[rtl]مـا يـسـتـحـقّ به المريد الطـّرد من الطـّريـق [/rtl]
[rtl]ولمّا فرغ من الكلام على الصّفات الّتي يجب على المريد أن يتّصف بها، أخذ يتكلّم على الصّفات الّتي يستحقّ المريد الطّرد من الشّيخ عند اّتصافه بها، فقال [/rtl]
[rtl]( يا مريدين التيـسير الطالبـين للمسير )[/rtl]
[rtl]( اطردوا هذا الفقير لصلاح البــاقـيـا )[/rtl]
[rtl]التّيسير التّسهيل، يُقال يسّره الله فتيسّر، أي يا قاصدين التّسهيل على الطّالبين للمسير، أي السّير في طريق القوم، أطردوا الفقير المتّصف بالصّفات الآتي ذكرها؛ وقوله لصلاح الباقيّا علّة للطّرد؛ ثمّ بيّنه بقوله[/rtl]
[rtl]﴿ من اشتكى الفقرا*منه أو تكبرا*لعقله مظهرا*للشيخ المربيا ﴾[/rtl]
[rtl]يقول أنّ المريد إذا اشتكى الفقراء منه، أي من سوء خلقه، أو تكبّر عليهم، ونهاه الشّيخ عن ذلك ولم ينته فإنّه يستحقّ الطّرد إن تحقّق منه ذلك وتكرّر.[/rtl]
[rtl]ويستحقّ الطّرد أيضا إذا كان مُظهرًا كمال عقله وحُسن رأيه على شيخه، ومظهرا خبر كان محذوفة مع أو بقرينة العاطف قبله وتناسق الجمل، ولعقله صلة له، واللاّم من للشّيخ بمعنى على، والمربّي نعت للشّيخ مفيد تخصيص المنعوت.[/rtl]
[rtl]قوله[/rtl]
[rtl]﴿ لا يجلس ذكره*لا يسمع وعظه*تارك احترامه*بإخوانه مزدريا ﴾[/rtl]
[rtl]يعني أنّ ممّا يستحقّ به المريد الطّرد من الطّريق تركه حضور مجلس شيخه المُعَدّ للذّكر أو الوعظ، أو اعتزاله درس شيخه المرتّب في أيّ فنّ من فنون العلوم الشّرعيّة أو العقليّة لغير ضرورة، أو يحضر ولكن يشتغل بغير ما هو المطلوب، كمَن يُلقي السّمع وهو غير شهيد[/rtl]
[rtl] أو كان تارك احترام شيخه.[/rtl]
[rtl] أو كان مزدريا بإخوانه، بأن يفعل معهم ما يقتضي السّخرية والاستهزاء على سبيل الازدراء، وقد ورد النّهي عن ذلك، قال تعالى ﴿يا أيّها الّذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم﴾، وروى ٱبن أبي الدّنيا }أنّ المستهزئين بالنّاس يُفتح لأحدهم باب الجنّة فيُقال هلمّ فيجيء بكربه وغمّه، فإذا جاء أغلِقَ دونه{.[/rtl]
[rtl]قوله[/rtl]
[rtl]﴿ لا يمتثل أمره*ولم يقبل نهيه*ويراجع فعله*لم يعقد فيه نيا ﴾[/rtl]
[rtl]﴿ لا يحضر الجماعه*ولا يأتي الجمعه*للملاهي سامعا*متجسس عن شيخيا ﴾[/rtl]
[rtl]﴿ متهاون بطهره*متكاسل في فرضه*مادح غير شيخه*عند بعض اخوانيا ﴾[/rtl]
[rtl]يقول ممّا يستحقّ به المريد الطّرد من الطّريق عدم امتثال أمر الشّيخ ونهيه، ذلك بأن يترك ما أمره به طبيبه ويفعل ما نهاه عنه، فمَن كان بهذه المثابة استحقّ الطّرد، لأنّه لا يجيء منه في الطّريق شيء.[/rtl]
[rtl] وكذلك إذا كان ممّن يُراجع شيخه في الأمور الّتي يفعلها، لأنّ ذلك أمارة عدم استحسان ما يراه شيخه[/rtl]
[rtl] وكذلك إذا لم يعتقد الكمال في شيخه باعتبار عصره، ويرى أنّ هناك من هو أجمع لصفات الكمال من شيخه.[/rtl]
[rtl] وكذلك يستحقّ الطّرد بتركه صلاة الجمعة أو تركه حضور الصّلاة جماعة لغير عذر، كان ذلك دليل تهاونه بالعبادات وعدم اكتراثه بأنواع القربات.[/rtl]
[rtl] وكذلك إذا كان يجلس في أماكن اللّهو، كالأماكن المُعَدَّة لشرب القهوة واستعمال آلات اللّهو وغيرها من الأمور الّتي لا يسوغها الشّرع، لأنّ ذلك يميت القلب ويشغله عن ملاحظة ما يعنيه، ومن حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.[/rtl]
[rtl] وكذلك يستحقّ الطّرد إذا كان يتجسّس عن شيخه وهو في خلوته أو بيته، أو يستكشف حقيقة حاله بالبحث والسّؤال عنه من الغير بعد الأخذ عنه، فإنّ التّجسس منهيّ عنه، قال تعالى ﴿ولا تجسّسوا ولا يغتب بعضكم بعضا﴾.[/rtl]
