بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين..و الصلاة و السلام على سيدنا محمد اشرف خلق الله ..و على آله و صحبه و سلم.... .
إن رصد كل أعمال سيدنا الشيخ محمد بلقايد التلمساني قدس الله سره خلال يوم كامل ليس بالأمر السهل ذلك لأن وقت خلوته كانت أكثر من نظيرة في جلوته ولم يكن يحدث عن خلواته...لقد سجلنا بعض ما رأناه منه قدس الله سرّه.. عندما أكرمنا الله و جمعنا به قدس الله سرّه في بداية الثمنيات بالجمع الكبير بتلمسان وسقانا من ذلك السر الرباني’... لذا فإن ماسجل في هذه العجالة هو قليل من الكثير...فقد عرفنا من سيدنا الشيخ محمد بلقايد قدس الله سرّه ...التصوف بأنه كمال الأيمان،... فحسب ما عرفنا منه كان قدس الله سرّه متحققا بما سمعنا منه... وهذه جملة قليلة من مناقبه الشريفة ...و خصاله المنيفة... . كان سيدنا الشيخ محمد بلقايد التلمساني قدس الله سره في سيرته العادية اليومية يقسم وقته حسب ما رأيناه بين العبادة والقيام بشؤون الأهل والضيوف واستـقـبال الفقـراء والـتدريس والـمطالعة والإمامة تـراه مع هذه
المهام لا يــفــتــر عن ذكــر الله اللهم إلا إذا اضطره من جلس إليه للحديث فأما ذكره فقد كانت له وظائف خاصة خلال النهار وخلال الليل إلى الصبح ثم إلى صلاة الضحى فإذا لم يكن لديه ما يشغله فإنه ينام قليلا ثم يقوم فيستأنف نشاطه فيتعهد أفراد أسرته ويقضي مآربهم وما يحتاجون إليه مما له علاقة بمعيشتهم ثم يتوجه إلى مسجد سيدي ابن مرزوق- الكائن بشارع عيسات أدير- أين كان يشتغل إماما للصلوات الخمس لأنه اعتذر عن مهمة إمام خطيب لكون وقته لا يتسع لذلك نظرا لما تفرضه الوظيفة الربانية للتربية في الطريق وضرورة التفرغ لها، وكان يجلس في المسجد إلى من حضر من المصلين والفقراء فيجيب عن أسئلتهم في أمور العبادات والمعاملات وإذا كان من بين الفقراء مسافرين غالبا ما يصاحبهم معه إلى البيت فيطعمهم ويسقيهم ويستمع إليهم ويوجههم وهكذا عند صلاة العصر.. ثم يلتقي بالفقراء في الزواية الى مابعد صلاة العشاء. . أما التدريس فإنه كان يعقد لذلك حلقات في المسجد ويدرس علم العقائد والعبادات طبقا لمتن ابن عاشر و مختصر سيدي خليل و رسالة بن أبي زيد – أي على مذهب الإمام مالك رضي الله عنه- وكثير ما كان يذيل الدرس بمذاكرة عامة حول التصوف و رجاله وحول مناقب مشائخ السلسلة وشمائل الأئمة الكرام في الفقه والحديث .
و أما المطالعة فقد كان قدس الله سره شغوفا بها يقضي الليالي الطوال في دراسة أمهات الكتب في مختلف الفنون من سيرة وقفه وحديث وتفسير ومنطق وتاريخ فضلا على كتب الصوفية..وكثيرا ما كانت تأخذه القراءة و
يغوص مع الأفكار حتى ينادي المنادي النداء الأول لصلاة الصبح... امتاز بقوة الذاكرة و سرعة الحفظ فقد كان كثير الإلمام بثقافة العرب و كلامهم شعرا ونثرا حتى الملحون منه... خاصة قصائد السادة الصوفية..والأخص قصائد سيدي بن موسي الكرزازي..... . كان يقول قدس الله سرّه في كل جمع..:...الله يرحمنا بالمرحوم فينا وكان يقول عندما يجالس الفقراء: مرحبا بأسيادي ما عندي حتى شيء ولما تحضروا يأتي الله بالبركة... . ودعاه يوما أحد المسؤولين الكبار للغداء يوم الجمعة فقال..:... جلسة مع الفقراء عندي خير من الدنيا وما فيها... . والتقى يوما بأحد جيرانه وكان بصحبتنا فقال له ذلك الجار..: سيدي محمد إنك مع أولادك فقال قدس الله سرّه... ربي أكرمني بهم.... . وكان من تواضعه دعي يوما... وذاق مشقة السفر فقال له أحد الفقراء مشفقا عليه :أتعبناك ياسيدي...فقال قدس الله سرّه:.. لو دعيت...على كراع لأتيت..
