من معارف السادة الصوفية..أحمد بن عاصم الأنطاكى
قال الشيخ: إذا جالستم أهل الصدق فجالسوهم بالصدق فإنهم جواسيس القلوب، يدخلون قلوبكم ويخرجون منها من حيث لا تشعرون.
هل هى الفراسة؟..
الفراسة التى أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله عز وجل".
يزخر تراثنا الصوفى بالشواهد علىها.. بدء من حكايات لبعض الصحابة ممن وهبهم الله من نور يرون به ما فى مكنون الضمائر والنفوس.. إلى حكايات لا نزال نسمع عنها إلى يومنا هذا..
عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: دخلت على عثمان بن عفان رضى الله عنه، وكنت رأيت فى الطريق امرأة تأملت محاسنها، فقال عثمان رضى الله عنه:
- يدخل علىّ أحدكم وآثار الزنا ظاهرة على عينيه.
فقلت له:
- أوَحىٌ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فقال:
- لا، ولكن تبصرة وبرهان وفراسة صادقة.
وقال أبو العباس بن مسروق: دخلت على أبى الفضل الهاشمى وهو عليل، وكان ذا عيال.. ولا سبب له.. فوجدته على حال رثة.. فقلت فى نفسى:
- من أين يرتزق هذا الشيخ؟
فقال لى:
- يا أبا العباس.. دع عنك هذه الخواطر الدنيئة، فإن لله ألطافا خفية.
***
ذكرنى هذا الكلام عن جواسيس القلوب بما حدث معى وعاينته بنفسى..
كان ذلك فى السنة التى توفى فيها أبى رحمه الله.. سنة 1996.. فى يوم دخل على بالمكتبة رجلان.. أولهما يلبس جلبابا وعمامة وله لحية مهذبة.. والثانى يلبس بذلة وكرافتة ولم يكن ملتحيا.. وبدا لى أن الأول واحد من مشايخ الطريق والثانى أحد مريديه ومحبيه.. وأخذا يقلبان فى الكتب.. وكلما أراد الشيخ أن يشترى كتابا همس له صاحبه بشىء يجعله ينثنى عن عزمه.. وفى النهاية لم يأخذا إلا عددا قليلا من الكتب.. ثم جاءا وجلسا معى على مكتبى.. ودار بيننا حديث طيب..
وبينما نحن فى ذلك الحديث حضرتنى نية البيع.. فقلت لهما إن من أفضل الأوقات التى قضيتها تلك الأوقات التى كنت فيها أقرأ قبل النوم فى كتاب "حلية الأولياء لأبى نُعيم".. أريد بذلك ترغيبهما فى شرائه..وكان هذا من الكتب التى أراد الشيخ شراءها ثم أثناه صاحبه عنه.. وهو كتاب كبير من عدة أجزاء ومرتفع الثمن .
فإذا بالشيخ يقول:
- كان عمى رحمه الله يقول لى: احذر أن تكذب على أهل الله فإن الله يطلعهم على ما فى القلوب.
شعرت ساعتها على الفور أننى أنا المقصود بهذا الكلام.. وأن هذا الرجل الصالح أطلعه الله على ما فى قلبى.. فقال لى ما قال دون أن تكون هناك مناسبة لهذا القول.
***
هذه الملكة.. أو الفراسة التى وهبها الله لبعض أوليائه قالوا إنها تكون حسب درجة الإيمان.. فكل من كان أقوى إيمانا كان أحدُّ فراسة.
وكان شاه الكرمانى حاد الفراسة، لا يُخطىء.. وكان يقول: من غض بصره عن المحارم، وأمسك نفسه عن الشهوات، وعمَّر باطنه بدوام المراقبة، وظاهره باتباع السنة، وتعوّد أكل الحلال، لم تخطىء فراسته.
>>>>>>>>>>>>>>>>