شموس العارفين فى تقلب الساجدين ..(سيدى عمر بن الفارض)

هو العارف بالله تعالى سلطان العاشقين ، وملاذ أهل التمكين ، ومربى الفقراء والمريدين ، وموصلهم الى مقامات الانزال والتمكين ، الاستاذ شرف الدين أبو حفص عمر السعدى المحمدى الهاشمى المعروف بابن الفارض قدس الله سره وأفاض علينا من بره.

كان رضى الله عنه معتدل القامة ، وجهه جميل حسن ، مشرب بحمرة ظاهرة ، واذا استمع وتواجد وغلب عليه الحال يزداد وجهه جمالا ونورا ، ينحدر العرق من سائر جسده ، حتى يسيل تحت قدميه على الأرض ، وكان عليه نور حياء وبهجة ، وجلالة وهيبة .

وكان اذا مشى تزدحم الناس عليه ، ويلتمسون منه البركه والدعاء ، ويقصدون تقبيل يده ، فلا يمكن أحدا من ذلك ، بل يصاحفه ، وكانت ثيابه حسنة ، ورائحته طيبة .

وكان اذا حضر المجلس يظهر على ذلك المجلس سكون وهيبة ، وسكينة و وقار ، وكان يحضر مجلسه مشايخ الفقراء والفقهاء ، وأكابر الدولة من الامراء والوزراء والقضاة و رؤساء الناس ، وهم فى غاية مايكون من الأدب معه ، والانصات له ، واذا خاطبوه فكأنهم يخاطبون ملكا عظيما .

وكان ينفق على من يزوره نفقة متسعة ، يعطى من يده عطاء جزيلا ، ولم يكن يتسبب فى تحصيل شيء من الدنيا ، ولا يقبل من أحد .

قال ولده سيدى جمال الدين محمد رحمه الله :سمعت والدى يقول : كنت فى أول تجريدى أستأذن أبى ، وأطلع الى واد المستضعفين بالجبل الثانى من المقطم(1) ، وآوى فيه ، وأقيم فى هذه السياحة ليلا نهارا ، ثم أعود الى والدى لأجل بره ، ومراعاة قلبه ، وكان والدى يومئذ خليفة الحكم للعزيز بالقاهرة ومصر المحروستين ، وكان من أكابر أهل العلم والعمل ، فيجد سرورا برجوعى اليه ، ويلزمنى بالجلوس معه فى مجالس الحكم ومدارس العلم ، ثم أشتاق الى التجريد ، فأستأذنه ، وأعود الى السياحة ، وما برحت أفعل ذلك مرة بعد مرة ، الى أن توفى والدى ، وكان قبل وفاته قد اعتزل الحكم ، واعتزل الناس ، وانقطع الى العبادة الى الله تعالى بقاعة الخطابة فى جامع الأزهر زمانا ، وبعد وفاته عاودت التجريد والسياحة ، وسلوك طريق الحقيقة ، فلم يفتح على بشيء ، فحضرت يوما من السياحة الى القاهرة ، ودخلة المدرسة السيوفية ، ووجدت شيخا بقالا على باب المدرسة يتوضأ وضوءآ غير مرتب ، غسل يديه ثم غسل رجليه ، ثم مسح برأسه ، ثم غسل بوجهه ، فقلت له : يا شيخ .أنت فى هذا السن على باب المدرسة بين فقهاء المسلمين ، وتتوضأ وضوءآ خارجا على الترتيب الشرعى؟ فنظر الى وقال : يا عمر أنت مايفتح عليك فى مصر ، وانما يفتح عليك بالحجاز بأرض مكة شرفها الله تعالى ، فاقصدها ، فقد آن لك وقت الفتح ، فعلمت أن الرجل من أولياء الله تعالى ، وأنه يتستر بالمعيشة واظهار الجهل بعدم ترتيب الوضوء ، فجلست بين يديه ، وقلت له : يا سيدى ، أين مكه؟ ولم أجد مركبا ولا رفقة فى غير أشهر الحج ، فنظر وأشار بيده ، وقال :هذه مكه أمامك ، فنظرت معه فرأيت مكه شرفها الله تعالى ، فتركته ، وطلبتها فلم تبرح أمامى حتى دخلتها ذلك الوقت ، وجاءنى الفتح حين دخلتها .والى هذا الفتح أشار رحمه الله فى قصيدته الدالية بقوله :

