إنتشار المذهب المالكي في المغرب العربي( الإمام مالك بن انس)
لقد شاء الله تعالى للمغرب العربي أن يعتنق الإسلام و يحتضنه و يكون قلعة من قلاعه منذ بداية النصف الثاني من القرن
الأول الهجري , فقد تم فتحه سنة 62 هجري على يد سيدنا عقبة بن نافع الفهري رضي الله عنه , في خلافة يزيد بن معاوية ,
ثم تجدد فتحه و توسع على يد موسى بن نصير رضي الله عنه سنة 87 هجري في خلافة يزيد بن معاوية , تم تجدد فتحه و
توسع على يد موسى بن نصير رضي الله عنه سنة 87 هجري في خلافة عبد الملك بن مروان , ثم استقر فيه الوضع واستتب
الأمن و استقام الحال حين تأسست فيه الدولة الإدريسية سنة 172 هجري على يد المولى إدريس بن عبد الله بن الحسن المثنى
بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه , و كان قدم المغرب فارا من الرشيد الخليفة العباسي الذي كان قد
إضطهد شيعته الخارجين عليه , وشتت بعضهم و قتل آخرين في الوقعة الشهيرة بوقعة فخ التي كانت سنة 169 هجري.
و الدولة الإدريسية هي أول دولة مسلمة مستقلة في المغرب العربي , و منذ أسسها المولى إدريس المذكور ووطد دعائم الحكم
فيها , و هو يجيش الجيوش و يجهز الغزاة و يخرج بم لقتال الخوارج و قمع فتنتهم , و هكذا ظل يجوب طولا و عرضا يجاهد
في سبيل الله حتى استقام له المغرب على الإسلام و صلح حاله به , فكان ذلك فتحا بعد فتح سيدنا عقبة بن نافع و موسى بن
نصير . و كان أهل المغرب العربي في أول عهدهم بالإسلام على مذهب جمهور السلف أصولا و فروعا و اعتقادا و تشريعا
كمذهب الإمام الأوزاعي و غيرهما , إلى أن إستقروا
على مذهب الإمام مالك , حتى عرف به واشتهر باضلاعه في فقهه و التفوق في حذقه و خدمته , و الروز في التنطير له و
الدفاع عنه . و صار له بذلك رسوخ فيه و معرفة عميقة واسعة بأصوله و فروعه.
و اشتهار المغرب العربي بالمذهب المالكي دون غيره منذ بزوغ فجر الدولة الإدريسية إلى الآن , أمر أطبق عليه المؤرخون و
المتتبعون لهذا الشأن و تناقله العلماء خلفا عن سلف , قال ابن خلدون في مقدمته : * و اما مالك رحمه الله
تعالى فاختص بمذهبه أهل المغرب و الأندلس , و إن كان يوجد في غيرهم إلا أنهم لم يقلدوا غيره إلا الحجاز و هو منتهى
سفرهم , و المدينة يومئذ دار العلم و منها خرج إلى العراق , و لم يكن العراق في طريقهم فاقتصروا على الأخذ عن علماء
المدينة , و شيخهم يومئذ و إمامهم مالك و شيوخه من قبله و تلاميذه من بعده , فرجع إليه أهل المغرب و الأندلس و قلدوه دون
غيره ممن لم تصل إليهم طريقته و قال الناصري في الاستقصاء : و المعروف أن مذهب مالك ظهر اولا بالأندلس ثم انتقل منها
الى المغرب الأقصى أيام الأدارسية.*
و كان موطأ الإمام مالك أول كتاب في الحديث و الفقه دخل إلى المغرب الأقصى , أدخله عامر بن محمد بن سعيد القيسي الذي
اتخذه المولى إدريس الثاني قاضيا لما كان عليه من الورع و الفقه في الدين , و كان قد سمع من الغمام مالك وسفيان الثوري و
روى عنهما كثيرا.
و كان للمولى إدريس الثاني رضي الله عنه أثر كبير في نشر المذهب رسميا للدولة , و أصدر امره لولاته و قضائه بذلك , و
على رأسهم القاضي عامر القيسي المذكور آنفا ثم لما بني جامع القروين سنة 245 ه كان مركز إشعاع علمي و ثقافي قوي , و
كان له الفضل في خدمة المذهب المالكي و أصوله و قواعده و أقوال أئمته و مرويات إمامه واستنباطاته و اجتهاداته الفقهية
المنقولة.