وما قصة العبد الصالح وهوسيدنا الخضر عنكم ببعيد فهي أكبرشاهد ودليل على قولنا فقد كان الخضر يتصرف في الكون يميناً وشمالا فخرق السفينة وقتل الغلام وبنى جدار اليتيمين وقال بعد ذلك ومافعلته عن أمري فدل على أن الله قد جعل له تصريفاً في كونه وأمره بفعل ذلك والا فلماذا يرسله الله ليفعل تلك الاشياء الم يكن الله قادراً على أن يفعلها وحده الم يكن قادراً على تكليف الملائكة لانجاز هذه المهام نعم يفعل الله مايشاء ويختار
بل ماخفي أعظم فلو استمر سيدنا موسى معه لكشف لنا الكثير والكثير كما قال صلى الله عليه وسلم وحتى لا نعطي صلاحية القدرة الإلهية لما يريده عز وجل بعقولنا القاصرة ينبغي علينا أن نتمعن في ما صنعه العلم الحديث فأنت في مكانك ترى وتسمع وتخاطب العالم كله باجهزة صنعها كافر فكيف بصنع العليم الحكيم؟
وعن قصة الخضر هذه قال فيها بعض العلماء ان تصرف سيدنا الحضر كان أمرا باطناً لا ظاهراً والا لما كان رضي اصحاب السفينة للخضر ان يخلع من سفينتهم الالواح ليفسدها لهم وهم ينظرون ولم يحكي لنا القران اي رد فعل لاصحاب السفينة فدل ذلك على ان سيدنا الخضر تصرف فيها باطناً وهم لايشعرون وكذلك امر قتل الغلام وبناء الجدار على هذه الوتيرة
وقصةسيدنا عيسى عليه السلام من أنه كان يحي الموتى ويبرئ الاكمه ويبرئ الابرص ويخبر الناس بما يدخرونه في بيوتهم ويخبرهم بما طعموا من قبل والي غير ذلك من الافعال التي لايفعلها الا الله تعالى
. فاذا كانت في حق سيدنا عيسى معجزة , كانت في حق الولي كرامة كما نص على ذلك العلماء حينما قرروا أن كل ما جاز أن يكون معجزة لنبي جاز أن يكون كرامة لولي.
وكذلك ماورد في القران الكريم من ان سيدنا ابراهيم عليه السلام كان يدعو الموتى فتستجيب له وتاتيه سعياً قال تعالى (ثم أدعهن ياتينك سعياً ) مع الملاحظ ان الذي يدعو هو سيدنا ابراهيم عليه السلام
وهاهو العلامة إبن الجوزي يروي لنا قصة سيدنا موسى عليه السلام وكيف قتل قارون فقد أمر سيدنا موسى الارض ان تاخذه وتبتلعه فأمرها قائلاً (يا أرض خذيه) فابتلعته بقصره وخزائنه واستجابت الارض لأمره عليه السلام .
فامر سيدنا موسى الارض ولم تعصي أمره
وكذلك ما رواه الامام الحافظ ابن كثير عن امير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب وأمره لنيل مصر ان يفيض ففاض واستجاب لامره حينما كتب له عمر ابن العاص كتابا في القصة المعروفة فكتب له سيدنا عمر ابن الخطاب خطابا قال فيه (بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عمر بن الخطاب ، أمير المؤمنين ، إلى نيل مصر .السلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته .
أما بعد فإن كنت تفيض من عندك فلا تفض وان كنت إنما تفيض من عند الله ففض
وأمر عمرو بن العاص أن يلقيها في النيل ، ففعل وفاض النيل ، وأبطلت من يومئذ تلك العادة السيئة فشاهدنا هنا من هذه القصة هو أمر سيدنا عمر لنيل مصر ان يفيض واستجابة النيل لامر الخليفة الذي هو من اكابر الاولياء وفاض .
ويحكي لنا القران قصة ذي القرنين يقول سبحانه وتعالى إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا) وكيف أن الله سخر له الأرض لتطوى لها فيبلغ مغرب شمسها ومطلعه
ثم يقول سبحانه قلنا يا ذاالقرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا
فهل ذو القرنين هو الذي يعذب وانظر إلى رد ذي القرنين
قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا
فهل أشرك ذو القرنين عندما جعل له عذابا ولله عذاب ... كيف هذا ؟؟
ولماذا فوضه الله وأوكل اليه الامر في ان يعذب أو لا لماذا تركه يتصرف بمايشاء كيف شاء نعم يفعل الله مايشاء ويختار وهذا تفويض واضح وجلي لأنه رجل مأمون.
