السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عرف التاريخ الإسلامي أناسًا وقفوا عند حدود الشريعة المحمدية فأدوا ما أمرهم الله تبارك وتعالى وانتهوا عما حرمه الله ، وأعرضوا عن مفاتن الدنيا وزخارفها فزهدوا فيها واقتفوا ءاثار الرسول صلى الله عليه وسلم وتمسكوا بالشريعة وعملوا بمقتضاها .
الشيخ عبد الباقي المكاشفي من أقطاب السودان
الأولياء لهم كرامات :
يقول الله تعالى : ( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين ءامنوا وكانوا يتقون ) ، فالأولياء هم الذين استقاموا بطاعة الله عز وجل فأدوا الواجبات واجتنبوا المحرمات وأكثروا من نوافل الطاعات فهؤلاء الأولياء الذين هم أحباب الله تعالى يكرمهم في الدنيا والآخرة .
ومن إكرامهم في الدنيا أن الله تعالى يُجري على أيديهم الكرامات وهي أمور خارقة للعادة تظهر على أيديهم ، والدليل على إثبات كرامات الأولياء ما جاء في القرءان الكريم من قوله تعالى : ( قال الذي عنده علم من الكتاب أنا ءاتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلما رءاه مستقرًا عنده قال هذا من فضل ربي )سورة النمل، وثبت بالإسناد الصحيح أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه نادى أمير الجيش الذي كان بنهاوند وهو سارية بن زنيم : ( يا سارية الجبل الجبل ) فأسمعَ اللهُ ساريةَ صوتَ عمر وكان عمرُ بالمدينة يخطب على المنبر ، أخرجه البيهقي وأفرده الحافظ الدمياطي بتأليف وصحح إسناده ووافقه الحافظ السيوطي .
وقد كان الولي الجليل والقطب الكبير العارف بالله الشيخ عبد الباقي ابن الحاج عمر المكاشفي الحسيني نسبـًا القادري طريقة الأشعري عقيدة المالكي مذهبـًا رضي الله عنه أحد هؤلاء الصوفية الصادقين المحققين والأولياء العاملين بعلمهم
اسمه ونسبه :
هو الشيخ عبد الباقي بن عمر بن أحمد المكاشفي المتصل نسبه إلى الإمام محمد الجواد ابن الإمام علي الرضا ابن الإمام موسى الكاظم ابن الإمام جعفر الصادق ابن الإمام محمد الباقر ابن الإمام علي زين العابدين السجاد ابن الإمام السبط الشهيد الحسين ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي عنه وعنهم .
مولده ونشأته :
ولد رضي الله عنه في قرية شنبلي من نواحي سنار من الديار السودانية قبل فجر يوم الأربعاء الرابع من شهر رجب سنة 1284 هـ - 1867 . وقد بشر به قبل ولادته عدد كبير من الأولياء منهم الشيخ إبراهيم الكباشي والشيخ التوم ود بانقا والشيخ حمد النيل العركي وغيرهم .
علمه ومكانته :
حفظ القرءان الكريم على يد أخيه الشيخ أحمد المكاشفي ، ثم اشتغل في تحصيل العلوم الشرعية فأخذ عن جملة من علماء السودان منهم الشيخ قسم ، والشيخ إبراهيم وغيرهما حتى برع فشهد بعلمه الداني والقاصي ، وشهد له مشايخه بمكانته العلمية .
ثم سلك بعد تمكنه في العلوم الشرعية على يد الشيخ عبد الباقي ( أبو الشول ) أحد خلفاء الشيخ عبد الباقي النيل ، ثم اجتهد بالعبادة والمجاهدات والتعليم والإفادة فكان رضي الله عنه وقته عامرًا بذكر وطاعة ودرس وتعليم وغير ذلك من الطاعات حتى فتح الله تعالى عليه فصار يلقن الأذكار ويسلك المريدين ويربي السالكين ويجيز في جميع طرق السادة الصوفية .
وقد تنقل للدعوة والإرشاد في أنحاء السودان فسكن أولا القديم ثم انتقل إلى قرية ود أب ءامنة ثم البراقنة ثم قرية الشكينيبة قرب مدينة المناقل واستقر بها إلى وفاته ، وهي تبعد عن الخرطوم ما يقارب الثلاثمائة كيلومتر .
عقيدته ومؤلفاته :
قال الجنيد إمام الصوفية رضي الله عنه : " علمنا هذا مشيد بالكتاب والسنة " ، وقال الإمام أحمد الرفاعي رضي الله عنه : " التوحيد وجدان عظيم في القلب يمنع من التعطيل والتشبيه ، وكل طريقة خالفت الشرع فهي زندقة " ، وقال : " الصوفي هو الفقيه العامل بعلمه " ، هذه هي عقيدة الصوفية الصادقين وهذا هو مشربهم ، وقد كان الشيخ المكاشفي على هذا المنهل والمشرب لم يخرج عنه .
