لبّيكَ لبّيكَ يا سرّي و نجوائـــي = لبّيك لبّيك يا قصدي و معنائـي
أدعوك بلْ أنت تدعوني إليك فهـلْ = ناديتُ إيّاك أم ناجيتَ إيّائـــي
للعلم أهلٌ و للإيمان ترتيــــب = و للعلـــــوم و أْهلِيها تجاريب
و العلم علمان منبوذ و مكتســب = و البحر بحران مركوب و مرهوب
يا موضع الناظر من ناظـري = و يا مكان السرّ من خاطـري
يا جملة الكلّ التي كلهــــا = أحبّ من بعضي و من سائري
سكوتٌ ثم صمتٌ ثم خَرْسُ = و عِلْمٌ ثم وَجْدٌ ثم رَمْـــس
و طينٌ ثم نارٌ ثم نـــورٌ = و بردٌ ثم ظلّ ثم شمـــس
مَن سارروه فأبدى كلّما ستـروا = و لم يراع اتّصالاً كان غَشَّاشـا
إذا النفوس أذاعت سرّ ما علمت = فكل ما خلت من عقلها حاشـا
أَنْعَى إليك نفوساً طاح شاهدُها = فيما وراء الحيثِ يَلْقَى شاهد القِدَم
أنْعي إليك قلوباً طالما هَطَلَتْ = سحائبُ الوحي فيها أبْحُر الحكـم
أشار لحظي بعين علِــم = بخالصٍ من خِفّي وَهْم
و لائحٌ لاح في ضميـري = أدقّ من فهم وهم همّي
لم يبق بيني و بين الحقّ تِبْيَانـي = و لا دليل و لا آيات برهــان
هذا تجلّى طلوع الحقّ ِ نائــرةً = قد أَزْهَرَتْ في تلأليها بسلطـان
عجبتُ منك و منـّـي = يا مُنـْيـَةَ المُتـَمَنّـِي
أدنيتـَني منك حتـّـى = ظننتُ أنـّك أنـّــي
أُقْتُلُوني يا ثقاتـــي = إنّ في قتـْلي حياتــــي
و مماتـي في حياتـي = و حياتي في مماتـي
إذا دهمَتـْك خيول البعـــاد = ونادى الاياس بقطع الرجـا
فخُذْ في شمالك ترس الخضوع = و شـُدّ اليمين بسيف البكـا
و أيّ أرض تخلو منك حتّى = تعالوا يطلبونك في السمـاء
تراهم ينظرون إليك جهـراً = وهم لا يبصرون من العماء
و أَطْلُبُ منك الفضل من غير رغبةٍ = فلم أر قبلي زاهدا فيك راغب
كَفَى حَزَناً أنّي أُناديـك دائمـــا = كأنـّي بعيدٌ أو كأنـّك غائب
سرّ السرائر مَطْــوِيٌّ بـِاثـْبَات = في جانب الأُفْق ِمن نور بـِطيَّات
فكيف والكيف معروف بظاهــره = فالغيب باطنه للذاتِ بالـــذات
أنتم ملكتم فؤادي = فهِمْت في كلّ وادي
ودقّ على فؤادي = فقد عدمت رقادي
الحبّ ما دام مكتوماً على خطــرٍ = وغاية الأمْنِ أن تدنو من الحـــذر
و أطيب الحبّ ما نمّ الحديث بــه = كالنارِ لا تأتِ نفعاً و هي في الحجـر
فيـا من بات يخلو بالمعاصـي = وعين الله شــاهدة تـــراه
أتطمع أن تنــال العفو ممّــا = عصمتَ و أنت لم تطلب رضاه
كانـت لقلبي أهواءٌ مفرّقــة = فاستجمعَتْ مـُذْ راءَتـْك العين أهوائي
فصار يحسدني من كنت احسده = وصرتُ مولى الورى مُذْ صرتَ مولائي
حقيقة الحقّ مُسْتـنِـيَر = صارخه بالنبا خبيــر
حقيقة الحقّ ِقد تجلـَّتْ = مَطْلب من رامها عسير
أنت المُوَلـِّهُ لي لا الذكر ولَّهنـي = حاشا لقلبي أَنْ يَعْلَق به ذِكَـرى
