المحبة للمصطفى المدير العام
عدد المساهمات : 5852 نقاط : 33706 التفاعل مع الاعضاء : 15 تاريخ التسجيل : 18/09/2010 العمر : 74 الموقع : النور المحمدى
| موضوع: المقـامَــــة الـحـديـثيـّــة ( لعائض القرنى ) الأحد فبراير 19, 2012 9:56 am | |
|
المقـامَــــة الـحـديـثيـّــة
* وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى *
من زار بابك لم تبرح جوارحهتروي أحاديث ما أوليت من منن فالعين عن قرةٍ والكف عن صلة.والقلب عن جابر والسمع عن حسن
جاءني عطاء الله السمرقندي ، فبات عندي ، وكان أحد المحدثين ، ويكره الُمحْدِثين في الدين ، فقلنا : أيها الإمام ، عليك السلام : الوقت حثيث ، فحدثنا عن علم الحديث ، فتأوّه ثم قال : مات حفاظه ، فكادت تنسى ألفاظهُ ، ، وأهل الحديث هم الركب الأخيار ، أحباب المختار ، قوم تصدقوا بالأعمار على الآثار ، وقضوا الحياة في الأسفار ، لجمع كلام صفوة الأبرار :
في كل يوم لنا في الأرض مرتحل نغدو بدار ونمسي بعد في دار شدّوا العمائم ، وجدّوا في العزائم ، وتسلحوا بالصبر الدائم ، فلو رأيتهم وقد فتحوا الدفاتر ، وقربوا المحابر ، وكتبوا : حدثنا مسدّد بن مسرهد ، أو رواه أحمد في المسند ، أو أخرجه البخاري ، وشرحه في فتح الباري ، لهانت عندك الدنيا بما فيها ، وركبت سفينة الحديث وناديت باسم الله مجراها . ولأقبلت على العلم والكتب ، وهجرت اللهو واللعب ، واللغو والطرب . يفوح من فم المحدث المسك التِّبتي ، لأن عليه سيماء ( نضَّر الله ، امرأً سمع مني مقالتي ) أنفاس المحدثين تنضح بالطيب ، لأنها حملت اسم الحبيب :
يكون أجاجاً دونكم فإذا انتهى إليكم تلقى طيبكم فيطيب بنفسي ذاك المحدث إذا جلس على الكرسي ، وقد حف به الطلاب ، ونشر الكتاب ثم قال : حدثنا محمد بن شهاب ، عندها يرتحل قلبك ، ويكاد يطير لبك ، شوقاً لصاحب التركة ، لما جعل الله في كلامه من البركة . فتصبح الدنيا رخيصة مرفوضة ، لا تساوي جناح بعوضة ، وتشتاق النفوس إلى الجنة ، لما غشيتها أنوار السنة .
