مسجد ومقام سيدى على الخواص رضى الله عنه
______
هناك فرق بين أن تتعلم على أيدى الناس وبين أن يعلمك الله بلا واسطة
عجائب سيدى على الخواص رضى الله عنه مع سيدى عبد الوهاب الشعرانى
-----
كان سيدى على الخواص رضى الله عنه أكبر وأعظم أولياء عصره فى مصر
ولم يدخل مدارس أو يعلمه بشر أن يقرأ ويكتب
ونسبه الشريف الى جده سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لم يتخذه ذريعة للتكبر على الخلق
على العكس تماماً
ستجد أن سيدى على الخواص قد عمل فى مهن يستنكف بعضنا على أن يمتهنها أو يصدق أن احداً يمتهنها من الممكن ان يكون بهذا العلم وهذا القدر
فعمل حلاقاً وطاف فى الأسواق على قدميه الشريفة يحمل الخبز فوق رأسه وبعض المأكولات يبيعها ثم خواصاً يضفر الخوص لعمل الحصر والأقفاص ومايتبع ذلك
هذا عمله الذى كان يبدوا للناس انه يتكسب منه قوته
لكن هناك من الأعمال التى كان يقوم بها دون أن يتقاضى عليها أجراً ولايمكن لأحداً منا ان يشتغل بها فى عصرنا الحاضر مداوماً عليها
فمن هذا الذى يصدق ان سيدى على الخواص بكل عظمته ومهابته كان ينزح أكنفة بيوت الخلاء التى يقضى فيها المسلم وغير المسلم حاجته؟
ومن هذا الذى لن يستعظم فى نفسه قيام سيدى على الخواص بكنس الحى بيده الشريفة ثم يجمع القمامة ويخرج بها ليضعها على كوم القمامة خارج حى الحسينية؟
وكان ايضاً يطوف على المساجد يكنسها بيده الشريفة
وكان يملاً أوعية الشرب للكلاب والقطط فى حى الحسينية بيده ويتأكد من ذلك بنفسه من وعاء وعاء
كان الناس يرون ذلك ومن كل فعل له يتعلمون فمنهم من كان يعرف أنه من أولياء الله ومنهم من كان يعرف أنه من أهل بيت النبوة ومنهم من لم يكن يعرف عن ذلك شيئاً وأولهم شيخ أزهر مصر سيدى عبد الوهاب الشعرانى
غير أن الأولياء فى مصر كانوا متفقين على علو قدر سيدى على الخواص فهو بينهم كالملك بين الرعية
مع كل هذه المظاهر البسيطة التى يأنف المتواضعون أن يتواضعوا لها فهى تغر الجاهل وتنذر العالم وتشحذ همم العامل مع هذه المظاهر لم يكن سيدى عبد الوهاب الشعرانى رضى الله عنه يعتقد فى سيدى على الخواص كما يعتقد فيه الأولياء ويعرفوه
ولم يكن سيدى عبد الوهاب الشعرانى قد تصوف من الأصل بل كان ملماً بالعلوم الظاهرة من الشرع فى الأزهر فقط لاغير حتى أنه كان أكثر أهل الأرض تأليفاً فيها قبل تصوفه
فكان سيدى عبد الوهاب يمشى فى الشارع فى أبهة العلماء وحق له ذلك فهو شيخ أزهر المسلمين انذاك
فإذا مر بسيدى على الخواص وهو فى دكانه يخوص الخوص بيده الشريفة
نظر إلى سيدى على وهيئته ولحيته وعمامته وهو يجلس على الحصير
فيقول فى نفسه
أى ولى هذا الذى يكون بهذه الهيئة وهذه الصنعة ؟
أهذا هو كبير الأولياء فى مصر؟
ألم يجد لنفسه عملاً أكرم من هذا ليقتات منه؟
كيف يكون ولياً لله ويتعلمون منه بينما هو لم يتعلم ولم يمسك قلماً ولا ورقة كاغد؟
ثم يكمل مروره امام سيدى على فيقول لسيدى على
ما إتخذ الله من ولى جاهلاً ياخواص
فلا يرد عليه سيدى على
بينما سيدى على يعلم انه سيكون اخص تلامذته هذا الذى يلمزه كلما مر عليه
فقد كان سيدى عبد الوهاب الشعرانى ميسور الحال وقد تزوج من سيدة شريفة النسب إسمها السيدة زينب
وكان محباً لها حباً شديداً
وكانت تنبسط معها فى دلالها عليه كزوجها فتمتطيه كما يمتطى الفارس حصانه وهو يقبل ذلك منها
فمر ذات يوم ولمز سيدى على الخواص وقال له ياخواص ما إتخذ الله من ولى جاهلاً
فلم ينظر له سيدى على وأكمل مافى يده من عمل وهو ممدد احدى رجليه ثم قال له جملة غيرت كل حياة سيدى عبد الوهاب الشعرانى وحولته من واقفاً فرحاً بعلم الظاهر الشرعى إلى كبيراً من كبار أهل الله
فقال له
بل إتخذه وعلمه ياحمار زينب
فوقف سيدى عبد الوهاب وقد كان للجملة تلك وقعاً مهولاً عليه
فتلقفها بالصمت ولكنه صمت المتدبر المفكر الباحث عن مصلحته مع ربه على حساب رئاسته للأزهر
فرجع لبيته وهو يقول من الذى أعلمه بأخص مايكون بينى وبين زوجتى
لقد أطلعه الله على ذلك وعرفه فهل يكون ذلك إلأ لولى لله؟
لقد تحمل ايذائ له ولم يعقب بكلمة ولكن عندما عقب كاشفنى بأدق مافى بيتى كرجل وكأنه يعيش معى
