بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله العظيم الأعظم ، والصلاة والسلام على النبي الأكرم وعلى آله وصحبه ينابيع الحكم ؛ المُمِدُّون الهمم من خزائن الجود والكرم .
وبعد فيقول خادم الفقراء إبراهيم بن سلامة بن حسن الراضي الشاذلي : " أن الحب جذبة من الحق يجذب بها قلب عبده إليه ؛ فلا يطيق الصبر عنه فهو هائم مشتاق يذكره ؛ ويميل إلى كل ما يحبه ويطلب رضاه في كل وقت ، وهذه الجذبة قد تكون نوراً ملكوتياً روحانياً ؛ أودع في قلب ذلك العبد ؛ وكلما اشتد ذلك النور ازداد الحُب ؛ وصاحب هذا المقام أو هذا الحال يكون غريق الحب ؛ في نور الملكوت الروحاني فهو لم يكشف له عن جمال محبوبه ولم يصل إلى المشاهدة ؛ ولكن قد يزيد حبه حتى ينسى نفسه بمحبة ربه ؛ فيكون فانياً في محبته ؛ ولكنه لم يخرج عن دائرة الإمكان في شهوده " .
فإذا أراد الله أن يرفعه إلى مقامات الشهود في حال فنائه عن نفسه ؛ أشهده من حيث الخيال { عَالَم الخيال والمثال } فيكون كهيئة النائم ؛ يرى ربه يضرب من المثال كمن يرى السلطان في منامه ؛ فيؤول بأنه رأى ربه في المنام ؛ وهذا ليس من باب المثْل بل هو من قبيل ضرب المثَل ؛ وليس لله مثْل ولكن له المثَل ؛ وللأولى : ليس كمثْله شيْىء ، وللثانية : ولله المثَل الأعلى ، وهذه رؤية من خلف حجب الأكوان ؛ لا يعني أن الأكوان حَجبت الحق عنك بل الأكوان حجبتك ؛ فلم تنظر الحق من شدة ظهوره ؛ وله قوله () : { اعْبُد ربَّك كأنَّك تَرَاهُ ... } فقد فتح لك باب الخيال ؛ فتكون كالنائم يرى ربه في نومه يضرب المثل ؛ فإذا أراد الله أن يرفعك إليه به لا بك تلاشيت أنت وخيالك ورؤياك ومشاهدتك الأولى ؛ وتجلى الحق عليك بنوره فقبلت منه على قدرك لا على قدره هو وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [ 91 : الأنعام ] ـ وذلك رحمة منه بك ؛ إذ لو تجلى لك بأزيد من قدرك لتلاشيت بالكلية ؛ ولم تكن البتة والوجود أفضل من العدم فكان التجلي بقدرك منه ورحمة ؛ فتلوح لك أنوار إلهية قديمة ظهرت لك في فضاء التجلي ...
وكلما قوَّى الحق عين بصيرتك وصارت قابلة لفيض التجلي ؛ شهدت من أنوار التجليات بقدرك حتى تجد السموات والأرض والعرش والكرسي وجميع العوالم غائبة في وسع قلبك الإيماني . { لَمْ يَسَعْنِي أَرْضِي وَلاَ سَمَائِي وَوَسِعَنِي قَلْبَ عَبْدِيَ الْمُؤْمِن } ولو طرح العرض وما حواه في قلب العارف ما أحسه به ـ فعليكم أيها الأحباب : أن تقتفوا آثار سادتنا ؛ وأن تتحلوا بالتقوى ظاهراً وباطناً ؛ وأن تتوجهوا وتتعرضوا لنفحات ربكم ؛ وأن لا تقفوا مع ذم الخلْق ومدحهم ؛ وأن تجتمعوا على محبة الله ورسوله () { فَإِنَّهُ لَا إِيمَان لِمَنْ لَا مَحَبَّة لَهُ } وأن تتجمَّلوا بآداب سادتنا () ؛ فقد اتصفوا بمكارم الأخلاق ومحاسنها ؛ إذا جاءهم جاهل علموه ، أو منكسر جبروه، أو فقير أعانوه ، أو معتذر قبلوه ، أو رأوا مقصِّراً نصحوه ، أو مقطوعاً وصلوه ، أو طالباً شوَّقوه ، أو غير ذائق أذاقوه ، أو محسناً شكروه ، أو متكبراً تركوه ؛ أو راغباً في الدنيا زهدوه ؛ أو الكبير في السن وقروه ؛ أو صغيراً رحموه ؛ أو محباً نفحوه ؛ أو سمعوا اللهو جوهروه ؛ أو رأوا مسيئاً لهم سامحوه ؛ أو مجادلاً لم يجادلوه ؛ أو عدوا لم يعادوه ؛ أو منتقداً لهم لم ينتقدوه ؛ أو عائباً لم يعيبوه ؛ ومن تركهم لم يتركوه ؛ ومن حُسب عليهم حملوه ..
سيدي إبراهيم سلامة الراضي
قدس الله سره وأمد نوره