يا سميرى روح بمكة روحى *** شاديا ان رغبت فى اسعادى

كان فيها أنسى ومعراج قدسى *** ومقامى المقام والفتح بادى

قال رحمه الله : ثم شرعت فى السياحة فى أودية مكه وجبالها ، وكنت أستأنس منها بالوحوش ليلا نهارا ، وأقمت بواد كان بينه وبين مكه عشرة أيام للراكب المجد ، وكنت آتى منه كل يوم وليلة ، واصلى بالحرم الشريف الصلوات الخمسة ، ومعى سبع عظيم الخلقة يصحبنى فى ذهابى وايابى ، وينخ لى كما ينخ الجمل ويقول : يا سيدى اركب ، فما ركبته قط ، وتحدث بعض الجماعة من المشايخ المجاورين بالرحم فى تجهيز مركوب يكون عندى فى البرية ، فظهر لهم السبع عند باب الحرم ، وسمعوا قوله : يا سيدى ، اركب ، فاستغفروا الله ن وكشفوا رؤوسهم ، واعتذروا الى .

ثم بعد خمسة عشرة سنة سمعت الاستاذ البقال ينادى : ياعمر ، تعال الى القاهرة احضر وفاتى ، وصل على ، فأتيته مسرعا فوجدته قد احتضر ، فسلمت عليه ،وسلم على ، وناولنى دنانير ذهب ، وقال : جهزنى بهذه ، وافعل كذا وكذا ، وأعط حملة نعشى الى القرافة (2) ، كل واحد منهم دينارا ، واطرحنى على الأرض فى هذه البقعة ، وأشار بيده اليها ، وانتظر ياعمر قدوم رجل يهبط عليك من الجبل ، فصل أنت وهو على ، وانتظر ما يفعل الله فى أمرى .

قال : فجهزته وطرحته فى البقعة التى أشار الى ، فهبط الى رجل من الجبل ، كما يهبط الطائر المسرع ، لم أره يمشى على رجليه ، فعرفته بشخصه كنت أراه يصفع قفاه فى الأسواق .

فقال ياعمر ، تقدم فصل بنا على الأستاذ ، فتقدمت وصليت اماما ، ورأيت طيورا بيضاء وطيورا خضراء صفوفا بين السماء والأرض ، يصلون معنا ورأيت طيرا أخضر عظيم الخلقة قد هبط عند رجليه ن وابتلعه ، وارتفع اليهم ، وطاروا جميعا ، ولهم زجل بالتسبيح بصوت مرتفع عظيم ، يطرب السامع الى أن غابوا عنا ، فسألت الرجل الذى هبط من الجبل عن ذلك .

فقال ياعمر : أما سمعت أن أرواح الشهداء فى أجواف الطيور حضر تسرح فى الجنة حيث شاءت ، هم شهداء السيوف ، وأما شهداء المحبة فأجسادهم وأرواحهم فى أجواف طيور بيض ، وهذا الاستاذ البقال منهم ، وأنا ياعمر كنت منهم ، وانما حصلت منى هفوة ، فطردت عنهم ، فأنا اليوم اصفع قفاى فى الأسواق ندما وتاديبا على ذلك .

قال سيدى عمر : ثم ارتفع الرجل الى الجبل كالطائر ، وغاب عنى .

وفى هذه البقعة التى أشار اليها الأستاذ البقال الى سيدى عمر رضى الله عنه دفن سيدى عمر حسب وصيته ، وهذه البقعة فى القرافة الشاذلية الكبرى ، تحت المسجد المبارك المعروف بالعارض ، بالقرب من مراكع موسى بسفح المقطم ، عند مجرى السيل ، وضريحه بها معروف ظاهر ، ويزار ، وما من قاصد يقصده للزيارة ،الا وتحفه الأنوار وتقضى له الحوائج ، ويقصده للزيارة سكان أهل مصر والقاهرة ، يتبركون به ، ويدعون الله سبحانه وتعالى عنده ، فيستجاب لهم ببركته ، لكمال استغراقه وشهوده حيا وميتا فى حضرة الله وحضرة رسول الله صل الله عليه وسلم .

وكانت ولادته رضى الله عنه فى الرابع من ذى القعدة سنة ست وسبعين وخمس مئة بالقاهرة ، وتوفى بها يوم الثلاثاء الثانى من جمادى الأولى سنة اثنين وثلاثين وستة مئة بقاعة الخطابة بالأزهر الشريف ، وحمل من ثم حيث مدفنه المذكور .

ومن كراماته رحمه الله ما أخبر به ولده سيدى جمال الدين محمد

قال : رأيت الأستاذ رحمه الله نائما مستلقيا على ظهره، وهو يقول : صدقت يا رسول الله ، صدق يا رسول الله ، صدقت يارسول الله رافعا صوته ، مشيرا باصبعه اليمنى واليسرى اليه ، واستيقظ من نومه ، وهو يقول كذلك ويشير باصبعه كما كان يفعل ، وهو نائم ، فأخبرته بما رأيته وسمعته منه ، وسألته عن سبب ذلك ، فقال : ياولدى ، رأيت رسول الله صل الله عليه وسلم فى المنام ، وقال لى : ياعمر : لمن تنتسب؟. فقلت : يارسول الله أنتسب الى بنى سعد قبيلة بنى سعد قبيلة حليمة السعدية مرضعتك .