[rtl] وكذلك إذا كان يتهاون بالطّهارة ويتكاسل بالعبادة اللاّزمة كأداء الفرائض، فإنّ ذلك منهيّ عنه، ووصف الله تعالى به المنافقين، فقال جلّ وعلا ﴿وإذا قاموا للصّلاة قاموا كسالى﴾.[/rtl]
[rtl] وكذلك إذا كان يُثني على غير شيخه من مشايخ عصره بحضرة الإخوان والتّلاميذ، فإنّ ذلك علامة عدم اعتقاده الكمال في شيخه، فيُحرم الانتفاع بصحبته له، وربّما يكون ذلك سببا لتثبيط بعض إخوانه عن طاعة الله، ويُعدّ ذلك عقوقا، وقد رُوي }أنّ العاقّ لا يُرفع له إلى السّماء عمل{.[/rtl]
[rtl]قوله[/rtl]
[rtl]﴿ مستفتح بلا إذنه*ولو في غيبته*مكثرا لضحكه*بحضرة المربيا ﴾[/rtl]
[rtl]﴿ يرى غير طريقه*خادم غير ورده*منهمك لأكله*مكثرا للجمعيا ﴾[/rtl]
[rtl]يقول أنّ ممّا يستحقّ به المريد الطّرد أيضا استفتاحه الذّكر بجماعة من إخوانه بدون إذن شيخه، سواء كان الشّيخ حاضرا أو غائبا، لأنّ ذلك علامة عدم احترام طبيبه، قال سيّدي أبو القاسم الجنيد ]مَن حُرم احترام المشايخ ابتلاه الله بالمقت بين العباد[.[/rtl]
[rtl] وكذلك إذا كان مكثر الضّحك ولا سيّما في المسجد بحضرة الشّيخ، فقد ورد النّهي عنه، قال النّووي في شرح مسلم ]قال العلماء، يكره إكثار الضّحك، وهو في أهل الرّتب والعلم أقبح[، وروى ٱبن ماجة في السّنن }لا تكثروا الضّحك فإنّ كثرة الضّحك تميت القلب{، وفسّر بعضهم قوله بالقساوة، وفي النّوادر وأبي الشّيخ ]أنّ الأحمق يضحك من كلّ ما يراه[، وروى السّيوطيّ في الجامع }الضّحك ضَحِكان، ضحك يحبّه الله تعالى وضحك يمقته الله، فأمّا الضّحك الّذي يحبّه الله فالرّجل يكثر في وجه أخيه حداثة عهده به وشوقا إلى رؤيته، وأمّا الضّحك الّذي يمقته الله تعالى فالرّجل يتكلّم بكلمة الجفاء والباطل يضحك أو يضحك يهوي بها في جهنّم سبعين خريفا{؛ وقوله بحضرة المربّيا حرف استقرار حال من لضحكه.[/rtl]
[rtl] وكذلك إذا كان يستحسن طريقا من الطّرق غير طريق شيخه، أو كان يستعمل وردا مغايرا للورد الّذي رتّبه له شيخه.[/rtl]
[rtl] أو كان منهمكا في اللّذات والشّهوات، مكثرا من الأكل ومخالطة النّاس فرادى وجماعات.[/rtl]
[rtl][ltr]*[/ltr] تـتـمّـة، نتيجة طرد مَن اتّصف بما ذكر إصلاح باقي الفقراء، فإنّ الواحد قد يفسد المائة، وفي ذلك قيل[/rtl]
[rtl]]وقارن إذا قارنت حرّا فإنّما يزين ويزري بالفتى قرناؤه[،[/rtl]
[rtl]وفي الحديث }المرء على دين خليله، فليختر أحدكم مَن يخالل{.[/rtl]
[rtl]آدابه مع شـيـخـه [/rtl]
[rtl]ولمّا فرغ من الكلام على آداب المريد في نفسه، وعلى الصّفات الّتي يستحقّ بها الطّرد، شرع في ذكر آداب المريد مع شيخه، وهو الضّرب الثّاني من ضروب الآداب الثّلاثة، فقال[/rtl]
[rtl]﴿ أدبك يا حبي*مع شيخك المربي*عدها في الكتب*سادتنا الصوفيا ﴾[/rtl]
[rtl]الأدب رياضة النّفس ومحاسن الأخلاق، قال أبو يزيد ]الأدب يقع على كلّ رياضة محمودة يتخرّج بها الإنسان في فضيلة من الفضائل[، وقال الأزهريّ نحوه، وفي القاموس ]الأدب الظّرف وحسن التّناول، فهو ٱسم لذلك، والجمع آداب كسبب وأسباب[؛ والحبّ بالكسر استعملوه مصدرا وٱسم مصدر وٱسما للمحبوب، وهو المراد هنا، واستعماله في المحبوب قيل أصالة، وقيل من إطلاق المصدر على ٱسم المفعول مجازا لعلاقة التّعلّق؛ وقوله سادتنا الصّوفيّة فاعل عدّها، وأراد بذلك الإخبار بأنّ هذه الآداب وصلت إلينا على لسان السّادة المذكورين، وأنّها ثبتت عندهم، فهم أمناء الله على خلقه، لأنّهم لا يثبتون أدبا إلاّ وله مأخذ إمّا من الكتاب أو السّنّة أو من الاستحسان أو القياس أو الإجماع، لأنّهم هم الوسائط بين الله وبين خلقه بوساطة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، حيث أنّهم جاؤوا على القدم المحمّدي والطّريق الأحمدي.[/rtl]
