الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً،
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله
أن الترابط بين آيات كل سورة ترابط وثيق، و أن كل سورة لها موضوع واحد وأهداف محددة، وأن آيات السورة قد
تبدو لأول وهلة متناثرة غير مترابطة؛ لكنك إن أمعنت النظر، وعرفت هدف السورة وموضوعها، عرفت أن آيات السورة
متصلة اتصالاً عجيباً، يوصلك بقوة لإدراك هدف السورة، مما يزيدك حباً لكتاب الله وإيماناً بأنه تنزيل من حكيم خبير
وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ ٱلله لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخْتِلَـٰفاً كَثِيراًوبذلك نرى أن كل سورة من سور القرآن هي عبارة عن وحدة
متكاملة، تحقق هدفاً واضحاً، وكل آية تخدم هذا الهدف من طريق واحد أو من عدة طرق. وحتى اسم السورة له
علاقة بهذا الهدف ( ومن هنا نفهم سبب تسمية سور القرآن، كالبقرة وآل عمران ويونس والنمل...) وليس هذا
فحسب، بل أن كل سورة لها علاقة قوية بما قبلها وما بعدها من السور، لأن ترتيب سور القرآن هو أيضاً وحي من
عند الله، وبذلك نستخلص أن سور القرآن كلها عبارة عن سلسلة واحدة مترابطة، بحيث انك لو فهمت هدف أو اهداف
السور القرآنية،ستجد أنك قد فهمت مراد ربنا من هذه السور وماذا يريد منك الله في هذا الكتاب
سورة الفاتحة (مكية)، وعدد آياتها سبع آيات، وهي خامس سورة من حيث التنزيل... ما هو سر سورة الفاتحة؟لماذاافتتح بها المصحف؟
ما سر تسميتها بأم الكتاب، وأم القرآن..؟ لماذا نقرأها في اليوم والليلة سبع عشرة مرة على الأقل؟
لماذا لا تصح الصلاة الا بقراءتها؟
- اقتباس :
-
- اقتباس :
-
- اقتباس :
يقول النبي صلى الله عليه وسلم لأحد الصحابة «لأعلمنّك أعظم سورة في القرآن» فقال ما هي يا رسول الله؟
فقرأ عليه الصلاة والسلام: «الحمد لله رب العالمين... الرحمن الرحيم... إلى آخر السورة».حين بيّن الله تعالى في سورة الحجر عظمة القرآن قال
تعالى:{وَلَقَدْءاتَيْنَـٰكَ سَبْعًا مّنَ ٱلْمَثَانِي وَٱلْقُرْءانَ ٱلْعَظِيمَ}والسبع المثاني هي الفاتحة، وقد سميت بالمثاني لكثرة تكرارها ولكثره
ثنائها على الله ...يقول النبي صلى الله عليه وسلم : «والذي نفسي بيده ما أنزل الله في التوراة ولا الإنجيل ولاالزبور ولا الفرقان مثلها إنها السبع المثاني»
رواه الإمام أحمد.
أسمــــــــاؤهـــــــا
- اقتباس :
-
- اقتباس :
-
- اقتباس :
-
- اقتباس :
-
- اقتباس :
ولفضلها وشرفها، سميت هذه السورة بأسماء كثيرة، فهي أم القرآن، والسبع المثاني، والوافية والكافية،
لكفايتها عن غيرها وحاجة غيرها اليها واكتفاؤه منها
فهي تفيض على المؤمن نوراً يضيء حياته، وخيراً الهياً يغلق عنه أبواب الفتن ويفتح له أبواب الرحمات أي سر؟
وأي عظمة لهذه السورة التي يقرأها الكثير من المسلمون من دون أن يفقهوا هذه المعاني وهذه الرسائل؟
إنَّ سر الفاتحة يكمن في اشتمالها على جميع معاني القرآن، فكل معنى في القرآن تجده في الفاتحة، وكل أهداف القرآن جمعت في هذه الآيات السبع.
كيف هذا؟ تعال معي لنعيش لحظات رائعة مع أول سورة في القرآن:
محاور القرآن
يدور حديث كتاب الله حول ثلاثة معان يطلبها من المؤمنين به والقارئين له:
1. عقائد (فيمن نعتقد)
2. عبادات (كيف نعبد من نعتقد فيه)
3. مناهج الحياة (المنهج الذي أراده الله تعالى لنا)
فالقرآن يدعو أولاً للعقيدة الصحيحة، أي أن تؤمن بالله تعالى إيماناً صحيحاً على أسس سليمة. وهو ثانياً يدعو للعبادة الصحيحة وإقامة الشعائر، ولكن العبادة ليست كافية لوحدها لأنَّ الإسلام منهج حياة شامل ومتكامل.