إني إذا احتوشتني ألف محبرةٍ يكتبن حدثني طوراً وأخبرني نادت بحضرتي الأقلام معلنة تلك المكارم لا قعبان من لبنِ أما أخبار المحدثين في الأسفار ، وقطع القفار ، وامتطاء البحار ، وركوب الأخطار ، فقد حفلت به الأسفار . ولكنهم في سفرهم يقرؤون كتاب الكون ، في كل حركة وسكون ، فإن المحدث يجد المتعة في ارتحاله ، والبهجة في انتقاله ، من ناد إلى ناد ، ومن جبل إلى واد ، فهو يعب من المناهل ، ويسرح طرفه في المنازل ، ويطلق بصره إلى دساكر الأقطار وغياضها ، وحدائق الديار ورياضها ، فيلمح عجائب البلدان ، ويتصفح غرائب الأوطان ، ويأنس بنغم الطيور في كل بستان ، فهو في تنقل بين حيطان وغيطان ، ووديان وأفنان وألوان ، تمر به الصور والمشاهد ، ويبيت في المساجد ، ويعب الماء النمير ، من كل غدير ، له في كل بلدة أصحاب ، وله في كل قرية أحباب . يفترش الغبراء ، ويلتحف السماء ، سلم في سفره من أذى الجيران ، وضوضاء الصبيان ، والثقيل من الإخوان ، ينام على الثرا ، في العرا ، خارج القرى ، مركوبه رجلاه ، وخادمه يداه ، البسمة لا تغادر محياه : ومشتت العزمات لا يأوي إلىسكن ولا أهل ولا جيرانِ ألِفَ النوى حتى كأن رحيله للبين رحلته إلى الأوطانِ قيل للفلاسفة : من سندكم ؟ قالوا : ابن سينا عن سرجيس بن ماهان ، عن أرسطاليس من اليونان . وقيل لعلماء الكلام : من سندكم ؟ قالوا : محمد بن الجهم من خراسان ، عن الجهم بن صفوان . وقيل للمحدثين : من سندكم ؟ قالوا : طاووس بن كيسان ، عن ابن عباس ترجمان القرآن ، عن الرسول سيد ولد عدنان ، عن الرحمن ، كان المحدِّث إذا ودّع أولاده ، وترك بلاده ، وحمل زاده ، يجد من راحة البال ، وطيب الحال ، ما يفوق فرحة أصحاب الأموال ، وما يربو على سرور من ملك الرجال . إذا جمع بعضهم كلام الفلاسفة ، أهل الزيغ والسفه ، الذي يورث الجدال والمعاسفه ، جمع المحدثون كلام الذي ما ضل وما غوى ، وما ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى . وإذا تفاخر أحدهم بجمع كلام علماء الكلام ، أهل الشقاق والخصام ، والفرقة والخصام . تفاخر المحدثون بحديث خير الأنام ، أزكى من صلى وصام ، وحج بالبيت الحرام . قال الشافعي : إذا رأيت محدثا فكأني رأيت أحد أصحاب محمد ، قلت : لأن نهجهم مسدد ، وعلمهم من الله مؤيد . وقد أطال ثنائي طول لابسه إن الثناء على التنبال تنبال أنا لا أريد سَنَدي من إيوان كسرى أنو شروان ، ولا من الرومان ، ولا من اليونان، أريد سندي عن سفيان ، أو سليمان بن مهران ، أو سلمان عن رسول الإنس والجان . تعلمني كلام الناس بلا دليل ، ولا تأصيل ، وتقول هذا كلام جميل ، وعندي التنـزيل ؟ قيل للحمار ، لماذا لا تجتر ؟ قال : أكره الكذب . وقيل للجمل لماذا لا ترقص ؟ قال : لا أعرف الطرب . وتعلمني الفلسفة والمنطق ، وأنا ما عندي وقت للعب . أريد أن أسمع في المجلس ، حدثنا سبعين مرة ، لتكتمل المسرّة . أهل الحديث هموا أهل النبي وإن لم يصحبوا نفسه أنفاسه صحبوا الحديث النبوي كلام ، لم يخمر في عقول فلاسفة اليونان ، ولم يتعفن في أدمغة فلان وفلان ، ولم يأت من أهواء أهل الطغيان . وإنما قاله من أتى بالقرآن ، تقرأ استنباط أهل الفهوم ، وتطالع كتب أرباب العلوم ، ثم تتلو حديث المعصوم ، فإذا ماء الوحي يترقـرق في جنباته ، ورحيق العصمة يتدفق في قسماته ، فكان كل علم قرأته قبله نسي وانتهى ، لأنه لا يقاوم كلاماً أتى من عند سدرة المنتهى . السموات شيقات ظماءوالفضا والنجوم والأنواء لكلام من الرسول جميل .تتلاشى من نوره الأضواء
