الستر غطاء الكون والوقوف مع العادات ونتائج الأعمال وقد أعلمناك أن الأسباب حجب إلهية لا يصح رفعها إلا بها فعين رفعها سد لها وحقيقة محوها أثباتها والستر رحمة عامة إلهية في حق العامة لما قدر عليهم من المخالفة لأوامر فلا بد لهم من أبقاعها ومع الكشف والتجلي فلا تقع أبداً فلا بد من الستر ولهذا أهل التجلي العلمي رفع عنهم الحجر فلم يبق في حقهم تحجير بل أبيح لهم ما شاءه في تصرفهم فإنه ورد في صحيح الخبر أن ...الله يقول لمن أذنب فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب أعمل ما شئت فقد غفرت لك فأباح لمن هذه صفته ما حجره على غيره ومن المحال أن يأمره بإتيان ما حجر عليه الإتيان به فإن الله لا يأمر بالفحشاء فأسدل الستور دون أهل الحجر هذا حكمه في العامة وأما في الخاصة .
فجعلك عين ستره عليك ولولا هذا الستر ما طلبت الزيادة من العلم به فإنت المتكلم والمخاطب من خلف ستر الصورة التي كلمك منها فإنظر في بشريتك تجدها عين سترك الذي كلمك من ورائه فإنه يقول وما كان لبشر أن يكلمه الله ألا وحيا أو من وراء حجاب وقد يكلمك منك فإنت حجاب نفسك عنك وستره عليك ومن المحال أن تزول عن كونك بشراً فإنك بشر لذاتك ولو غبت عنك أو فنيت بحال يطرأ عليك فبشريتك قائمة العين فالستر مسدل فلا تقع العين ألا على ستر لأنها لا تقع ألا على صورة وهذا لما تقتضيه الألوهية من الغيرة والرحمة فأما الغيرة فإنه يغار أن يدركه غير فيكون محاطاً لمن أدركه وهو بكل شيء محيط والمحاط فلا يكون محيطاً لمن أحاط به وأما الرحمة فإنه علم أن المحدثات لا تبقى لسبحات وجهه بل تحترق بها فسترهم رحمة بهم لإبقاء عينهم .
الشيطان يأمر بالفحشاء فوعد الله بالمغفرة وهي الستر الذي يجعله الله بين المؤمن العاصي وبين الكفر الذي يرديه عند وقوع المعصية فيعتقدانها معصية ولا يبيح ما حرم الله وذلك من بركة ذلك الستر ثم مغفرة أخرى وهو ستر خلف سترين ستر عليه في الدنيا لم يمض فيه حد الله المشروع في تلك العصية وإن ستر عليه في الآخرة لم يعاقبه عليها فالستر الأول محقق في الوقت قال تعالى والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً فهذه المغفرة لأمره بالفحشاء والفضل لما وعد به الشيطان من الفقر في قوله تعالى الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء فأراح الله المؤمن حيث ناب عنه الحق سبحانه في مدافعة ما أراد الشيطان إمضاءه في المؤمن فدفع الله عن عبده المؤمن وعداً إلهياً دفع به وعداً شيطانياً والله لا يقاوم ولا يغالب فالمغفرة متحققة والفضل متحقق وباء الشيطان بالخسران المبين ولهذه الحقيقة أمرنا الله أن نتخذه وكيلاً في أمورنا فيكون الحق هو الذي يتولى بنفسه دفع مضار هذه الأمور عن المؤمنين وما غرض الشيطان المعصية لعينها وإنما غرضه أن يعتاد العبد طاعة الشيطان فيستدرجه حتى يأمره بالشرك الذي فيه شقاوة الأبد وذلك لا يكون إلا برفع الستر الاعتصامي الحائل بين العبد والشرك.
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم