انتقال النور المحمدي من عالم الملكوت الى عالم الدنيوي

انتقال النور المحمدي من عالم الملكوت الى عالم الدنيوي

فلما تعلقت ارادة الله تعالى بتكوين الكائنات علوية و سفلية, و بدئها بأشرف العالمين أصولا و أرفعها في المقام, خلق محمد من صفاء بياض أنوار ذاته القدسية, فدار

بالقدرة و تقلب في خزائن الغيب حيث شاء الملك العلام, ثم خلق منه العرش و الكرسي و اللوح و القلم و الملائكة الروحانية و امر القلم ان يكتب في ذاك اللوح

مقادير العباد قبل خلق الكائنات بخمسين الف عام , فكتب القلم ما كان و ما هو كائن في المدة الازلية و كتب الشقي شقيا و السعيد سعيدا كما شاء بابدع اتقان و أعظم

احكام,* فأما الذين شقوا ففي النار لخم فيها زفير و شهيق خالدين فيها ما دامت السماوات و الارض الا ما شاء ربك ان ربك فعال لما يريد* هود106-107.

سرحت بذلك الآية القرآنية :*و اما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات و الارض الا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ* هود :108.

سبحان من انزل هذا الكلام ثم خلق منه الجنة و النار , الحجب و الكواكب و السموات و الارضين و العوالم الحيوانية , و خلق الجبال و المياه و الهواء و الازمان و

أقر بتوحيده نور محمد عليه الصلاة و السلام.

ثم خلق ارواح النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين , من درة بهجة أنوار ذاته المصطوفية ا نور محمد الذي هو لكم عقد نظام , ان امنت به جعلتم انبياء " ,

فقالوا : " امنا به و صدقناه برسالته الحنيفة ."فلما أقروا بذلك قال : " فاشهدوا و انا معكم من الشاهدين." فشهد بشهادتهم قدوس السلام.


اللهم عطر قبره بالتعظيم و التحية .............واغفر لنا ذنوبنا و الآثام.

ثم طاف نور محمد صلى الله عليه و سلم حول العرش و هو يحمد ربه بالحامد السنية , فسماه الله من أجل ذلك محمدا و زينه بأشرف الشمائل و توجه بتاج المهابة و

القبول و الاحترام و خصه بعزة النصر و ايده بالملائكة , و نزول السكينة و الاطلاع على الغيب و السبع المثاني و الفضائل الوهبية, و اجابه الدعاء وقلب الاعيان

له و الابراء من الالام, و اعطاه المقام المحمود و الحوض المورود و اللواء المعقود و العز الممدود و الدرجة العلية , و اعلمه بنبوته و بشره برسالته و اطلعه على

جميع الاحكام , و افاض عليه من بحار كمالاته الاحسانية , و ألهمه الحلم و الرأفة و الرحمة و الرضوان و الجمال الذي لا يسام..

اللهم عطر قبره بالتعظيم و التحية..........و اغفر لنا ذنوبنا و الآثام.

و لما خلق الله سبحانه و تعالى ادم من طين و تكاملت أوصافه البشرية , أمر الروح ان تدخل في جسده , فمكثت في رأسه مائة عام و في صدره مائة عام, و في ساقه

مائة عام, ثم اسكن نور محمد في ظهره , فكان يتلألأ في جبينه كتلألؤ القمر في الليلة البدرية ,فغلب نور محمد صلى الله عليه و سلم على انوار ادم عليه السلام , ثم

علمه الله تعالى اسماء جميع المخلوقات , و امر الملائكة بالسجود له , فسجدوا تعظيم و تحية , الا ابليس أبى و استكبر فاداه كبره الى المفر فصار من القوم اللئام, و

كان يعبد الله مع الملائكة , و يعلمهم في العبادة الكيفية , فسبق عليه القضاء , فنقل من ديوان السعادة الى ديوان اهل الشقاوة و حتى كان لنفسه من الظلام , فاهبطه الله

مذموما مدحورا ,و طرده من الدار الجناتية , اي اخرجه منها مذموما مخذولا ملعونا الى يوم الزحام.

اللهم عطر قبره بالتعظيم و التحية............و اغفر لنا ذنوبنا و الآثام

.

ثم خلق الله حواء من ضلع ادم من اضلاع ادم الشمالية ,اي خلقها الله منه و هو في سنة المنام , فلما استيقظ من نومه و رآها على كرسي من المعادن الذهبية , رام

القرب منها ,فقالت له الملائكة : "مه يا أدم , قال :" كيف و قد خلقها الله لي" و ذلك من الله بالهام. فلما انقضت من ادم مقالته اللفظية , قالت له الملائكة ."حتى تئدي

صداقها بالكمال و التمام , فقال: " و ما هو ؟"قالوا: "ان تصلي على محمد ابن عبد الله ثلاث مرات , ففعل, فجرى وجوب الصداق في ذريته على ممر الدهور و

الاعوام ,ثم جمع الله رؤساء الملائكة و قال :" اشهدكم يا ملائكتي أني زوجت عبدي ادم من امتي حواء " فيا لها من زوجية , ثم اوتي لأدم من دواب الجنة , فركبها و

اصطفت ملائكة الله عن يمينه و شماله و الخلف و الامام..

