| قصة سيدنا مُحَمّد عليه الصلاة والسلام كاملة | |
|
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
المحبة للمصطفى المدير العام
عدد المساهمات : 5852 نقاط : 34110 التفاعل مع الاعضاء : 15 تاريخ التسجيل : 18/09/2010 العمر : 75 الموقع : النور المحمدى
| موضوع: رد: قصة سيدنا مُحَمّد عليه الصلاة والسلام كاملة الأحد سبتمبر 19, 2010 3:27 am | |
| الفصل السادس
الإسراء والمعراج ها هي البشارات تتوالى، والانتصارات تتعاقب في دأب شديد! ولئن بدا الرسول *صلي الله عليه وسلم* مهزومًا في عالم الشهادة، فلقد غدا منصورًا في عالم الغيب، الجن تؤمن به *في رحلة العودة من الطائف* حين كفر الناس، وأبواب السماء تفتح له، حين أغلقت في وجهه أبواب الأرض. أسري برسول الله *صلي الله عليه وسلم* بجسده من المسجد الحرام إلي بيت المقدس، راكبًا علي البراق، بصحبة جبريل *عليه السلام*، وبالمسجد الأقصى حيث أبناء إبراهيم من ولده إسحاق *عليهم السلام*، صلي مُحَمّد بالأنبياء إمامًا وكأن ذلك إيذان بانتقال النبوة من ولد إسحاق إلي ولد إسماعيل *عليهما وعلي أبيهما السلام*، ثم عرج به *صلي الله عليه وسلم* إلي السماوات العلا حيث توالت>رؤيته للآيات العجيبة، وأمام ربه *عز وجل* كان فرض الصلوات الخمس، فلما أصبح رسول الله *صلي الله عليه وسلم* في قومه أخبرهم بما أراه الله *عز وجل*، فكذبوه وآذوه، فساق لهم من دلائل صدقه ما يقنع عقولهم السقيمة، غير أنها لا تعمي الأبصار، ولكن تعمي القلوب التي في الصدور. فرض الصلوات الخمس خمسون صلاة في كل يوم وليلة هي ما فرضها الله *سبحانه وتعالي* علي سيد الأنبياء في رحلة المعراج، لكنه *صلي الله عليه وسلم* حين مر بموسى *عليه السلام* أشار إليه أن يرجع إلي ربه ويسأله التخفيف لأمته، ففعل ووضع عنه ربه عشرًا، ولم يزل مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* يتردد بين موسى *عليه السلام* الناصح بالتخفيف وربه تبارك وتعالي، حتى صارت الصلوات خمسًا، وعندها أجاب *صلي الله عليه وسلم* موسى الناصح بمزيد من التخفيف: قد استحييت من ربي، ولكني أرضي وأسلم، فلما بعد نادي منادٍ: قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي. ما رآه مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* من الآيات وجب علي الأنبياء حمل ما لم يحمل به غيرهم، ولذا فقد حق لهم أن يصلوا إلي يقين لا يلزم غيرهم، ولأن الخبر ليس كالمعاينة، فقد عاين الأنبياء من الآيات العجيبة ما جعل الدنيا بأسرها تدنو في أعينهم عن جناح بعوضة، وما جعلهم يستعذبون في سبيل حمل الرسالة ما يمر عليهم من المحن والعذاب. وفي رحلة المعراج رأي مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* من الآيات العجيبة ما ثبت فؤاده، وملأ قلبه يقينًا، ففي السماء الدنيا رأي آدم *عليه السلام*، ورأي أرواح الشهداء عن يمينه وأرواح الأشقياء عن يساره، وفي السماء الثانية رأي عيسي ويحيي *عليهما السلام*، وفي السماء الثالثة رأي يوسف *عليه السلام*، وفي السماء الرابعة رأي إدريس *عليه السلام*، وفي الخامسة رأي هارون *عليه السلام*، ورأي أخاه موسى*عليه السلام* في السادسة، ولما انتهي إلي السماء السابعة لقي إبراهيم *عليه السلام*، وكان كلما رأي نبيًا سلم عليه ذلك النبي ورحب به، وأقر بنبوته، ثم عرج به إلي الجبار* جل جلاله*، فدنا منه حتى كان قاب قوسين أو أدني، وفي هذه الرحلة تكررت له *صلي الله عليه وسلم* حادثة شق الصدر، وعرض عليه اللبن والخمر فاختار اللبن، ورأي أربعة أنهار في الجنة، نهرين ظاهرين وهما: النيل والفرات، ونهرين باطنين، ورأي مالك خازن النار، كما رأي الجنة والنار، ورأي أكلة مال اليتامى لهم مشافر كمشافر الإبل، يقذفون بقطع من النار في أفواههم فتخرج من أدبارهم، ورأي أكلة الربا لهم بطون كبيرة لا يقدرون بسببها علي الحركة، ويطؤهم آل فرعون حين يعرضون علي النار، ورأي الزناة يأكلون اللحم الغث المنتن، ويتركون السمين الطيب إلي جنبه، ورأي النساء اللاتي يدخلن علي أزواجهن من ليس من أولادهم معلقات من أثدائهن، وقد قص مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* علي أهل مكة حين أصبح خبر رحلته فصدقه من شاء الله له أن يصدق، وكذبه من صرف عن رؤية الحق رغم دلائل صدقه التي ساقها لهم النبي. دلائل صدقه من آمن بالإسلام كله لايكذبه لبعضه، ومن عرف مُحَمّدا *صلي الله عليه وسلم* آمن بصدقه كيفما حدَّث، هاتان الحقيقتان البسيطتان هما اللتان نطق بهما لسان أبي بكر بسهولة ويسر: لئن كان قاله، لقد صدق، فوالله إنه ليخبرني إن الخبر ليأتيه من السماء إلي الأرض في ساعة من ليل أو نهار فأصدقه، فهذا أبعد مما تعجبون منه!، ولأن العقول والقلوب ليست كلها كعقل أبي بكر وقلبه، شاء الله أن يؤتي مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* أدلة دامغة لمن أراد أن يمعن النظر، فقد سأله الناس أن يصف لهم بيت المقدس، فجلاه الله له حتى عاينه، وطفق يخبرهم عن آياته، ولا يستطيعون أن يردوا عليه شيئًا، وأخبرهم عن عيرهم في مسراه ورجوعه، وأخبرهم عن وقت قدومها، وعن البعير الذي يقدمها، وعن بعير شرد لهم فدلهم عليه، وعن ماء كان لهم مغطي فشربه ثم تركه مغطي كما كان ليكون لهم آية، لكن أني لمن لم يصدع قلبه لآيات القرآن أن تهتز شعرة من رأسه لحديث النبي الصادق؟!.
يتبع | |
|
| |
المحبة للمصطفى المدير العام
عدد المساهمات : 5852 نقاط : 34110 التفاعل مع الاعضاء : 15 تاريخ التسجيل : 18/09/2010 العمر : 75 الموقع : النور المحمدى
| موضوع: رد: قصة سيدنا مُحَمّد عليه الصلاة والسلام كاملة الأحد سبتمبر 19, 2010 3:28 am | |
| بيعة العقبة الأولى
إن النبتة التي غرسها رسول الله *صلي الله عليه وسلم* بيده في موسم الحج في السنة الحادية عشرة للنبوة، قد اشتد عودها، حتى جاء في الموسم التالي اثنا عشر رجلاً، خمسة من الستة الذين قابلوه في العام الماضي، وسبعة جدد، جاءوا يبايعون الرسول *صلي الله عليه وسلم* عند العقبة بمني، بيعة كبيعة النساء يوم فتح مكة *أي علي الإيمان والطاعة*، دون حرب أو قتال، وقد بعث النبي *صلي الله عليه وسلم* معهم شابًا من السابقين إلي الإسلام هو مصعب بن عمير العبدري؛ ليعلم من أسلم بيثرب شئون دينهم، ويدعو بها من لم يسلم بعد، وقد بارك الله في سفارة مصعب، وكان يعرف بالمقرئ، وآمن بدعوته أسيد بن حضير، وسعد بن معاذ سيدا قومهما من بني عبد الأشهل، وقصة إسلامهما تنبئ بحكمة مصعب ودماثة خلقه، وقد أقام مصعب في دار أسعد بن زرارة يقوم بما انتدب له بجد وحماس حتى لم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون، إلا ما كان من دار أمية بن زيد، وخطمة، ووائل، فقد وقف بهم عن الإسلام قيس بن الأسلت الشاعر حتى عام الخندق العام الخامس للهجرة. ولم يأت العام المقبل: العام الثالث عشر للنبوة إلا ومصعب قد عاد إلي مكة، يزف إلي رسول الله *صلي الله عليه وسلم* بشائر الفوز، وبوارق الأمل، في قبائل يثرب، وما بها من خير ومنعة. بيعة العقبة الثانية: الله أكبر!! موسم الحجيج للعام الثالث عشر من النبوة يسفر عن غرس مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* وقد استغلظ واستوي علي سوقه، وفد يثرب يقدم قاصدًا مكة وبين صفوفه ثلاثة وسبعون رجلاً وامرأتان ممن أسلم وآمن بالدين الجديد، لا ينهزهم إلا شوقهم للقيا نبي الله *صلي الله عليه وسلم*، ومبايعته علي النصرة وتحت جناح الليل، وبعد مضي ثلثه الأول، كان التسلل خفية، للقاء الموعود، عند العقبة حيث الجمرة الأولي من مني، حسب الاتفاق المضروب، وبينا هم كذلك إذ طلع عليهم رسول الله *صلي الله عليه وسلم* ومعه العباس عمه *وهو بعد علي دين قومه*، أما أبو بكر وعلي فقد وقف كل منهما عينًا علي الطريق؛ لحراسة الاجتماع السري، وقبل أن يسرد النبي *صلي الله عليه وسلم* بنود البيعة أكد العباس علي خطورتها، وبعد أن سردها فقد كرر التأكيد علي خطورة البيعة، الأنصاريان السابقان: العباس بن عبادة، وأسعد بن زرارة، لكن الأنصار الذين عرف الإسلام طريقه إلي قلوبهم، ما كادوا يستمعون إلي قولهما حتى بادروا إلي مصافحة رسول الله *صلي الله عليه وسلم* قائلين: والله لا نذر هذه البيعة، ولا نستقيلها. وبعد أن تمت البيعة، قام الأنصار تنفيذًا لطلب رسول الله *صلي الله عليه وسلم* باختيار اثني عشر نقيبًا، حتى إذا تمت البيعة، اكتشف شيطان المعاهدة فصاح علي قريش يستفزهم، وسعت قريش لمطاردة المبايعين؛ لقتل حركة تعلم جيدًا شدة خطورتها، لكن الله سترهم، ولم تظفر قريش إلا بسعد بن عبادة الذي أجاره المطعم بن عدي، والحارث بن حرب بن أمية، فعاد سالمًا إلي ركبه، وعاد الجمع الميمون إلي المدينة ينشرون دعوة الله، ويهيئون يثرب لإقامة دولة الإسلام الأولي في الأرض، ويستعدون لاستقبال المهاجرين، ونبيهم *صلي الله عليه وسلم*. بنود البيعة: كانت بيعة العقبة الأولي علي الإيمان والطاعة، أما هذه البيعة فقد كانت علي الجهاد والقتال كذلك، وقد جمع رسول الله *صلي الله عليه وسلم* بنود هذه البيعة في نقاط خمس: 1) الأولى : السمع والطاعة في النشاط والكسل 2) الثانية : النفقة في اليسر والعسر 3) الثالثة : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 4) الرابعة: أن يقوموا في سبيل الله لا تأخذهم في الله لومة لائم 5) الخامسة: أن ينصروا رسول الله *صلي الله عليه وسلم* إذا قدم إليهم، ويمنعونه مما يمنعون منه أنفسهم، وأزواجهم، وأبناءهم.وواضح من هذه البنود الخمسة أن الإسلام لم يعد عقيدة تسكن أفئدتهم فحسب، بل صار دعوة، وحركة، وجهادًا، وتضحية، تكلفهم أرواحهم ودماءهم في بعض الأحيان، أما وعد النبي *صلي الله عليه وسلم* إن هم وفوا بما عليهم، فلم يكن النصر في الدنيا ولا الغلبة علي أعدائهم، كما لم يكن متاعًا أو جاهًا يتنعمون به إنما كان الجنة، والجنة فحسب. وقد سأل أبو الهيثم بن التيهان رسول الله *صلي الله عليه وسلم* قائلاً: يا رسول الله، إن بيننا وبين الرجال حبالاً، وإنا قاطعوها *يعني اليهود*، فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك، ثم أظهرك الله أن ترجع إلي قومك وتدعنا؟، فتبسم رسول الله *صلي الله عليه وسلم* ثم قال: بل الدم الدم، والهدم الهدم، أنا منكم وأنتم مني، أحارب من حاربتم، وأسالم من سالمتم. وعلي شدة وضوح الخطورة في بنود هذه البيعة، إلا أنه تم التأكيد علي خطورتها من الحاضرين ليبايع من أراد وهو علي بينة من أمره. التأكيد على خطورة البيعة أن يبايع المرء علي الدفاع عن دعوة جندها الفقراء والمستضعفون، وأعداؤها كل ذي سطوة وقوة علي ظهر الأرض ليس بالأمر اليسير، وخير للمرء أن يعتذر بأدب في أول الدرب علي أن ينكص علي عقبيه بعد أن يحاط بالجمع الغفير!. لهذا الأمر بدأ العباس عم النبي *صلي الله عليه وسلم* الحديث مع الأنصار قائلاً بقوة ووضوح: يا معشر الخزرج، إن مُحَمّدا منا حيث قد علمتم، وقد منعناه من قومنا ممن هو علي مثل رأينا فيه، فهو في عز من قومه، ومنعة في بلده، وإنه قد أبي إلا الانحياز إليكم، واللحوق بكم، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه، ومانعوه ممن خالفه، فأنتم وما تحملتم من ذلك، وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم فمن الآن فدعوه، فإنه في عزة ومنعة من قومه وبلده. والحق أن العباس قد أوضح الأمر بجلاء ويسر، فما كان من كعب بن مالك إلا أن طلب من رسول الله *صلي الله عليه وسلم* أن يسرد بنود بيعته حتى يبايعوه عليها، فقال: قد سمعنا ما قلت، فتكلم يا رسول الله، فخذ لنفسك ولربك ما أحببت! فسرد النبي *صلي الله عليه وسلم* بنود بيعته؛ ليبايعوه، لكن العباس بن عبادة أسرع ليؤكد للقوم خطورة ما أقدموا عليه فقال: إنكم تبايعونه علي حرب الأحمر والأسود من الناس، فإن كنتم ترون أنكم إذا نهكت أموالكم مصيبة، وأشرافكم قتلاً أسلمتموه، فمن الآن، فهو والله إن فعلتم خزي الدنيا والآخرة، وإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه علي نهكة الأموال وقتل الأشراف فخذوه، فهو والله خير الدنيا والآخرة، فقالت الأنصار: لرسول الله *صلي الله عليه وسلم*: ابسط يدك. لكن أسعد بن زرارة أخذ بيده *صلي الله عليه وسلم* قائلاً: رويدًا يا أهل يثرب! إنا لم نضرب إليه أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله، وأن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة،وقتل خياركم، وأن تعضكم السيوف، فإما أنتم تصبرون علي ذلك فخذوه وأجركم علي الله،وإما أنتم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه فهو أعذر لكم عند الله. لكن الأنصار صاحوا بأسعد في ثبات ويقين: يا أسعد، أمط عنا يدك، فوالله لا نذر هذه البيعة ولا نستقيلها. فكانت البيعة.