الذكر واسطةٌ تـُخْفِيك عن نظري = إذا توشـَّحَهُ من خاطري فكري
مواجِيدُ حَقّ ٍأَوْجَدَ الحـــقُّ كـُلَّها = و إِنْ عجزَتْ عنْها فهوم الاكابر
وما الوجد إلا خطرة ثم نظـــرة = تـُنَشـّي لهيبا بين تلك السرائر
عَقـُدْ النبوّة مِصْباح من النــور = مُعَلَّقُ الوَحي في مشكاة تأمــور
بالله يُنْـفَخُ نَفْـخ الروح في جَلَدِي = بخاطري نَفْخَ اسرافيلَ في الصور
لأَنوار نور الدين في الخلق أنوارُ = و للسرّ في سرّ المسرّين أسرار
وللكون في الأكوان كون مُكَـوّن = يكنُّ له قلبي و يهدي و يختـار
سكنتَ قلبي و فيه منك أســــرار = فليَهْنِك الدار بلْ فليهنك الجـارُ
ما فيه غيرك من سرٍّ عَلِمْتُ بـــه = فأنْظُرْ بعينك هل في الدار ديّار
غِبْتَ و ما غبتَ عن ضميري = و صرْتَ فرحتي و سروري
وانفصل الفصل بافتـــراق = فصار في غيبتي حضوري
يا شمس يا بدر يا نهار = أنت لنا جنـّة و نـار
تَجنُّبُ الإثِم فيك ثم إثمٌ = وخاصّية العار فيك عار
يقول الحلَّاج، في القصيد التي لحَّنها عمر خيرت، كمقدمة لمسلسل الخواجة عبد القادر، منذ بضع سنوات
واللهِ ما طَلعتْ شمسٌ ولا غربتْ إلا و حُبُّـكَ مقـرونٌ بأنفاسـي
ولا خَلوتُ إلى قومٍ أحدِّثهــم إلا و أنتَ حديثي بينَ جُلاســي
ولا ذكرتُكَ محزوناً و لا فَرِحاً إلا و أنتَ بقلبي بينَ وسواســـي
ولا هَممتُ بشربِ الماء من عطشٍ إلا رَأَيْتُ خيالاً مِنكَ في الكـــأس
ولو قَدرتُ على الإتيان جئتـُكم سعياً على الوجهِ أو مشياً على الرأس
ما لي وللناسِ كَمْ يلحونني سفهاً ديني لنفسي ودينُ الناسِ للناسِ
أما الأبيات الشهيرة، التي لحنها وغناها مارسيل خليفة
يا نسيم الريح قولي للرشا لم يزدني الوِردُ إلا عطشا
لي حبيبٌ حبّهُ وسطَ الحشا لو يشا يمشي على خَدي مشى
ومن أبياته أيضاً
قلوبُ العاشقينَ لها عيونٌ تَرى ما لا يَراهُ الناظرونَ
وألسنةٌ بأسرارٍ تُناجي تغيبُ عن الكرامِ الكاتبينَ
وأجنحةٌ تطيرُ بغيرِ ريشٍ إلى ملكوتِ ربِّ العالمينَ
وتَرْتَعُ في رياضِ القُدسِ طوراً وتشرَبُ من بحارِ العارفينَ
فأورَثَنا الشّرابُ علومَ غيبٍ تشِفُّ على علومِ الأقدمينَ
شواهِدُها عليها ناطقاتٌ تُبَطّلُ كلّ دعوى المُدّعينَ
عبادٌ أخلصوا في السرِّ حَتّى دَنوا مِنهُ وصاروا واصلينَ
ومن أجمل أبيات الحلَّاج، ما قاله في قصيدته هذه
عَجِبْتُ منكَ ومنّي يا مُنيَةَ المُتمَنّي
أدنَيْتَني منكَ حتى ظَنَنْتُ أنَّك أنّي
وغبتُ في الوجدِ حتى أفْنَيْتَني بِكَ عنّي
يا نِعمَتي في حياتي وراحَتي بعدَ دَفْني
مالي بغيرِكَ أُنسٌ إذ كُنتَ خوفي وأَمْني
يا مَن رياضُ معانيهِ قد حَوتْ كلَّ فَنِّ
وإن تَمنَّيْتُ شيئاً فأنتَ كلُّ التَّمَني