[rtl]فمن الضّرب الثّاني، ممّا وجب على المريد مع شيخه المربّي له، تربية ينال بها سعادة الدّنيا والآخرة، ما أشار له بقوله [/rtl]
[rtl]﴿ لا تمش أمامه*ولا تأكل معه*لا تنام عنده*لا ترى متكيا ﴾[/rtl]
[rtl]﴿ وتجالس ذكره*لا تفارق وعظه*وتلازم درسـه*إن بدا مقريا ﴾[/rtl]
[rtl]﴿ واجلس جلسة المملوك*عند حضرة الملوك*يا طالبا للسلوك*ومقام الأوليا ﴾[/rtl]
[rtl]﴿ وتخفض له صوتك*وتطرق له رأسك*وأحكين له وحيك*لا تكتم عنه شيا ﴾[/rtl]
[rtl]يعني أنّ من جملة الآداب اللازمة للمريد مع شيخه أن لا يمشي أمامه إلاّ بليل، ليكون متلقّيا لما يطرأ غالبا، لأنّ المشي ليلا مهاويه كثيرة، كوقوع في حجر أو حفيرة أو عثرة في شيء أو مكافأة حيوان ضار أو عدوّ أو رؤية ما يكره فجأة، فإذا قصد المريد مقاداته فلا بأس بتقديمه عليه، وأمّا إذا لم يكن من ذلك شيء فليمش خلفه، مع ظنّه أنّه مطّلع عليه، مقتف لأثره باطنا و ظاهرا، غير ملتفت في مشيه وغير مكترث بما يراه، ولا مشتغل بأحد في طريقه بخطاب أو غيره، بل يكون ملاحظا أستاذه، منتظرا لما يحدث له من كلّ شيء، خصوصا في زماننا، فإنّ الطّرقات قلّ أن تخلو من مناكير يجب الكفّ عن رؤيتها لعدم القدرة على إزالتها، فإذا كان الإنسان مغضّيا عنها كان أسلم له في دينه ودنياه، سالكا سبيل النجاح والنجاة.[/rtl]
[rtl] ومن الآداب الواجبة على المريد مع شيخه أن لا يأكل هو وإيّاه على مائدة واحدة، بل ينتظره ويأكل بقيّة أكله، فإنّه بمؤاكلته يشاهد منه ما لابدّ له منه، وربّما يداخل المريد من ذلك ما يوسوس به إليه الشّيطان، فعدم مؤاكلته أنسب لحفظ خواطر المريد وعدم تشويشه.[/rtl]
[rtl] ومنها أن لا ينام بحضرة شيخه، ولا يتّكئ على شيء ويعتمده، ولا يتثاءب، لأنّ ذلك مظنة عدم المبالاة بالشّيخ والاحترام له، ومَن صحب الأساتذة على غير طريقة الاحترام حُرم مددهم وثمرات لحظاتهم، ولذلك قيل ]ما حُرم المريدون الوصول إلاّ بتركهم الآداب والأصول، فطالت عليهم الطّريقة وربّما مات أحدهم في أثنائها ولم يحصل له حاصل[.[/rtl]
[rtl] ومنها ملازمة مجلس الذّكر الّذي رتّبه الشّيخ صباحا ومساء للمريدين، فإنّ مدد كلّ شيخ يكون في ورده، ومَن ترك ورد شيخه حُرم مدده، وإذا كان للمريد عذر في تخلّفه عن مجلس الذّكر فليذكره له، فإن ظهر له صدقه عذره، وإلاّ ناقشه وبيّن له عدم صدقه وتقصيره في عبادة ربّه ليرجع عن ذلك.[/rtl]
[rtl] ومنها أن لا يفارق مجلس وعظه وتذكيره، وكذلك مهما بدأ الشّيخ في قراءة فنّ من فنون العلم، وجب على المريد ملازمة درسه وعدم تخلّفه عنه ما دام الشّيخ بصدد التّدريس، فربّما يفتح عليه في درس ما يعمر وجوده من العلم والعمل ولو كان أمّيا، قال تعالى ﴿وٱتقوا الله ويعلّمكم الله﴾.[/rtl]
[rtl] ومنها أن يجلس بين يدي شيخه، مستوفزا متأدّبا، بسكينة ووقار، كجلوس العبد بين يدي سيّده، قال سيّدي مصطفى البكريّ[/rtl]
[rtl]]ٱإليه وٱجلسن في حضرته مثل مصلّ جالسا في هيئته[،[/rtl]
[rtl]يعني من آداب المريد مع شيخه جلوسه في حضرته مثل جلوسه في الصّلاة، كي لا تذهب حُرْمته من قلبه فيُحرم من الانتفاع بمجالسته؛ وليحذر من الإكثار من مجالسته، بل يقتصر على قدر الحاجة.[/rtl]