يتبع | |
|
| |
المحبة للمصطفى المدير العام
عدد المساهمات : 5852 نقاط : 34110 التفاعل مع الاعضاء : 15 تاريخ التسجيل : 18/09/2010 العمر : 75 الموقع : النور المحمدى
| موضوع: رد: قصة سيدنا مُحَمّد عليه الصلاة والسلام كاملة الأحد سبتمبر 19, 2010 3:30 am | |
| اختيار النقباء
ما أروع الإسلام حين تدب في نصوصه الحياة فتسعي في الأرض تنظم للمسلمين شئونهم، يقرر الإسلام مبدأ الشورى، ثم تأتي بيعة العقبة الثانية ليتجلى هذا المبدأ في أبهى صوره، رسول الله لا ينتقي -وهو النبي المعصوم- منهم أحدًا، إنما يكل الأمر إليهم قائلاً: أخرجوا إلي منكم اثني عشر نقيبًا؛ ليكونوا علي قومكم بما فيهم. أما الأنصار فيعلمون أنهم جميعًا أمام شرع الله سواء، من آمن في العام الحادي عشر، ومن بايع بيعة العقبة الأولي، ومن لم يمض علي بيعته سوي لحظات، الجميع سواسية، لهم نفس الحق، وعليهم ذات الواجب، وفي الحال تم انتخاب تسعة نقباء من الخزرج، وثلاثة من الأوس، ثم أخذ عليهم النبي -صلي الله عليه وسلم- ميثاقًا آخر بصفتهم الرئاسية قائلاً: أنتم علي قومكم بما فيهم كفلاء ككفالة الحواريين لعيسي بن مريم، وأنا كفيل علي قومي -يعني المسلمين-، فقالوا: نعم!. ويا لها من عظمة نبوية جليلة حين أعلن مُحَمّد -صلي الله عليه وسلم- التكافؤ في المسئولية بينه وبين النقباء الجدد في قوله: وأنا كفيل علي قومي.
اكتشاف قريش للبيعة ومطاردة المبايعين"يا أهل الأخاشب، هل لكم في مُحَمّد والصباة معه قد اجتمعوا علي حربكم؟". انطلقت هذه الصيحة، بأنفذ صوت سمع قط، من فوق مرتفع من الأرض، في اللحظات الأخيرة للبيعة؛ لتصل إلي سمع كل قرشي بمني، وعرف النبي -صلي الله عليه وسلم- صاحب الصيحة فقال: هذا أزب العقبة -وهو شيطان-، أما والله يا عدو الله لأتفرغن لك. ثم أمر الأنصار أن يسارعوا إلي رحالهم، ولعل هذه الصيحة كانت أول اختيار وأسرعه لصدق الأنصار في بيعتهم، فقد أسرعوا بوضع أيديهم علي مقابض السيوف قائلين: لئن شئت يا رسول الله لنميلن غدًا علي أهل مني بأسيافنا؛ لكنه -صلي الله عليه وسلم- أبي أن يعجل بمعركة يكون ثمنها أرواح المسلمين، ودماءهم دون نفع أو جدوى فقال لهم: لم نؤمر بذلك، ولكن ارجعوا إلي رحالكم؛ فرجعوا وناموا حتى أصبحوا، وظلت كلماته -صلي الله عليه وسلم-: "لم نؤمر بذلك" درسًا معلقًا بأذهانهم يتعلمون منه التخلي عن تهور الجاهلية وطيشها، وإعلاء مصلحة دين الله فوق كل مصلحة، والاحتكام الدائم إلي شرع الله تعالي، فلا تكون حركة إلا بأمر أو إجازة من الله ورسوله. مطاردة المبايعين: مادت الأرض تحت أقدام قريش وطاشت عقولهم، إن مُحَمّدا قد أعجزهم وهو الضعيف بمكة، فكيف يصنع وكيف يصنعون إن وجد لدعوته حصنًا بيثرب؟! إنها نهاية قريش إذن، والواجب عليهم أن يبادروا الحركة الوليدة في مهدها قبل أن يشتد عودها، وينتشر خطرها، ذهب زعماء مكة إلي مخيم يثرب قائلين: يا معشر الخزرج إنه قد بلغنا أنكم قد جئتم إلي صاحبنا هذا تستخرجونه من بين أظهرنا، وتبايعونه علي حربنا، وإنا والله ما من حي من العرب أبغض إلينا من أن تنشب الحرب بيننا وبينكم، وبقدر ما اشتمل قولهم هذا علي التهديد والوعيد بقدر ما اكتسي بحلة الرقة والملاطفة، لكن مشركي يثرب ما كان لهم علم بما صنعه أهلوهم من المسلمين، فأخذوا يقسمون لهم أن حلفًا بينهم وبين مُحَمّد ما وقع، وما كان له أن يقع، وما زالوا بهم حتى أقنعوهم بكذب هذا الخبر. انصرفت قريش وهي لا تشك في صدقهم، ثم إنهم لم يزالوا يبحثون ويتحرون عن الأمر حتى تأكد لهم أن الخبر صحيح، والبيعة قد تمت فعلاً، فهموا بمطاردة اليثربيين، لكن بعد فوات الأوان، إذ كانوا قد انصرفوا إلي أوطانهم، فلم يدركوا منهم إلا سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو فطاردوهما، وأفلت المنذر منهم فلم يظفروا إلا بسعد بن عبادة الذي أخذوا يضربونه ويجرون شعره حتى أدخلوه مكة، وما أنقذه من أيديهم إلا المطعم بن عدي والحارث بن حرب بن أمية، فقد كان سعد يجير لهما قوافلهما المارة بالمدينة، ولحق سعد بإخوانه، فعاد الركب المبارك آمنًا إلي المدينة.
يتبع | |
|
| |
المحبة للمصطفى المدير العام
عدد المساهمات : 5852 نقاط : 34110 التفاعل مع الاعضاء : 15 تاريخ التسجيل : 18/09/2010 العمر : 75 الموقع : النور المحمدى
| موضوع: رد: قصة سيدنا مُحَمّد عليه الصلاة والسلام كاملة الأحد سبتمبر 19, 2010 3:31 am | |
| الفصل السابع
الهجرة إلى يثرب ومؤامرة قريش
كانت بيعة العقبة الثانية أخطر انتصار حققته الدعوة منذ ولادتها، فقد صار لها اليوم حصن ووطن، وسط صحراء العرب الواسعة، وكما أدرك هذا رسول الله *صلي الله عليه وسلم* فأسرع في إرسال المسلمين إلي يثرب ليبادروا إلي تأسيس المجتمع الجديد بها، فإن قريشًا قد انتبهت لذلك أيضًا، فأخذت تحول بينهم وبين الهجرة، وفي ظل هذا المناخ القلق كان المسلمون يلوذون فرارًا إلي يثرب، لا يحملون معهم سوي إيمانهم بالله ويقينهم به، مخلفين وراءهم بيوتهم وأموالهم، وتجارتهم ومصالحهم، بل بعض أهليهم في العديد من الأحيان. وإن هجرة كهجرة أبي سلمة وزوجته، وكهجرة صهيب الرومي، أو هجرة عياش بن أبي ربيعة، لتوضح لنا ما كان المسلمون يلاقونه من كيد قريش حتى يمنعوهم من الهجرة، لكن عناية الله ورحمته حالت دونهم وما يبغون، فما مضي بعد بيعة العقبة إلا شهران وبضعة أيام حتى لم يبق بمكة من المسلمين إلا رسول الله، وأبو بكر، وعلي *أقاما بأمره لهما*، ومن احتبسه المشركون كرهًا. مؤامرة قريش إن الخطر الذي كانت تراه قريش بعقلها حين تفكر في أمر هذه الدعوة قد أخذ يتجسد الآن بعد هجرة المسلمين إلي يثرب، حتى صارت تراه حقيقة بعيونها المندهشة!، ولئن هي صبرت علي مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* دون أن تغمد في صدره سيفها فيما مضي احترامًا لأبي طالب، أو إبقاءً علي ود بني هاشم، أو إجلالاً لجوار المطعم بن عدي، فإن ما يحدث بيثرب الآن يدفعها دفعًا؛ لتجهز علي هذا النبي قبل أن يلحق بأتباعه، فلا تستطيع رد سهم قد نفذ. واجتمعت في دار الندوة في السادس والعشرين من صفر سنة أربع عشرة من البعثة وجوه قريش الممثلة لكافة بطونها، وظلوا يتدارسون بينهم خطة الإجهاز علي نبي الله *صلي الله عليه وسلم* وانتهت المشاورة إلي أخبث خطة لقتل من أرسل رحمة للعالمين... مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم*. المشاورة: بين جدران دار الندوة كانت المؤامرة تحاك خيوطها، والجريمة البشعة ترسم خطواتها، ولئن بدأ إخوة يوسف بالقتل حين أرادوا الوقيعة به ثم انتهوا إلي النفي لصلاح بقي في قلوبهم، فإن قلوب وجوه قريش المظلمة، وعقولهم الصدئة قد أبت إلا تنكب هذا الطريق، بدأت آراؤهم بقول ابن الأسود: نخرجه من بين أظهرنا، وننفيه من بلادنا، ولا نبالي أين ذهب، ولا حيث وقع، فقد أصلحنا أمرنا وألفتنا كما كانت. ثم عرجت آراؤهم إلي قول البختري: احبسوه في الحديد، وأغلقوا عليه بابًا، ثم تربصوا به ما أصاب أمثاله من الشعراء الذين كانوا قبله *زهير والنابغة* ومن مضي منهم من هذا الموت، حتى يصيبه ما أصابهم. لكن حظ هذا الرأي من القبول لم يزد عن سابقه، ثم انتهوا إلي رأي أبي جهل بن هشام الذي قال لهم: والله إن لي فيه رأيًا ما أراكم وقعتم عليه بعد!، أري أن نأخذ من كل قبيلة فتي شابًا جليدًا نسيبًا وسيطًا فينا، ثم نعطي كل فتي منهم سيفًا صارمًا، ثم يعمدوا إليه، فيضربوه بها ضربة رجل واحد، فيقتلوه فنستريح منه، فإنهم إذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعًا فلم يقدر بنو عبد مناف علي حرب قومهم جميعًا، فرضوا منا بالدية فأديناها لهم. ووافق المتآمرون علي هذا الاقتراح الآثم بالإجماع، ورجعوا إلي بيوتهم، وقد ظنوا أنهم سينفذونه. أسماء المؤتمرين: كان المؤتمرون في هذا اليوم يمثلون وجوه قريش وبطونها، فعن قبيلة بني مخزوم كان أبو جهل بن هشام، وعن بني نوفل بن عبد مناف كان جبير بن مطعم وطعيمة بن عدي، وعن بني عبد شمس بن عبد مناف كان شيبة وعتبة ابنا ربيعة وأبو سفيان بن حرب، وعن بني عبدالدار كان النضر بن الحارث، وعن بني أسد بن عبدالعزي كان أبو البختري بن هشام وزمعة بن الأسود وحكيم بن حزام، وعن بني سهم كان نبيه ومنبه ابنا الحجاج، وعن بني جمح كان أمية بن خلف، وعند مجيئهم إلي دار الندوة اعترضهم إبليس في هيئة شيخ جليل، فقالوا له: من الشيخ؟، فأجابهم: شيخ من أهل نجد، سمع بالذي اتعدتم له، فحضر معكم ليسمع ما تقولون، وعسي ألا يعدمكم منه رأيًا ونصحًا؛ فأدخلوه معهم، وهكذا اجتمع إبليس الجن مع أبالسة الإنس علي كيد النبي *صلي الله عليه وسلم* والله بما يعملون محيط
يتبع | |
|
| |
المحبة للمصطفى المدير العام
عدد المساهمات : 5852 نقاط : 34110 التفاعل مع الاعضاء : 15 تاريخ التسجيل : 18/09/2010 العمر : 75 الموقع : النور المحمدى
| موضوع: رد: قصة سيدنا مُحَمّد عليه الصلاة والسلام كاملة الأحد سبتمبر 19, 2010 3:32 am | |
| هجرة النبي *صلي الله عليه وسلم*
