هو أبو العباس سيدى أحمد بن على بن ابراهيم بن محمد بن أبى بكر الصالح العارف المجذوب ، المعروف بالاستاذ أبى الفتيان الحسينى النسب ، الطاهر الحسب ، العلوى الملثم ، المعروف المشهور.
عرف بالبدوى لكثرة ما كان يتلثم ، وهو حفيد من أحفاد الرسول صل الله عليه وسلم ويرجع نسبه الشريف الى الامام جعفر الصادق بن محمد الباقر بن على بن زين العابدين بن الامام الحسين بن الامام على كرم الله وجهه.
وقد هاجر أهله وأجداده من الحجاز سنة 73 هجرية بعد استشهاد الامام الحسين من الهجرة المعروفة للأسرة الهاشمية من آل بيت النبى صل الله عليه وسلم هاربين من بطش الأمويين ، وقد استقر المطاف بأسرة السيد أحمد البدوى فى المغرب حتى نهاية القرن السادس الهجرى ، وهو القرن الذى شهد ميلاد السيد أحمد البدوى عام 596 هجرية فى مدينة فاس المغربية ، الا أن أسرته التى اعتادت على الاضطهاد قد خرجت باليل من فاس هربآ من بطش دولة الموحدين فى المغرب ، وعادت الى مسقط رأسها مكة المكرمة
وفى مكة المكرمة نشأ السيد أحمد البدوى وتعلم العلوم وفقه أحكام المذهب الشافعى ، وقد كان مشهورآ بين أقرانه بعد أن حفظ القرآن الكريم ودرس الفقه الشافعى ثم هاجر الى بغداد عام أربعة وثلاثين وست مئة هجرية ، وقد واجه الامتحان الأول والعسير فى العراق حيث كانت هناك امرأة ذات حسن وجمال تسمى فاطمة بنت برى ، وقد شغف بها رجال كثيرون من علية القوم ومن ذوى الحسب ، وقد سقطوا امامها صرعى لفتنتها وجمالها الأخاذ الذى حرك القلوب وأزاغ العيون.
وعندما قابلها السيد البدوى أقرت بولايته واتبعت بعد ذلك طريق الشرع والتزمت الحق ، وقالت : اشهدوا أنى أستغفر الله .. وكان لقاء بدوى بفاطمة بنت برى شهادة له بالولاية وأنه قطب أقطاب عصره ، وعبد ذلك عاد الى مكة وظل فى عبادة دائمة .
وروى أنه ذات ليلة وهو نائم رأى رؤية " سر الى طندتا (طنطا) فى مصر فانك تقيم فيها وتربى رجالآ " ..وكان أوشك الأربعين من عمره ، فاستجاب لهذا النداء ورحل الى مصر واستقر فى طنطا عام سبعة وثلاثين وست مئة للهجرة فى أواخر دولة الأيوبيين.
وكان أول بيت نزل فيه بطنطا منزل الشيخ (ركين الدين) ، وكانا قد تحابا فى الله حين زار الشيخ ركين الدين مكة المكرمة ، وبعد وفاة ركين الدين انتقل البدوى الى دار ابن شحيط.
وقد لقب ب(السيد) لنسب الشريف الذى تعود أصوله الى الذرية الصالحة لأهل بيت رسول الله صل الله عليه وسلم.
كما لقب (بالفراج) لأنة هو الذى قال :الفقراء كالزيتون فيهم الصغير والكبير ومن لم يكن له زيت فأنا أساعده فى جميع أموره وقضاء حوائجه لا بحولى وقوتى ، ولكن ببركة النبى صل الله عليه وسلم تقضى حاجات الفقراء. من هنا أطلقوا عليه لقب باب المصطفى صل الله عليه وسلم ، كما سمى (العطاب) لكثرة الأضرار التى لحقت به طوال حياته.