[rtl]وأشار بقوله يا طالبا للسّلوك إلخ أنّ هذه الآداب واجبة على القاصدين سبيل السّالكين، الرّاغبين في مقامات الأولياء والصّالحين.[/rtl]
[rtl] ومنها أن لا يجهر بالقول بحضرة شيخه، بل يخفض صوته ولو كان جهوري الصّوت ...، بحيث يكون صوت شيخه أرفع من صوته، وأصل ذلك قوله تعالى ﴿يا أيّها الّذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النّبيّ﴾الآية، لأنّ المشايخ المربّين ورثة الأنبياء والمرسلين.[/rtl]
[rtl] وكذلك إذا خاطبك فلتُطرق رأسك إذا أحببته وسارقه بالنّظر، يعني أنّه يجب على المريد أن لا يديم حدّة النّظر إلى شيخه، بل يسارقه بالنّظر، لأنّ دوام النّظر يناقض الإطراق المأمور به والخشية المقتضيين للإجلال والهيبة.[/rtl]
[rtl] ومنها أن يحكي لشيخه ما تكرّر عليه من الوَحْيَيْن، المنام والخاطر كما مرّ، ولا يكتم عنه شيئا من أحواله الحسنة أو ضدّها، قال سيّدي مصطفى البكريّ ]وعنه ما كان فلا تُخفه[، يعني أنّه لا يكتم المريد على أستاذه من أحواله كلّها شيئا ممّا يتعلّق بالطّريق وآدابه، بل يعرض جميع ذلك عليه، لأنّ الشّيخ كالطّبيب، فكما أنّ الطّبيب يجب أن يطّلع على المريض ويعلم جميع ما فيه من العلل والأمراض، ليعرف أسبابها وعلاجها على ما يُطابق الواقع في نفس الأمر، فكذلك المريد مع شيخه، يجب عليه أن لا يكتم حالا من أحواله ليكون شيخه في ذلك على بصيرة في معالجته وتطبيبه، وإن كان عارفا ذلك بدون تعريف؛ وكذلك إذا سأله شيخه عن شيء فإنّه يجب عليه أن يخبره بما هو الواقع من علم ذلك الشّيء.[/rtl]
قوله﴿ وأتيه طاهرا*وإجلس فيما يرا*وإن ناداك بادرا*له وقم ساعيا ﴾
[rtl]﴿ لا تطرق عليه باب*واجلس وراء الحجاب*واذكر جهرا لتجاب*عسى يعطف مولايا ﴾[/rtl]
[rtl]يقول رحمه الله تعالى، من آداب المريد مع شيخه الواجبة عليه أن لا يدخل عليه ولا يجلس بين يديه إلاّ على طهارة ظاهرا وباطنا، مسلما مستسلما، قال سيّدي أبو مدين رحمه الله تعالى ]ما دخلت في ابتداء أمري على شيخ حتّى أغتسل وأطهّر ثوبي وكلّ ما عليّ وأطهّر قلبي، وإن أعرض عنّي وتركني فالعيب منّي[، فإذا انبعث من الشّيخ صدق العناية وانبعث من باطن المريد صدق المحبّة، ترقّى المريد إلى مراقي القبول بدون محيد.[/rtl]
[rtl] ومنها أيضا أنّه إذا أتى شيخه، على الكيفيّة المذكورة، فليجلس بمرأى من الشّيخ كيلا يتكلّف الشّيخ بالسّؤال عنه إن احتاجه، ويكون مع ذلك ساكتا خاضعا مُطرقا رأسه كما مرّ، غير مديم النّظر لشيخه بل يسارق النّظر مسارقة، ولا يقيم قطّ بصره في بصره، لأنّ إدامة النّظر إليه تسقط هيبته فيُحرم بركته؛ وفي بعض النّسخ وٱجلس فيما لا يرى، وهو الّذي في التّحفة، فإنّه قال ]ومن الآداب أن لا يجلس في مكان حيث لا يراه الشّيخ وإذا دعاه سمعه[، ولكلّ وجهة؛ فإن استدعاه الأستاذ أجابه فورا وسعى مبادرا لما يُراد منه، من غير تراخ.[/rtl]
[rtl] ومن توجّه إلى أستاذه لغرض عناه فلا يَطرُق على شيخه باب خلوته أو داره ومنزله، وليقف خلف الباب، ووراء السّتر والحجاب، وليذكر الله تعالى جهرا، فإن سمعه وآذنه بالدّخول دخل وإلاّ انصرف، لأنّ ذلك منزّل منزلة الاستئذان، وهو من الآداب الواجبة على المريد، قال سيّدي مصطفى البكريّ [/rtl]
[rtl]]واستأذن الخادم للدّخول ترقى إلى منازل القبول[؛[/rtl]
[rtl]وإنّما كان ذلك من الآداب الواجبة مخافة أن يفاجئه ما لا يقدر على تحمّله، كما يحكى عن بعضهم ]أنّه دخل على شيخه بغير إذن فلم يره، فرجع يسأل عنه فقيل له أنّه هناك، يعني المكان الّذي لم يجده فيه، فرجع ثانيا فوجده جالسا، فابتدره الشّيخ وقال له )لا تَعُدْ لمثل هذا، فإنّي حين دخلت أوّلا كنت في طور لو دنوت منّي لاحترقت[(.[/rtl]