ولما مدح بقصيدة الشيخ محمد متولي الشعراوي قال:... أحب بيت عندي فيها.... عن شيخه الهبري در كنوزه ... الخ....... . وكان كثيرا ما يطلب منه أن يتحقق ببركته شيء فيقول: لا نكذب على الله... ما أحبه الله أحببناه... .
ومن تواضعه قدس الله سرّه... كان يصلي في الخلوة مأموما وفي آخر صف ويطلب سر الفقراء.. .
و كان قدس الله سرّه يحضر بنفسه جنائز الفقراء رغم كبر سنه ..و يتحفهم بالصلاة عليهم... .
وكان يمد للفقراء نعالهم، وكان قدس الله سرّه يحب جبر الخواطر ويحث على ذلك،.. وكان قدس الله سرّه وقافا عند حدود الله معظما لشرع الله يأمر وينهي على السواء..سمعنا الشيخ سيدي عبد الحميد رضى الله عنه يقول قال سيدنا الشيخ...اذا كنا نحن لا نعمل بالشريعة فمن... و سمعنا سيدنا الشيخ محمد بلقايد التلمساني يقول بلسانه الشريف...سيف الشريعة مسلط على رقبتي.. وكان يقول: أنا أحب الذي يذكر الله ..وكان قدس الله سرّه يحب أهل العلم ويدني مجالسهم ويكرم أهل القرآن. . كان قدس الله سرّه كثيرا ما يذكر شيخه سيدي الهبري ويقول: لازلت أشهد ظله... و أحيانا تأخذه الأريحية فيهتف قائلا مستغيثا (سيدي الهبري) وكان يحرص قدس الله سرّه على غرس عظمة النبي صلى الله عليه وسلم ومحبته ومحبة آل البيت و أصحابه في قلوب الفقراء، وكان يمزح مع الفقراء كأنه أحدهم وإذا ظهر عليه الجلال هابه الجميع. . وكثيرا ما كان يردد على مسامعنا: " يا أبنائي يا أحبائي اعلموا علم اليقين أنه لا يصدق الفقير في إرادته ولا يفلح في مجاهدته حتى ينسلخ من صفات نفسه الرديئة كلها، كالحسد والعجب وحمل الضغينة على الناس و خاصة أخوك في الطريقة ..وغيرها من أمراض القلوب، وإياكم من مـحـاكـاة كلام أرباب الأحـوال و الـتعلـق بها ، فإنها تـقـطع عن السير في
الطريق. وكل مريد يحسد اخوانه الفقراء فلا يؤمل فيه خيرا لأن المحبة تقتضي أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك، فالحذر الحذر أبنائي من أمراض القلوب وآفات الأنفس، فإنها مهلكة محرقة تحجب الفقير عن غايته، وهي نذير شؤم لسوء خاتمة، الله...الله... الله... في الفقراء...، يا أحباب أحبوهم وأكرموهم...ماستقاموا على الطريقة.... . و يقول أيضا قــدس الله سرّه ...إن حسن الظن يؤدي إلى سلامة الصــدر وتدعـــيم روابط الألـــفة والمحــبة بيــن أبناء المسلميــن... امتثــالا لقــول الـــرسول الـكــريم صلى الله عليه وسلم....إياكم و الظن...فإن الظن اكذب الحديث..و لا تحسسوا..ولا تجسسوا...ونحن معنيون بحسن الظن مــن غيرنا...فلا تحمل الصدور غلا...ولا حقدا....... . ولفضيلته الكريمة قدس الله سرّه.. اهتمام خاص بالفقراء في مسألة معيشته فهو يربي في داخل الفقير الهمة الكبرى والعزة والتعفف,...يرغبنا في الكد والعمل والجد لكسب لقمة العيش ويحذرنا من الكسل والبطالة وأن نتعفف عن الناس ولا نكون عليهم عالة، ربى فينا قدس الله سرّه تحري الحلال في المعيشة لأن تحري الحلال مما يزكي الروح ويصفو به القلب لقد كان قدس الله سرّه يطرب أسماعنا بصوته الشجي ولفظه القوي :" يا أبنائي ويا أولادي الأحبة ، لا يكون الرجل من المتقين حتى يحاسب نفسه من أين مطعمه ومن أين ملبسه أهو من حلال أم حرام؟ إذا حاسب الرجل نفسه وعلم مصدر رزقه صلح جميع أمره، إياكم يا أبنائي وخضراء الدمن، لا تاستهويكم الدنيا، احرصوا على الحلال ولو كان شيء يسير.... . .