"علي رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي". هكذا كانت إجابة النبي *صلي الله عليه وسلم* لأبي بكر حين تجهز للهجرة إلي المدينة، وما إن علم الصديق بذلك حتى حبس نفسه علي رسول الله *صلي الله عليه وسلم*، ليصحبه، وعلف راحلتين بذلك استعدادًا للهجرة المرتقبة، وفي السابع والعشرين من صفر للسنة الرابعة عشرة من النبوة جاء الأمر بالهجرة من الله *عز وجل* إلي رسوله الكريم، فانطلق في الظهيرة إلي صاحبه أبي بكر، متقنعًا؛ ليخبره الخبر، ثم رجع *صلي الله عليه وسلم* بعد أن أبرم الخطة مع صديقه إلي بيته ينتظر مجيئ الليل، أما مشركو مكة فقد تعجلوا تنفيذ مؤامرتهم الدنيئة، وقاموا بتطويق المنزل، حتى يغمدوا في صدره الشريف سيوفهم إذا أرخي الليل أستاره، لكن رافع السماوات بغير عمد، مالك الملك، ومدبر الأمر *سبحانه وتعالي*، جرت مشيئته بأن يغادر الرسول بيته، ثم يلحق بأبي بكر؛ ليتحركا إلي غار ثور، وفي الغار كان اختباؤهما عن عيون قريش، التي جن جنونها، وأسرعت في مطاردة الرسول *صلي الله عليه وسلم*، ولما أعجزها الطلب، رصدت مكافأة ضخمة لمن يأتي لها بالمهاجرين حيين أو ميتين، فاجتمع عليه *صلي الله عليه وسلم* مع مطاردة قريش مطاردة سراقة بن مالك أيضًا. ومضي النبي *صلي الله عليه وسلم* في حماية ربه وأمنه قدمًا في الطريق إلي المدينة، وجرت له بها أحداث عديدة، منها: نزوله *صلي الله عليه وسلم* وأبي بكر في خيمة أم معبد، التي هنئت بمقدمه المبارك، ومازال الرسول *صلي الله عليه وسلم* يتقدم في مسيره حتى نزل بقباء، ثم دخل المدينة التي طال اشتياق أهلها لمجيئه وإقامته بها، وبعد أيام من وصوله لحق به أهله *صلي الله عليه وسلم* وأهل أبي بكر، ثم كانت هجرة علي *كرم الله وجهه*. الأمر بالهجرة نزل جبريل الأمين *عليه السلام* إلي النبي يخبره بمؤامرة قريش، وأن الله قد أذن له في الهجرة، ويحدد له وقت الهجرة في قوله: لا تبت هذه الليلة علي فراشك الذي كنت تبيت عليه. ومن فوره ذهب الرسول *صلي الله عليه وسلم* في حر الظهيرة إلي أبي بكر متقنعًا، فعلم الصديق أن نبيه لم يأت في هذه الساعة إلا لأمر قد حدث، واستأذن رسول الله *صلي الله عليه وسلم* ثم دخل علي أبي بكر *رضي الله عنه* قائلاً: إني قد أذن لي في الخروج، فأجابه الصديق: الصحبة بأبي أنت يا رسول الله؟! فقال *صلي الله عليه وسلم*: نعم. وعاد النبي *صلي الله عليه وسلم* إلي بيته مترقبًا مجيء ليل، ينتظره معه صناديد قريش!. تطويق المنزل أمضي كبراء قريش *بل سفهاؤها* نهارهم في الإعداد لمعركتهم الكبرى والتي سيواجهون فيها بشجاعة رجلاً أعزل ينام هادئًا في فراشه البسيط!! وبسخرية شديدة أبدي أبو جهل دهشته المتعالية من أمر النبي *صلي الله عليه وسلم* حين وقف مع جمعه الفتي محاصرًا بيت النبوة غير شاك من نفاذ أمره قائلاً: إن مُحَمّدا يزعم أنكم إن تابعتموه علي أمره كنتم ملوك العرب والعجم، ثم بعثتم من بعد موتكم، فجعلت لكم جنان كجنان الأردن، وإن لم تفعلوا كان له فيكم ذبح، ثم بعثتم من بعد موتكم ثم جعلت لكم نارٌ تحرقون فيها. ولا شك أن سخريةً ودهشةً هما أكبر من سخرية أبي جهل ودهشته ستكون من نصيبنا نحن!! نحن الذين نطالع الآن هذا الحدث، ونحن نعلم كيف سيخيب أبو جهل وفريقه، وكيف سيخرج النبي *صلي الله عليه وسلم* من بينهم سالمًا، وكيف سيكون له فيهم ذبح، ويكون لأتباعه من بعده ملك العرب والعجم، أما السخرية فمن موقفه المتعالي ذاك، وأما الدهشة فمما نعلمه من إصراره علي مضيه في طريقه بعد ظفره من هذا الحصار بخفي حنين الشهيرين!. الرسول يغادر بيته مر رجل مشرك ببيت مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* ليلاً فرأي أمرًا عجبًا، سادة قريش وكبراؤها ينامون حول باب البيت ورؤوسهم مغطاة بالتراب!! وبدهشة قد خالطتها السخرية أيقظهم متسائلاً: ماذا تنتظرون؟، فأجابوه بثقة الأغبياء: مُحَمّدا. أما مُحَمّد الذي ينتظرونه فإنه قد خرج من بين صفوفهم المتراصة، بعد أن جعل عليًا مكانه في الفراش، وغطاه ببردته، وأخذ حفنة من التراب وجعل يذرها علي رؤوسهم، وهو يتلو: (وجعلنا من بين أيديهم سدًا ومن خلفهم سدًا فأغشيناهم فهم لا يبصرون)، وأفاق مشركو مكة علي كلمات الرجل، التي ألقاها في وجوههم وهو يتولى عنهم متعجبًا قائلاً: خبتم وخسرتم، فو الله مر بكم، وذر علي رؤوسكم التراب، وانطلق لحاجته، لكن النومى المعاندين نفضوا عن رؤوسهم التراب، وتطلعوا من صير الباب، فرأوا عليًا، فطمأن بعضهم بعضًا قائلين: والله إن هذا لمُحَمّد نائم، عليه برده. فبقوا في أماكنهم متيقظين متنبهين حتى استيقظ علي وقام عن فراشه، فطاش صوابهم، وسألوه عن النبي *صلي الله عليه وسلم* فقال ببساطة: لا علم لي به!.
يتبع | |
|
| |
المحبة للمصطفى المدير العام
عدد المساهمات : 5852 نقاط : 34110 التفاعل مع الاعضاء : 15 تاريخ التسجيل : 18/09/2010 العمر : 75 الموقع : النور المحمدى
| موضوع: رد: قصة سيدنا مُحَمّد عليه الصلاة والسلام كاملة الأحد سبتمبر 19, 2010 3:33 am | |
| من الدار إلى الغار ومطاردة الرسول
بينا الليل قد أرخي ستاره علي مكة في ليلة السابع والعشرين من شهر صفر للسنة الرابعة عشرة لبعثته *صلي الله عليه وسلم* إذ سمع أبو بكر الصديق من يطرق بابه، وعلي الفور استقبل الصديق زائره المرتقب مُحَمّدا *صلي الله عليه وسلم*، وأسرع خارجًا معه من باب خلفي بالدار، وعلي عكس المتوقع، اتجه النبي *صلي الله عليه وسلم* وصاحبه جنوبًا باتجاه اليمن، وأخذ يجدُّ وصاحبه في السير خمسة أميال حتى وصلا إلي جبل شامخ، وعر الطريق، صعب المرتقي، ذي أحجار كثيرة، يعرف بجبل ثور، فتسلقاه إلي أن انتهيا إلي غار في قمة الجبل، عرف بغار ثور فدخلاه. في الغار لا شك أن تاريخ الإنسان علي الأرض سيظل يحفظ في ذاكرته هذا المشهد باعتزاز وتقدير! نبي كريم يحمل النور للبشرية يقبع في غار مظلم، وقد أجهده السير، فوضع رأسه في حجر صاحبه، ثم نام لكنه الآن ينتبه، وما أيقظه إلا دموع صاحبه التي انحدرت رغمًا عنه فوقعت علي وجهه الشريف، ويسائل مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* صاحبه: مالك يا أبا بكر؟ فيجيبه الصديق: لدغت، فداك أبي وأمي. إن أبا بكر وقد وجد ثقبين في الغار، خاف علي نبيه العظيم، فوضع في كل واحد منهما قدمًا من قدميه، حتى لدغ، فأبي أن يتحرك حتى لا يوقظ حبيبه، حقًا ما أقسى جبل ثور، وما أرق المشاعر التي حبست في جوفه!، تفل الرسول صلي الله عليه وسلم* علي قدمه، فذهب عن أبي بكر ما أصابه، وبقي المهاجران بالغار ثلاث ليال يأتيهما عبد الله بن أبي بكر بخبر قريش ليلاً، ثم يغدو عليهما عامر بن فهيرة مولي أبي بكر بغنم له، فيشربان من لبنها، ويعود مولي أبي بكر بغنمه إلي مكة، مزيلاً بآثارها آثار ابن أبي بكر. مطاردة الرسول *صلي الله عليه وسلم* إن سيوف قريش العازمة علي اختراق جسد النبي الشريف لم تلق في صبيحتها مُحَمّدا في بيته، وبدلاً من اعترافها بالعجز أمام قدرة الله تعالي ومشيئته، استدارت رؤوس الكفر لتصب جام غضبها، وتظهر مدي شجاعتها علي فتي أعزل، وفتاة وحيدة، أما الفتي فكان عليًا، فضربوه وسحبوه إلي الكعبة، وحبسوه ساعة، وأما الفتاة فكانت أسماء بنت أبي بكر، قدموا إليه بقوتهم المتغابية، بعد أن عجزوا عن أن يظفروا من علي بمعلومة تفيدهم، فقرعوا بابها وسألوها عن أبيها، فأجابتهم بثبات: لا أدري والله أين أبي، فرفع المتغطرس الفاحش الخبيث أبو جهل يده، ولطم خدها لطمة طرح منها قرطها، ثم مضي يعوي، وقد لحقه جيش الأغبياء. واجتمعت قريش، وأصدرت أوامرها المتعالية الطائشة: توضع جميع الطرق الخارجة من مكة تحت الحراسة المشددة، ومن يأت بمُحَمّد أو صاحبه حيًا أو ميتًا يمنح مكافأة مائة من الإبل. ينتشر علي الفور الفرسان والمشاة وقصاص الأثر في الطلب. لكن ما جدوى ذلك كله والله هو المقدر والمدبر؟! نعم وصلت أقدامهم الخائبة إلي باب الغار، وخشي أبو بكر من افتضاح أمرهما وقال: يا نبي الله، لو أن بعضهم طأطأ بصره لرآنا، وخاف أن يمس رسول الله *صلي الله عليه وسلم* بسوء، فقال: إن قتلت فإنما أنا رجل واحد، وإن قتلت أنت هلكت الأمة، لكن ما جدوى وصولهم والأمر بيد الله تعالي من قبل ومن بعد؟! هكذا كان الدرس الذي نطق به النبي *صلي الله عليه وسلم* متسائلاً: ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما؟!. مطاردة سراقة فارس مترجل عن فرسه النجيبة، يحمل رمحه، ويسعى خلف رجل أعزل يطلب منه الأمان! والأعزل يسير قدمًا، يتلو قرآن ربه، ولا يلتفت إليه! تلك هي الصورة التي نقلتها لنا كتب السيرة لفارس بني مدلج: سراقة بن مالك بن جعشم، حين خرج يطارد رسول الله *صلي الله عليه وسلم* وصاحبه الصديق طامعًا في مكافأة قريش، فعاندته فرسه وغاصت قوائمها في الرمل مرارًا، حتى علم أن مُحَمّدا وصاحبه ممنوعان، وأعطي مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* سراقة الأمان، كتابًا خطه عامر بن فهيرة، ليحتفظ به سراقة، سراقة الذي بدأ يومه محاربًا للنبي *صلي الله عليه وسلم*، ثم أنهي هذا اليوم مدافعًا عنه، بتضليل المطاردين له، وصرفهم عن هذا الطريق.