فقال : لا ، بل أنت منى ونسبك ينتهى الى ، فقلت : يا رسول الله أنى أحفظ نسبى عن أبى عن جدى الى بنى سعد .

فقال : لا- مادآ بها صوته - بل أنت منى ونسبك متصل بى ، فقلت : صدقت يارسول الله ن مكررا ذلك ، مشيرا بأصبعى كما رأيت وسمعت .

قال ولده رحمه الله : والى هذا النسب الشريف أشار الأستاذ رحمه الله فى القصيدة اليائية ، حيث قال :

نسب اقرب فى شرع الهوى *** بيننا فى نسب أبوى

والذى يطالع كلام الأستاذ رحمه الله يقف على كمال استغرقه وشهوده وتمكنه من مقام القرب الأسنى ، وهو مقام قاب قوسين أو أدنى .

قال ولد الشيخ رضى الله عنه : كنت أرى والدى فى غالب الأوقات دهشا ، وبصره شاخصا ، لا يسمع من يكلمه ولا يراه ، فتارة يكون واقفا ، وتارة يكون قاعدا ، وتارة يكون مضطجعا على جنبيه ، وتارة يكون مستلقيا على ظهره مغطى كالميت ، يمر عليه عشرة أيام متواصلة وأقل من ذلك أو أكثر وهو على هذه الحالة ، ولا يأكل ولا يشرب ولا يتكلم ولا يتحرك ، ثم يستفيق وينبعث من هذه الغيبة ، ويكون أول كلامه ما يمليه من القصيدة (نظم السلوك) مافتح الله عليه ،وهذه القصيدة الغراء ، والفريدة الزهراء التى تكاد تخرج عن طوق وسمع البشر ألفاظا ومعانى هى التى أولها :

نعم بالصبا قلبى صبا لأحبتى *** فيا حبذا ذاك الشذا حين هبت

وكان رضى الله عنه جرد من نفسه شخصا سأله عن غرامه عند هبوب الصبا ، لما أذكره الهبوب شمائل ذلك المحبوب ، أو قال مجيبا بلسان الحال .

ولما قربت وفاته رضى الله عنه ، ودعاه اليه مولاه سأل الله تعالى أن يجمع عليه جماعة من الأولياء

قال الشيخ ابراهيم الجعبرى الشاذلى رحمه الله دفين باب النصر من أبواب مصر : كنت يوما بالسياحة على نهر الفرات ، وانا أخاطب روحى بروحى ن وأناجيها بتلذذى بفنائى فى المحبة ، فمر بى رجل كالبرق وهو يقول :

فلم تهون ما لم تكن فانيا *** ولم تفن ما لم تجتل فيك صورتى

فعلمت أن هذا نفس محب ، فوثبت الى الرجل ، وتعلقت به ، وقلت له : من أين لك هذا النفس؟ فقال : هذا نفس أخى الشيخ شرف الدين بن الفارض .

فقلت له : وأين هذا الرجل فقال : كنت أجد نفسه من جانب الحجاز ، والآن أجد نفسه من جانب مصر ، وهو محتضر ، وقد أمرت بالتوجه اليه ، فتبعنه الى أن دخلت على سيدى عمر بن الفارض فى ذلك الوقت وهو محتضر ، فقلت له : السلام عليك ورحمة الله وبركاته . فقال السلام يا ابراهيم ، اجلس وأبشر ، فأنت من أولياء الله تعالى ، واعلم يا ابراي أنى لما احتضرت سألت الله أن يحضر وفاتى وانتقالى اليه جماعة من الأولياء ، وقد أتى بك أولهم أنت منهم ، قال الشيخ ابراهيم : ثم رأيت الجنة قد تمثلت له ، فلما رآها قال : آه .وصرخ صرخة عظيمة ، وبكى بكاء شديدا ، وتغير لونه وقال :