وسورة الفاتحة قد اشتملت على هذه الأهداف الثلاثة، ففي محور العقيدة تقرأ قوله تعالى: ٱلْحَمْدُ لله رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ. فالتوحيد والايمان باليوم الآخر هما أساس عقيدة المسلم. وفي محور العبادة تقرأ: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ. وفي منهج حياة المسلم تقرأ: ٱهْدِنَا ٱلصّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ ٱلضَّالّينَ.
والقرآن كله بعد سورة الفاتحة إما أن يكون مبيّناً للعقائد، مفسّراً معنى الحمد لله رب العالمين ومعنى الرحمن الرحيم ومعنى مالك يوم الدين.. أو مبيّناً كيف نعبد الله تعالى إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ. أو يخبر عن المناهج في الأرض وطرق الظالمين والهالكين وطرق الناجين، فنجد آيات كثيرة تشرح معنى ٱهْدِنَا ٱلصّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيم.
وتذكرنا سورة الفاتحة بأساسيات الدين ومعانيه العظيمة:
1. نِعم الله تبارك وتعالى ٱلْحَمْدُ لله رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ.
2. الإخلاص بكلمة إِيَّاكَ نَعْبُدُ. أي نفردك وحدك يا ربنا بالعبادة، فلا نعبد إلا أنت، ولا نستعين بأحد إلا أنت وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ.
3. طلب الصحبة الصالحة ٱهْدِنَا ٱلصّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ.
4. التحذير من أصحاب السوء غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ ٱلضَّالّينَ.
5. أسماء الله الحسنى، مع التركيز على أسماء الله ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ. فأصل علاقة ربنا بالبشر هي الرحمة ولذلك ورد قوله الرحمن الرحيم مرتين.
6. الإستقامة ٱهْدِنَا ٱلصّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ.
7. الآخرة والاستعداد لها مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدّينِ، وٱهْدِنَا ٱلصّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ.
8. أهمية الدعاء وأدب الدعاء، فالسورة قد اختتمت بالدعاء.
9. أمتنا أمة واحدة.. ولذلك فإنَّك تجد بأنّ كل ألفاظ المخاطبة والدعاء في سورة الفاتحة جاءت بصيغة الجمع فحتى لو كان المرء يصلي وحيداً في غرفته لا تصح صلاته بأن يقول "اياك اعبد واياك استعين" أو "اهدني الصراط المستقيم"، فلا بد ان يقول ٱهْدِنَاوإِيَّاكَ نَعْبُدُوَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، وكلها بصيغة الجمع، حتى يعرف المرء انه ضمن أمة واحدة وأنه ليس وحيدا في هذا الكون.
الأدب مع الله[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]وبالإضافة إلى ما سبق، فإن السورة تعلّم العبد الأدب مع ربه، فهي مقسّمة إلى نصفين، النصف الأول ثناء على الله والنصف الثاني دعاء اليه. فالثناء على الله يتجلى في الآيات: ٱلْحَمْدُ لله رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ. وبعد ذلك الدعاء: ٱهْدِنَا ٱلصّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ ٱلضَّالّينَ.
واللطيف أن عدد أحرف الثناء في النصف الأول مساوية تماماً لعدد أحرف الدعاء في النصف الثاني.
فالسورة تعلّم المرء كيف يتعامل مع الله، فإن أراد الدعاء فيستحّب له أن يثني على الله أولاً (فيبدأ بحمد الله تعالى وتمجيده ثم الصلاة على رسوله )، وبعد ذلك يدعو بما يشاء فإنَّ دعاءه يستجاب بإذن الله.
إن تلاوة سورة الفاتحة تفتح لك أعظم أبواب الشرف وهو الحوار مع الله تبارك وتعالى. ولهذا جاء في الحديث القدسي: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي قسمين فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين، قال الله حمدني عبدي، فإذا قال العبد الرحمن الرحيم قال الله أثنى علي عبدي، فإذا قال العبد مالك يوم الدين قال الله مجَّدني عبدي، فإذا قال العبد إياك نعبد وإياك نستعين قال الله هذا بيني وبين عبدي، فإذا قال العبد إهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، قال الله هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل".
فتستشعر أنك كلما تقرأ سورة الفاتحة فإنّ الله تعالى يجيبك. أي شرف هذا في حوار يكرر رب العزة ذكرك فيه بالعبودية ويكافئك بالاجابة مع أنك لم تأت بجديد ولم تتفضل بشيء من عندك، فهو سبحانه أهل الثناء كما تقول وخيراً مما تقول.
لذلك كان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه كان يقرأ الفاتحة آية آية ويسكت بين الآية والأخرى، وحين سئل عن سبب سكوته قال: "لأستمتع برد ربي".