وقد يقول المعترض اذا كان الاولياء يتصرفون في الكون فماذا تركوا لله تعالى ان يفعله
الجواب من وجهين
الأول ان هذه الافعال هي حقيقة لله تعالى وهو الذي فعلها ولم يكن لهم الا ظهورها على أيديهم فقط فهم سبب والله المسبب فلامكان للاعتراض
الثاني لنسأل المعترض سؤلاً
قد ورد ان سيدنا جبريل عليه السلام هو الموكل بانزال الوحي وكذلك بعض العذاب على أهل الارض وكان قد خسف بقوم سيدنا لوط عليه السلام
وسيدنا ميكائيل موكل بالارزاق وانزال الامطار - وهناك ملك موكل بالجبال لو أمرها لاطاعته وكان قد استشار النبي صلى الله عليه وسلم في ان يطبق الاخشبين على من كذبه فرفض الحليم صلى الله عليه وسلم
وان سيدنا عزرائيل هو الذي يقبض الارواح فيخرجها من البدن فيصبح البدن بعدها جثة بالية وان منكرا ونكيرا يسألان الميت في قبره - وان اسرافيل هو الذي ينفخ في الصور ليقوم الناس يوم البعث - وأن مالكا خازن للنيران ورضوان خازن للجنان وهنالك زبانبة يعذبون اهل النار وان رقيبا وعتيدا هم الذين يقومون باحصاء الحسنات والسيئات وهنالك ملك موكل بارسال الرياح في الكون وغير ذلك من افعال الملائكة الكثيرة .
فماذا تركوا هؤلاء لله تعالى ليفعله اخبرني ماذا تركوا وهل هذا تصريف مع الله أم تصريف باذن الله
سبحان الله رب العالمين وكما يقال هنا في حال يقال في حق الاولياء
فاذا قلت ان الفاعل لكل هذه الاشياء وغيرها هو الله سبحانه وتعالى وانما اجراها على ايديهم فقط قلنا لك كذلك الامر عند الاولياء ولافرق بين الامرين فكلاهما خلق لله تعالى وهو على كل شيء قدير
وان قلت بخلاف ذلك فقد وقعت في المحظورالذي لاتحمد عاقبته ؟!
والغريب في الأمر ان المعترض يرى بنفسه انه متصرف في هذه الحياة وانه يمكنه فعل الكثير من الأفعال وان الحكام والملوك والرؤساء يتصرفون في بلادهم كيفما أرادوا فنجدهم يقلدون المناصب العليا من وزارات وسفارات لاحبابهم المقربين لديهم وينزعزون الحكم عن من أرادوا نزعه ويقتلون البعض ويعتقلون البعض الاخرفي السجون والمعتقلات .. ويصدرون القرارات ويسنون القوانيين في البلاد والي غير ذلك من التصرف الظاهر وغير خفى على احد
فان قال المعترض بان هؤلاء يتصرفون بقدرتهم من دون الله كفر وإن قال بالقوة المودعة تفسق وإن قال ان هذه الافعال افعال لله أجراها على ايديهم فقط. قلنا كذلك مايظهر على أيدي الانبياء والاولياء فهو ايضاً من هذا القبيل ولايتعداه قال تعالى (والله خلقكم وماتعملون) صدق الله العظيم
فكيف تثبت تصريفا لاهل الظاهر وتنكر تصريف أهل الباطن والكل مخلوق وليس فيهم خالق
فلو قال المعترض ولكن اهل الظاهر يتصرفون بماجعله الله عادة لهم ولغيرهم في الدنيا ! وتصرف الاولياء ليس عادة عندنا !.
قلنا له ان الله قادر على خرق العادات للانبياء والاولياء وكيف لا وهو رب العادات وخوارق العادات فتصريف الاولياء في الكون من باب الكرامات وطرق العادات، و(الكرامة) امر خارق للعادة يظهره الله على ايدي الاولياء كما هو معروف.
وان مثل هذه المرتبة العظيمة التي يبلغها الاولياء انما هي ثمرة الطاعة التامة والمحبة الخالصة لله تعالى والتي اذا وصلها اطاعته الاشياء لطاعته التامة لله تعالى وأيضا لأنهم ورثة رسول الله صلى الله عليه وسلم في علمه وحلمه والتخلق باخلاقه والتأسي بسنته حقيقة لا اكتفاءا ببعض الظواهر خديعة للعوام.
