زواج ستنا أم حبيبة
هى رملة بنت أبى سفيان , هاجرت مع زوجها عبيد الله بن جحش إلى الحبشة , لكنه تنصر هناك و ارتد عن الإسلام ، وبقيت هى على دينها فى بلاد الغربة .
حكت أم حبيبة قصتها فقالت :
رأيت فى النوم كأن عبيد الله بن جحش زوجى بأسوإ صورة وأشوهها . ففزعت فقلت : تغيرت و الله حاله . فاذا هو يقول حين أصبح : يا حبيبة إنى نظرت فى الدين فلم أر دينا خيراً من النصرانية , و كنت قد دنت بها ثم دخلت فى دين محمد , ثم رجعت إلى النصرانية .
فقلت : و الله ما خير لك . و أخبرته بالرؤيا التى رأيتها فلم يحفل بها و أكب على الخمر حتى مات ، فرأيت فى النوم كأن آتيا يقول : يا أم المؤمنين، فأولتها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتزوجنى .
قالت : فما هو إلا أن قد انقضت عدتى فما شعرت إلا برسول النجاشى على بابى يستأذن .
فاذا جارية له يقال لها أبرهة كانت تقوم على ثيابه ودهنه فدخلت على فقالت : إن الملك يقول لك إن رسول الله صلى الله عليه و سلم كتب إلى أن أزوجه .
فقلت لها بشرك الله بخير .
قالت : يقول لك الملك وكلى من يزوجك .
فأرسلت إلى خالد بن سعيد بن العاص فوكلته و أعطيت أبرهة سوارين من فضة و خلخالين كانا فى رجلى و خواتيم فضة كانت فى أصابعى سروراً بما بشرتنى .
فلما كان العشى أمر النجاشى جعفر بن أبى طالب و من هناك من المسلمين فحضروا فخطب النجاشى فقال :
الحمد لله الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار , أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده و رسوله و أنه الذى بشر به عيسى ابن مريم صلى الله عليهما و سلم .
أما بعد فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أن أزوجه أم حبيبة بنت أبى سفيان فأجبت إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أصدقتها أربعمائة دينار .
ثم سكب الدنانير بين يدى القوم، فتكلم خالد بن سعيد فقال :
الحمد لله أحمده و أستعينه و أستنصره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده و رسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله و لو كره المشركون - أما بعد فقد أجبت إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم وزوجته أم حبيبة بنت أبى سفيان فبارك الله لرسول الله صلى الله عليه و سلم.
و دفع الدنانير إلى خالد بن سعيد بن العاص فقبضها .
ثم أرادو أن يقوموا فقال : اجلسوا فإن سنة الأنبياء إذا تزوجوا أن يؤكل طعام على التزويج . فدعا بطعام و أكلوا ثم تفرقوا .
قالت أم حبيبة . فلما وصل إلىّ المال أرسلت إلى أبرهة التى بشرتنى فقلت لها : إنى أعطيتك ما أعطيتك يومئذ ولا مال بيدى فهذه خمسون مثقالاً فخذيها فاستعينى بها . فأبت وأخرجت حقا فية كل ما كنت أعطيتها فردته على وقالت :
عزم علىّ الملك أن لا آخذ منك شيئاً .. و قد اتبعت دين محمد رسول الله صلى الله عليه وأسلمت لله عز وجل ، و قد أمر الملك نساءه أن يبعثن إليك بكل ما عندهن من العطر .
قالت : فلما كان الغد جاءتنى بعود وورس و عنبر و زباد كثير فقدمت بذلك كله على رسول الله صلى الله عليه و سلم فكان يراه على وعندى فلا ينكره .
ثم قالت أبرهة : فحاجتى إليك أن تقرئى على رسول الله صلى الله عليه و سلم منى السلام وتعلميه أنى قد اتبعت دينه .
قالت : ثم لطفت بى و كانت التى جهزتنى , و كانت كلما دخلت على تقول لا تنسى حاجتى إليك.
قالت : فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه و سلم أخبرته كيف كانت الخطبة وما فعلت بى أبرهة فتبسم، وأقرأته منها السلام فقال :
و عليها السلام و رحمة الله و بركاته .