في الطريق إلى المدينة
ثلاثة أيام مرت علي النبي *صلي الله عليه وسلم* وصاحبه في الغار حتى هدأت المطاردة، ثم خرجا بعدها ليبدءا رحلتهما إلي المدينة بصحبة دليلهما عبد الله بن أريقط، الذي كان علي دين قريش، وكانا قد عهدا إليه براحلتيهما، وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال، وصحبهما أيضًا عامر بن فهيرة مولي أبي بكر، وأتتهما أسماء بنت أبي بكر بطعامهما، ثم تحرك الركب جنوبًا باتجاه اليمن، فغربًا نحو الساحل ثم شمالاً بمحاذاة الساحل، في طريق لا يسلكه أحد إلا نادرًا، وكان الصديق خلال الرحلة يفرغ وسعه لراحة النبي *صلي الله عليه وسلم* وأمنه، فإذا سأله أحد: من هذا الرجل الذي بين يديك؟، أجابه: هذا الرجل يهديني الطريق؛ حتى يخفي حقيقة النبي *صلي الله عليه وسلم* طلبًا لسلامته، ودون أن يكذب، وفي الطريق كانت هناك مفاجأة كبيرة تنتظر رسول الله *صلي الله عليه وسلم* وصاحبه: تلك هي اعتراض بريدة بن الحصيب الأسلمي لهما طمعًا في مكافأة قريش، لكن رسول الله *صلي الله عليه وسلم* دعاه إلي الإسلام، فأسلم من فوره مع سبعين رجلاً من قومه، ونزع عمامته، وعقدها برمحه، فاتخذها راية تعلن بأن ملك الأمن والسلام قد جاء ليملأ الدنيا عدلاً وقسطًا، وكانت فرحة رسول الله *صلي الله عليه وسلم* بهذا النصر الجديد كبيرة، إذ بإسلام بريدة الذي كان سيد قومه دخلت قبيلة أسلم في الإسلام، وصارت قاعدة إسلامية جديدة علي الطريق بين مكة والمدينة، ولقي النبي *صلي الله عليه وسلم* في الطريق أيضًا الزبير، وهو في كرب من المسلمين، كانوا تجارًا عائدين من الشام، فكسا الزبير النبي *صلي الله عليه وسلم*وصاحبه ثيابًا بيضاء.
في خيمة أم معبد
حامل الخير تجد أثره وريحه حيثما مر! ولقد مر نبي الله بخيمتي أم معبد الخزاعية، وكانت امرأة جلدة تطعم وتسقي من مر بها، إلا أنها اعتذرت عن تقديم شيء لمُحَمّد وصاحبه قائلة: والله لو كان عندنا شيء ما أعوزكم القرى، فجاء النبي إلي شاة ضعيفة، لم تستطع لشدة ما بها أن ترعي مع الغنم، ثم مسح بيده الشريفة علي ضرعها، وسمي الله ودعا، فامتلأ لبنًا حلبه النبي *صلي الله عليه وسلم*، ثم سقاها، فشربت حتى رويت، وسقي صحبه حتى روي، ثم شرب وحلب في إناء لها ثانيًا، حتى ملأه ثم تركها وارتحل، وأفاقت أم معبد علي صوت زوجها: من أين لك هذا؟ والشاة عازب ولا حلوبة في البيت؟! فأخبرته خبر الرجل المبارك الذي مر بها فقال: إني والله أراه صاحب قريش الذي تطلبه، ثم قال: لقد هممت أن أصحبه، ولأفعلن إن وجدت إلي ذلك سبيلا!. أما أهل مكة فقد أصبحوا يسمعون صوتًا ينشد بأبيات يصف بها مرور مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* بخيمتي أم معبد، وهم يتبعون صاحب الصوت ولا يرونه، فلما سمع الناس صوت هذا الرجل من الجن علموا أين ذهب مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم*. النزول بقباء كانت ظهيرة يوم الإثنين الثامن من ربيع الأول سنة أربع عشرة للنبوة، ظهيرة شديدٌ حرها، ألجأت المسلمين الذين كانوا يخرجون لاستقبال رسول الله *صلي الله عليه وسلم*، تتنازعهم مشاعر الخوف، وجواذب الشوق* ألجأتهم إلي الاحتماء ببيوتهم، وفي هذا الجو القلق، الذي يغلفه السكون برداء ثقيل، إذا بصرخة مدوية يطلقها يهودي من فوق مرتفع تشق عنان السماء قائلة: يا معاشر العرب، هذا جدكم الذي تنتظرون!. وما كادت هذه الصرخة تصل إلي آذانهم حتى انطلق المسلمون إلي السلاح، وتعالت أصوات التكبير فرحًا بقدومه، وسمع التكبير في بني عمرو بن عوف، وأسرع المسلمون للقاء المرتقب، لقاء خير الأحبة، وسيد الأنام، حامل النور والهداية، مُحَمّد بن عبد الله فأحدقوا به، وأحاطوه وقد كسته السكينة، والوحي يتنزل عليه بقول ربه *عز وجل*: (فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين، والملائكة بعد ذلك ظهير)، وكان يومًا مشهودًا زحفت فيه المدينة بأسرها لاستقبال الرسول، ونزل في بني عمرو بن عوف، ونزل بقباء علي كلثوم بن الهدم، وأقام بها أربعة أيام، أسس خلالها مسجد قباء وصلي فيه، فلما كان بها اليوم الخامس *يوم الجمعة*؛ أرسل إلي أخواله من بني النجار، فجاءوا متقلدين سيوفهم، فركب وأبو بكر خلفه، وسار نحو المدينة، حتى أدركته الجمعة في بني سالم بن عوف، فصلي بهم الجمعة وكانوا مائة رجل
يتبع | |
|
| |
المحبة للمصطفى المدير العام
عدد المساهمات : 5852 نقاط : 34110 التفاعل مع الاعضاء : 15 تاريخ التسجيل : 18/09/2010 العمر : 75 الموقع : النور المحمدى
| موضوع: رد: قصة سيدنا مُحَمّد عليه الصلاة والسلام كاملة الأحد سبتمبر 19, 2010 3:34 am | |
| الفصل الثامن
الدخول في المدينة
إن عافية الله الواسعة، والتي سألها مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* ربه والدماء تغطي عقبيه، وهو مطرود ملاحق من سفهاء الطائف تتبدى الآن إحدى آياتها، فطرقات المدينة وبيوتها تهتز بأصوات التكبير والتحميد، وبنات الأنصار ينشدن الأناشيد فرحًا بقدوم النبي، ونبي الله يتجاذب خطام راحلته أهل الأنصار وكل يقول له: هلم إلي العدد والعدة، والسلاح والمنعة، وهو يقول لهم: خلوا سبيلها فإنها مأمورة. أما دابة النبي *صلي الله عليه وسلم* فكان من توفيق الله لها أن بركت في ديار بني النجار *أخوال رسول الله* من كان يحب أن ينزل عليهم، ونزل عنها النبي *صلي الله عليه وسلم* وأقام في بيت أبي أيوب الأنصاري، وأخذ أسعد بن زرارة بزمام راحلته فكانت عنده، وهكذا صار لدعوة الله دار تعيش بها، وصار لقيادتها حصن تأوي إليه، وبقي للإسلام أن يخوض معركته الكبرى بتأسيس مجتمع جديد! وقد دعا نبي الله *صلي الله عليه وسلم* للمدينة حين أخبرته زوجه عائشة بمرض أبي بكر وبلال فقال: اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد حبًا، وصححها، وبارك في صاعها ومدها وانقل حُمَّاها فاجعلها بالجحفة. هجرة أهله وأهل أبي بكر بعد أيام من وصوله إلي المدينة وصلت إليه زوجته سودة، وبنتاه فاطمة وأم كلثوم، وأسامة بن زيد، وأم أيمن، وخرج معهم عبد الله بن أبي بكر بعيال أبي بكر ومنهم عائشة، وبقيت زينب عند أبي العاص لم يمكنها من الخروج حتى هاجرت بعد بدر. هجرة علي *رضي الله عنه* إن رسول الله *صلي الله عليه وسلم* الذي أحاط به قومه ليقتلوه ليلة الهجرة أوصي عليًا حين جعله مكانه في فراشه أن يرد الودائع التي عنده لأهلها من قريش، وما إن قام علي بن أبي طالب بمهمته تلك في أيام ثلاثة حتى هاجر ماشيًا علي قدميه؛ ليلحق بنبيه بقباء، وينزل عند كلثوم بن الهدم.
الدفاع عن المدينة
الماء الساكن خلف السد لا تدرك قيمته حتى يتدفق تياره، والحجرة المظلمة لا يري جمالها حتى تضاء أركانها، وكذلك المدينة عند الهجرة كان بها كثير من الخير الساكن، وبعض الأركان المظلمة، وتغير ذلك كله كان ينتظر وصول مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* والذي ما إن وصل حتى بدأ في تأسيس مجتمع جديد قبل أن ينزل عن راحلته، لكن أني للكفر أن يهدأ، وهو يبصر الإيمان ساعده يشتد، وجنوده تتجمع. لم تستطع قريش أن تكظم حقدها فأرسلت تهدد المسلمين وتتوعدهم، وهنا أنزل الله الإذن بالقتال أولاً، ثم فرض القتال بعده، وكما كانت قلوب المسلمين تهفو إلي مكة حوَّل الله صدورهم في الصلاة إلي الكعبة بنزول الوحي بتحويل القبلة. وما إن مر شهر علي تحويل القبلة، حتى ساق الله المسلمين دون تهيؤ منهم إلى غزوة بدر الكبرى فكان نصرًا كبيرًا، ونجاحًا مؤزرًا، تلته أعياد أقيمت، وفروض فرضت. واستمر الجهاد حتى كانت غزوة أحد في العام الثالث للهجرة، ولم يكد المسلمون يضمدون جراحاتهم، حتى استأنفوا جهادهم دفاعًا عن دولتهم الفتية، وأدركت قريش أنه لا قبل للمشركين بمحاربة المسلمين، إلا إذا اتحدت فصائلهم، وتجمعت أشتاتهم، فألفوا الأحزاب، وأحاطوا بالمدينة ينوون استئصال خضرائها، وإبادة ساكنيها، فكانت غزوة الأحزاب، التي نصر الله فيها عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، وقد كشفت هذه الغزوة عن لؤم اليهود وغدرهم؛ فتلاها الرسول *صلي الله عليه وسلم* بغزوة بني قريظة، وظل النشاط العسكري متقدًا بعدها حتى كانت وقعة الحديبية، والحق أن مكائد اليهود، والدور الذي لعبه المنافقون جعل مهمة الدفاع عن المدينة، لاتقتصر علي حماية حدودها فحسب، بل تشتمل أيضًا محاربة أعدائها الكامنين داخل الأسوار.