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (4/376- 377) متحدثاعن الحديث القدسي فقال
(وقد جاء فى الاثر (ياعبدى أنا أقول للشىء كن فيكون أطعنى أجعلك تقول للشىء كن فيكون يا عبدى انا الحى الذى لا يموت أطعنى أجعلك حيا لا تموت (وفى أثرأن المؤمن تأتيه التحف من الله من الحى الذى لا يموت الى الحى الذى لا يموت )فهذه غاية ليس وراءها مرمى كيف لا وهو بالله يسمع وبه يبصر وبه يبطش وبه يمشى فلا يقوم لقوته قوة). اهـ.
كما نجد ان ابن تيمية يجسد هذا المعنى ايضاً (أي معنى التصريف) في موضع اخر من مجموع الفتاوي ويوافق السادة الصوفية - فقال في الجزءالرابع صفحة379 في حديثةعن المقارنةبين الملائكةوبني ادم .
[وقد قالوا : ان علماء الادميين مع وجود المنافي أحسن و أفضل , ثم هم في الحياة الدنيا وفي الاخرة يلهمون التسبيح كما يلهمون النفس واما النفع المتعدي والنفع للخلق وتدبيرالعالم فقد قالوا هم تجري ارزاق العباد على أيديهم وينزلون بالعلوم والوحي ويحفظون ويمسكون وغيرذلك من أفعال الملائكة
الجواب: أن صالح البشرلهم مثل ذلك وأكثرمنه ويكفيك من ذلك شفاعة الشافع المشفع في المذنبين وشفاعته في البشركي يحاسبوا وشفاعته لأهل الجنة حتى يدخلوا الجنة ثم بعد ذلك تقع شفاعةالملائكة وأين هم من قوله(وما ارسلناك إلارحمة للعالمين) [الانبياء: 107] واين هم من الذين(يؤثرون على أنفسهم ولوكان بهم خصاصة)[الحشر 9
وأين هم ممن يدعون الي الهدى ودين الحق ومن سن سنة حسنة وأين هم من قوله صلى الله عليه وسلم إن من امتي من يشفع أكثر من ربيعة ومضر وأين هم من الأقطاب والاوتاد والاغواث والابدال والنجباء]اهـ
ابن تيمية جعل هنالك من يتصرف في الكون بإذن الله
والشواهد في ذلك كثيرة وأقوال العلماء والعارفين أكثر فلا داعي للإطالة أكثرمن ذلك
فالأوليا هم مكرومون في الدنياء والاخرة ولهم مايشاءون عند ربهم من كرامات وتصريف وغير ذلك فكل ذلك على الله يسير, فالفاعل هو الله حقيقةً وانما كان ظهورها على ايديهم تشريفاً وتكريماً قال تعالى ( يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم) .
وكيف لا والحديث القدسي يقول في حقهم ((كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها , ورجله التي يمشي بها , ولئن سألني لاجيبنه , ولئن استعاذني لاعيذنه)).
اذا علمت هذا علمت أن تصرف الاولياء والاقطاب في الكون وأنهم تجري على ايديهم الارزاق وغير ذلك , فاعلم أنه بقدرة الله وارادته وأنهم لايفعلون شيئا في الكون الا ما أراده الله وقدره
ولهذا يقول الحافظ جلال الدين السيوطي ان تصريف كل وليّ حيا وميتا على مقتضى القدرة الأزلية والعلم القديم انما هو تابع لتصريف المصطفى وبأذنه وهو بأذن الله)اهـ
كما ان هذا الامر أي (التصريف) قد أخبر به المئات بل الالوف من عدول هذه الامة من أكابرالاولياء والعارفين والصديقين ممن يصعب تكذيبهم واجتماعهم على الكذب وحاشاهم ان يقع منهم مثل ذلك وماهو ادنى من ذلك وكيف لانصدقهم في أمر جائز عقلاً ونقلا وشرعا ولايخالف سنة ولا إجماعاً بل دلت عليه النصوص الواضحات .
كما يجب على المسلم ان يجعل له كفل من الإيمان بالغيب حتى يدخل في من جاء مدحهم في القران الكريم قال تعالى (الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاةومما رزقناهم ينفقون)صدق الله العظيم
ولايكذب كل من لم تره عينه ولم يشاهده فؤاده فاذا آمن الشخص بماشاهده فلايكون ذلك ايمانا بالغيب وانما إيمان بماهو مشاهد، ويحذر من الذين قال الله فيهم ( بل كذبوا بما لم يحيطوا به علما). والسلام
.....................................................