مقال عن الأولياء ..( الأخفياء والمشهورين )
اعلم يا حبيب :
أن الله تعالى دائم التجلى بأسماءه الحسنى وصفاته
ومن ضمن هذه الأسماء اسمى ( الظاهر والباطن )
وهذين الإسمين لهما صور فى كافة الموجودات
حتى الإنسان نفسه هو عنصر التجلى الأعظم
وفى صنوف العلماء والأولياء فتجد ذلك واضح بقوة
أما الأولياء الواقع عليهم تجلى إسم الله( الظاهر )
فهؤلاء تجدهم مشهورين عند العامة والخاصة من الناس
ولهم تواجد في وسائل الإعلام المختلفة
ويرشدون المريدين ويطعمون الطعام في الساحات
ويقيمون الحضرات والمجالس ومنهم من يلقى الدورس والخطب فى المساجد ويحضرون اللقاءات المجتمعية
والندوات والمؤتمرات وقد تلقوا العلوم الشرعية
بالأسانيد المعتبرة كابر عن كابر
ثم زادوا بعد ذلك بسلوك طريق التصوف
ويفتون الناس فى أمور دينهم
ووظائفهم فى الدنيا :
إما أئمة مساجد أو شيوخ ومدرسين فى المؤسسات التعليمية والدينية كالأزهر الشريف مثلاً
أو أعمال حرة . ويُشار إليهم هنا وهناك.
وأما الأولياء الواقع عليهم تجلى إسم الله( الباطن )
فهؤلاء هم الأخفياء الأصفياء المجهولين في الأرض
والمعروفين فى السماء
سيماهم الفقر والتواضع والانكسار
يتسترون خلف حجاب الجهل
فإذا تواجدوا فى الأماكن العامة والساحات
وطُلب منهم الكلام يقول الواحد منهم
( أنا جاهل - أنا لا أعلم شئ )
لكن ربما يتكلمون في الأماكن المغلقة
فالعلم اللدنى يجرى بداخلهم أنهار وبحور
فقد شربوا من الكأس الخضرى( وعلمناه من لدنا علما )
بعد أن ارتوت أرض قلوبهم بحقائق اليقين ولوامع التقوى
من بحر قوله تعالى( اتقوا الله ويعلمكم الله )
وأما وظائف هؤلاء في الدنيا فهى لا تخطر على بالك
وذلك بسبب خفاءهم مثلاً أحدهم خباز أو سباك
أو الخفير وعامل الأمن والحراسة
أو من يخيط الأحذية أو بائع العرق سوس
أو بائعة المناديل أو بائعة الجرجير
وربما يكون من الأغنياء فليس كل ولى خفى فقير
ولقد حدث موقف لسيدى عبد الوهاب الشعرانى
عند بداية دخوله في طريق القوم على يد شيخه
القطب الكبير سيدى على الخواص قدس الله سرهما
حيث قال له شيخه : يا عبد الوهاب
اخرج الآن من المسجد وامش فى السوق وقَبّل يد أقل الناس حتى نَقبَلك عندنا فلما خرج ومشى في شوارع مصر القديمة ودخل في السوق وجد إمرأة عجوز على ناصية
الطريق تبيع الجرجير
فقال فى نفسه : هذه أقل واحدة فهى فقيرة عجوز
فتقدم ليشترى منها الجرجير
ولكنها كانت من كبار العارفات العابدات الأخفياء
فقالت له مباشرة قبل أن يتكلم
( يا عبد الوهاب : أنا لست أقل الناس حتى تُقبّل يدى
اذهب وقَبّل يدك أنت )
فنزل الرد عليه كالصاعقة فمن أين لباءعة على الرصيف
أن تعرف اسمى ولم أقوله لها وقد عرفت أيضا لماذا وقفت أمامها....
وهكذا أهل الخفاء وظائفهم بسيطة حتى لا يلتفت إليهم الناس لأن الناس تلهث خلف ذوى المناصب والجاه
وهؤلاء الأخفياء لا يبالى بهم أحد رغم كونهم بيننا
وقد أشار إليهم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
فقال(( رُبّ أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبر ))
وفى رواية( رُبّ أشعث أغبر مدفوع الأبواب )
أى يدفعه الناس بعيداً عنهم إذا وقف ببابهم
وأما دور هؤلاء هو نفع الأمة المحمدية ولكن بطرق سرية
فمنهم من يكفل الأيتام ومنهم من يذهب للمستشفيات
يدعو للمرضى بالشفاء ثم ينسحب ولا يشعر به أحد
ومنهم من يحارب الجن والشياطين وهو جالس في خلوته
ليمنع أذاهم عن المسلمين
ومنهم من يمشى فى الأسواق يردد أذكاراً
حتى لا تقع المشكلات بين الناس
وإن وقعت يسارع في حلها بطرق مخفية
... ولقد كان سيدى عبد الوهاب الشعرانى
يُقبّل يد كل من يراه فسأله تلميذه :
يا سيدى أراك تقبل أيدى جميع الناس
فَلماذا تصنع ذلك ؟
فقال : يا ولدى إن الله تعالى أخفى أولياءه بين خلقه
فعسى تقع شفتاى على يد واحد منهم فيرضى عنى الله
[rtl]#كتبه_محب_الحضرة_المحمدية[/rtl]
[rtl]#الفقير_أبو_حمزة_الصوفى[/rtl]
....................