.
مما لا يختلف فيه عارفان ، أن للحديث الشريف بطون وأسرار ، كما للقرآن العظيم ، وذلك لكونه مظهرا له
مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلّم " أوتيت القرآن ومثله معه " .
ومن تلك الأحاديث التي كثر حوم العارفين حولها ، حديث " أنزل القرآن على سبعة أحرف " فكلّ أدلى فيه بدوله
على حسب مشربه الخاص ، كالإمام الدباغ والسيد الكتاني قدس الله سرهما ، ثم جاء السيّد الشريف الحسني قدس الله سرّه
فذكر فيه معنى جديدا ، فقال :
إنّ للحضرة المحمّديّة باعتبار التنزلات القرآنيّة ، سبعة أطوار إستوائيّة ، على حسب المدارك الإنسانية السبع
( السر ، الروح ، القلب ، العقل ، النفس ، الجسد ، اللسان ) فتنزل القرآن أولا على :
1) السّر المحمّدي : وهو ما يعبر عنه بالحقيقة المحمّديّة ، وهنا تتجلى حقيقة القرآن العظيم ، وذلك حيث لا حيث ..
ثمّ تنزل منه على :
2) الرّوح المقدّس : وذلك على الملإ الأعلى ، بعدما إنتشر النور ولزم التعريف والتكليف ، فكان ولا بدّ من التنزل في الرسالة والرسول ، فتنزل القرآن من مخدعه الذّاتي ، وتنزلت الحقيقة المحمّدية كذلك من خدرها الكنهي ، ليمكن التلقّي حال المناسبة
وهنا تلقى عنه ساداتنا الأنبياء ، وجملة الأملاك عليهم السلام ، ثم تنزل منه على :
3) القلب الأنور : وهذا على الملإ الأسفل ، عند التنزل الجسدي ، وهو المشار إليه بقوله تعالى " نزل به الروح الأمين على قلبك " والروح هنا إشارة إلى الروح المقدّس ، وهو أوسع وعاء للقرآن جسدي ، وهو الذي صانه أربعين عاما ، ثمّ تنزل منه على :
4) العقل الكامل : ليمزج نور القرآن بنور العقليّة المحمّديّة ، فتسري أنوار الهداية منه إلى الورى ، ثم تنزل منه على :
5) النفس الكريمة: باعتبار إدارتها للأخلاق البشرية ، فتشع منها ألطاف التزكية والصفاء للنفوس
وهو المعني ب" كان خلقه القرآن " ثم تنزل منها على :
6) الجسد الشريف : ليتمثل به تطبيقا واقعيا ، كما وصفته الصديقة رضي الله عنها بقولها " كان قرآنا يمشي على الأرض "
ولهذا قال صلى الله عليه وسلم " صلوا كما رأيتموني أصلي " ثم تنزل منه على :
7) اللسان اللّطيف : ليترجم المعاني الأزليّة بألفاظ عربية ، ولو لم يتلوه لسانه الشريف لما تيسر لغيره فتق رتقه
( فإنما يسرناه بلسانك ) .
والمتأمّل في أحوال الكتاب الكريم ، يجدها لا تخرج عن هذه الأطوار السبعة ، ومن هنا ينشأ علم أحوال النزول
وهو مقابل لعلم أسباب نزول القرآن في الظاهر ، ولولا قصر العقول عن تقبل الحقائق لأبدينا منها طرفا .
..................