هي أم المؤمنين، رملة بنت أبي سفيان، صخر بن حرب بن أمية القرشية، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أمها صفية بنت أبي العاص بن أمية، وأخواها معاوية بن أبي سفيان.. كاتب الوحي، وعتبة.. والي عمر بن الخطاب على الطائف.
وهي من بنات عم الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس من أزواجه من هي أقرب نسباً إليه منها، ولا في نسائه من هي أكثر صداقاً منها، ولا من تزوج بها وهي نائية الديار أبعد منها.
ولدت سنة 596 من التقويم الميلادي و25 قبل الهجرة، وكانت تكنى بأم حبيبة، نسبة إلى ابنتها من زوجها الأول عبيد الله بن جحش.
إيمان وهجرةكانت أم حبيبة من الثلة المؤمنة التي أسلمت مبكرا بمكة، وتربت على يد النبي صلى الله عليه وسلم، حتى أصبحت الدعوة تسري في كيانها مسرى الدم، فعاشت بها ومن أجلها.
وبعد أن اشتد إيذاء المشركين وتنكيلهم بصحابة النبي صلى الله عليه وسلم، في محاولة منهم لفتنتهم عن دينهم، لم يكن من مخرج للتعامل مع هذه التجربة القاسية وما انطوت عليه من معاناة مريرة وأحداث مروعة، سوى هجرة الأوطان وترك الديار، إلى أرض تسمح لهم بحرية العبادة، ووقع الاختيار على أرض الحبشة.
فهاجرت أم حبيبة مع زوجها عبيد الله بن جحش إلى الحبشة ليظفروا بالإيمان والأمن والأمان في ظل ملك عادل، وهكذا تحملت أم حبيبة أذى قومها، وهجرها لأهلها، والغربة عن وطنها وديارها من أجل دينها وإسلامها.
ثبات رغم المحنوما إن استقر أمرها بالحبشة إلا وابتليت بمحنة شديدة، ألا وهي ارتداد زوجها عبيد الله بن جحش عن الإسلام وتنصره، فقد روي عن أم حبيبة أنها قالت: رأيت في المنام كأن عبيد الله بن جحش بأسوأ صورة وأشوهه، ففزعت فقلت: تغيرت والله حاله، فإذا هو يقول حين أصبح: يا أم حبيبة، إني نظرت في الدين فلم أر دينا خيرا من النصرانية، وكنت قد دِنتُ بها ثم دخلت في دين محمد ثم رجعت إلى النصرانية، فقلت: والله ما خير لك، وأخبرته بالرؤيا التي رأيت له، فلم يحفل بها وأكب على الخمر حتى مات، فلم يغير تنصر ذلك من موقفها، ولم يفت من عزيمتها، وظلت ثابتة على الإسلام لا يثنيها عن منهجه شيء.
زواج كريموقد رأت في منامها ما خفف عنها بعض ما أصابها من عناء، فقد رأت من يناديها: يا أم المؤمنين، فأولته أن رسول الله سيتزوجها، فما هو إلا أن انقضت عدتها، حتى أتاها رسول النجاشي يستأذن الدخول عليها، فإذا هي جارية له يقال لها أبرهة، كانت تقوم على ثيابه ودهنه، فدخلت عليها، فقالت: إن الملك يقول لك: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إليه أن يزوجك إياه، ففرحت وقالت: بشّرك الله بخير، فقالت: يقول لك الملك وكلي من يزوجك، فأرسلت إلى خالد بن سعيد بن العاص فوكلته، وأعطت الجارية ما عندها من حلي وجواهر مكافأة لها على ما بشرتها به، وأصدقها النجاشي 400 دينار، وكان ذلك سنة 7 من الهجرة.
فكان هذا الزواج سعادة كبيرة خففت عنها ما عانته من غربة وتنصر زوجها، فقد تزوجت خير البشر محمد صلى الله عليه وسلم، وكان زواجها أيضا واحدة من محطات التحول في حياة زعيم الشرك والوثنية في قريش أبي سفيان، فحين بلغه خبر الزواج، وأن رسول الله قد غدا صهره لم يتمالك نفسه أن قال: "هو الفحل لا يجدع أنفه"، وذلك على عادته في الفخر والتعالي.
ولاء وبراءوفي سنة 8 هـ وقبل الفتح، نقض مشركو مكة صلح الحديبية بمشاركتهم في قتل خزاعة، الذين دخلوا في عهد النبي وفقا لبنود صلح الحديبية، فأرسلوا أبا سفيان إلى المدينة لعله ينجح في إقناع الرسول بتجديد الصلح، حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فدخل على ابنته أم حبيبة بنت أبي سفيان، فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم طوته عنه.