المدينة عند الهجرة
يظن البعض أن رسول الله *صلي الله عليه وسلم* القادم من مكة المشتعلة حربًا عليه وعلي دعوته، قد دخل المدينة الهادئة الوادعة، ليتمتع فيها بالاستقرار والراحة، والحق أن هذا ظن قد فاته الصواب!. إن دخول الإسلام إلي المدينة قد بدل واقعها من حال إلي حال، وإن دخول مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* إلي المدينة كان في قمة هذا التحول! أهل المدينة كانوا أوسًا وخزرجًا، فصاروا مسلمين ومشركين، والروابط كانت للعشيرة، فأصبحت للعقيدة، ومهاجرو مكة أضحوا مواطني المدينة، وحرب بعاث أمست رمادًا، والحكم صار لله، ودار الحكم موقعها المسجد، ومُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* يحكم بأمر ربه، أما تاج ابن أبي فقد طواه النسيان، ويثرب التي كانت تأمن من حولها، الآن تواجه الخطر من قريش والعربان، وأكثر من ذلك كله تنظيم الديار حول المسجد، وتغيير الأعراف الاجتماعية، وزوال أخلاق الجاهلية، وإشراق أخلاق الإسلام، وتجديد أسواق المدينة وعلاقاتها الاقتصادية، كل ذلك التحول الذي بدأه إيمان ستة من أهل يثرب، وزاده انتشار الإسلام في بيوتها وقدوم المهاجرين إلي ديارها* شهد الرسول أقصاه حين دخل المدينة القلقة، وحين تعامل مع أهلها، مسلمين، ومشركين، ويهود فأقام مجتمـعًا قاوم محاولات تفتيته بقوة وعزم. المسلمون بالمدينة : لم يكن مسلمو المدينة علي وجه واحد، بل كان منهم المهاجرون الذين خلفوا وراءهم أموالهم وديارهم وبعض أهليهم، طاعة لرسول الله، ونصرة لدين *الله عز وجل*، كما كان منهم الأنصار المقيمون بديارهم، واشتمل رهط الأنصار علي شعبتين؛ الأوس والخزرج، وقد تجلت عظمة الإسلام، وحكمة نبيه في تحويل هذه الخيوط المتعددة إلي نسيج واحد، تجمعهم المؤاخاة وتؤلف العقيدة بين قلوبهم. المشركون بالمدينة : "لقد بلغ وعيد قريش منكم المبالغ، ما كانت تكيدكم بأكثر مما تريدون أن تكيدوا به أنفسكم، تريدون أن تقاتلوا أبناءكم وإخوانكم"؟! هكذا انطلقت كلمات رسول الله *صلي الله عليه وسلم* تشق غبار حرب أعلنها مشركو المدينة علي مسلميها، وهكذا كانت خطته الحكيمة! فالمشركون يخيفون الناس من خطر قريش القادم، ويَدَّعون الحكمة في قتال المسلمين، ويجعلون من المسلمين عدوهم، أما رسول الله *صلي الله عليه وسلم*فهو يعلن في جمله الثلاث تلك المتعاقبة، أن الخطر في قتال الأهلين من المدينة، والغفلة والسفاهة في إعلان هذه الحرب، وأن العدو الأوحد لكلا الفريقين هو تجمع قريش بمكة!، وبكلماته تلك الحاسمة، استطاع أن ينهي حربًا كاد أن يستعر لهيبها!! وأن يقاوم محاولة لتفتيت المجتمع بالمدينة. والحق أن غالب مشركي المدينة لم يكونوا علي هذا القدر من الحقد والضغينة، فسوي عبد الله بن أبي الذي كاد أن يتوج ملكًا، لولا قدوم رسول الله *صلي الله عليه وسلم* إلي المدينة، وسوي من معه من الرؤساء الذين انهارت زعامتهم الجاهلية بظهور نور الإسلام، لم يكن هؤلاء المشركون يبطنون العداوة للإسلام، بل كانوا علي شك من دينهم، وتردد في تركه حتى انتقلوا إلي الإسلام أرسالاً. اليهود في المدينة : بنو قينقاع وبنو النضير وبنو قريظة، تلك قبائل اليهود الثلاث التي كانت تقطن المدينة، وهم رغم أصولهم العبرانية إلا أنهم صبغوا بالصبغة العربية في الزي واللغة والحضارة؛ لطول ما أقاموا في بلاد الحجاز. وقد كانوا يرون أنهم أصحاب علم وفضل وقيادة روحانية، لأنهم أهل كتاب ليسوا كوثنيي العرب، وكانوا يعلمون أن نبيًا قد أتي زمانه، واعتقدوا أنه من نسلهم، وتوعدوا أهل يثرب بقتالهم تحت إمرته. وامتاز اليهود بالمهارة في فنون التجارة، فكانوا يوردون الثياب والحبوب والخمر إلي المدينة، ويصدرون تمرها، كما كانوا يضاعفون ثرواتهم من التعامل بالربا، وقد سقط في أيديهم حين رأوا مُحَمّدا *صلي الله عليه وسلم*، لعلمهم بصدق نبوته، وخروجه عن بيتهم، وشعورهم بزوال مكانتهم، وضياع مصالحهم، باهتداء من حولهم من العرب، إلي دين الله القويم؛ ولذا كتموا عداوتهم حينًا، وأظهروها حينًا آخر، وأعماهم حقدهم حتي تحالفوا مع عباد الصنم ضد المسلمين المصدقين بموسى *عليه السلام* وكتابه، أما رسول الله *صلي الله عليه وسلم* فإنه لم يعاملهم إلا بما ظهر له، وبما علمه ربه، فعقد معهم معاهدة الند للند، علي أن لهم دينهم وله دينه، وقد كانت معاهدة تجلت فيها عظمة الإسلام ومبادؤه الخالدة، رغم محاولات اليهود الدائبة لتفتيت المجتمع المدني، ورغم كيدهم المستمر، ما ظهر منه وما بطن. مكائد اليهود: دخل مُحَمّد*صلي الله عليه وسلم* يثرب فوجد يهودها علي صنفين؛ بعضهم شكل تجمعًا كبيرًا مستقلاً، والبعض الآخر ظل أفرادًا داخل قبائلهم المتعددة، وعاهد *صلي الله عليه وسلم* أتباع أخيه موسى *عليه السلام* علي الصدق والنجدة والوفاء، حتى يكونوا معه في أمة يثرب. وحاول اليهود *الذين احترقت أفئدتهم حين أيقنوا بانتقال النبوة إلي ولد إسماعيل* حاولوا أن يفتتوا المجتمع المسلم وهم إن أخفوا ذلك إلي حين فإن بني قينقاع قد أظهروه بعد نصر المسلمين ببدر، فأجلاهم النبي عن المدينة، وظنت بنو النضير *بعد هزيمة المسلمين بأحد* أنها قاتلةٌ مُحَمّدا، وهمت بذلك، فألحقها المسلمون بأختها خارج أسوار المدينة الوادعة. ومرة أخري سعت يهود بالغدر حين ألبت الأحزاب لغزو المدينة، ثم أظهرت بنو قريظة الخيانة، حين ظنت أن المسلمين قد انتهي أمرهم، فحالفت قريشًا ومن معها، ولكن الله تعالي نصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده. فدفعت بنو قريظة ثمنًا فادحًا لخطيئتها الفادحة. ويبدو أن تطهير المدينة لم يعد كافيًا؛ إذ تجمعت رؤوس الفتنة والغدر بخيبر، تنسج بليل المكائد للمسلمين. فذهب إليهم النبي ليحاربهم وجهًا لوجه كما ألف، لا دسًّا وغيلة كما اعتاد الخائنون، ولم يعد إلا ونصر الله يخفق بجناحيه فوق جيشه الميمون. وبعد، فقد بقي اليهود في دين الله، ودولة المسلمين، أمة من الأمم، لها ما للمسلمين، وعليها ما عليهم، ما بقي أتباعها مسالمين وادعين، أما إن أظهروا الغدر والعداء، فجزاء الغادرين المعتدين في دين الله صارم قاطع، ليهود أو غيرها!.
يتبع | |
|
| |
المحبة للمصطفى المدير العام
عدد المساهمات : 5852 نقاط : 34110 التفاعل مع الاعضاء : 15 تاريخ التسجيل : 18/09/2010 العمر : 75 الموقع : النور المحمدى
| موضوع: رد: قصة سيدنا مُحَمّد عليه الصلاة والسلام كاملة الأحد سبتمبر 19, 2010 3:35 am | |
| تأسيس مجتمع جديد
ما أيسر أن نطوف بخيالنا في دروب مدينة فاضلة، نصف معالمها لمن حولنا حين نفيق! ثم ما أعظمها من مهمة حين ننهض؛ لنقيم بسواعدنا ما طمح إليه ذلك الخيال، إن تغيير المجتمعات إلي الأفضل يبقي أصعب مهمة واجهها الإنسان، ذلك أنه يبدأ من واقع اختلطت فيه آمال الناس وآلامهم، بأعرافهم وأخلاقهم، ثم بأوضاعهم ونظمهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وعليه أن يتعامل مع ذلك كله؛ ليحوله إلي مثاله المنشود، وقد كانت تلك هي المهمة التي طفق رسول الله *صلي الله عليه وسلم* يعالجها منذ وطئت قدمه الشريفة أرض المدينة وحتى وفاته، وبها بدأ التقويم الإسلامي للتاريخ، إن بذور الإسلام التي بذرها مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* في صدور أصحابه بمكة قد نمت وأينعت، وصارت حياة كاملة تراها في أسواق المسلمين، وتجارتهم. وتلحظها في عمارة دورهم، وتخطيط شوارعهم، ولهوهم ومرحهم، كما تجدها في خلقهم وأعرافهم، ونظمهم، وحربهم وسلمهم. وتشاهدها دومًا إن حدثت الناس، أو تجولت في المكان!. ولقد بدأ رسول الله *صلي الله عليه وسلم* طريقه الشاق ذلك ببناء المسجد، ثم بترسيخ المؤاخاة، وبعقد ميثاق التحالف *دستور الدولة*، >بث الخلق، ورفع المعنويات، ثم بمعاهدته مع اليهود، حتى إذا استقر له الأمر، واطمأن إلي الأساس، شرع يقيم بجد وجلد بناء مجتمعه المنشود، والذي قاوم بذكاء محاولات تفتيته المختلفة.
بناء المسجد وتشريع الأذان
كان أول ما طالعته عيون المسلمين بالمدينة بعد نزول النبي *صلي الله عليه وسلم* علي أبي أيوب رؤيتها رسول الله يشمر عن ساعديه، وينقل اللبن والحجارة بانيًا مسجده النبوي منشدًا: اللهم لاعيش إلا عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة وقد أقيم المسجد في المكان الذي بركت فيه ناقة المصطفي، بعد أن اشتراه من يتيمين يملكانه، فسوي أرضه، وأقام أعمدته من الحجارة، وحوائطه من اللبن والطين، وسقفه من جريد النخل، وعمده من الجذوع، وفرشت أرضه من الرمال والحصباء، وجعلت له ثلاثة أبواب. وبني النبي *صلي الله عليه وسلم* إلي جانبه حجرات أزواجه، من الحجر اللبن، وسقفها بالجريد والجذوع. وإلي جانب كونه مكانًا للعبادة والصلاة فقد ظل المسجد منتدى تلتقي فيه جموع المسلمين، وجامعة يتلقون فيها علومهم، وبرلمانًا لعقد المجالس الاستشارية، بل ودارًا يأوي إليها فقراء المهاجرين الذين عدموا الدار و المال والأهل بمكة. وكان تشريع الأذان في بداية الهجرة ميلادًا لصيحة الحق التي لازال المسلمون يتمتعون بسماعها خمس مرات كل يوم وليلة. تشريع الأذان: ما أعظم القلوب حين تتجلى فيتراءى الحق علي صفحتها! إن صحابيًا جليلاً هو عبد الله بن زيد رأي في منامه رجلاً عليه ثوبان أخضران، يحمل ناقوسًا في يده، فأراد أن يبتاعه منه حتى يدعو به إلي الصلاة، فسأله الرجل: أفلا أدلك علي خير من ذلك؟ ثم أرشده إلي كيفية الأذان. وأسرع ابن زيد إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم* يخبره الخبر فقال له: إنها لرؤيا حق إن شاء الله، ثم أمره أن يعلمها بلالاً صاحب الصوت النّدي؛ ليؤذن بها بين الناس. أما بلال فإنه ما إن بدأ أذانه حتى فوجئ المسلمون بعمر بن الخطاب يسرع في الطريق يجر رداءه قائلاً: يا نبي الله، والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل ما رأي!!. وهكذا يتضح أن من شغل قلبه بالبحث عن الحق لا يلبث إلا أن يهديه الله إليه.