اللهم عطر قبره بالتعظيم و التحية.........و اغفر لنا ذنوبنا و الآثام

و لما تزوج ادم بحواء اباح الله لهما نعيم الجنة و نهاهما عن اكل الشجرة الخلدية , فتحيل ابليس حتى دخل الجنة و جاء اليهما و قال : " كلا من هذه الشجرة فإنها لذيذة

الطعام , و السبب في دخوله انه جلس عند باب الجنة في صورة شيخ مجتهد في عبادة عالم اسرار الغيبية,.


فلما خرج الطاووس قال له :" من اين ؟ قال: من حديقة ادم الفلانية و فقال له : ما الخبر عنه , فقال: هو في أرغد عيش و احسن حال و نحن له من جملة الخدام , فقال

له : هل تستطيع ان تدخلني عليه أجل نصيحة سرية ,فقال له :من أنت قال: نحن معاشر الكروبيين القائمين بالعبادة لربنا حق القيام, فقال له. و ما النصيحة؟ قال :

نحن معاشر الكروبيين لا نطلع أحدا على اسرارنا الخفية , فقال .النصيحة لا تكون سرا و لكن اذهب الى رضوان لا يمنع احدا من الدخول دار السلام .و قيل : انه قال

له: ليس لي قدرة على ادخالك و انما أدلك على الحية , فلما دله عليها قال : أدخلي بي الى الشجرة الخلدية , ففلت فكيف ذلك , فقال: اكون ريحا في جوفك , فتحول ريحا

و دخل الشجرة فغنى في جوفها بأحسن أصوات و أطراب أنغام , فأقبل ادم مع زوجته يسمعان الاصوات المشجية و فلما رآهما بكى بكاءا شديدا و أظهر لهما الحزن

و الاغتنام , فقال له: ما يبكيك ؟ و ليست هذه دار هم و حزن وبلية , فقال: لعلكما تموتان و تفقدان النعيم المقيم , ألا ادلكما على شجرة الخلد و ملك لا يبلى على الدوام

, فكلا من هذه الشجرة , فقالوا: نهينا عن الاكل منها كيف من أحاط علمه بالأشياء كلية و جزئية , فقال : كلا منها فاني لكما لمن الناصحين , و حلف لهما بأرفع الايمان

و أعظم أقسام , فلما غرهما و أكلا منها , و جرت المقادير بالأمور المقضية و طار التاج المكلل بالزمرد و اليواقيت من على رأس ادم و تناثرت الحلل و زال السرير

من تحت الاقدام و عاتبه الله تعالى في ذلك معاتبة ظاهرية و لأنه كان مأمورا به في الباطن و به سبقت المقادير و تعلقت الاحكام.

ثم مشى ادم في أرض الجنة ليستتر بأوراقها الشجرية و فقال الله تعالى : افررت مني يا أدم قال : بل حياءا منك يا ذا الطول و الانعام , و ما ظننت يا رب أحدا يحلف

كاذبا بأسمائك الجلالية, فقال: اهبطا منها جميعا الى دار التأميل و الحطام, فلما خرج ادم من الجنة ودع ما فيها بعد ان ذكر الله بأسمائه الرحمانية و فقال جبريل عليه

السلام مهلا يا ادم حتى يأتي العفو من الملك العلام و فقال الله تعالى لجبريل مقالة رحيمة : دعه يخرج يا جبريل و سيعود اليها بألوف من ذريته , فسبحان من يجود

بالإنعام


اللهم عطر قبره بالتعظيم و التحية ......... و اغفر لنا ذنوبنا و الآثام


و لما هبط من الجنة نزل ادم بالأماكن الهندية و نزلت حواء بغيرها و فمكث ادم يبكي ثلاث مائة عام , فانبت الله من دموعه أشجار طيبة و بكت حواء فأنبت الله من

دموعها أصول الازهار العظام.

ولما اجتمع ادم بحواء على عرفات فاضت عليهما بركاته الربانية و وقع الصفاء و الوفاء بينهما و طال السلام.

ثم أرسل الله تعالى لهما نهرا فاغتسل ادم و غشي حواء فولدت له أربعين من الذرية في عشرين بطنا , في كل بطن ذكر و انثى , و وضعت شيثا وحده تعظيما لنور

النبي و اكرام.

ولما ولد شيث انتقل النور المحمدي الى ظهره , و كان يتلألآ في جبينه كالطوالع القمرية و فكان يفتخر على اخوانه بالإجلال و الاعظام , و لما انقضى اجل ادم و

ادركته المنية , أوصى شيثا على أولاده , و أوصاه ألا يودع هذا النور الا في المطهرات من النساء .

فامتثل أمر ابيه و بالعمل بالوصية قام..