[rtl]والاستئذان سُنّة معلومة، وهذا الأدب غير مختصّ بالأساتذة بل هو أدب عامّ، لما فيه من حسن المؤاخاة والصّحبة.[/rtl]
[rtl]وقوله عسى يعطف مولايا تتميم، فإنّ التأدب مع المشايخ مظنة الشّفقة والرّحمة.[/rtl]
[rtl]قوله[/rtl]
[rtl]﴿ لا تذهب بلا إذنه*لا تفعل بلا أمره*واعمل بكلامه*ولو كان خاطيا ﴾[/rtl]
[rtl]﴿ لا تتثاءب يا فتى*لا تتربع قد أتى*هكذا قد ثبتا*وعن ميزانك فانيا ﴾[/rtl]
[rtl]يقول ومن الآداب اللازمة للمريد في حقّ شيخه أن لا يذهب في مذهب من المذاهب، كالسّفر ونحوه، إلاّ إذا استشار شيخه، فإنّه أوسع إطّلاعا منه.[/rtl]
[rtl]وكذلك يتعيّن على المريد أن لا يتلبّس بفعل شيء من المباحات إلاّ بعد أن يأذن له فيه الأستاذ، لأنّه لا يأذن له إلاّ فيما فيه السّداد والرّشاد؛ وأشار بقوله وٱعمل بكلامه إلى أنّ المريد يجب عليه أن يسلّم أموره كلّها لشيخه، وأن يعمل بما أراد منه الشّيخ وأشار به عليه ولو كان مخالفا بحسب الظّاهر لما هو الأنسب، فقد يحصل من الشّيخ ما ليس بمناسب حصوله منه، لكنّ الحكمة تقتضي ذلك، وهي مكنونة لا يطّلع عليها غيره؛ ولا يعترض عليه لأنّ الاعتراض يوقع في الأمراض؛ وقوله ولو كان خاطيّا، في التّعبير بلو إيماء إلى عدم وقوع الخطأ في الحقيقة، بل على سبيل الفرض والظّهور، والغرض من ذلك تحريض المريد على إتّباع شيخه وتسليم أموره إليه في كلّ حال، على أنّ وقوع ذلك من الأساتذة ليس بمُحال، لكن يحفظ الله تعالى منهم من حفّته العناية الأزليّة، وسبقت له السعادة الكلّيّة، فإنّ ماعدا الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام غير معصوم من الخطأ ونحوه.[/rtl]
[rtl] ومن آداب المريد مع شيخه أن لا يتثاءب، ولا يجلس متربّعا بحضرته، إلاّ إذا أمره الشّيخ بالجلوس متربّعا فإنّه يسوغ له حينئذ.[/rtl]
[rtl] وأشار بقوله وعن ميزانك فانيّا، إلى أنّ من جملة الآداب المتعيّنة على المريد لشيخه أن يكون بين يديه كالميّت بين يدي غاسله، كُنّيَ بالفناء عن الميزان عن تفويض الأمر إلى الشّيخ، حيث لا يختار لنفسه إلاّ ما اختاره شيخه له من أمور العبادات أو العادات، حتّى يكون في جميع حالاته كالميّت بين يدي الغاسل يقلّبه كيف شاء، لا يبدي خلافا لما أراده منه، لعدم الإرادة منه لشيء أبدا؛ وهذا الأدب هو في الحقيقة آكد الآداب جميعها، وعنه تتفرّع بقيّتها، ولكن تجب مراعاة جميع ذلك في حضوره وغيبته لمَن اعتنى بأسباب فتح بصيرتها.[/rtl]
[rtl]وأشار بقوله[/rtl]
[rtl]﴿ لا توسد وسادته*لا تطأ سجادته*وإن أعطاك ثوبه*إحذر أنت عاصيا ﴾[/rtl]
[rtl]إلى أنّ من آداب المريد مع شيخه أن لا يستعمل شيئا لأستاذه، كوسادته وسجّادته وردائه ونحو ذلك ممّا يختص به ويستعمله، لأنّ كلّ شيء له حقيقة وحال يعطيه ووارد يخفيه، وليس للمريد قوّة أستاذه، فإذا توقّى المريد استعمال شيء من مختصّات أستاذه، ظهرت له الفائدة عند إعطائه شيئا منها لتوفّر همّته عند ذلك، ولما في استعمال وسادته ووطئ سجّادته من الإشعار بعدم المبالاة بحُرمته؛ وإنّما سُمّي ما يجلس عليه سجّادة لأنّ أكثر استعمالها للصّلاة، فكانت أبلغ من غيرها في كثرة السجود عليها؛ والمراد بالوطأ القعود أو مطلق الاستعمال مجازا، من إطلاق اللاّزم وإرادة الملزوم، بل من الآداب أن لا يُوجَد المريد في مكان شيخه المعدّ له، ولا يزاحمه بمنكبه، وإذا غاب عن مكانه المخصوص به فليس لأحد أن يجلس فيه ولو كان موضع الذّكر، بل يُترك له مقدار ما يسعه، لأنّ حقيقته تحضر فيه، وقد شوهد ذلك، لكن إذا كان في الحلقة خليفته فله أن يجلس فيه، وإن تركه أدبا فلا بأس به.[/rtl]