فقال: يا بنية ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش أم رغبت به عني؟
قالت: بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنت رجل مشرك نجس، ولم أحب أن تجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: والله لقد أصابك يا بنية بعدي شر.
حب الخير لغيرهاعلى الرغم مما يعرف عن النساء من غيرة شديدة على أزواجهن، حتى من أقرب الناس إليهن، إلا أن أم حبيبة رضي الله عنها، كانت تحب الخير لغيرها، فأرادت أن تشرك أختها عزة بنت أبي سفيان فيما نالته من فضل زواجها بالنبي صلى الله عليه وسلم، فعرضت على النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوجها، فقد روي عنها أنها قالت: يا رسول الله، انكح أختي بنت أبي سفيان، فقال: "أو تحبين ذلك"، فقلت: نعم، لست لك بمخلية، وأحب من شاركني في الخير أختي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن ذلك لا يحل لي". قلت: فإنا نحدث أنك تريد أن تنكح بنت أبي سلمة؟ قال: "بنت أم سلمة". قلت: نعم، فقال: "لو أنها لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي، أنها لابنة أخي من الرضاعة، أرضعتني وأبا سلمة ثويبة، فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن". (رواه البخاري).
مشاركة في الأحداثوبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، عاشت أم حبيبة رضي الله عنها ثلاثًا وثلاثين سنة، متمسكة بهديه، سائرة على سنته، عميقة الصلة بالمؤمنين جميعا، مشاركة للمسلمين في الأحداث العظمى، ففي أيام الفتنة الكبرى، ولما اشتد أذى المتمردين على عثمان بن عفان رضي الله عنه، قال الناس: لو جئتم بأم المؤمنين، عسى أن يكفوا عنه، فجاءوا بأم حبيبة بنت أبي سفيان، فجاءت على بغلة بيضاء، فلما جاءوا بها إلى الدار، صرفوا وجه البغلة حتى ردوها.
علم وفقهونهلت أم حبيبة من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت عالمة بالحلال والحرام، وظهر ذلك جليا حين جاءها نعي أبي سفيان من الشام، فدعت بصفرة في اليوم الثالث، فمسحت عارضيها وذراعيها، وقالت: إني كنت عن هذا لغنية، لولا أني سمعت رسول الله يقول: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج، فإِنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا" (رواه البخاري).
وروت أم حبيبة رضي الله عنها الكثير من الأحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وبلغ مجموع ما روته خمسة وستين حديثاً، ولها في مجموع الكتب الستة تسعة وعشرون حديثا، اتفق لها البخاري ومسلم على حديثين، وروى عنها أخواها معاوية وعنبسة، وابن أخيها عبد الله بن عتبة بن أبي سفيان، وعروة بن الزبير، وشتير بن شكل، وشهر بن حوشب، وأبو سفيان بن سعيد بن الأخنس
وهي خالته، وأبو صالح ذكوان السمان، وصفية بنت شيبة، وزينب بنت أبي سلمة.
ومن الأحاديث التي روتها أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من عبد مسلم يصلي لله كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعا، غير فريضة، إلا بني الله له بيتا في الجنة. أو إلا بني له بيت في الجنة". قالت أم حبيبة: فما برحت أصليهن بعد. (رواه مسلم).
استرضاء وتغافروحين شعرت أم حبيبة رضي الله عنها بدنو أجلها أرسلت إلى عائشة رضي الله عنها تطلب منها العفو والتغافر، فعن عائشة قالت: دعتني أم حبيبة عند موتها، فقالت: قد يكون بيننا ما يكون بين الضرائر، فغفر الله لي ولك ما كان من ذلك، فقلت: غفر الله لك ذلك كله وحللك من ذلك، فقالت: سررتني سرك الله، وأرسلت إلى أم سلمة، فقالت لها مثل ذلك.
ورحلت عن الدنيا سنة أربع وأربعين عن ثمان وستين سنة، في خلافة أخيها معاوية بن أبي سفيان، ودفنت بالبقيع، فرضي الله عنها.
رحم الله سيدتنا ام حبيبة رحمة واسعة ورضى الله عنها وارضاها
خادمتكم
المحبة للمصطفى
...
الثلاثاء مايو 08, 2012 4:39 am