وكانت صلاة الجمعة فى اليوم التالى
فتقدم سيدى عبد الوهاب ليصلى بالناس كعادته
وكان فى من خلفه فى الصفوف سيدى على الخواص
فسلبه القرآن الذى يحفظه
فوقف سيدى عبد الوهاب ليقرأ الفاتحة لكنه لم يجد شيئاً من القرآن عنده من الممكن ان يذكره حتى الفاتحة نسيها وكأنه لم يسمعها من قبل
زاد الضيق والحرج فى صدر سيدى عبد الوهاب وهو يعلم ان الناس خلفه ينتظرون قرائته للفاتحة
أى إحراج كهذا يارب مالى ومالسيدى على الخواص ليتنى لم اقع فيه ولم اقل له ماقلت كلما مررت عليه
كل هذا وسيدى على خلفه وسيدى عبد الوهاب يتضرع فى نفسه أن يقبل الله توبته من الوقيعة فى سيدى على الخواص
فردت إليه الفاتحة وسورتان ليصلى بهم
فلما سلم وجد سيدى على الخواص خلفه فى الصف فنظر إليه سيدى عبد الوهاب نظرة المتلهف على رؤياه حبيبه او الغريق لطوق نجاته او الطفل لأبيه من بعد غيبه
ثم ذهب لسيدى على الخواص حافياً وخلع عمة شيخ الأزهر من على رأسه وقبل رجل سيدى على وجلس على الحصير مع سيدى على ليقول له علمنى وأقبلنى من أولادك
فقال له ياعبد الوهاب أنت اخذت علمك من محدثات محدثاً عن محدث وهذا عندنا ليس بعلم فأنت لست بعالم أما نحن فنأخذ علمنا عن الله تعالى بلا واسطة ياعبد الوهاب
فقال له سيدى عبد الوهاب إجعلنى من اولادك
فقال له ياعبد الوهاب هل ترى كل الذى ألفته وصنفته وكتبته؟
قال له نعم
قال عليك أن تنساه ولاتبقى منه شيئاً عندك وأذهب وقم بحرقه
فذهب سيدى عبد الوهاب وتخلص من كل علمه الظاهرى المكتوب ورجع لسيدى على طالب علم وطريق لكنه لم يتخلص من كتابين إثنين
فقال له سيدى على هل تخلصت من كتبك؟
فقال له نعم
قال له إلا كتابين ياعبد الوهاب لم تحرقهما فلماذا لم تتخلص منهما كما أمرتك؟
فقال له بلى ولكن الكتابين هذين اجتهدت كثيراً في تأليفهما
فقال بل إذهب وأحرقهما
استجاب سيدي عبد الوهاب وقام بحرقها ثم أعطى سيدي علي الخواص إلى سيدي عبد الوهاب
الشعراني أوراداً وقال له : اقرأها وبعد قراءتها رأى في رؤياه أنه في بحر والرسول صلى الله
عليه وسلم يسقيه بيده فاستيقظ من نومه فرحاً مسروراً وأسرع ليحكي رؤياه لشيخه الخواص
فوجده جالساً مع بعض المريدين فجلس بجانبهم لعل الفرصة تتاح له فيخبر الشيخ بخبر الرؤيا ،
ولكن الشيخ عاجله ، وقال له أثناء حديثه مع المريدين : أسقوك يا شعراني ؟
قال : نعم
قال له : إذن فاذهب واكتب عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصالحين من أمته فكتب
كتابيه الطبقات الكبرى والطبقات الصغرى يتحدث فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم
وعن الأولياء من سيدنا أبي بكر إلى الأولياء في زمنه
وهذه هى حيثيات أسباب كتابته للطبقات الكبرى
ثم إن سيدى عبد الوهاب الشعرانى رضى الله عنه عندما تحدث عن شيخه سيدى على الخواص وعن العلوم التى نهلها منه فقال
سيدى على الخواص بحر لايدرك له قرار مواهبه جاوزت مدى التفكير وخرجت عن حد التصوير
فلقد غطست فى بحر علمه ففى الاولى
وجدت جملة العلوم التي برزت من اللوح المحفوظ إلى جميع هذا العالم على اختلاف طبقاته من الصديقية العظمى إلى اخر درجات الولاية.
وفي المرة الثانية وجدت جملة ايات من القران الكريم وتحت كل اية تفسيرها بما شاء الله من العلوم .
وفي الثالة وجدت جملة الأحاديث النبوية الشريفة بشروحها ودلالاتها وعلومها التي لا تحصى .
وفي الرابعة وجدت علم التاويل الخاص بتأويل ما أخذه عن الكمل من اهل الله تعالى
وفي الخامسة وجد جملة من الحقائق المتفرقة التي لا تتنازع فيها العقول الإنساني
ثم أن ضريح سيدى على الخواص له قصة
فقد صحب سيدى على الخواص أحد الأولياء الكبار وإسمه سيدى محمد ابى البركات الخياط
فقال له ياعلى
إنى سأموت وسأنزل إلى ضريحى فيظل ضريحاً غير مشهوراً إلا بك فإنك تنزل به معى ويعرف بك
وهذا ماحدث بالفعل
فاليوم يزور الناس سيدى على ولايعرف الكثيرون انه معه واحد من مشايخه سيدى محمد ابى البركات الخياط
هذا هو المكان الذى عاش فيه سيدى على الخواص فى الحسينية بالقاهرة وبه لبى داعى الله
رضى الله عن سيدى على وسادتنا الصالحين أجمعين
..........................