انما اورد عليك الوارد لتكون به عليه واردا ( 1 )

.

قال لنا المشايخ من أهل الله: بعد أن تنتهى من أذكارك اجلس فترة هادئا .. وأنت مغمض العينين وتنتظر الوارد، أى خاطر يُلْقَى فى بالك. يأتى لك بعد دقيقة .. يأتيك بعد ...ثلاثين ثانية .. يأتى بعد دقيقتين. وهذا الوارد قد يكون عبارة جميلة .. آية .. حديث .. حكمة .. اسم من أسمائه تعالى تجده فى ذهنك. وكذلك قالت المشايخ من أهل الله بعد أن تنتهى من الذكر لا تشرب ماء لمدة ثلث ساعة لكى يستقر أثر الذكر فى القلب.
هناك مَن يقول لك من أين لك بهذا؟ أين دليلك؟! سألنا أهل الله من أين جاء شأن الشرب هذا؟ قالوا أتينا به من الكتاب والسُنَّة، ولكن ليس هناك فى السُنَّة أن رسول الله ﷺ أنه قال: لا تشربوا بعد الذكر، وليس هناك فى القرآن يا أيها الذين آمنوا لا تشربوا بعد الذكر! فمن أين أتيتم بها إذن؟! قالوا: نحن نتبع السلف الصالح فى فهم الكتاب والسنة، قالوا كيف؟
سيدنا رسول الله ﷺ قال: (لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أطيب عَنْدَ اللهِ تعالى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ) والإمام الشافعى - وهو من أئمة السلف - فَهِم أن الصائم لا يستعمل السواك بعد صلاة الظهر، فقيل له: لماذا؟ قال : سيدنا رسول الله ﷺ يقول أن خلوف فَم الصَّائِم - رائحة فمه - الناتج من الصيام أطيب عند الله من ريح المسك .. فكيف تذهب بها! فأنت عندما تستعمل السواك بعد الظهر يذهب الخلوف، إذن فأنت قد أضعت على نفسك المسك الذى أعطاه الله لك. ولكن هل قال النبى ﷺ أن لا تتسوكوا بعد الظهر؟ قال: لا، ولكن هذا هو المفهوم، هل نأخذ الكلام أم المفهوم؟ قال: المفهوم. هكذا كان السلف يفهمون الدين، والصحابة من قبلهم، فالإمام الشافعى قال هذا الكلام فى خلوف فم الصائم فلماذا تمتنعون إذن عن شرب الماء لمدة ثلث ساعة بعد الذكر؟ قالوا: قال النبى ﷺ: (لاَ يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا بِذِكْرِ الله) ، ولكن الإنسان عندما يشتغل بالذكر لسانه يجف ريقه ويريدُ أن يشرب ماءً، فمفهوم كلام النبى ﷺ يقول له: لا تشرب، فجفاف فمك هذا إنما هو رطوبة عند الله كما أن رائحة فمك هذا التى يمكن أن تأنف منها فى الصيام إنما هى مسك عند الله.
إذن اصبر مع الله، وعندما تجد لسانك يجف وريقك يجف لا تتعجل لأنك فى رطوبة مع الله فلا تشرب ماء الآن؛ هكذا فهموا من الكتاب والسنة فلم يشربوا فنورت قلوبهم.

(يتبع)

............