[rtl] ومنها ما أشار إليه بقوله وإن أعطاك ثوبه إلخ، يعني أنّ الأستاذ إذا أعطاك شيئا من ملبوساته وقال [ٱلبسه]، فيلبسه فورا، لكن يجب على المريد توقير ذلك الشّيء، ويجتهد في نفسه أن يكون على أخلاق شيخه وعلى أحواله الظّاهرة والباطنة، لئلاّ يسيء الأدب مع ذلك الشّيء، لأنّ لكلّ شيء حقيقة مدركة، بدليل قوله تعالى ﴿وإن من شيء إلاّ يسبّح بحمده﴾، وحُكي ]أنّ بعض المشايخ دفع إلى مريد له ثوبا يلبسه فلبسه، وكان له جارية سوداء قد اشتراها قريب عهد، فأراد المريد أن يضاجعها، فأحسّ بشيء يتحرّك في الثّوب، فتفقّده فوجده عقربا، فأخرجه وقتله ولم يتفطّن، ثمّ عاد إلى ما أراده أوّلا فأحسّ بذلك كذلك، ففعل كالأوّل ولم يتنبّه أيضا لآداب احترام ثياب المشايخ، فعاد ثالثا لما قصده أوّلا فوقع له مثل ذلك فتنبّه ونزع الثّوب عن بدنه، وسأل الجارية عن استبرائها فأخبرته بأنّها حبلى من مولاها الأوّل، فحمد الله على ذلك التّنبّه وقام مستغفرا تائبا[، فٱنظرْ إلى بركة ذلك القميص كيف حفظ المريد من الحرام والتّنغيص؛ وقوله ٱحذرْ أنت عاصيا معناه ٱحذرْ أن تكون عاصيا فيه، فحذف أن تكون، وصلة عاصيا وهو فيه للوزن.[/rtl]
[rtl]ومنها ما أشار إليه بقوله [/rtl]
[rtl]﴿ لا تذكر بسبحته*ولا تسأم من خدمته*لا تكثر من جلوسه*ولا ظهرك مواليا ﴾[/rtl]
[rtl]يعني من الآداب اللاّزمة للمريد مع شيخه أن لا يذكر بسبحته، لما تقدّم تقريره من عدم جواز استعمال ما يختصّ به.[/rtl]
[rtl] ومنها أيضا أن لا يسأم من خدمة شيخه، بل يلازم ما أقامه شيخه فيه من مآربه، قيل ]أنّ إقامة المريد في خدمة شيخه ساعة أفضل من رياضة سنة[، والقيام بالخدمة يثمر كمال الصّحبة، ومَن صحّت له صحبة أستاذه مستحوذا عليه كلّ استحواذه فقد ظفر بالكنز العظيم، ونال السّعادة والتّكريم؛ ولا فرق بين أن يقيمه في خدمته أو خدمة داره وأهله أو خدمة الفقراء إخوانه، سفرا أو حضرا، فإنّه إنّما يستعمله فيما يراه خيرا له من كلّ وجه، وحكي عن بعضهم ]أنّ شيخه أمره بخدمة البغلة في الإصطبل فامتثل ومكث سنين، حتى دنت وفاة الشّيخ، فتطاول أكابر أصحابه للإذن لهم في الخلافة بعده، فقال الشّيخ ٱئتوني بفلان، فجيء به من الإصطبل، فأجلسه على سجّادته وقال له تكلّم على إخوانك في الطّريق، فأبدى لهم العجائب والغرائب نظما ونثرا حتى انبهرت عقول الحاضرين[.[/rtl]
[rtl] ومنها أن لا يكثر من مجالسة شيخه، لأنّها تسقط حُرمته من قلبه، وقد اتّفقت كلمتهم على ]أنّ المريد لا يترقّى إلاّ إذا لزم حُرمة الشّيخ[.[/rtl]
[rtl] ومنها أن لا يولّي ظهره للشّيخ أبدا كيما ينال فوزا أو رشدا، بمعنى أن لا يجعل شبح شيخه وراء ظهره، لأنّ ذلك ممّا يؤذن بقلّة الأدب في سرّه وجهره، إلاّ إذا كان الأمر ضروريّا لا يتأتّى إلاّ بذلك فإنّه يباح له في وقته؛ ويحتمل أن يكون المراد من قول المصنّف رحمه الله تعالى ولا ظهرك مواليا الكناية عن الإعراض عن الشّيخ والإدبار عنه، كما يقال فلان أدبر عن بحث كذا والتفت إلى بحث آخر، بمعنى أن المريد لا يجعل أستاذه كأنّه وراء ظهره، ولا يراه مشاهدا له في كلّ أحواله، بل يجعله مستقبلا له مشاهدا له كلّ أحواله، على حدّ قوله تعالى ﴿...كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون﴾، فإنّه كناية عن عدم إتّباعه والعمل بما فيه.[/rtl]