المؤاخاة وميثاق التحالف
أوس وخزرج فرقت بينهما حرب بعاث، وقرشيون ويثربيون فرقت بينهم عصبية الجاهلية وحميتها، كان هذا هو أول ما التفت إليه مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* بعد أن أتم بناء المسجد!. وفي دار أنس بن مالك كان اجتماع تسعين رجلاً من المسلمين، نصفهم من المهاجرين ونصفهم من الأنصار، يؤاخي رسول الله *صلي الله عليه وسلم* بين كل اثنين منهم علي المواساة، بل والميراث أيضًا، ولقد كانت لحظة رائعة في تاريخ الإنسانية، ذابت فيها روابط الجنس واللون والدم حين قويت وتآلفت روابط الدين والعقيدة. ثم عقد النبي *صلي الله عليه وسلم* ميثاق تحالف بين المهاجرين والأنصار تأكيدًا ودعمًا لمبدأ الأخوة والتراحم، اللازم لبناء المجتمع. ولم يكن من العجيب بعدئذ أن تلمح سعد بن الربيع يعرض علي عبد الرحمن بن عوف *رضي الله عنهما* أن يطلق له زوجته، ويعطيه نصف ماله، كما لم يكن من المستغرب أن نري الأنصار والمهاجرة قد علت أصواتهم عند النبي، فالأنصار يقولون: اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل، فيرد عليهم النبي *صلي الله عليه وسلم*قائلاً: لا. فيقولون: فتكفونا المؤنة، ونشرككم في الثمرة، فترد المهاجرة: سمعنا وأطعنا. ميثاق التحالف: مجتمع وليد، وواقع متحول، ودولة يراد لها القيام لا بد لكل ذلك جميعًا من دستور واضح مستقر، ينظم لهم أمورهم، ويرجعون إليه ومن قوله للمسلمين والمؤمنين من قريش ويثرب: إنهم أمة واحدة من دون الناس، إلي قوله: وإنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلي الله *عز وجل*، وإلي مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم*، كانت بنود هذا الدستور النبوي لمجتمع المدينة. ولاشك أن روح هذا الميثاق قد تجلت في مبدأين أساسين: 1. الرابطة هي العقيدة. 2. والحكم هو الله. وقد شمل هذا الميثاق أيضًا معاهدة مع اليهود، تليت بمعاهدات مع قبائل عربية متفرقة.
بث الخلق ورفع المعنويات
"يا أيها الناس: أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام". ذلك كان درس الإسلام الأول، علي يدي النبي *صلي الله عليه وسلم* حين دخل المدينة، الإحسان إلي المخلوق، والإحسان مع الخالق، روح الرسالة وجوهرها!. وما مضت إلا سنوات قلائل حتى توفي رسول الله، وقد ترك مجتمعًا أنموذجًا في خلقه وفضله، مجتمعًا يعلم أن إماطة الأذى عن الطريق شعبة من شعب الإيمان، كما يعلم أن التراحم والتواصل سر قوته ونصرته، إن المعنيين باللوائح والدساتير سيبهرهم ميثاق التحالف، كما إن المهتمين بروح القانون ومقاصده سيدهشهم ذلك المجتمع المسلم الذي صنعه مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم*.
يتبع | |
|
| |
المحبة للمصطفى المدير العام
عدد المساهمات : 5852 نقاط : 34110 التفاعل مع الاعضاء : 15 تاريخ التسجيل : 18/09/2010 العمر : 75 الموقع : النور المحمدى
| موضوع: رد: قصة سيدنا مُحَمّد عليه الصلاة والسلام كاملة الأحد سبتمبر 19, 2010 3:36 am | |
| الفصل التاسع المعاهدة مع اليهود
يأتي الإسلام ليقدم للبشرية الخير، ويحقق لها السعادة، البشرية بأسرها مسلمين كانوا أم غير مسلمين، وفي عالم مزقته العصبية الحمقاء جاء الإسلام، ليقر المبدأ السامي البسيط: (لا إكراه في الدين). ومعاهدة مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* مع اليهود تنطق برغبة صادقة في تحقيق الخير والأمن، ومنع الفساد والاضطراب، بأمة واحدة، اليهود أحد عناصرها، نعم بدا للرسول بعض ما يبطنون حين أسلم عبد الله بن سلام، وحين حاولوا تفتيت المجتمع، لكن ما للإسلام ونبيه والتفتيش عما بذات الصدور؟! إنما حسبه ما ظهر!. محاولة تفتيت المجتمع : لاشك أن ساذجًا عربيًا، مشركًا كان أو يهوديًا، عاش بالمدينة وقت قدوم النبي *صلي الله عليه وسلم* إليها، سوف يدرك ببداهة أن أسرع وسيلة لتفتيت مجتمع المدينة هي العبث بأوتار الفرقة بين الأوس والخزرج، أو بين الوافدين من أهل مكة، والمقيمين من أهل المدينة. ولئن قام بالأولى اليهود، بمكر من شيخهم شاس بن قيس، فلقد قام بالثانية المشركون، بدهاء من كبيرهم عبد الله بن أبي، وبذكاء وسرعة ذكّر مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم*المسلمين بربهم قائلاً: الله الله ! أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟، وذكرهم بنعمة الإيمان والتأليف بين قلوبهم، فتركوا السلاح، وعانق بعضهم بعضًا وهم يبكون، كما أنه بنفس الذكاء والحزم ذكر المشركين برابطة القرابة والنسب، فصرفهم عن قتال أهليهم من المؤمنين، لرسالة خبيثة بعثت بها قريش.
تهديدات قريش والصد عن المسجد الحرام إن مُحَمّدا *صلي الله عليه وسلم* المشغول ببناء مسجده، والمؤاخاة بين أفراد أمته، وعقد المعاهدات مع جيرانه، والعناية بتنظيم شئون مدينته، فوجئ بخطاب من قريش تعلن فيه الحرب عليه وعلي من اتبعه، ثم إن الأنصار قد فوجئوا أيضًا بأنهم ممنوعون من زيارة بيت الله الحرام، وتمادت قريش في تهديد المهاجرين، فاتخذ المسلمون حذرهم واحتياطهم. قريش تعلن الحرب : "إنكم آويتم صاحبنا، وإنا نقسم بالله لنقاتلنه أو لنخرجنه أو لنسيرن إليكم بأجمعنا، حتى نقتل مقاتليكم ونستبيح نساءكم". كانت هذه هي كلمات رسالة قريش، والتي قرأها عبد الله بن أبي بن سلول بعين زائغة، ويد مرتعشة، فطاش صوابه، وجمع إخوانه من عبدة الأوثان، لقتال مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* ومن معه، مهاجرين كانوا أم أنصارًا، لكن رسول الله *صلي الله عليه وسلم* بحكمته في التعامل مع المشركين أطفأ نارًا، كاد أن يتأجج لهيبها، مانعًا بذلك إحدى محاولات تفتيت المجتمع المسلم. الصد عن المسجد الحرام: إن قريشًا التي ثارت ثائرتها ضد الإسلام وأهله بدعوى الحفاظ علي تراث الآباء، وقيم المجتمع المكي العريقة، تفاجئنا اليوم بموقف غريب، فأبو جهل سيد قريش، القبيلة المسئولة عن تهيئة بيت الله لزواره. وتيسير هذه الزيارة لهم يري سعد بن معاذ يطوف بالكعبة مع أمية بن خلف حليفه بمكة، فيعترض طريقه قائلاً بغلظة: ألا أراك تطوف بمكة آمنًا وقد آويتم الصباة، وزعمتم أنكم تنصرونهم، وتعينونهم، أما والله لولا أنك مع أبي صفوان مارجعت إلي أهلك سالما، فرفع سعد صوته عليه صائحًا: أما والله لئن منعتني هذا لأمنعك ما هو أشد عليك منه، طريقك علي أهل المدينة. تهديد المهاجرين: يبدو أن نصيحة عتبة بن ربيعة لقريش بعد لقائه بمُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* حين قال لهم: إن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر علي العرب فملكه ملككم، وعزه عزكم، وكنتم أسعد الناس به* يبدو أن هذه النصيحة التي تجاهلوها قديمًا ما زالت لاتجد صداها لديهم، رغم ما رأوه طيلة سنوات من الآيات والعبر، إن قريشًا لم تر المسلمين كشرٍ رحل عنها، بل كخطر يجب عليها أن تتعقبه ولا تفلته، فأرسلت إلي المسلمين بالمدينة متوعدةً مهددةً: لا يغرنكم أنكم أفلتمونا إلي يثرب، سنأتيكم فنستأصلكم ونبيد خضراءكم في عقر داركم، وتأكد المسلمون من عزمهم علي المضي في غيِّهم، فأخذوا حذرهم واحتياطهم لذلك.
حذر المسلمين واحتياطهم لئن كان خوف المسلمين بمكة راجعًا لعجزهم عن حمل السلاح، فإن حذرهم بالمدينة قد ألجأهم إلي حمله أثناء نومهم!. روي أبي بن كعب، قال: لما قدم رسول الله وأصحابه المدينة وآوتهم الأنصار، رمتهم العرب عن قوس واحدة، وكانوا لا يبيتون إلا بالسلاح ولا يصبحون إلا فيه، هكذا كانت حالهم، وهكذا كان رسولهم *صلي الله عليه وسلم* الذي كان لا يبيت إلا ساهرًا، أو في حرس من الصحابة.
الإذن بالقتال تبدلت الظروف بالمسلمين، وتغيرت أحوالهم بين مكة والمدينة؛ فأذن الله عز وجل* لهم بالقتال؛ دفعًا للظلم عنهم، واعتمادًا علي نصر القدير، وكان علي المسلمين في هذا الوقت أن يبسطوا سيطرتهم علي جوار المدينة، لا أن يستكينوا بعقرها!. وتحقيقًا لهذا الواجب فقد سلكوا سبيلين، أولهما: عقد معاهدات الحلف، أو عدم الاعتداء علي القبائل المجاورة لطريق التجارة من مكة إلي الشام، أو القاطنة بينه وبين المدينة، وثاني هذين السبيلين: إرسال السرايا والغزوات إلي هذه الطريق.
عقد معاهدات الحلف
فضلاً عن مشركي المدينة الذين سالمهم رسول الله، فإن باب الموادعة والمهادنة مع غير المحاربين من المشركين ظل مفتوحًا. عقد النبي *صلي الله عليه وسلم* معاهدة مع جهينة، وكانت مساكنهم علي ثلاث مراحل من المدينة، كما حالف عمرو بن مخشى الضمري، سيد بني ضمرة في غزوة الأبواء، وفي غزوة العشيرة عاهد بني مدلج وحلفاءهم من بني ضمرة، وفي العام الخامس الهجري، بعد أن بدأت القبائل تتجرأ علي المسلمين عقب أحد، وعلم رسول الله *صلي الله عليه وسلم* أن بعضًا منها علي مشارف الشام تعد العدة لغزو المدينة، بادرهم ونزل بساحتهم فوجد أهل دومة الجندل قد فروا في كل وجه، ثم وادع في تلك الغزوة سيدهم عيينة بن حصن، والمتتبع لسرايا المسلمين وغزواتهم يدرك بجلاء أنهم ما كانوا يقصدون حربًا إلا لقريش التي هددتهم، أو لقبيلة أعلنت عداءها للنبي، ولعل نص المعاهدة مع بني ضمرة توضح هذا المعني، إذ تقول كلماتها: هذا كتاب من مُحَمّد رسول الله لبني ضمرة، فإنهم آمنون علي أموالهم، وأنفسهم، وأن لهم النصر علي من رامهم، إلا أن يحاربوا دين الله، مابل بحر صوفة، وإن النبي إذا دعاهم لنصره أجابوه.
السرايا والغزوات قبل بدر
باب المهادنة مفتوح، وقد ولجت منه جهينة وبنو ضمرة، أما إن أبت قريش إلا الصياح والتوعد، والتهديد والتطاول، فللحق قوة تحميه! هذا ما أكده النبي، ومن معه من المسلمين، لمشركي مكة ومن مالأهم، في سرايا وغزوات متتابعة وهي: سرية سيف البحر، وسرية رابغ، وسرية الخرار، وغزوة الأبواء، وغزوة بواط، وغزوة سفوان، وغزوة ذي العشيرة، وسرية نخلة. سرية سيف البحر: علم رسول الله *صلي الله عليه وسلم* بخروج أبي جهل في عير لقريش، ومعه ثلاثمائة رجل، فعقد لواءً أبيض لحمزة وأرسله في ثلاثين رجلاً من المهاجرين، يحمل لواءهم أبو مرثد كناز بن حصين الغنوي، فبلغوا سيف البحر، من ناحية العيص، فالتقوا واصطفوا للقتال، لولا أن مجدي بن عمرو الجهني *وكان حليفًا للفريقين* قد مشي بينهما حتى حجز بينهم، وكانت هذه السرية في رمضان عام واحد من الهـجرة. سرية رابغ: وقد وقعت في شوال في السنة الأولي من الهجرة، حيث التقي المسلمون، وقوامهم ستون راكبًا من المهاجرين علي رأسهم عبيدة بن الحارث بن المطلب، مع مائتين من المشركين تحت إمرة أبي سفيان* التقوا علي بطن رابغ، فتراموا بالنبل دون وقوع قتال، وكان حامل لواء المسلمين يومئذ>مسطح بن أثاثة، ومن طرائف هذه السرية انضمام اثنين من جيش المشركين إلي المسلمين، وهما المقداد بن عمرو البهراني، وعتبة بن غزوان المازني، فقد كانا مسلمين، خرجا مع الكفار كوسيلة؛ لبلوغ جيش المسلمين. سرية الخرار: وقد خرج فيها سعد بن أبي وقاص في عشرين راكبًا، في ذي القعدة في السنة الأولي من الهـجرة، يكمنون بالنهار ويسيرون بالليل، طلبًا لعير قريش، حتى بلغوا الخرار، فوجدوا العير قد مرت بالأمس، فعادوا ولم يلاحقوها، تنفيذًا لأمررسول الله *صلي الله عليه وسلم* لهم بذلك، وقد كان حامل اللواء يومئذ المقداد بن عمرو.