ان كانت منزلتى فى الحب عندكم *** ما قد رأيت فقد ضيعت أيامى

أمنية ظفرت روحى بها زمنآ ***واليوم أحسبها أضغاث احلام

فقلت له يا سيدى : هذا مقام كريم .فقال يا ابراهيم ، رابعة العدوية تقول وهى امراة : وعزتك ما عبدتك خوفا من نارك ، ولا رغبة فى جنتك ، بل كرامة لوجهك الكريم ، ومحبة فيك ، وليس هذا المقام الذى كنت أطلبه ، وقضيت عمرى فى السلوك اليه . قال : ثم بعد ذلك سكن قلقه ، وتبسم وسلم ، وودعنى ، وقال لى : احضر وفاتى وتجهيزى مع الجماعة ، وصل على معهم ، واجلس عند قبرى ثلاثة أيام بليالهن ، ثم بعد ذلك توجه الى بلادك. قال سيدى ابراهيم : ثم اشتغل عنى بمناجاة ومخاطبة ، فسمعت قائلا يقول بين السماء والأرض أسمع صوته ولا أرى شخصه .قال عمر ، فما فما تروم؟ قال :

أروم وقد طال المدى منك نظرة *** وكم من دماء دون مرماى طلت

ثم بعد ذلك تهلل وجهه ، وتبسم وقضى نحبه فرحا مسرورا ، فعلمت أنه قد أعطى مرامه ، وكنا عنده جماعة كثيرة ، فيهم من أعرفه من الأولياء ، وفيهم من لا أعرفه ، ومنهم الرجل الذى كان سبب المعرفة ، وحضرت غسله وجنازته ، ولم أرى فى عمرى جنازة اعظم منها ، وازدحم الناس على حمل نعشه ، ورأيت طيورا بيضاء وخضراء ترفرف عليه ، وصلينا عليه عند قبره ، ولم يتجهز حفره الى آخر النهار ، والناس مزدحمون عليه ، وذلك لما كنت أنظره بما فتح الله على من الكشف الى الروح المقدسة المحمدية ، وهى تصلى اماما وأرواح الانبياء والملائكة والأولياء من الجن والانس يصلون عليه مع روح رسول الله صل الله عليه وسلم طائفة بعد طائفة ، وأنا أصلى مع كل طائفة الى آخرهم ، حتى اذا انتهت الصلاة تجهز القبر ، وصارت الناس تتعجب من ذلك ، ولكن من فتح الله بصيرته شاهد سر ما هنالك .

قال الشيخ ابراهيم الجعبرى رضى الله عنه : أقمت عنده بعد الدفن ثلاثة أيام بليالهن ، وانا أشاهد من حاله ما لم تحتمله العقول ، ثم توجهت الى بلدتى جعبر ، وكانت هذه السفرة أول دخولى مصر ، ولسان الحال يقول :

جزاك الله عن ذا السعى خيرا *** ولكن جئت فى الزمن الأخير

رضى الله عنه وأرضاه وقدس سره

زائر

رضي الله عن سيدي عمر بن الفارض وقدست اسراره الشريفة

ما كل هاته الانوار والاسرار التي اثلجت قلوبنا بها اخي الفاضل الهبري عن سلطان العارفين سيدي عمر بن الفارض رضي الله عنه

انهم حقا اهل الله واولياؤه وخاصته

بارك الله فيك اخي وزادك من علمه ونوره

كله من نورك ونورك ساداتنا ومشايخنا واخواننا فى هذا المنتدى الطيب ، والفقير فى خدمة أحباب الله وأهله
أسعدنى مرورك أختى ولك منى كل معانى الاخاء والمودة فى الله

آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه يا سيدي الهبري

اتقبلوا احبابي هذه الهدية ...ولنزور معا سلطان العاشقين رضوان الله عليه

ولي عودة يا سيدي لموضوعك المبارك

يا لائماً لامني في حبهم سفهاً = كف الملام فلو أحببت لم تلـــــــم

تسلم الأيادى الندية على هذه الهدية سيدتى رابعة
نورتي صفحتى وعطرتها بالمسك والعنبر

لى سادة من عزهم ** أقدامهم فوق الجباه

ان لم أكن منهم فلى ** فى حبهم عز وجاه

شرح ماجاء بين قوسين فى الموضوع :
المقطم (1):هو الجبل المشرف على القرافة مقبرة الفسطاط مصر القاهرة ، وهو جبل ممتد من أسوان وبلاد الحبشة على شاطئ النيل الشرقى حتى يكون منقطعه طرف القاهرة ويسمى فى كل موضع باسم .معجم البلدان

القرافة (2) :مقبرة أهل مصر وبها أبنية جليلة ومحال واسعة وسوق قائمة ومشاهد للصالحين وترب للاكابر

» شموس العارفين(سيدى ابراهيم الدسوقى)
» شموس العارفين (سيدى أحمد البدوى)
» من ديوان سلطان العاشقين سيدى عمر بن الفارض رضى الله عنه
» قصة سيدى أحمد البدوى مع سيدى شمس الدين اللبان رضى الله تعالى عنهما
» مسجد سيدى على المطهر بن سيدى على زين العابدين رضى الله عنه