[rtl]ثمّ قال[/rtl]
[rtl]﴿ عظمن أماكنه*وتأدب كأنه*وإن أعطاك ثوبه*إياك أن تعطيا ﴾[/rtl]
[rtl]يعني أنّ المريد إذا أتى إلى مكان جلوس شيخه ولم يره جالسا كعادته فليجلس بسكينة ووقار، متخيّلا كأنّه بين يديه، تعظيما لمجلس شيخه، لأنّ بقاع العبادة ومجالس الصّالحين لها مزيد فضل على غيرها من البقاع؛ وخبر كأنّه محذوف تقديره حاضر، والمعنى أنّ المريد يتأدّب في أماكن شيخه إذا كان الشّيخ غائبا عنها كتأدّبه فيها إذا كان شيخه حاضرا.[/rtl]
[rtl] وقوله وإن أعطاك ثوبه شرط وجوابه إيّاك بحذف الفاء للوزن، والمعنى أنّ من آداب المريد مع شيخه أنّه إذا أعطاه ثوبه فلا يعطيه لأحد، لأنّه ربّما يكون طوى له فيه سرّا من الأسرار الّتي تمنحه سعادة الدّارين، وتقرّبه إلى حضرة ربّ العالمين، أو جمع له فيه جملة من أخلاق العارفين، لأنّ مقام الصّالحين يعلو عن أن تكون أفعالهم سدى، قال الشّعرانيّ رحمه الله تعالى في مدارج السّالكين ]وقد وهب بعض الأشياخ رداءه لمريده، فرآه قد مدّه وبسطه على رجليه، فقال له )يا ولدي ٱحفظ الأدب مع أثر الفقراء وعظّمه، فإنّ الله عزّ وجلّ ما جعل الرّداء للرّجلين وإنّما جعله للكتفين[(، وقد حذّر الشّيخ المصنّف رحمه الله تعالى سابقا من تلبّس المريد بالمعصية وهو لابس ثوب شيخه، فصدور المعصية من لابس ثوب شيخه أقبح وأفضع من صدورها من غير لابسه؛ وألف تُعْطِيا بدل من الهاء للقافية، والأصل تُعْطِيَه.[/rtl]
وأشار بقوله﴿ فأكرموا أولاده*وأكرموا أصحابه*وأكرموا أشياءه*لو ميتا أو حيا ﴾
[rtl]يعني أنّ من آداب المريد مع شيخه أن يعظّم أولاده وأصحابه وأتباعه، وأراد بأشيائه أدواته ممّا لا يعقل، وسواء كان الشّيخ حيّا أو ميّتا، فإنّ تعظيمهم وإكرامهم واحترامهم تعظيم للشّيخ، وترك ذلك سوء أدب، ومَن ساء أدبه مع شيخه فقد مقته الله تعالى، لأنّ الأدب مع الأستاذ هو عين الأدب مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والأدب مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو بعيْنه الأدب مع الله تعالى.[/rtl]
[rtl]ثمّ قال[/rtl]
[rtl]﴿ إلزم حبه يا مبرور*وأدخل عليه السرور*لازم كتبه والمسطور*لا تقل لما ذا يا ﴾[/rtl]
[rtl]يعني أنّ من الآداب اللاّزمة للمريدين في حقّ أساتذتهم ذوي القدم الرّصين حبّ مشايخهم، لأنّ الحبّ لكلّ المسلمين متعيّن على بعضهم البعض، ولا سيّما حبّ الأستاذ المربّي فإنّه يتأكّد تأكيدا أشدّ من غيره، لما يترتّب عليه من النّفع الدّائم الّذي لا يحصل بدونه، لأنّه الأستاذ القائم بدعوى الهداية والإرشاد، لذلك وجبت محبّة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على كلّ مؤمن، وقال عليه الصّلاة والسّلام }لا يكمل إيمان أحدكم حتّى أكون أحبّ إليه من ماله ونفسه الّتي بين جنبيه{، وقال تعالى في مدح مؤمني أهل المدينة ﴿يحبّون مَن هاجر إليهم﴾، وهو النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، لأنّ عدم حبّه صلّى الله عليه وسلّم نفاق ويُخشى مقارنته لسوء الخاتمة؛ وأمّا الحبّ الإلهي المتعلّق بذاته تعالى فقد عقد له في اﻹحياء بابا، وكذلك القشيريّ في رسالته، والإمام ٱبن عربي في فتوحاته المكيّة.[/rtl]
[rtl] وحبّ كلّ شيء بحسبه، لكن حبّ الأستاذ رأس مال المريدين، وعنوان سعادتهم على اليقين، ويتفاوتون فيه، حتّى أنّه يُحكى عن بعضهم ]أنّه رأى شيخه يشكو ألما فشكاه في الحين، ثمّ أنّ الطّبيب فصد الشّيخ فانفصد عرق المريد من نفسه بدون آلة فصد[.[/rtl]
