لما كان القلب هو محل نظر المولى تبارك وتعالى فى العبد وكان أيضاً بصلاحه صلاح
العبد وبفساده فساد العبد مصداقاً للحديثين الشريفين المرويين عنه(صلى الله عليه وسلم) ، فكان لزاماً علينا أن
ننتبه ونبحث عن السبيل الذى به تصلح قلوبنا فيصلح سائر أجسادنا، وعلينا أيضاً أن نبحث عن الأشياء التى
تؤدى إلى فساده لنتجنبها ونتوقى ضررها، ونبدأ حديثنا بهذه النقطة الأخيرة ونرى من أحاديث رسول الله
(صلى الله عليه وسلم)ما يبينها ويوضح لنا من أين للقلب أن يفسد فنجد مما رُوى عنه
(صلى الله عليه وسلم)فى الصحاح والمسانيد الكثير فى هذا الشأن وتحديداً ما رُوى عنه
(صلى الله عليه وسلم)فى السنن الكبرى للنسائى وصحيح ابن حبان وسنن الإمام الترمذى أنه قال:-
(إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِى قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ صُقِلَ قَلْبُهُ وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا
حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ، وَهُوَ الرَّانُ الَّذِى ذَكَرَ اللَّهُ ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾،
فأوضح لنا رسول الله(صلى الله عليه وسلم) أن فساد القلب يأتى من الران الذى يعلوه، وما علاه الران إلا
بكثرة الذنوب، فكانت هذه الأخيرة (الذنوب) هى التى تؤدى إلى فساد القلب، ونجد فى هذا العصر كثيرا من
(المتشدقين والمتفيقهين) فى الدين بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير، يفسرون الذنوب على أهوائهم فما جاء
على أهوائهم فليس بذنب وما هو على النقيض فذنب، فلا يجدون أنفسهم مخطئين ولا حتى خطيئة واحدة وإن
أبلغناهم حديث رسول الله(صلى الله عليه وسلم) المروى فى سنن ابن ماجه ومسند الدارمى
ومسند أبى يعلى وهو الحديث الذى كثيراً ما نسمعه فى كل صلاة جمعة وتحديداً قبل جلوس الإمام فى الخطبة
وطلبه الدعاء من المصلين وهو أنه قال:- (كُلُّ بَنِى آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ) نظروا إلينا على أن
خطاياهم ما هى إلا كاللمم -صغار الذنوب- فكأنهم حكموا لأنفسهم بالرحمة وعلى غيرهم بالعذاب، ناسين أو
متناسيين حديثه(صلى الله عليه وسلم) المروى فى سنن ابن ماجه ومسند الإمام أحمد بن حنبل وسنن الترمذى ومسند البزار.
وهو أنه قال:- (الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا ثُمَّ تَمَنَّى عَلَى اللَّهِ)،
فكانت القاعدة أن يعتقد الإنسان فى كثرة خطأه ومجانبته الصواب لكى يفلح ولا يتبع هوى نفسه الذى يجعله يرى
نفسه دائما على صواب، وإذا نظرنا أيضاً إلى حديثه على الذنوب وسواد القلب وإلى الأية الكريمة
﴿كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾.
فنجد فى حديث (مولانا الشيخ محمد إبراهيم محمد عثمان عبده البرهانى) أجمعين فى هذا العام،
وتحديداً فى حولية الإمامين أثناء إلقائه خطابه السنوى، نجد فى حديثه ما يوضح لنا أن من الذنوب ما لا نلقى
لها بال وهى كبيرة ﴿وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾ وهى الذنب فى حق الغير ولعل من يقرأ كلمة الغير
هنا يعتقد أنها قاصرة على بنى آدم فقط، ولكن أوضح مولانا أن هذه الكلمة ممتدة حتى للبهائم، وأشار إلى
حديث المصطفى(صلى الله عليه وسلم) المروى فى صحيح البخارى ومسلم:-
(دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ فِى هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ) ولما كانت الذنوب
بهذه الدقة وكان الأمر جد خطير، كان علينا أن نبحث عن الخلاص من هذا السواد حتى لا يعم الران القلب فإن
كان قد عم فنسعى لإزالته بالكلية، فكان من حديثه ما يبين لنا كيف الخلاص والوصول إلى صلاح القلب
بقوله فى الحديث الذى ذكرناه سالفاً:- (فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ) فكان الاستغفار من العوامل الأساسية
(لجلاء القلوب) من الران أو من الذنوب كلمة بسيطة خفيفة على اللسان نقولها؛
"(أستغفر الله العظيم هو التواب الرحيم)" ولكن ما هو مفعولها؟ جلاء لقلوبنا، ومن كرم المولى
تبارك وتعالى أنها لا تجلى القلب فحسب بل ولها خصائص أخرى، منها ما روى عنه انه قال:-
(مَنْ لَزِمَ الاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)
وهذا الحديث مروى فى سنن أبى داود وسنن ابن ماجه والسنن الكبرى للبيهقى، ومما رواه الإمام الديلمى
عن ابن عباس:- (لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار) فالحمد لله على نعمة الاستغفار.
ولكن إذا اقتصر الحديث عن (الاستغفار) وكفى نجد كلام الإمام على ابن طالب يقول:-
"ألا إن القلوب أوعية" فشبه القلب بالوعاء، وإذا نظرنا إلى الوعاء وطبيعة خلقته نجد أنه خلق ليوضع
به شئ، فما الذى يوضع فى القلب،
منقول