سبحانك يا الله!
يا من خلقتنا بأحلى وأبهى وأحسن صورة
وتفضَّلتَ علينا بنعمك الظاهرة والباطنة، أنت أعلم بنا من أنفسنا
خاطبتنا في كتابك المجيد فقلت لنا: (هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ
أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ
أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ
اتَّقَى) [النجم: 32].
فيا رب لا نزكي أنفسنا ولا نزكي على الله أحداً
فأنت أعلم بأعمالنا وأعلم بما يصلح حالنا
فهيّء لنا علماً ينفعنا ويقربنا إليك.
اقتضت حكمتك أن تخلقنا من تراب!!
وكأنك تقول لنا لا تتكبروا فالمادة التي خلقتم منها هي أرخص
مادة على وجه الأرض!!
ثم جعلتنا نطفة لا تُرى وليس لها قيمة ولا تكاد تزن شيئاً!
ولكنك أودعتَ في هذه الخلية الصغيرة أعقد البرامج على وجه الأرض
ليشهد هذا التعقيد وهذا الإتقان على قدرتك وعظمتك وإبداعك...
فنحن يا رب لا نرجو إلا رحمتك وليس هناك أحب إلينا من لقائك، فأنت الذي
خاطبتنا بقولك: (مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ
اللَّهِ لَآَتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [العنكبوت: 5]. وندعوك أن
تجعل هذه الحقائق العلمية وسيلة نبصر من خلالها قدرتك تتجلى في أنفسنا:
(وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) [الذاريات: 21].
فهل ترضى عنا يا مالك الملك وخالق كل شيء!
إخوتي وأخواتي في الله!
هذه مقدمة أحببت أن أبدأ بها لنستيقن أن هذا العلم أي الإعجاز هو وسيلة لمعرفة الله تعالى
وقد قال لي ذات مرة أحد الإخوة:
لماذا تبحث في هذه العلوم وتضيع وقتك؟!!
إنني مؤمن بالقرآن ومؤمن برسالة الإسلام، ومؤمن بالله تعالى، فلست بحاجة لإثباتات على ذلك!
وقلتُ له يا أخي! ما هو عدد آيات القرآن؟
فقال هذا موضوع لا يزيد إيماني!
ثم قلت له: ما هو عدد سور القرآن؟ قال لا أذكر، وليس مهماً ذلك؟
قلت له: ما معنى (والسماء ذاتٍ الحبك)
قال هذا يحتاج للتفاسير وأنا لست مختصاً بذلك!
ثم سألته: ما معنى (ناصية كاذبة خاطئة)،
ما معنى (وترى الجبال تحسبها جامدة)،
ما معنى (الم)، وغيرها من الأسئلة التي تدل على مدى تعلق المؤمن بكتاب ربه ومدى حرصه على فهم هذا القرآ ن وتدبره
ولكنه كان يرد ويقول بأن هذه الأشياء غير ضرورية لزيادة الإيمان!
ثم طلبت منه أن يخبرني على لسان من من الأنبياء ورد هذا الدعاء
(رب لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين)
قال لا أعلم... ثم سألته: مَن من الأنبياء قال
(إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ </SPAN>بناصيتها)...
وكانت الإجابة ذاتها
هذه الأسئلة غير ضرورية والعلم بها ليس فريضة!
فقلت له بعد ذلك: إنك تجهل تماماً القرآن، ولذلك أنت مؤمن بشيء تجهله، إذاً أنت مؤمن بالمجهول!
فماذا تقول لله تعالى الذي سيسألك يوم القيامة عن هذا القرآن:
(وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) [الزخرف: 44].
والله إن أحدنا ليستحي من صديق له إذا أهداه كتاباً وسأله بعد مدة هل قرأت هذا الكتاب
يستحيي أن يقول لم أقرأه!
فماذا ستقول لله تعالى يوم تقف بين يديه ليس بينك وبينه حجاب
ويسألك:
ماذا فعلت بهذا القرآن، وماذا تعلمت منه، وما هي الخدمات التي قدمتها لهذا الكتاب الذي تدعي أنك تحبه؟
فجهِّز نفسك لهذه الأسئلة يا أخي قبل أن يأتي ذلك اليوم
ولا تظن نفسك أنك أفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي كان يسهر ليلة كاملة يتأمل آية واحدة:
(إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [المائدة: 118].
فكم مرة فكرت أن تخصص ولو ساعة لتتأمل فيها آية من آيات الله؟!!
كنتُ أسمع حديثاً يقول:
تفكر ساعة خير من عبادة سنة!
وكنتُ أستغرب من ذلك، ولكنني بالفعل أيقنتُ أن الله تعالى لا يعطي الحسنات على كثرة العمل ولكن على نوعية العمل!
فما أكثر الصحابة الكرام عليهم رضوان الله، والذين آمنوا ثم جاهدوا وقُتلوا في سبيل الله بعد فترة قصيرة من إسلامهم
فلو أحصينا عدد الركعات التي قاموا بها نجدها قليلة، ولكن الله تعالى
جعلهم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين بسبب شيء ربما نراه بسيطاً
ولكنه عند الله عظيم: إنه الصدق مع الله: (فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ
خَيْرًا لَهُمْ) [محمد: 21].
الصدق والإخلاص وحسن الظن بالله ... كل
ذلك لا يحتاج لعمل الجوارح، بل هو من عمل القلب، ولا يحتاج لكثير من الوقت
والجهد، بل هو نتيجة التفكر في الله تعالى وخلقه وقدرته. وأخبركم أن إيماني
قبل سنة مثلاً لم يكن بنفس سوية إيماني اليوم، بسبب زيادة معرفتي بآيات
الله وإعجازه وقدرته.
وعلم الإعجاز يا أحبتي هو أفضل وسيلة في هذا
العصر لإدراك شيء من عظمة الله وقدرته في خلقه، ولا يكفي أن نتعرف على سيرة
الرسول صلى الله عليه وسلم دون أن نقتدي بها! وإنني لأعجب من إنسان يدَّعي
أنه يطبق تعاليم القرآن والسنَّة ثم تسأله ما هي معلوماتك في علم الأجنة
فيقول: هذا العلم ليس فرضاً عليَّ أن أتعلمه! وأقول إذاً عندما خاطب الله
الإنسان بقوله:
(فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ) [الطارق: 5].
لا أدري مَن المقصود بهذا النداء: المؤمن أم الكافر؟
وماذا يعني ذلك؟
هل نجلس وننتظر دون تفكير ودراسة وتأمل؟
هل نترك علماء الغرب من غير المسلمين ليبحثوا وينظروا ويطبقوا هذه الآية عملياً في مختبراتهم
ثم نقول هذا العلم لا يعنينا في شيء!!
إذاً يا أحبتي سوف أصحبك في رحلة متواضعة في عالم خلق الجنين عسى أن نزداد
إيماناً بالله تعالى ونزداد معرفة بهذا الخالق العظيم. وسوف نستخدم لغة
الصور التي التقطها العلماء لأجنة في بطون أمهاتهم من النطفة
وحتى يخرج طفلاً
لنتأمل ونسبح الله على أن أكرمنا بهذه العلوم.