[rtl] ومنها أن يُدْخِل عليه السّرور ما أمكن، كتبليغ سلام محبّ أو ثناء من معتقد، وإذا سمع من أحد ما يكره في حقّ شيخه فعليه ردّه ما استطاع، وأجاب عنه بالأجوبة الحسنة وأقام الدّليل والحُجّة إن كانت له قدرة على ذلك.[/rtl]
[rtl] ومنها العكوف على مطالعة تصانيف شيخه مطوّلات أو رسائل، والتّقديم لها على غيرها من التّصانيف الموضوعة في ذلك الفنّ إلاّ لضرورة، كطلب ما هو أبسط منها أو أحال الشّيخ في تأليفه عليها؛ ولا يطلب علما من أحد وشيخه يعرف ذلك العلم، فإن لم يعرفه شيخه استأذنه على مَن يأخذه، فإن قال له]c]ٱقرأ على مَن شئت، اختار مَن يعتقد في طريق القوم.[/rtl]
[rtl] ومنها أن لا يقول لشيخه لِمَ على سبيل الاستفهام، بل إن سأل شيخه عن مسألة لا يطلب ردّ الجواب، بل يذكر مسألته ويسكت ولا يعيد السّؤال، فإن أجابه شيخه فبها ونِعْمَت، وإلاّ قبَّل يده وانصرف وأعرض بقلبه عن الجواب، ولذلك قيل ]مَن قال لشيخه لِمَ ولماذا لا يُفلح أبدا[، قضيّة مسلّمة عندهم، مغايرة لطّريق غيرهم، فيجب على المريد أن لا يقول لشيخه إن نهاه لِمَ نهيت، أو إن أمره بأمر لِمَ أمرت، فمَن قال ذلك لشيخه ما ذاق في سيره إلى الله حلاوة الأسرار، ولا انجلت عن بصيرته حجب الأغيار.[/rtl]
ومنها ما أشار إليه بقوله﴿ رغب فيه كل الناس*جانب من يراه باس*لا تقطع منه إياس*واعقد فيه بالنيا ﴾
[rtl]s يقول ومن الآداب اللاّزمة للمريد مع شيخه الاجتهاد في ترغيب النّاس في الاجتماع على شيخه والانتظام في حزبه، وثمرة التّرغيب رجوع الخلق إلى الحقّ، وفي الحديث }لأن يهدي الله بك واحدا خير لك ممّا طلعت عليه الشّمس{.[/rtl]
[rtl]s ومنها أن يجانب مَن أمره الشّيخ بمُجانبته، لأنّه ما أمره بذلك إلاّ أنّه علم أنّ في مخالطته ضرر أو بأس على المأمور، وقوله باس هو المفعول الثاني ليرى، وقف عليه بالسّكون على لغة ربيعة، وليس المراد من البأس معناه الحقيقيّ بل المراد منه الذّات مبالغة كما لك علم؛ ولا يغتّر المريد بإظهار الشّيخ محبّة المأمور باجتنابه، لأنّ شأن الأساتذة الإقبال على كلّ النّاس لسعة ما هم عليه من الأخلاق المُرضية.[/rtl]
[rtl]s ومنها ما أشار له بقوله لا تقطع منه إيّاس، يعني من آداب المريد مع شيخه أن لا يملّ عن محبّته وودّه، ولا ييأس من وصله، ولو زجره شيخه أو شمته أو هجره، لأنّ المريد الصّادق في حاله لا يزعجه ذلك ولا يقطعه ويميله عن إقباله على شيخه، بل كلّما زجره شيخه أو هجره ازداد حبّا وودادا و اشتياقا وعدم إيّاس من المدد والوصول، لأنّ الأساتذة لا يفعلون مع تلامذتهم شيئا إلاّ لقصد التّأديب والتّقريب إلى مرضاة الله تعالى، إذ لا غرض لهم نفسانيّ في شيء من الأشياء الكونيّة، بل لا يتلبّسون إلاّ بما هو متعيّن عليهم بالوجوب، ليرجع المريد عن زلّته ويتوب، فليس للمريد أن ييأس من وصل شيخه ولو زجره أو شتمه بكلام غليظ، ولو بملأ من النّاس، لأنّ دعاء الشّيخ على المريد حالة تأديبه ينال به سعادة تقريبه، وربّما أنّهم يمتحنون بذلك الصّدق والإخلاص، وذلك لأنّ المريد إذا تخلّص من رعونات نفسه وفني عنها، لا يتغيّر من كلمة أو كلمات من أحد أبدا، فضلا عن شيخه الّذي يبغي منه مدده.[/rtl]
[rtl]s ومنها ما أشار له بقوله واعقـدْ فيه بالنّيّا، يعني من جملة الآداب أن يعتقد المريد أنّ شيخه أكمل أهل عصره، وأحسن أهل مصره، وذلك ليصحّ له فيه كمال النّيّة والاعتقاد، والإقتداء به في كلّ حالاته بدون ترداد، إذ لو لم ينو فيه ذلك لما اتجه له منه ا