على هذا المنهج القويم سار سيدنا الشيخ قدس الله سرّه بنا نحو الصراط المستقيم، فانتفع به خلق كثير في سائر الأصقاع وجميع البقاع ممن أكرمهم الله بإتباع سيرته..
كان يحدث عن الحضور إلى الجمع كما يحدث عن الصلوات الخمس في الجماعة..و يطلب من الفقراء أن تجتمع قلوبهم وأرواحهم قبل التقاء أجسامهم وأشباحهم، يلقى أحدهم أخاه بالترحاب والاشتياق ويعانقه بخالص الود صادق، يفرح برؤيته ، ويسر بلقائه ويزداد سموا ورفعة بلقاء الأحباب... سيدنا الشيخ قدس الله سرّه نشهد انه حثنا ورغبنا على التآلف والتآخي والتحبب و التودد و التفاني في خدمة يعضنا البعض...و قد افلح من سمع و اتبع و صدق..
وكثيرا ما كان يقول قدس الله سرّه : .. أعظم أخلاق الفقراء حفظ حرمات الفقراء ، وحسن العشرة في مابينهم... وما من فقير يعظم إخوانه الفقراء كتعظيم السلاطين والأمراء إلا بلغ رتبة الكمال ، لأن من عظم فقيـــر من أجل الله تعالى عظمه الله بين الناس....... . و سمعناه يقول قدس الله سرّه... أبنائي من أحبني صدقا فليخلص في خدمة الفقراء، وليبالغ في محبتهم،.... فإن إكرامهم هو عين إكرامي لأنهم حقيقتي وذاتي.
علمنا كيف نكون دوما أخوة متحابين نتـقـاسـم اللقمة بفرح وســرور نـزور
بعضنا بعضا بانشراح وحبور ونجتمع في الزواية...أو في بيت فقير من الفقراء ونحن في غاية الرضا، امتزجت أرواحنا وتآلفت قلوبنا...نسأل الله أن نكون كذلك.
فسيدنا الشيخ يطلب من قلوبنا و أرواحنا أن تتصافح وتتعانق أجسامنا وأشباحنا لتحفنا ملائكة الرحمة وتغشانا السكينة لما نحن فيه من ذكر وقرآن وصلاة ودعاء..
هذا حال الفقير الذي يحث عنه شيخنا محمد بلقايد قدس الله سرّه عند لقاء الأحباب... أما مايحب شيخنا لفقراء ان تكون أحوال الفقير في منزله خير الأحوال وأسعدها... فبيوت الفقراء تكون بالذكر مأهولة، وألسنتهم وأزواجهم و أولادهم بالثناء والشكر مشغولة، يشكرون الله تعالى أن جعلهم من الذكراين... . و خــتاما.. نـسأل الله حســـن الخاتمة... الفقير الصادق يشعر بالمسؤولية و يحــس بــرباط روحي لا ينحـل و لو بــرمشه عـــين... بل ينمو و يزداد حتى يصبح هو مرآة شيخه ...حامل أمانة الشيخ ..و هو مكلف بأدائها بشرف اتجاه الناس عامة... و إخوانه الفقراء خاصة...