الطريق الى الله
لشيخ الدكتور على جمعة حفظه الله
قلب الإنسان له بابان: الباب الأول مفتوح على الخلق، والباب الثاني: مفتوح على الحق، وأن الإنسان بين أربعة أحوال: إما أن يغلق عليه البابان، باب الحق، وباب الخلق، فيكون مجنوناًً غير مكلف، وإما أن يُغلق عليه باب الخلق ويفتح باب الحق، فيمتلئ قلبه بالأنوار، حتى يُجْذَبَ، ويكون مجذوباً مختلاً؛ لأن الله - سبحانه وتعالى - لم يجعل هذه الحالة حالة كمال، بل جعلها حالة من حالات النقص، وإما أن يُغلق باب الحق ويفتح باب الخلق، فيكون منغمساً في دنياه، ناسياً لربه، ليس متذكراً ولا متدبرا، وإذا تذكر تذكر بلسانه، وإما أن يفتح البابان، وهو شأن العارفين بالله - سبحانه وتعالى - ، وأن الدنيا بشواغلها ومشاغلها تأتي، فتحاول بتياراتها أن تسد باب الخالق، وهذا ما يسمى بغين الأغيار؛ فالأغيار التي في الدنيا من المشاغل والشواغل تسد على الإنسان باب الحق، ولكن أيضاً قد يحدث كذلك في باب الخلق، فتأتي الأنوار المتكاثرة، فتسد على الإنسان باب الخلق، وحينئذ فإنما تحاول هذه الأنوار أن تجعله في درجة دنية، درجة أقل مما كان هو عليه من قبل، ومن هنا فقد كان يستغفر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ربه من غين الأنوار لا من غين الأغيار؛ يعني أنواره متلألأة في قلبه، حتى يمل الخلق، فيستغفر الله من ذلك الملل؛ لأنه صلى الله عليه وسلم مكلف بالهداية، ومكلف بالتبليغ، ومكلف بالإرشاد والصبر على الناس، فكان يستغفر الله من غين الأنوار، لا من غين الأغيار.وقلنا قبل ذلك : إن الإنسان في هذا الطريق ينبغي عليه أن يذكر الله بصفة معينة مجردة، الذكر أتى به الوحي: { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } ، { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا } ،{ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ } إلى آخر ما هنالك عن طريق الاتصال بربنا سبحانه، عن طريق العبادة، والدعاء، والذكر، وفعل الخيرات، فالإنسان ينبغي عليه أن يذكر ربه في كل وقت وحين، وجاءت التجربة التي جاءت من أهل الله على مر العصور عندما التزموا بالقرآن وما ورد فيه، وبالسنة وبطريقتها في الذكر والعبادة، تبين لهم طريق قريب للوصول إلى الله، وإلى الأدب معه، فأرشدونا إليه، فتكلمنا عن الأذكار بالأسماء السبعة والأسماء الستة السبعة الأصول والستة الفروع، وقلنا: إن هذا إنما هو من باب الذكر.
وانتقلنا بعد ذلك إلى الفكر، وقلنا في الذكر والفكر: إنه قد يحدث هذا في الجلوة، يعني مع مخالطة الناس، وقد يحدث في الخلوة.