المحبة للمصطفى المدير العام
عدد المساهمات : 5852 نقاط : 34108 التفاعل مع الاعضاء : 15 تاريخ التسجيل : 18/09/2010 العمر : 75 الموقع : النور المحمدى
| موضوع: نعمة الستر الجميل الخميس ديسمبر 09, 2010 3:14 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
لا ريبَ أنَّ سترَ العُيوبِ.. نعمةٌ من نِعَمِ الله الجليلةِ على عِبادِه؛ فلو أنه عزَّ وجَلَّ أبْدَى عُيُوبَ الخلقِ لفَضَحَهم وهَتَك أسْتارَهم وكَشفَ عوراتهم؛ ولكنه جلَّ جلالُه أرحمُ الراحِمين، ويُمهِلُ العاصي والشاردَ والغافل؛ فلا يريد أن يَفضَحَ عِبادَه؛ بل يريدُ أن يتوبَ عليهم ليتوبوا (إن الله هو التوَّابُ الرحيم). فإن تابوا وأنابوا عفَا عنهم وصفح، فغَفرَ سيئاتهم وتجاوز عن هفواتِهم.
وصاحبُ الحياء من الله ومن الناس.. يعلمُ رحمةَ الله الواسعة في إخفاءِ الذنوبِ وسَترِ العيوب، ويقدرها حقَّ قَدرِها؛ فالله أرحمُ بالعَبدِ من نفسِه؛ فكم مِن مَوضعٍ للمعصيةِ تهافتَ العبدُ عليه ورمَى الأخرقُ نفسَه فيه؛ سَترَه الله عزَّ وجلَّ عليه! وقد قارفَ المنكرات وأوقعَه هَواه في الزلاتِ!
ولولا فضلُ الله ورحمتُه؛ لصارَ كثيرٌ من الأنقياءِ مَفضُوحِين بين الناس؛ تتبعُهم الهمزاتُ والطعنات، وتُلاحِقُهم اللعناتُ وتقذفهم أصابعُ الاتهامِ بالحق والباطل! فالعاصي إذا انكشفَ أمرُه ضاقَتْ عليه الأرضُ بما رَحُبَت، وتبرَّأ منه الأقربُون وتجنَّبَه الناسُ أجمعون، كما قال طرفة بن العبد لَما تجهَّمَه قومُه وقاطَعُوه:
وأُفرِدْتُ إفرادَ البعيرِ المُعَبَّدِ!
فسَترُ العُيوبِ عِبرةٌ لِلعَبدِ الآبِق.. أن يعودَ إلى ربِّه الذي سَترَ عليه؛ فلم يفضَحْه ولم يهتكْ سِترَه. أفلا يستحي العبدُ من ربِّه أن يستره بكنفِه ويحفظَ عِرْضَه؛ وهو مُصِرٌّ على إسخاطِ ربِّه الذي يستره؟!
ومن رحمةِ الله عزَّ وجلَّ بِخَلقِه.. أنه نَهَى العبدَ أنْ يَهتكَ سِترَه بِنَفسِه، كما روى البخاري في باب (ستر المؤمنِ على نفسِه) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كلُّ أمتِي مُعافًى إلا المجاهِرين، وإنَّ من المجاهرةِ أن يعملَ الرجلُ بالليلِ عملا، ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان عملتُ البارحةَ كذا وكذا؛ وقد بات يسترُه ربُّه ويُصبِحُ يكشفُ سِترَ الله عنه)!
ومن لطفِ اللهِ ورحمتِه الواسعة؛ أنه لم يقصر هذا الستر على العبدِ في الدنيا فحسب؛ بل شملت رحمتُه الدنيا والآخرة، كما روى البخاري رحمه الله أن رجلا سأل ابنَ عمر: كيف سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى؟ قال: (يدنو مِن أحدِكم ربُّه حتى يَضعَ كَنَفَه عليه فيقول: عَملتَ كذا وكذا؟ فيقول: نعم، ويقول: عملتَ كذا وكذا؟ فيقول: نعم؛ فيقرِّره، ثم يقول: إني سترتُ عليك في الدنيا؛ فأنا أغفِرُها لك اليوم!). وفي رواية: (أتعرفُ ذنبَ كذا وكذا؟) وفي رواية أخرى: (اقرأ صَحِيفتَك فيقرأ، ويقرِّره بذنبٍ ذنبٍ. ويقول: أتعرف؟ أتعرف؟)
والعبد.. هو العبد.. في معرفةِ ذنوبِه وإشفاقِه من الكبارِ قبل الصغار، كما جاء في حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إني لأعلم آخرَ أهلِ الجنّة دخولاً الجنّة وآخر أهل النار خروجاً منها: رجل يؤتى به يوم القيامة. فيقول: اعرضُوا عليه صِغارَ ذنوبِه. فيقال: عملتَ يومَ كذا وكذا كذا وكذا، وعملتَ يومَ كذا وكذا كذا وكذا. فيقول: نعم، لا يستطيعُ أن يُنكِرَ وهو مُشْفِقٌ من كبارِ ذُنوبِه أن تُعرَض عليه. فيقال له: فإنَّ لك مكانَ كلِّ سيئةٍ حسنةً. فيقول: رب قد عملتُ أشياءَ لا أراها هاهنا. فلقد رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ضحك؛ حتى بَدَتْ نَواجِذُه).
وقد روى ابن أبي حاتم عن مكحول قال (جاء شيخ كبير هرم قد سقط حاجباه على عينيه فقال: يا رسولَ الله رجل غدر وفجر ولم يدع حاجة ولا داجة إلا اقتطفها بيمينه؛ لو قسمت خطيئته بين أهل الأرض لأوبقتهم؛ فهل له من توبة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أأسلمتَ؟ قال: أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله. فقال صلى الله عليه وسلم : فإنَّ الله غافرٌ لك ما كنتَ كذلك ومبدلٌ سيئاتِك حسناتٍ، فقال: يا رسول الله وغَدَراتي وفَجَراتي؟ فقال: وغَدَراتك وفَجَراتك! فولَّى الرجلُ يُكبِّرُ ويُهلِّل).
فلو أنصفَ العبدُ، وتذكَّرَ ما عنده من الغَدَرات والفَجَرات؛ وستر الله عليه؛ لأدرك سعةَ رحمةِ الله وعظمةَ نعمتِه عليه؛ ولتاب وأناب، وأنشد مع القحطاني رحمه الله:
أنتَ الذي صوَّرْتَنِي وخلَقْتنِي
وجعلتَ صدري واعِيَ القرآن!
وجبرتَنِي وسترتَنِي ونَصَرتنِي
وغمرتَنِي بالفَضلِ والإحسانِ!
وزَرعتَ لي بين القلوبِ مودةً
والعطفَ منك برحمةٍ وحنانِ!
ونشرتَ لي في العالمين مَحاسناً
وسترت عن أبصارهم عصياني!
وجعلتَ ذكري في البريةِ شائعاً
حتى جعلتَ جميعَهم إخواني!
والله لو علموا قبيحَ سريرتي
لأبى السلامَ عليَّ من يلقاني
ولأعْرَضُوا عنِّي ومَلُّوا صُحبتي
ولَبُؤتُ بعد كرامةٍ بهوانِ!
لكن سَترتَ مَعايِبِي ومَثالبي
وحلمتَ عن سَقَطي وعن طُغياني
فلك المحامدُ والمدائحُ كلها
بخواطِري وجوارِحي ولِساني
..... | |
|