وقد كان للشيخ المكاشفي اعتناء بسائر العلوم الشرعية إلا أنه أولى علم التوحيد اهتمامـًا بالغـًا فاشتغل به تدريسًا وتأليفـًا ونظمـًا ، وقد ترك عددًا من المؤلفات تدل على ما قدمنا .
زهده وأخلاقه :
كان الشيخ المكاشفي زاهدًا عابدًا منقطعًا عن الدنيا مقبلاً على الآخرة ، يمشي في قضاء حوائج الناس ، وينفق على الفقراء ، ويعطف على المساكين ، ويتواضع مع المسلمين ، ويواكب طلابه كأنه واحد منهم ، دائم البشر في وجوه المسلمين ، لين الجانب ، جميل النعوت ، يجل الكبير ، ويرحم الصغير ، حركاته أدب .
ويؤكد هذا منزله وهو غرفتان من لبن ، في الغرفة الأولى سرير صغير فراشه من خيطان أمامه سجادة للصلاة من قش ، والغرفة الثانية فيها سجادة للصلاة من قش فقط . وعلى مدخل باب المنزل جذع شجرة صغير كان يقف عليه الطير ويأتي إليه البهائم فيتكلم معهم بإذن الله ، ثم خلف المنزل توجد حفرة صغيرة كان الشيخ يقضي فيها حاجته ويغتسل ، وكانوا يأتون في الصباح لتنظيف الحفرة كي لا تخرج منها الرائحة أو البعوض فيؤذي الشيخ فلا يجدون شيئـًا .
أما تركة الشيخ فهي مظلة وقلنسوة وسروال ونعل وقميص ليس فيه جيب .
وفي وسط القرية ساحة متسعة الأطراف كان يجلس الشيخ المكاشفي في ناحية منها على الرمل في الظهيرة لقضاء حوائج الناس وكان الأغنياء يضعون في حجره المال فلا يلتفت إليه بل كان يوزعه فورًا ولما ينتهي ينفض ثوبه فيقع المال على التراب فيأتي الفقراء ويأخذونه .
كراماته:
أما كرامات الشيخ فكثيرة جدًا منها أنه كان رضي الله عنه يخاطب الوافدين عليه من سائر البلاد كل على حسب لهجته قبل أن يبدأ الوافد بالكلام ، أيضًا فإن الله عز وجل ءاتاه منطق الطير وسائر البهائم ، ولو أردنا حصر كراماته لضاق المقال عنها ويكفي دليلا على كراماته استقامته على المنهج القويم طول حياته .
وفي طرف الساحة حفرة عميقة وواسعة تسمى الحفير وقد حفرها المكاشفي بيده مع خواص مريديه وطلابه بغرض أن يجمع ماء المطر فيها للري والشرب والطهارة وللبهائم ، وعلى طرف الحفرة شجرة من النيم متدلية فوق الحفير تقطر من أوراقها في أحد أيام السنة عسلا يشرب منه الناس إلى يومنا هذا ، وقد حققت الصحافة بهذا الأمر فوجدته صحيحًا ونشر الخبر في بعض الجرائد السودانية .
مصنفاته :
1 ـ منظومة " تعالى الرب " : نظم فيها عقيدة الشيخ عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه ، وأضاف إليها ما صارت تجمع عقائد أهل السنة ، ورد فيها على المبتدعة ، وقد شرحها الشيخ ود الإحيمر في كتاب سماه " التبيين المفيد شرح عقيدة التوحيد " .
2 ـ أرجوزة التوحيد : جمع فيها ما يحتاج المكلف لمعرفته من عقائد التوحيد . وقد بين في هذه المنظومة معنى الشهادتين ، وقد شرحها الشيخ محمد علي ابن الشيخ البشير المشهور بود الإحيمر .
3 ـ منظومة الجنائن المغروسة على حياض السنة المحروسة : نظم فيها المقدمة العشماوية في الفقه على مذهب الإمام مالك وزاد عليها مسائل من حاشية الصفتي وشرح الجواهر الزكية ، وقد شرحها الشيخ محمد علي ابن الشيخ البشير المشهور بود الإحيمر وسماها : " النمارق المصفوفة " .
4 ـ النصائح في الإرشاد والسلوك .
5 ـ توسلات الطريقة .
6 ـ راتب في التوسل .
7 ـ راتب في أذكار القرءان والسنة .
8 ـ سعادة الدارين في مدح شافع الثقلين .
وفاته :
توفي رضي الله عنه في قرية الشكينيبة يوم العاشر من ذي الحجة سنة 1380 هـ ـ 1960 عن سبع وتسعين سنة تقريبًا أمضاها في الطاعة والإرشاد والتعليم رضي الله عنه ونفعنا به