قال الشيخ نظما:
تراهُ إن غاب عنى كُلُّ جارحـــةٍ
فى كل معنى لطيفٍ رائقٍ بهــج
فى نغمة العودِ والنّاىِ الرَّخيم إذا
تــــألفا بين ألحـــان من الهَـــزَج
وفى مسارح غزلانِ الخمائـــلِ فى
برد الأصائلِ والإصباحِ فى البلج
وفى مساقط أنداء الغمــــامِ على
بِساط نَوْر من الأزهــار مُنتسِج
وفى مساحِب أذيالِ النسيم إذا
أهدى إلىّ سُحيرًا أطيب الأرج
***
عشقوا الجمال.. وتعلقوا به.. لأنهم رأوه ملمحا من جمال الله.. قطرة من فيضه.. ولمعة من نوره.
وصف الإمام المناوى فى طبقاته تعلق الشيخ عمر بن الفارض بالجمال فقال:
كان عشّاقا.. يعشق مُطلق الجمال.
وقال الدكتور محمد مصطفى حلمى فى كتابه "ابن الفارض سلطان العاشقين":
هاهى كتب التراجم المختلفة تعرض علينا صورًا عدةً من خوارق حب ابن الفارض للجمال، وبدائع انجذابه إليه، وروائع ذوقه له ووجده به وعليه.. رأى ذات مرة جملاً لسقّاء، فهام به، وصار يأتيه كل يوم ليراه.. وعشق برنية (أى إناء من الخذف) فى حانوت عطار.. وأحب النيل ومشاهدة منظره فى أمسيات أيام الفيضان إذ كان يتردد على مسجد المشتهى بالروضة كما يشير إلى جمال المكان بقوله:
وطنى مصر وفيها وطرى ولنفسى مشتهاها مشتهاها
ونقل عن الإمام ابن حجر العسقلانى قوله - فى "لسان الميزان":
كان لابن الفارض بمدينة البهنسا بصعيد مصر بيت يقيم فيه طائفة من الجوارى المغنيات الضاربات على الدفوف والشبابات.. وكان ابن الفارض يقصد إلى هذا البيت.. وهنالك يلقى بنفسه فى غمرة من غمرات السماع والرقص بما يلازمهما من حركة واضطراب.. وبما ينشأ عنهما من أذواق ومواجيد.. وما يزال كذلك حتى يبلغ غايته من الوجد.. ثم يعود إلى القاهرة.انتهى.
لم يكن مقصودهم شىء من الدنيا.. وإنما الجمال المطلق والكمال المطلق.. التوحيد المطلق.
ولقد مر بنا من قبل كلام نفيس فى هذا المعنى لأستاذ الطائفة الإمام الجنيد.. عندما سُئل عن التوحيد فقال:
- سمعت قائلا يقول:
وغنى لى من قلبى وغنيت كما غنى
وكنا حيثما كانوا وكانوا حيثما كنا
فقال السائل:
- أهلك القرآن والأخبار؟؟..
فقال الجنيد:
- لا.. ولكن الموحد يأخذ أعلى التوحيد من أدنى الخطاب وأيسره.
ها هو ذا ابن الفارض يقول:
وَحَيـــاةِ أشْــــواقى إِليـــــ
ـــكَ وحُرمة الصَّبر الجميلِ
لا أبْصَرَتْ عَيْنى ســـوا
كَ ولا صَبَوْتُ إلى خليلِ