ثم أوصى أولاده بوصية أبيه المرضية, و لم تزل هذه الوصية تنتقل من أشرف الاصلاب الطيبة الخيرية , الى أعظم البطون و اطهر الارحام , الى أن جاء هذا النور

الى ظهر نوح الذي انجاه الله ومن معه ف الفلك المشحون من الامواج الجبالية.

.
و لما وصل نور محمد صلى الله عليه و سلم الى ظهر ابراهيم صاحب الملة الحنيفية أنجاه الله من نار عدوه.


و لما انتقل من ظهر ابراهيم الى ظهر اسماعيل جاءه الفداء من الدار الجناتية , نزل به جبريل عليه السلام لما امر أبوه بذبحه في المنام , و لم يزل نور محمد صلى

الله عليه و سلم ينتقل من الاصلاب الطاهرة الزكية الى الارحام الفاخرة الفخام , الى أن جاء في ظهر جده عبد المطلب المعدود من الامة التوحيدية فحمى الله ببركته

من اصحاب الفيل البيت الحرام.

]اللهم عطر قبره بالتعظيم و التحية.....و اغفر لنا ذنوبنا و الآثام[


ثم انتقل نور محمد صلى الله عليه و سلم من ظهر جده عبد المطلب الى ولده عبد الله ابن فاطمة المخزومية , علا قدره و اشتهر فضله بين الانام و كان يتلألآ في

جبينه كالكواكب الدرية ثم تزوج عبد لله بأمنة البتول و بنى بها في شعب ابي طالب فحملت بأفصح الانبياء لسانا و أحلاهم في الكلام.

اللهم عطر قبره بالتعظيم و التحية..... و اغفر لنا ذنوبنا و الآثام

و لما استقر نور محمد صلى الله عليه و سلم في بطن أمه بشرتها الانبياء في كل من الشهور الحمل بالبشائر الجليلة البهيية

في الشهر الاول


جاءها السيد ادم و بشرها في منامها بانها حملت بشفيع المذنبين يوم الزحام.


في الشهر الثاني

جاءها شيث و بشرها في منامها بانها حملت بدرة بهجة الانوار المصطوفية التي فرع الله منها جميع الاشياء و اتقنها ببدائع الاحكام.

و لما لحمله صلى الله عليه و سلم شهران على الاصح توفي أبوه عند اخواله و هو راجع من الشام.


في الشهر الثالث


جاءها نوح و بشرها في منامها بانها حملت بسفينة العلوم اللدنية


في الشهر الرابع

جاءها الخليل ابراهيم و ويشرها في منامها بانها حملت برسول الملة السمحاء الحنيفية الذي جاهد الكفار و المنافقين و أبطل عبادة الاصنام


في الشهر الخامس


جاءها الذبيح اسماعيل و بشرها في منامها بانها حملت بأفضل من نطق بالعربية الذي شرق الله به زمزم و الحطيم و الركن و المقام


[

و في الشهر السادس

جاءها السيد داوود و بشرها في منامها بانها حملت بمن كان الجواد بيده لينة طرية , الذي أحيا الليل بالعبادة حتي تورمت منه الاقدام

وفي الشهر السابع

جاءها السيد سليمان و بشرها في منامها بانها حملت بعين الاعيان الانسانية الذي اعطاها بساط العناية , و جرت بين يديه رياح الهداية, و أصبحت ملائكة السماوات

لحضرته من الخدام




جاءها السيد موسى و بشرها في منامها بانها حملت بطور التجليات الالاهية الذي خاطبه الله من فوق سبع سماوات و خفض دون مقامه كل المقام.



و في الشهر التاسع

جاءها عيسى ابن مريم الطاهرة العمرانية و بشرها في منامها بأنها حملت بأفضل من حج و اعتمر و صلى و صام


و لما كملت عدة أشهره أشرقت الاقطار بالأنوار المحمدية , و نشرت له في جوانب الارض الاعلام.

و لما جاء شهر ربيع الاول الذي فتح الله فيه أبواب العطية ,و طلعت فيه شموس الايمان و فتحت كنوز الإنعام حضرت ليلة مولده المنيرة القمرية , و اشتد بأمنة

الطلق بلا وجع و لا أسقام , و كانت السيدة وحيدة في منزلها , فدخلت عليها النسوة الحورية و معهن اسية امرأة فرعون و مريم ابنة عمران فبدانها بالتحية و السلام ,

و أقبلت حواء في جماعة و جاءت سارة الخليلة , و هن يهنئنها بأحسن التهنئة لأجل اغتنام , و فتحت أبواب السماء و نزلت الملائكة الروحانية , و أقبل الامين جبريل

في كبكبة من الملائكة و بيده ثلاثة أعلام , و دقت طبول الافراح في السماوات و الارض و عقبت روائح الطيب بين العوالم الجبورتية و تعطر الملأ بعنبر لحظات

أوقات العظام.


اللهم عطر قبره بالتعظيم و التحية......... و اغفر لنا ذنوبنا و الاثام

من كتاب الكبير في الثناء علي النبي البشير مولد امناوي و البرزنجي

و فيك بركة اخي الكريم .