فلو أن قلب المرء استشعر بأن ربه يرد عليه حين يقرأ كل آية من سورة الفاتحة لطار من كثرة الفرح...
جوامع خير الدهر
هل أحسست معي بأهمية السورة؟ لكل ما ذكر يقول ابن القيم: ان الله تعالى قد أنزل (104) كتب، جمع معانيها في ثلاثة كتب: التوراة والإنجيل والقرآن، وجمع معاني هذه الكتب الثلاثة في القرآن، وجمع معاني القرآن في الفاتحة، وجمع معاني الفاتحة في إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ.
وهذه الآية مقسومة إلى قسمين، كلاهما ضروري في الإسلام: عبادة الله تعالى أي ممارسة الشعائر إِيَّاكَ نَعْبُدُ، والإستعانة بما خلق الله في هذه الأرض وتسخيرها للنجاح في الحياة ولإدارة الأرض وفق منهج الله (كما سنرى في سورة البقرة). ولأن الصحابة فهموا هذه الآية جيداً وطبّقوها - بمحوريها - في حياتهم، قادوا الأرض ونجحوا في الدنيا والآخرة.
وإننا نرى في عصرنا الحاضر، بعض المسلمين يطبّقون إِيَّاكَ نَعْبُدُفيقتصر فهمهم للإسلام على التدين فقط، وللأسف نرى الغرب يطبق وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ فيسخّر ما في الأرض لإدارتها وعمارتها. لكن الإسلام يأمر بالتوازن بين الأمرين، وهذا ما تبيّنه سورة الفاتحة بوضوح.
مفتاح القرآن
فلماذا سميت بالفاتحة؟ هناك معنيان للإسم، أحدهما قريب، وهو لأنه افتتح بها المصحف، ولكن المعنى البعيد هو أنها سميت بذلك لأنها مفتاح القرآن (أي لمعانيه)، فبها تفتتح كل سورة من سوره. فكل كنوز القرآن فيها، ولو فهم المرء الفاتحة فسيفهم كل سور القرآن التي بعدها.
ومن روعة السورة أنَّ كل سور القرآن متسلسلة في معانيها وأهدافها ورسائلها، فهي مرتبطة بما قبلها ولا يصح أن تربط الا بالسورة التي جاءت قبلها بترتيب المصحف الا سورة الفاتحة، فلو جاءت قبل أية سورة لوجدت المعنى متصلاً بل متكاملاً أيضاً. لذلك فإننا نبدأ صلاتنا بالفاتحة ثم نقرأ أي سورة بعدها ويبقى المعنى متصلاً مهما كانت السورة.
ينبغي أن نلاحظ علاقة الفاتحة بالسور التي جاءت بعدها وفق ترتيب المصحف وهي البقرة وآل عمران. فلقد جاء في سورة الفاتحة ٱهْدِنَا ٱلصّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ.
وفي بداية سورة البقرة ذٰلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لّلْمُتَّقِينَ. وذلك إشارة إلى أن قوله تعالى ٱهْدِنَا ٱلصّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَسيشرح في سورة البقرة..
كيف هذا؟ اقرأ قول الله تعالى غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ ٱلضَّالّينَ.
فالمغضوب عليهم والضالين، صفات لأناس استحقوا غضب الله، أو ضلوا عن صراط الله، فسورة البقرة تشرح غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وسورة آل عمران تشرح ٱلضَّالّينَ. سورة كاملة عدد آياتها 268 آية تشرح كلمة في الفاتحة غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وسورة كاملة وهي آل عمران تشرح وَلاَ ٱلضَّالّينَ.
ترابط رائع في الأهداف والمواضيع سنحس به ونعيش معه أكثر عندما نتناول السورتين بالتفصيل.
نلاحظ أن كلمة ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ قد تكررت مرتين في السورة بِسْمِ الله ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ وقوله تعالى ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ. وهذا يشعرنا برحمة ربنا التي شملت الدنيا والآخرة..
فلفظ الرحمن الرحيم الأول جاء بعد ٱلْحَمْدُ لله رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ، فالعالمين والدنيا كلها تسير برحمة ربنا، و ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ جاء بعدها مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدّينِ للإشارة أن اليوم الآخر أيضاً يسير برحمة الله.
فهذه السورة تطمئن المرء بأن الأصل في الكون هو رحمة الله، وأن أصل علاقة الله بعباده هي الرحمة.
العالمين... الناس
ولفظة ٱلْعَـٰلَمِينَ تدل على معنى لطيف، فالفاتحة - وهي أول سور القرآن - قد ابتدأت بـ ٱلْحَمْدُ لله رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ، بينما آخر سورة في القرآن (سورة الناس) قد انتهت بقوله تعالى مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ.
