حقيقة الربانية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى من تبع هداهم إلى يوم الدين، وبعد:


إن قضية الربانية شغلت عقول العلماء وقلوب الأولياء عبر الدوائر الزمانية والمكانية المختلفة؛ فتكلموا في معانيها وأركانها وشروطها ورجالها ودرجاتها؛ فها نحن ذا نجول مع أهل الله تعالى وهم يتحدثون عن هذه المعاني، وكل إناء بما فيه ينضح، فلعلنا أن نأخذ من هذه الرشحات ما يوفقنا الله تعالى إلى التحقق بها بمنه وفضله سبحانه.
قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: الرباني: هو الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره .
فالتربية هي التدرج نحو الكمال حيث يأخذ الشيخ بيد تلميذه ويسير به في الطريق إلى الله عز وجل حتى يقول ها أنت وربك.
وقال محمد بن سوار رحمه الله تعالى: الرباني هو الذي لا يختار على ربه أحدًا سواه.
وقال سهل: الربانيون هم العالمون في الدرجة من العلم بالعلم كما قال محمد بن الحنفية لما مات عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: لقد مات هذا اليوم رباني هذه الأمة وإنما نسب إلى الرب لأنه عالم من علم.
فالعلماء ثلاث: رباني ونوراني وذاتي بلا واسطة بينه وبين الله تعالى فيه بقية من الله عز وجل.
قال علي رضي الله عنه: الناس ثلاثة: عالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق.
قال الواسطي رحمه الله تعالى: الربانيون هم الذين يملكون الأشياء ولا يملكهم شيء.
وقال الجريري رحمه الله تعالى: (كونوا ربانين): أي سامعين من الله ناطقين بالله.
وقال القشيري رحمه الله تعالى عن الربانين: هم العلماء المستهلكة حظوظهم، المستغرقون في حقائق وجوده عن إحساسهم بأحوال أنفسهم؛ ينطقون بالله، ويسمعون بالله، وينظرون بالله، فهم بالله محوٌ عما سوى الله.
ويقال: الرباني هو الذي لا تغيره محنة ولا تضره نعمة، فهو على حالة واحدة في اختلاف الطرائق.
ويقال: إن الرباني هو الذي لا يبالي بشيء من الحوادث بقلبه وسره، ومن كان لا يقصر في شيء من الشرع بفعله.
يقول البقلي رحمه الله تعالى: معنى (كونوا ربانين) أمر من الحق تعالى لأنبيائه وأوليائه أي كونوا موصوفين بصفتي كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (تخلفوا بأخلاق الرحمن).
قال ابن عربي رحمه الله تعالى: (كونوا ربانين) منسوبين إلى الرب لاستيلاء الربوبية عليهم، وطمس البشرية بسبب كونهم عالمين عاملين معلمين تالين لكتاب الله.
قال إسماعيل حقي رحمه الله تعالى: الرباني هو الكامل في العلم والعمل الشديد التمسك بطاعة الله تعالى ودينه.
قال الضحاك رحمه الله تعالى: لا ينبغي لأحد أن يدع حفظ القرآن جهده، فإن الله تعالى يقول: (ولكن كونوا ربانين) فقهاء علماء بعلم الكتاب ودرسكم إياه.
قال ابن عجيبة رحمه الله تعالى: (كونوا ربانين) أي علماء بالله، فقهاء في دينه، حلماء على الناس، تربون الناس بالعلم والعمل والهمة والحال.
وبعد هذا التحليق مع الربانيين في سماء الربانية لابد من الإشارة إلى أن الكلام عن الشيء لا يعني التحقق به، ولكن على المريد تحصيل أسباب الوصول إلى هذه الدرجات وتلك المراتب ولله الأمر من قبل ومن بعد، [وما توفيقي إلا الله عليه توكلت وإليه أنيب].


.......