وقد كانت كنيته (أبو الفتيان) فهو من أهل الفتوة والقوة الجسدية والروحية أيضآ ، فلم يكن فى مكة فى زمنه من هو أشجع منه أو أقوى منه ، واتفق المؤرخون على أن فى أجداد البدوى من الأئمة الاثنى عشرية تسعة أئمة هم :
الامام على كرم الله وجهه ، والامام الحسين والامام زين العابدين والامام محمد الباقر والامام جعفر الصادق والامام موسى الكاظم والامام على الرضا والامام محمد الجواد والامام على الهادى.
وقد قال عنه الشيخ عبد العزيز الدرين :"انه بحر علم لا يدرك له قرار ، وصار واحدآ من تلاميذه وأتباعه ومريديه الذين لا يتركونه أبدآ ، حيث كان هؤلاء الأتباع عابدين ساجدين ذاكرين يقرؤون القرآن العظيم فى معظم أوقاتهم ، ويتعلمون من السيد البدوى علوم الفقه ولاشرع الحنيف ، وبسبب دروسه الدينية والروحية استطاع أن ينجح فى تأسيس رجال أشداء أقوياء أتقياء ، وهم الذين حاربوا وجاهدوا وقاتلوا وكافحوا وناظلوا ضد الغزاة الفرنسيين ، وقد كان على رأسهم السيد البدوى امامهم ورائدهم ،وقد استطاعوا هزيمة الفرنسيين وأسر القائد الشهير لويس التاسع ملك فرنسا ، والتحفظ عليه فى بيت ابن لقمان بالمنصورة ، فلولا دوره العظيم فى تأسيس هؤلاء الرجال لكان لحملة لويس التاسع وللتاريخ رأى آخر وقول مخالف لما هو عليه الآن.
وللسيد البدوى أتباع لهم شان عظيم بين قومهم فقد كان الامام الشعرانى رحمه الله يقول : ان الظاهر بيبرس كان يعتقد فيما يقال عن السيد البدوى من بطولات ومآثر كثيرة وكبيرة ، حتى لنه كان يذهب اليه فى مقره بطنطا بل وينحنى أمامه ليقبل يده ويستشيره فى مجريات الأمور العسكرية.
والسيد البدوى كام بدينآ ضخمآ طويل القامة غير بائن ، عظيم الوجه كث اللحية ، سهل الخدين ، قمحى اللون قريب الى البياض ، أكحل العينين أقنى الأنف وبوجهه حبات من أثر الجدرى ، وصوته خافض غير جهورى ، لا تأخذه فى الحق لومة لائم ، وكان كثير قيام الليل .
من أقوله الشهيرة :
*كلما حسنت أخلاق المريد حسن ايمانه ، ولا معنى أن يتخلق المرء بخلق ولا يعمل به.
*يجب الرضى والتسليم بحكم الله ، وهذا هو الصبر.
اياك وحب الدنيا ، فأنه يفسد العمل الصالح كما يفسد الخل العسل ، واعلم أن الله يقول "ان الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون".
*أشفق على اليتيم ، واكس العريان ، وأطعم الجوعان ، واعطف على الغريب ، وأكرم الضيف عسى أن تكون عند الله من المقبولين ، واعلم أن كل ركعة باليل خير من ألف ركعة بالنهار.
*طريقنا قائمة على الكتاب والسنة ، وما خالف ذلك فهو مدسوس لابد من الحذر منه.
*لا تتعلق بدنيا وراع الاحسان فى العمل ، وابعد عن الشح بالعطاء.
*استمر فى ذكر الله ولاتغفل عن ذكر الله ، ولا تكن سيء الخلق فى المعاملة.
*الزم الصدق دائما.
*كن صافى النفس والقلب حسن الوفاء حافظا للعهد.
*الزهد لا يتحقق الا بشيئين : بترك الشهوات ، وترك سبعين بابآ من الحلال مخافة الوقوع فى باب الحرام.
*البداية بالتوبة هى الندم والاقلاع على الذنوب ، والاستغفار منها مع العزم والتصميم بالبعد عم كل مايغضب الرب.
نهدى هذا العمل الى روح شيخنا وسيدنا أحمد البدوى قدس الله سره وأعاد علينا من أنفاسه وأنواره وبركاته وأفاض علينا