[size=16]الحمد لله رب العالين والصلاة والسلام علي سيد الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلي اله وأصحابه الذين كانوا القدوة والمثل الطيب لكل الأجيال التي سوف تأتي من بعد إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها ...
هؤلاء الصحب الكرام كانوا ومازالوا وسيظلون مصابيح للهدي والنور لكل الناس في كل زمان وكل مكان ليعلم الناس .. كل الناس أنهم بحق الذين قال الله تعالي فيهم :":"كنتم خير امة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله... الآية"(الآية/110 جزء من الآية) –" آل عمران ..."
ولكي نقف علي عظمة هؤلاء الرجال لابد لنا من الوقوف علي سيرتهم العطرة التي كانوا بها في هذه الدرجة العظيمة من حب الله جل وعلا لهم ورسوله صلي الله عليه وسلم ووصلوا إلي هذه الخيرية التي لم يصل إليها غيرهم إلا من أحبهم الله جل وعلا كما أحب هؤلاء الصحب الكرام لأنهم كانوا أهلا لهذا الحب العظيم
قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ''لا يُؤمِنُ أحدُكُم حتّى أكون أحبّ إليه من والده وولده والنّاس أجمعين''. لم تكن محبّة الصحابة رضوان الله عليهم للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قاصرة على مشاعر جيّاشة، أو عواطف مُرهفة، أو كلمات تردّد وأشعار تُنسَج، بل كانت تترك أثـرها في السُّلوك والحياة.
كان أصحاب هذا الحبّ أحرص النّاس على إحياء ذِكْرِه في ليل ونهار، واتباعه في إقبال وإدبار، واقتداء به فيما تَرَك من أخلاق وعبادة، وأمر ونهي وإرشاد وتوجيه. فعن نافع مولى عبد الله بن عمر عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''لو تركنا هذا الباب للنِّساء''، أي لو جعلنا هذا الباب من المسجد للنِّساء يدخلن منه ويخرجن من غير أن يُزاحمن الرِّجال لربّما كان أفضل. قال نافع: فلَم يدخل ابن عمر من ذاك الباب حتّى مات، سمعًا وطاعة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وروى البخاري عن ابن عمر أيضًا أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ''ما حقُّ امرئ مسلم له شيء يُريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلاّ ووصيته مكتوبة عنده''. قال ابن عمر: منذ سمعتُ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول هذا، ما نِمْتُ إلاّ ووصيتي مكتوبة عندي.
وعن زيد بن خالد الجهني قال: سمعتُ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ''لولا أنْ أشُقَّ على أمّتي لأمرتُهم بالسِّواك عند كلّ صلاة''. فكان زيد رضي الله عنه يروح إلى المسجد وسواكه عند أذنه بموضع قلم الكاتب، ما تقام صلاة إلاّ واستاك قبلَ أن يُصلِّي، اتّباعًا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيما أرشد إليه.
وهذه المتابعة لم تكن قاصرة على الرِّجال فحسب، بل كانت النِّساء تحرصن على أن تتأدّبن بأدب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فهذه أسماء رضي الله عنها تُحدث عن نفسها فتقول: مرّ بي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنَا أحصي شيئًا أكيله، أي أعد مدخرات البيت، فقال: ''يا أسماء؛ لا تحصي فيُحصي الله عليك''. قالت: فما أحصيتُ شيئًا خرج من عندي ولا دخل عليّ، وما نفد عندي من رزق الله إلاّ أخلَفَهُ الله عزّ وجلّ، بعد قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذلك. وفي قصة عظيمة، يروي عليّ رضي الله عنه لابن أعبُدَ فيقول: أَلاَ أُحدِّثُكَ عنِّي وعن فاطمةَ بنت رسولِ الله صلّى الله عليه وسلّم، وكانت من أحبِّ أهله إِليه، وكانت عندي؟ قلتُ: بلَى. قال: إِنّها جَرَّتْ بالرَّحا حتّى أَثَّـرت في يدها، واستقتْ بالقِرْبة حتّى أَثَّـرَت في نَحْرِها، وَكَنَسَتِ البيتَ حتّى اغبرَّت ثـيابُها، فأتى النّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم خَدَم، فقلتُ: لو أتيتِ أباكِ فسألتِه خادمًا؟ فأتته فوجدتْ عندهُ حُدَّاثـا فرجَعت، فأتَاها من الغَدِ فقال: ''ما كانت حاجتُكِ؟''. فسكتت، فقلتُ: أنّا أُحَدِّثُـكَ يا رسولَ الله: جَرَّت بالرَّحى حتّى أَثَّـرَتْ في يَدِها، وحَمَلَت بالقِربة حتّى أَثَّـرتْ في نَحرها، فلمَّا أن جاءَ الخَدمُ، أمرتُها أن تأْتِيَكَ فتَستَخْدِمَكَ خادمًا يَقيها حَرَّ ما هي فيهِ. قال: ''اتَّقي الله يا فاطمةُ، وأَدِّي فريضةَ ربِّكِ، واعملي عَمَلَ أهلِكِ، وإذا أَخَذْتِ مَضجعكِ فَسَبِّحي ثـلاثًـا وثـلاثـين، واحمَدي ثـلاثًـا وثـلاثـين، وكَبِّري أربعًا وثـلاثـين، فتلك مائة، فهي خَير لَكِ من خادم''. قالت: رَضِيتُ عن الله وعن رسوله''، رواه البخاري ومسلم.
لقد رضيت فاطمة رضي الله عنها عن الخادم بذِكْر الله عزّ وجلّ، أحبت ما اختاره لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، كما أخبرها وهو يُشفق عليها بالرّحمة الّتي بُعث بها أنّ هذا الذِّكر يهوّن كثـيرًا من أتعاب البيت وشغله، فرضيت عن الله وعن رسوله وأبَت عن الخادم، فرضي الله عنها وعن زوجها، فقد تمسَّك بهذه الوصية وعمل بها حتّى في أحلك الظروف وأصعبها، فقد روي عنه أنّه ما ترك هذا الذِّكر حتّى في موقعة صفّين.
اللهم صلى وسلم على حبيبك النبي الكريم وعلى اله وصحبه وسلم تسليما[/size]