يتبع | |
|
| |
المحبة للمصطفى المدير العام
عدد المساهمات : 5852 نقاط : 34110 التفاعل مع الاعضاء : 15 تاريخ التسجيل : 18/09/2010 العمر : 75 الموقع : النور المحمدى
| موضوع: رد: قصة سيدنا مُحَمّد عليه الصلاة والسلام كاملة الأحد سبتمبر 19, 2010 3:37 am | |
| الغزوات
غزوة الأبواء: وهي أول غزوة يخرج فيها رسول الله *صلي الله عليه وسلم* بنفسه مستخلفًا سعد بن عبادة علي المدينة، في جيش قوامه سبعون رجلاً من المهاجرين، حامل لوائهم حمزة بن عبد المطلب؛ طلبًا لعير قريش، وقد بلغ الجيش "ودان" فلم يلق كيدًا، وفي هذه الغزوة عقد النبي *صلي الله عليه وسلم* معاهدة حلف مع عمرو بن مخشي الضمري سيد بني ضمرة. وقد جرت هذه الغزوة في صفر سنة اثنتين من الهجرة. غزوة بواط: في ربيع الأول في السنة الثانية من الهجرة، خرج رسول الله *صلي الله عليه وسلم* في مائتين من أصحابه، يحمل لواءهم سعد بن أبي وقاص؛ ليعترض ألفين وخمسمائة بعير لقريش، يحميها مائة رجل علي رأسهم أمية بن خلف الجمحي، فبلغ بواط ولم يلق كيدًا، وكان خليفته *صلي الله عليه وسلم* علي المدينة سعد بن معاذ . غزوة سفوان: تسمى هذه الغزوة بغزوة بدر الأولي، وقد وقعت أحداثها في ربيع الأول سنة اثنتين من الهجرة؛ إذ أغار كرز بن جابر الفهري في قوات خفيفة من المشركين علي مراعي المدينة، ونهب بعض المواشي، فخرج رسول الله *صلي الله عليه وسلم* لمطاردته في سبعين رجلاً من أصحابه، بعد أن استخلف علي المدينة زيد بن حارثة، وأعطي اللواء علي بن أبي طالب، ووصل النبي *صلي الله عليه وسلم* واديًا يقال له سفوان، من ناحية بدر، لكنه لم يدركها فرجع من دون حرب. غزوة ذي العشيرة: خرج رسول الله *صلي الله عليه وسلم* في جمادى الأولى في السنة الثانية من الهجرة في خمسين ومائة *ويقال في مائتين* من المهاجرين، علي ثلاثين بعيرًا يعتقبونها، اعتراضًا لعير قريش الذاهبة إلي الشام، لكنهم حين بلغوا ذا العشيرة وجدوا أنها قد فاتتهم بأيام، وهذه العير هي التي طلبها رسول الله *صلي الله عليه وسلم* في رحلة عودتها من الشام، فكانت سببًا لغزوة بدر الكبرى، وقد آب إلي المدينة في جمادى الآخرة، وكان قد استخلف عليها أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي، وحامل اللواء في هذه الغزوة هو سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، وقد عقد النبي *صلي الله عليه وسلم* معاهدة عدم الاعتداء مع بني مدلج وحلفائهم من بني ضمرة في هذه الغزوة.
سرية نخلة
بعد أن أتم عبد الله بن جحش، واثنا عشر مهاجرًا يومين في مسيرهم فضوا كتاب رسول الله *صلي الله عليه وسلم* الذي كان معهم تنفيذًا لأوامره، فوجدوا فيه: إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل بين مكة والطائف، فترصد بها عير قريش، وتعلم لنا من أخبارهم. وشعر عبد الله بثقل المهمة، وقلة عدد أصحابه، فخيرهم بين المجيء معه، إن أحبوا الشهادة، وبين الرجوع إلي المدينة إن كرهوا الموت، فما تخلف عنه منهم أحد، إلا سعد بن أبي وقاص، وعتبة بن غزوان فإنهما كانا يعتقبان بعيرًا لهما فهرب منهما، فتخلفا في طلبه. واستأنفت السرية مسيرها حتى بلغت نخلة، ورأت عير قريش تمر حاملة الزبيب، والأدم والتجارة، وفيها عمرو بن الحضرمي، وعثمان ونوفل ابنا عبد الله بن المغيرة، والحكم بن كيسان مولي ابن المغيرة. وهنا وقع المسلمون في حيرة كبيرة، إذ كانوا في اليوم الأخير من شهر رجب في السنة الثانية من الهجرة. وهو شهر حرام، لا يجوز فيه القتال، لكنهم إن تركوهم دخلوا مكة، وانتهي الأمر، ورأوا بعد المشاورة أن يقاتلوهم، فرموا عمرو بن الحضرمي فقتلوه، وأسروا عثمان والحكم، وأفلت نوفل، ثم قدموا بالعير والأسيرين إلي المدينة، وعزلوا من ذلك الخمس، فكان أول خمس، وأول قتيل، وأول أسيرين في الإسلام، وهنا أطلقت قريش التي طالما انتهكت حرمات المسلمين، وسفكت دماءهم بالبلد الحرام* أطلقت عقيرتها، حزنًا علي شهر الله الحرام الذي انتهك، ثم نزل الوحي بالقول الحق، موضحًا أن حرمات المسلمين التي انتهكت، ودم نبيهم الذي كاد يسفك، أعظم حرمة عند الله من شهر رجب، وقد أطلق بعدها رسول الله *صلي الله عليه وسلم* سراح الأسيرين وأدي دية المقتول إلي أهله.
يتبع
| |
|
| |
المحبة للمصطفى المدير العام
عدد المساهمات : 5852 نقاط : 34110 التفاعل مع الاعضاء : 15 تاريخ التسجيل : 18/09/2010 العمر : 75 الموقع : النور المحمدى
| موضوع: رد: قصة سيدنا مُحَمّد عليه الصلاة والسلام كاملة الأحد سبتمبر 19, 2010 3:38 am | |
| الفصل العاشر
فرض القتال
إن قريشًا التي طال تكبرها، قد لقنتها سرية نخلة درسًا لم تنسه، فعبد الله بن جحش ونفر من المسلمين معه يستطيعون بسهولة أن يغيروا علي تجارة قري، فيسوقوا عيرها إلي المدينة مع أسيرين، وقد خلفوا وراءهم قتيلاً، لكن قريشًا المعاندة والتي أدركت الخطر علي طريق تجارتها إلي الشام، قد اختارت سبيل الحرب من جديد، وهنا وفي شعبان سنة اثنتين من الهجرة نزلت آيات الله تعالي الفارضة للجهاد، والقتال في سبيله، ثم ما لبثت هذه الآيات غير يسير، حتى تليت بآيات من سورة مُحَمّد، تصف طريقة القتال، وتبين أحكامه، وتحث عليه، وتذم أولئك الوجلين منه، الخائفين علي أنفسهم.
تحويل القبلة إن رفع الستار قد يكون لفضح المتسترين به، أو لاستقبال نهار يوم جديد، أما تحويل القبلة، فقد كان الأمرين معًا!!. فحين نزل أمر الله تعالي في شعبان في العام الثاني من الهجرة بتحويل قبلة المسلمين من المسجد الأقصى بالقدس، إلي المسجد الحرام بمكة، فضح كثير من ضعفاء اليهود ومنافقيهم، الذين أظهروا الإسلام وأبطنوا عداوته* فضحوا برفضهم الامتثال لأمر الله، ورجوعهم إلي ما كانوا عليه، فتطهرت صفوف المسلمين منهم. ولا شك أيضًا أن في تحويل القبلة إيذانًا باستقبال طور جديد في دعوة المسلمين، طور لا ينتهي إلا باحتلال القبلة الجديدة، فهل يصلي المسلمون لقبلة قد نجستها أوثان المشركين؟! اللهم لا!.
غزوة بدر الكبرى
قلة من المؤمنين ساقهم الله تعالي لملاقاة الكثرة من المشركين المتكبرين، حتى إذا وافوهم لم يلبثوا إلا يسيرًا، ثم نصرهم الله بقدرته عليهم، تلك كانت قصة بدر! القصة التي مهما قلبت صفحاتها طالعتك قدرة الله، وتدبيره لعباده، حين تتأمل سبب الغزوة، أو قوة الجيش المسلم وتنظيمه، وإذا صحبتهم في الطريق إلي بدر أو استمعت إلي النذير في مكة، أو رأيت تجهز المشركين للغزو، وتحرك جيشهم، وانفلات عيرهم، وانشقاق جيشهم، في كل ذلك ستجد حتمًا قدرة الله وتدبيره!. إن مشاهد بدر المتتالية تغرس اليقين في قلب المسلم، وتورثه صدق التوكل علي ربه، توكلاً لاينافيه أخذه بالأسباب، إن هذه المعاني تتسارع إلي قلوبنا ونحن نشاهد الرسول *صلي الله عليه وسلم* يستشير صحابته قبل الغزوة، ثم حين يقوم بالاستكشاف لمعركته، وتتسارع إلي قلوبنا ونحن نستمع إلي صوت نزول المطر قبيل المعركة، أو ونحن نري نشر القوات وتهيئة مكان القيادة، ثم حين نستمع إلي صوت القيادة، ثم حين نستمع إلي كلمات المصطفي *صلي الله عليه وسلم* وهو يقوم بالتعبئة المعنوية، وكذلك حين نولي وجهنا شطر الجانب الآخر فنلحظ الخلاف وقد تجدد في صفوف المشركين، لكن الأعجب من ذلك كله، هو دقات قلوبنا التي لا زالت بعد أربعة عشر قرنًا من هذه الحادثة تتلاحق وهي تتابع ترائي الجيشين، وقدوم ساعة الصفر، ثم المبارزة الأولي قبل الهجوم العام، ومناشدة الرسول ربه عز وجل، والهجوم المضاد، وانسحاب إبليس من المعركة، ثم الهزيمة الساحقة، ونهاية المعركة. إن مشاهد هذه الغزوة لا تسأم منها قلوب المؤمنين أبدًا، وإن صورة مكة وهي تتلقى أنباء الهزيمة، والمدينة وهي تتلقي أنباء النصر، ثم تستقبل عودة النبي *صلي الله عليه وسلم* وجيشه إليها لترسم في مخيلتنا نهاية حلقة من حلقات الصراع بين الحق والباطل، أما قضية الخلاف في الغنائم، وقضية الأسري، فتؤكدان بشرية حملة ذلك الحق، وحاجتهم الدائمة للتربية والتوجيه. سبب الغزوة: كسائر السرايا والغزوات التي سبقت بدرًا، بل كامتداد لإحداها *غزوة ذي العشيرة* كان منشأ هذه الغزوة، علم رسول الله *صلي الله عليه وسلم* برحيل عير لقريش. وعير هذه المرة قد بلغ عددها ألفًا، وحملت من الدنانير الذهبية ما لا يقل عن الخمسين ألفًا، أما حرسها فلم يزد علي أربعين رجلاً، يرأسهم أبو سفيان بن حرب في رحلة عودته من الشام إلي مكة، وما عزم رسول الله *صلي الله عليه وسلم* علي أحد بالخروج * كشأنه في سائر السرايا والغزوات السابقة* بل أعلن قائلاً: هذه عير قريش فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها؛ ولذا فإنه لم ينكر علي أحد من الصحابة تخلف عنه في هذه الغزوة. هذا وقد استخلف رسول الله *صلي الله عليه وسلم* علي المدينة والصلاة عبد الله بن أم مكتوم، حتى إذا كان بالروحاء رد أبا لبابة بن عبد المنذر، واستعمله علي المدينة وقد كان خروجه *صلي الله عليه وسلم* في اليوم الثامن أو الثاني عشر من رمضان للسنة الثانية من الهجرة. قوة الجيش وتنظيمه: أسرع رسول الله *صلي الله عليه وسلم* لإدراك العير، فلم يكن معه إلا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، قد اصطحبوا فرسين لا ثالث لهما، أحدهما للزبير بن العوام والآخر للمقداد بن الأسود الكندي وسبعين بعيرًا يعتقب كل بعير الرجلان والثلاثة، وقد كان رسول الله وعلي ومرثد بن أبي مرثد الغنوي يعتقبون بعيرًا واحدًا، أما لواء الجيش فكان أبيض يحمله مصعب بن عمير العبدري. وقد قسم رسول الله *صلي الله عليه وسلم* جيشه إلي كتيبتين: إحداهما للمهاجرين، ويحمل علمها علي بن أبي طالب، والأخرى للأنصار ويحمل علمها سعد بن معاذ، كما جعل علي الميمنة الزبير بن العوام وعلي الميسرة المقداد بن عمرو، وعلي الساقة قيس بن أبي صعصعة. أما القيادة العامة فكانت في يده *صلي الله عليه وسلم*. الطريق إلى بدر: سار الجيش علي الطريق الرئيسي المؤدي إلي مكة، حتي بلغوا بئر الروحاء، ثم ترك طريق مكة بيسار، وانحرف ذات اليمين علي النازية * يريد بدرًا* فسلك في ناحية منها، حتى قطع واديًا يقال له رحقان، بين النازية وبين مضيق الصفراء، ثم مر علي المضيق، ثم انصب منه حتى قرب من الصفراء، وهنالك بعث بسبس بن عمرو، وعدي بن أبي الزغباء الجهنيين إلي بدر يتجسسان له أخبار العير، وعند وادي ذفران جاءه خبر انفلات العير، وتجهز جيش المشركين وتحركه، فاستشار صحابته في الرجوع أو القتال، ثم واصل مسيره فسلك علي ثنايا يقال لها الأصافر، ثم هبط إلي بلد تدعي الدبة، وترك كثيبًا عظيمًا يسمي الحنان بيمين، حتى نزل قريبًا من بدر. النذير في مكة: "يا معشر قريش، اللطيمة اللطيمة، أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها مُحَمّد في أصحابه، لا أري أن تدركوها، الغوث الغوث"!. كانت هذه هي الصرخة التي شقت سماء مكة، الملتهبة بقيظ نهار رمضان، وقد أسرع أهل مكة نحوها، فوجدوا ضمضم بن عمرو الغفاري، الذي استأجره أبو سفيان؛ ليحذر قريشا، فتنقذ تجارتها التي معه* وجدوه واقفًا علي بعيره، وقد جدع أنفه، وحول رحله، وشق قميصه، وأخذ يصرخ بصرخته السالفة. تجهز المشركين للغزو: إن قريشًا التي لم تندمل بعد جراحاتها من سرية نخلة، قد فزعت إلي الحرب مسرعة، وهي تصيح: أيظن مُحَمّد وأصحابه أن تكون كعير ابن الحضرمي؟ كلا، والله ليعلمن غير ذلك!، وإن مُحَمّدا *صلي الله عليه وسلم* الذي خرج في قليل من أصحابه يطلب العير، تعد له الآن قريش جيشًا عرمرمًا، فمن لم يخرج من رجالها بعث مكانه رجلاً، وسوي أبي لهب لم يتخلف أحد من أشرافها، وما تقاعس عنهم بطن من بطون قريش خلا بني عدي، فلم يخرج منهم أحد، وما مضت إلا سويعات قليلة حتى كان جيش قوامه ألف وثلاثمائة مقاتل، معهم مائة فرس، وستمائة درع، وجمال كثيرة، قد بدأ مسيره، يتقدمه قائده العام أبو جهل بن هشام. لكن قريشًا بعد أن همت بمسيرها، تذكرت حربه مع بني بكر وخشيت أن تغير علي مكة في غيابها، فتبدي لها إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم *سيد بني كنانة* يطمئنهم قائلاً: أنا لكم جار من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشيء تكرهونه. فمضوا، وما علموا أن ما يكرهونه من خلفهم، قادم إليهم من بين أيديهم!. تحرك جيش المشركين: "الآن نقتل مُحَمّدا وصحبه، الآن يمحى من الدنيا وجودهم، وغدًا تعلم العرب من نكون"! يبدو أن هذه الخواطر التي جالت برؤوس قريش الفارغة، وهي تدب بأقدامها الثقيلة في صحراء الجزيرة، فيعلو في الآفاق دويها، ويرتفع في السماء غبارها الكثيف، أما السؤال الذي تردد في صدور قريش، فتعجبها: أي قوة الآن في أرض العرب تقوم لنا؟!، تحركت جموع قريش بسرعة فائقة نحو الشمال في اتجاه بدر، وسلكوا في طريقهم وادي عسفان ثم قديدًا ثم الجحفة، حيث جاءتهم رسالة جديدة من أبي سفيان تقول كلماتها: إنكم إنما خرجتم لتحرزوا عيركم، ورجالكم وأموالكم، وقد نجاها الله فارجعوا. وقد كانت هذه الرسالة سببًا لوقوع انشقاق في جيش المشركين. العير تفلت!: إن داهية قريش، أبا سفيان بن حرب ليس كعمرو بن الحضرمي وصحبه، الذين فتك بهم نفر قليل من المسلمين في سرية نخلة، فالرجل الحذر يعلم أن طريق القوافل اليوم ليس آمنًا كالأمس، وهو لذلك لا يكاد يخطو خطوة إلا وقد سبقتها حركاته الاستكشافية، وقد تقدم عيره حين اقترب من بدر، فلقي مجدي بن عمرو فسأله عن جيش المدينة فقال: ما رأيت أحدًا أنكره، إلا أني قد رأيت راكبين قد أناخا إلي هذا التل، ثم استقيا في شن لهما، ثم انطلقا. فأسرع أبو سفيان إلي روث بعيريهما، ففته فإذا فيه النوى، فأدرك أنها عير علفت بتمر يثرب، فبادر بترك الطريق الرئيسي الذي يمر ببدر، واتجه نحو الساحل، ناجيًا بالقافلة من الوقوع في قبضة جيش المدينة
يتبع | |
|
| |
المحبة للمصطفى المدير العام
عدد المساهمات : 5852 نقاط : 34110 التفاعل مع الاعضاء : 15 تاريخ التسجيل : 18/09/2010 العمر : 75 الموقع : النور المحمدى
| موضوع: رد: قصة سيدنا مُحَمّد عليه الصلاة والسلام كاملة الأحد سبتمبر 19, 2010 3:40 am | |
| الفصل الحادي عشر
غزوة تبوك
إن القتال الذي شرعه الله تعالى، وخاض معاركه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته، لهو أشرف أنواع الجهاد، فقد كان فريضة لحماية الحق، ورد المظالم، وقمع العدوان، وكسر الجبابرة، ومن ذلك غزوة تبوك والتي سنقف على تفصيلها في هذا المقال: تعتبر هذه الغزوة التي وقعت في رجب من صيف عام تسع للهجرة * استجابة طبيعية لفريضة الجهاد ، فالروم أقرب الناس إلى جزيرة العرب ، فقد قال الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار ، وليجدوا فيكم غلظةً واعلموا أن الله مع المتقين }( التوبة 123) . وقد قضى الإسلام على الوثنية في شبه جزيرة العرب ، وبقيت أمامه المجوسية في بلاد فارس والنصرانية في بلاد الشام . وتبوك تقع شمال الحجاز وتبعد عن المدينة 778 كيلا حسب الطريق المعبدة حالياً. وقد سميت غزوة "العسرة" أيضاً لما كان أصاب المسلمين من الضيق الاقتصادي وقتها . وقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على النفقة ، فسارع أغنياء الصحابة وفقراءهم إلى تقديم الأموال ، وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه أكثرهم انفاقاً على جيش العسرة فوعده رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنّة . وكان عدد الجيش ثلاثين ألفاً ، وحاول المنافقون تثبيط الناس عن الخروج ، وكان الحر شديداً ، وكان الناس يفيئون إلى ظلال الأشجار ، فكان المنافقون يستغلون ذلك لإشاعة التخاذل . كما كانوا يستأذنون النبي صلى الله عليه وسلم بالتخلف مبدين الأعذار الكاذبة .
وقد ابتنى المنافقون مسجداً قبيل الخروج إلى تبوك ، ليجتمعوا فيه مكايدةً للمسلمين ، وقد طلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة فيه ، فنهاه الله تعالى عن ذلك وسمّاه مسجداً "ضراراً" .
وقد تخلف معظم المنافقين عن الغزوة ، ومضى بعضهم مع الجيش يقتنصون الفرص للكيد والإرجاف . ولم يتخلف من الصحابة إلا عدداً يسيراً من ذوي الأعذار سوى ثلاثة لم يكن لهم عذر . ونظراً لبعد الشقة وكثرة الأعداء فقد كشف الرسول صلى الله عليه وسلم عن وجهته للمسلمين ، ليستعدوا لذلك خلافاً لنهجه في الحروب فانه لا يعلن وجهته حتى لا يصل الخبر إلى عدوه فيأخذون أهبتهم .. وقد طلب الرسول صلى الله عليه وسلم من علي بن أبي طالب أن يخلفه في أهله ، فقال علي : يا رسول الله تخلفني في النساء والصبيان ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ، غير أنه لا نبيّ بعدي " . وهكذا شأن أصحاب العقيدة ، لا يفرحون بالثمار والظلال ، بل يؤثرون الحر والظمأ والجوع في سبيل الله ، فهي غنيمتهم التي يدّخرونها لآخرتهم . قال لأبو خيثمة الأنصاري : " تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدخلت حائطاً ، فرأيت عريشاً قد رش بالماء ، ورأيت زوجتي ، فقلت : ما هذا بانصاب ، رسول الله صلى الله عليه وسلم في السموم والحرور وأنا في الظل والنعيم ، فقمت إلى ناضحٍ لي وتمرات فخرجت ، فلما طلعت على العسكر فرآني الناس ، قال النبي صلى الله عليه وسلم :" كن أبا خيثمة ". فجئت ، فدعا لي . وبلغ الأمر بالضعفاء والعجزة ممن أقعدهم المرض أو العجز عن النفقة عن الخروج إلى حد البكاء شوقاً للجهاد ، وتحرجاً عن القعود حتى نزل فيهم قرآن { ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج }رواه البخاري . ولما بلغ المسلمون تبوك أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواء الأعظم للصديق رضي الله عنه ، وحملت كل قبيلة الرايات والألوية . وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد مع عدد من الصحابة إلى دومة الجندل فأسر ملكها أكيدر بن عبد الملك الكندي ، وفتح الدومة ، وحاز غنائم عظيمة . ولم يقع قتال في هذه الغزوة سوى فتح الدومة ، إذ لم يلق المسلمون جموع الروم والقبائل العربية المنتصرة ، وآثر حكام المدن الشمالية الصلح على أن يدفعوا الجزية . وفي طريق العودة من تبوك إلى المدينة ، مر المسلمون بالحجر في ديار ثمود وهم الذين امتحنوا بالناقة فنحروها ، فأخذتهم الصيحة لعصيانهم . وقد سارع الناس إلى دخول بيوت الحجر ، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال : " لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم ، أن يصيبكم ما أصابهم ، إلا أن تكونوا باكين " ، ثم قنع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه وأسرع السير حتى أجاز الوادي ، كما نهاهم عن شرب الماء من بئرها أو الوضوء منه ، وأن يعلفوا إبلهم ما عجنوه من عجين بمائها. ولما اقترب الجيش من المدينة خرج الصبيان إلى ثنية الوداع يتلقونه ، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فصلّى في مسجده ركعتين ، ثم جلس للناس ، وجاءه المنافقون المتخلفون عن الغزوة فاعتذروا بشتى الأعذار ، فقبل منهم علانيتهم وبايعهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله ، وجاء كعب بن مالك ، وقد سبقه هلال بن أمية ومرارة بن الربيع ، وقد أقر الثلاثة بأنه لا عذر لهم في تخلفهم عن الغزوة .ولم يرضوا أن ي***وا إلى ذنب التخلف ذنباً جديداً هو الكذب ، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن الكلام مع الثلاثة ، فاجتنبهم الناس خمسين ليلةً ، وأمرت نساؤهم باعتزالهم ، فذهبن عند أهلهن إلا زوجة هلال إذ كان شيخاً كبيراً ، فبقيت لخدمته فقط بإذن من الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقد ضاقت بهم الدنيا ، وحاول ملك الغساسنة استغلال الموقف فراسل كعب بن مالك ليلحق به ، لكن كعباً أحرق الرسالة وذكر إنها زيادة في امتحانه . واستمرت المقاطعة حتى تاب الله عليهم بنزول الآية { وعلى الثلاثة الذين خلّفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب الله عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم }( التوبة 118) . لقد حققت هذه الغزوة أهدافها بتوطيد سلطان الإسلام في الأقسام الشمالية من شبه الجزيرة العربية . وكانت تمهيداً لفتوح بلاد الشام.
يتبع
| |
|
| |
| قصة سيدنا مُحَمّد عليه الصلاة والسلام كاملة | |
|