ما أحسن الضم والعناق ، لجملة حدثنا عبد الرزاق ، كلما قلت أخبرنا علي بن المديني ، حفظت ديني ، سهمي لكل مبتدع يسدد ، إذا قلت حدثنا مسدد بن مسرهد . أشرقت أمامي المسالك ، كلما قرأت موطأ مالك ، سقيم الإرادة العلمية له علاج ، عند مسلم بن الحجاج ، أدْمغُ كل منحرف بذي ، بسنن الترمذي ، أنا في صباحي ومسائي ، أدعو للنسائي . هاجر المحدثون إلى الله لطلب كلام رسوله الأمين ، فوجدوا في أول الطريق ثواب نية الصادقين ، ووجدوا في وسطه نضرة البهاء التي دعا بها سيد المرسلين ، ووجدوا في آخر الطريق جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين . كل صاحب فن ، ينسب إلى صاحب ذاك الفن ، إلا المحدثون فإنهم ينسبون ، إلى من أتى بالسنن ، وأهدى لنا المتن ، وتنعمت بعلومه الفطن . ما أروع الهمم الكبار لثلةٍ معروفة بالبر والإحسانِ يتصيدون كلام أكرم مرسلٍ ينفون عنه سبيكة البهتانِ سافر أحمد بن حنبل من بغداد إلى صنعاء ، يمتطي الرمضاء ، ويركب الظلماء ، يترك الأهل ، يدفعه الجبل إلى السهل ، تشيعه الدموع ، يرافقه الجوع . لأن الرجل مشتاق، وأحد العشاق ، لذاك الترياق ، من قوارير عبد الرزاق . دخل مكحول القرى والبوادي ، وطاف على النوادي ، وعبر كل وادي ، يطلب حديث النبي الهادي ، فصار ريحانة الشام ، وشيخ الإسلام . ومشى أبو حاتم ، ألف فرسخ على الأقدام ، لطلب حديث سيد الأنـام ، فأصبح بذلك أحد الأعلام . تهون خطانا للمحب فلو مشى إليكم فؤادي كان أبرد للشوقِ المحدثون هم عسكر الرسالة ، وجنود البسالة ، ظهروا على البدع بكتائب حدثنا ، وسحقوا الملاحدة بجيوش أخبرنا . لولا كتابة الحديث في الدفاتر ، وحمل المحدّثين للمحابر ، لخطب الدجَّال على المنابر الله كم من أنف لمبتدع أرغم بصحيح البخاري ، وكم من صدر لمخالف ضاق بفتح الباري . الحديث كسفينة نوح فيها من كل زوجين اثنين : رواية ودراية ، بداية ونهاية ، متون وأسانيد ، صحاح ومسانيد ، تراجم ومعاجم . من ركب هذه السفينة نجا من غرق الضلالة ، وسلم من بحر الجهالة ، ووصل شاطئ الرسالة . انطلقت هذه السفينة من المدينة ، ربانها المصطفى ، والركاب الصحابة الأوفياء ، نحن على مائدة المحدثين أضياف ، فلعلنا نعد منهم ، لأن المضاف إليه يأخذ حكم المضاف ، لكل طائفة رئيس ، والمحدِثّون محمد رئيسهم ، وهم القوم لا يشقى بهم جليسهم ، ليتني خسرت ذهباً مثل ثهلان ، بمجلس واحد مع سفيان . المحدثون بيوتهم المساجد ، وعصى التسيار التوكل ، وزادهم التقوى ، وكلامهم حدثنا وأخبرنا ، ويريدون وجهه ، والمطلب الجنة ، والمقصد رضوان الله ، والعمل الذب عن الملة ، والنسبة محمديّون . هذه الطائفة : (( دعها فإن معها حذاؤها وسقاؤها ، ترد الماء وترعى الشجر حتى يلقاها ربها ، في جنات ونهر ، في مقعد صدق عند مليك مقتدر )) . سلام على المحدِّثين ، ورحمة رب العالمين ، ورضوان عليهم في الخالدين ، وجمعنا بهم في الصالحين ، وإلى لقاء بعد حين : إن كان قد عز في الدنيا اللقاء ففي مواقف الحشر نلقاكم ويكفينا
....
خادمتكم
المحبة للمصطفى
..
| |
|