فالمصحف ابتدأ بكلمة العالمين وختم بكلمة الناس، وكأن المعنى أن هذا القرآن ليس للمسلمين فقط بل إن هذا القرآن هو لهداية البشرية كلها.
ولسورة الفاتحة خصوصية تميزها، وهي أنها خالية من كل أحكام التجويد الصعبة وذلك لكي تيسر للقراءة للجميع حتى لمن لا يتحدث بالعربية.
فالفاتحة هي جواز سفر المرء لفهم القرآن والبطاقة الشخصية للدخول إلى مناجاة الله والأنس برحابه. فكيف نخشع في صلاتنا ونستشعر كل ما سبق من المعاني؟
ميزان الخشوع
يقول النبي : (ليس للعبد من صلاته الا ما عقل منها)، فهل ترضى أن تغادر صلاتك وقد كتب لك نصفها أو ربعها أو ثمنها؟ تعال معي إذاً لنقرأ سورة الفاتحة سوياً ونتدبر في آياتها ومعانيها.
لو أردت يوماً أن تصلي وشعرت بعدم الخشوع، فاعلم أن هناك نعمة لم تتذكرها، ولو عرفت كيف تقول ٱلْحَمْدُ لله جيداً لكان تذكر كل نعمة من نعم الله يجعلك تخشع في صلاتك. اجعل لكل ركعة من الركعات نعمة تتفكر بها وتشكر ربك عليها، من نعمة الإسلام والايمان، إلى نعمة القرآن، إلى ارسال النبي، إلى المال والصحة، إلى نعمة النظر والسمع... وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱلله لاَ تُحْصُوهَا.
وحين تقرأ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ تتذكر رحمة الله بعباده، والتي شملت الدنيا والآخرة، فتطلب منه الرحمة وتخشع بصلاتك.
وحين تقرأ مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدّينِ تتذكر يوم القيامة وأهواله، وتطلب من ربنا أن يخفف عنك تعب ذلك اليوم، فتخشع في صلاتك.
وكلما تقرأ: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، تشعر عند كلمة إِيَّاكَ أن الاخلاص يتجدد في قلبك كل يوم، أنه لا معبود الا الله ولا معين الا الله، فتخشع في صلاتك.
إن هذه الآية قد جمعت معاني كل كتب الله المنزلة - كما أسلفنا - فلا تمر عليها مرور الكرام بل اجعلها عنوان حياتك وجدد معانيها في قلبك كلما تقرأها
وحين تقرأ ٱهْدِنَا ٱلصّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ تشعر أنه ليس لك من يهديك إلى صراط الدنيا ويثبتك عليه الا الله، وليس لك من يهديك إلى صراط الآخرة ويثبت قدمك عليه لتجتازه الا الله، فيزيد قربك منه ورجاؤك لرحمته وخوفك من عذابه فتخشع في صلاتك.
وكلما تقرأ صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ، تذكر من أنعم الله عليهم من قبلك، فمثلاً تذكر في الركعة الأولى سيدنا إبراهيم عليه السلام وآدم ونوح وخاتم النبيين محمد ، وادع الله تعالى أن يهديك إلى طريقهم. واجعل الركعة الثانية لرجال عظام كأبي بكر وعمر وباقي الصحابة رضوان الله عليهم، وتذكّر في الركعة الثالثة صلاح الدين وغيره من أبطال الإسلام، وفي الركعة الرابعة تفكر بالمؤمنين الذين يعيشون معك وصحبتك الصالحة وادع الله تعالى أن يثبّتك عليها. وفي هذا تكون صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ أمام عينيك. أما حين تقرأ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ ٱلضَّالّينَ، فتذكرك بأعداء الإسلام والكفار عبر الأزمان، الذين حادوا عن هذا الصراط فضلّوا وغضب الله عليهم.
هذا الكم الهائل من المعاني المتجددة في ختام السورة يطبع في ذهن قارئ القرآن آلاف الصور عن القدوات الصالحة، الماضية والمعاصرة، وآلاف الصور عن القدوات السيئة، مما يعطيه خشوعاً رائعاً وزيادة في القرب من الله والتزام شرعه، صلاة بعد صلاة، وبذلك تصبح صلاتنا حية.
هذه هي سورة الفاتحة، بطاقتك الشخصية أيها المسلم، وجواز سفرك لفهم القرآن.
فبعد أن تأملنا بعض جوانب عظمة هذه السورة، وفهمنا مفتاح الدخول إلى معاني القرآن، تعال معنا إلى كتاب الله تعالى، لنعيش مع آياته وأحكامه ونتعلم من ترابط آياته وسوره.[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] يتبع باذن الله تعالى ... مع سورة البقرة