مباح في مبادئ الإسلام، وطلب المدد من الحي معناه دعاؤه، وإرشاده، وروحانيته،[/rtl]
[rtl]وتوجهه، وبركة صلاحه، وتقواه، وسره مع الله، وطلب المدد من الميت طلب من روحه الحي بخصائصه في برزخه السامع المدرك الذي له ما[/rtl]
[rtl]يشاء عند ربه".فمعنى المدد هنا هو طلب التوسل إلى الله والاستشفاع به إليه عز وجل في قضاء الحوائج ودفع الجوائح، والتماس بركة مقامه[/rtl]
[rtl]عند الله تعالى، والاستمداد من مدد الله وسره. ﴿وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا﴾.
[/rtl]
[rtl]والتوسل ليس معناه التوسل بالذات المشخصة من اللحم والدم والعظم والعصب، وإنما هو التوجه إلى الله تعالى بالمعنى الطيب في الإنسان،[/rtl]
[rtl]والمعنى الطيب ملازم للروح سواء تعلقت بالجسم في الحياة أو تخلصت منه بالموت واستقرت في برزخها على مقامها هناك... وهكذا، فليس[/rtl]
[rtl]اللفظ وحده بكاف لتطلَق أحكام الشرك والكفر على عباد الله، ولو كان ذلك كافيا لما عاتب حضرة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم[/rtl]
[rtl]ابن أبي شيبة الذي قتل رجلا بعد أن قال "لا إله إلا الله"، فلما سمع به رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال له: أقال لا إله إلا الله[/rtl]
[rtl]وقتلته؟ قال: يا رسول الله إنما قالها خوفا من السلاح. قال: أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا، فما زال يكررها عليه حتى تمنى لو[/rtl]
[rtl]أنه أسلم يومئذ". ولهذا يؤكد أهل الطريقة على أن مسألة الحكم على إيمان الناس يجب أن تأخذ مسألة النوايا والمعتقدات القلبية بنظر[/rtl]
[rtl]الاعتبار، ولا تقف عند حدود الظن الذي نهى عنه الحق تعالى في قوله: ﴿يَا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن[/rtl]
[rtl]إثم﴾. وقال تعالى حاكيا عن جبريل عليه السلام: ﴿قال إنما أنا رسول ربك لِأَهَبَ لَكِ غلاما زكيّا﴾.هنا أسند جبريل عليه السلام الوهب لنفسه[/rtl]
[rtl]مع أن الوهاب الحقيقي هو الله تعالى...
[/rtl]
[rtl]وقال تعالى أيضا: ﴿ إِن تتوبا إِلَى الله فقد صغت قلوبكما وإن تَظَاهَرَا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك[/rtl]
[rtl]ظهير﴾.وقد جاء في تفسير هذه الآية الكريمة أن الله تعالى وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة كلهم أعوان للرسول صلى الله عليه[/rtl]
[rtl]وسلم على من آذاه وأراد مساءته. وهو نص صريح في جواز الاستعانة بجبريل أو الملائكة أو صالح المؤمنين من الأولياء والصالحين،[/rtl]
[rtl]وما يؤكد هذا ويثبته أيضا، ما روي عن ابن عباس- رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن لله ملائكة في الأرض[/rtl]
[rtl]سوى الحفظة يكتبون ما يسقط من ورق الشجر، فإذا أصاب أحدكم عرجة بأرض فلاة فليناد أعينوا عباد الله".وقد ثبت أن رجلا أتى رسول[/rtl]
[rtl]الله صلى الله عليه وسلم فقال له: أريد مرافقتك في الجنة، فقال عليه الصلاة والسلام: "أعِنّي على نفسك بكثرة السجود". أي العبادة.
[/rtl]
[rtl]فهذه كلها أدلة تؤكد مشروعية طلب المدد من الله تعالى عن طريق عباده الصالحين وأوليائه المتقين، وكل ذلك متوقف على حسب نية[/rtl]
[rtl]الإنسان واعتقاده.[/rtl]
[rtl]منقول
[/rtl]